في شهر ذي القعدة من عام 1377هـ (يونيو 1958م)، نشرت القافلة استطلاعاً مصوَّراً بعنوان “النهضة العمرانية الحديثة في الرياض” بقلم رئيس التحرير آنذاك، الأستاذ عبدالعزيز مؤمنة، جاء في مقدِّمته: “الرياض اسم جميل يروي قصة من أروع البطولات التاريخية.. الرياض نقطة انطلاق في تاريخ النهضة الحديثة التي عمَّت أرجاء الجزيرة العربية”.
من النادر ألَّا تجد في أي عددٍ من أعداد الصحف والمجلات السعودية، التي استهلّ صدورها منذ بداية القرن العشرين، استطلاعاً أو خبراً يرصد ويتابع المشروعات التي تجري في مدن المملكة وقراها. فهذه صحيفة أم القرى مثلاً؛ أول صحيفة صدرت في المملكة، تتحدَّث بالتفصيل في صفحاتها الأربع وقتئذٍ عن “خطوات الإصلاح والعمران التي تشهدها المملكة” في عدد الجمعة 9 أغسطس 1935م. وبعد 87 عاماً، تنوّه في عددها ليوم الجمعة 4 فبراير 2022م بالصفحة الأبرز التي بدأت منها المسيرة التنموية للبلاد على مدار التاريخ؛ وهو قرار اعتماد يوم 22 فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم (يوم التأسيس)، اعتزازاً بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها منذ عهد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون. وهي بذلك تذكِّرنا، وكذلك تفعل الوسائل الإعلامية السعودية الأخرى، بهذه الصفحة المشرقة من صفحات التاريخ السعودي.
وما هذا التتابع المتصل لمثل هذه الأخبار والتغطيات الإعلامية إلا دليل على أن ثَمَّة جديداً دائماً ليقال عن التطوُّرات التنموية في البلاد، وأن تاريخ الدولة السعودية يتميَّز بالتجدُّد في مراحله الحضارية والزخم في معطياتها. ولذا، كان على الوسائل الإعلامية بوصفها شاهدة على المعرفة مواكبة هذه الأحداث بالتدوين والتسجيل والنقل، بالإضافة إلى دورها في تنمية المجتمع والإسهام في التنشئة الاجتماعية والثقافية.
والفريد في خبر قرار يوم التأسيس وأهدافه هو ذلك الارتباط الوثيق بمفهوم الاعتزاز، والإحساس بهذا الشعور المرتبط بالإنجازات ومعاني الفخر والأصالة، وفي رمزية هذا اليوم، ودلالات العُمق التاريخي والحضاري والثقافي للمملكة.
هذا الشعور عُزِّز بمجموعة من الجذور الراسخة، من أبرز ملامحها مدينة الدرعية؛ المدينة التي مثلت دوراً محورياً في تاريخ المملكة بوصفها عاصمة الدولة السعودية الأولى، والتي أسهمت في إرساء دعائم الدولة وأسس العقيدة منذ نشأتها، بالإضافة إلى كونها مركزاً للعلم والمعرفة والتنوُّع الثقافي منذ تأسيسها.
أما الدرعية وهي المدينة نفسها التي أضحت اليوم منطقة مشروعات تنموية وثقافية كبرى تجري فيها وفي ضواحيها، ومَعلماً ثقافياً عربياً ودولياً بارزاً، تجلَّى في اختيارها من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “ألكسو” لتكون عاصمة للثقافة العربية لعام 2030م، وذلك بعد أن أصبح أحد أحياء هذه الواحة، حي الطُّريف، مسجلاً ضمن قائمة التراث العالمي باليونسكو في 2010م.
وهكذا، فإن هذا التكامل المتواصل والنشط بين التنمية والثقافة والإعلام في تاريخ المملكة وحاضرها يمثل تجربة جديرة بأن تُقرأ ونحن نحتفي بالصفحة الأولى المشرقة لبلادنا.
اترك تعليقاً