مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2021

“الدبلجة” بالذكاء الاصطناعي


المَعاب الأكبر في تعريب حوار الأشرطة المصوّرة اليوم، هو أن حركة شفاه الممثلين على الشاشة لا تتفق مع الصوت المُعرَّب [يستخدمون في هذه المهنة كلمة: المُدَبلَج، من الكلمة الفرنسيّة: doublage] الذي يسمعه جمهور المشاهدين. 

ويؤدِّي هذا الأمر إلى اختلال، حين يسمع هذا الجمهور شيئاً، لكنه يشاهد شيئاً آخر. وهذا المَعاب يمكن تصحيحه بواسطة الذكاء الاصطناعي، من خلال تطبيقٍ جديد يحوِّر حركات وجه الممثل، بطريقة ثلاثية الأبعاد، لتناسب الصوت “المُدبلَج”.

وقريباً جداً، سيصبح بإمكان المرء أن يشاهد روبرت دي نيرو، مثلاً، وهو يتحدّث العربية بطلاقة في الأفلام الجديدة، وفي القديمة أيضاً. وبالفعل، حُوِّر باستخدام هذه التقنيّة أحد الأفلام الكلاسيكية، “سائق التاكسي” (Taxi Driver) لهذا الممثل الشهير. ففي النسخة الألمانية من الفِلْم، يتحدّث دي نيرو الألمانية بطلاقة، مع حركات شفتين ووجه تناسب صوت الكلام.

لقد صنعت هذه التطبيق شركة “فلولس” (Flawless)، وهي شركة مقرّها المملكة المتحدة. وأحد أصحاب الشركة المؤسِّسين هو المخرج السينمائي سكوت مان، الذي كان في غاية الحنق حيال أوضاع صناعة ترجمة حوار الأفلام (dubbing industry)، التي يرى مان أنها تُفسد المُشاهَدة. 

ففي مهنة ترجمة حوار الأفلام، تقليدياً، يُضطر المترجمون إلى تبديل الحوار في محاولتهم تنسيق الصوت المترجَم مع حركات فم الممثل المتكلّم. ويمكن لهذا أن يبدّل كثيراً في النبرة، أو حتى في معنى مشهد معيّن، أو أن يبدِّل، مع توالي المَشاهِد، معنى الفِلْم كله في النهاية. وبدلاً من ذلك، قد يلجأ المترجمون إلى صرف النظر عن تنسيق الترجمة مع حركة شفاه الممثل المتكلِّم، ويلتزمون الترجمة الأقرب إلى نص الحوار الأصلي، وبذلك يسبّبون خليطاً غير متناسب بين المرئي والمسموع، فيشعر المُشاهِد بأن الأمر غير طبيعي.

يعالج الذكاء الاصطناعي كلتا المشكلتين معاً. فهو يتيح دقّة الترجمة، من غير التضحية بأداء الممثلين في الوقت نفسه. 

وتعمل هذه التقنية بتسجيل صورة تعابير وجه الممثل الأصلية، وكذلك تعابير وجه المتكلِّم بالترجمة، في الأستوديو. ثم يُستخدَم هذان التسجيلان لتصميم نموذج ثلاثي الأبعاد يضمّ صورة وجه الممثل الأصلي، مع صورة شفاه ممثل الترجمة. ثم يُطبَّق نموذج الأبعاد الثلاثية هذا على صورة وجه الممثل الأصلي، في الفِلْم.

لقد عولجت مشاهد من بعض الأفلام، مثل فِلْمي “بضعة رجال طيّبين” (Few Good Men)، و”فورّست غامب” (Forrest Gump)، ببرنامج فلولس للذكاء الاصطناعي في ترجمة الحوار، وهذه المشاهد متاحة على الشبكة الدولية، لأغراض عرض المثال. 

وفي المستقبل قد تصبح هذه التقنيّة الممارَسة المعهودة في الصناعة السينمائية. وبإمكاننا اعتبار هذا التطور التقني تطبيقاً مبكراً للميتافيرس المقبل. 


مقالات ذات صلة

في عام 2077م، شهد معظم سكان أوروبا كرة نارية تتحرك في عرض السماء، ثم سقطت كتلة تُقدّر بألف طن من الصخور والمعادن بسرعة خمسين كيلومترًا في الثانية على الأرض في منطقة تقع شمال إيطاليا. وفي بضع لحظات من التوهج دُمرت مدن كاملة، وغرقت آخر أمجاد فينيسيا في أعماق البحار.

نظرية التعلم التعاضدي هي: منهج تتعلم عبره مجموعة من الأفراد بعضهم من البعض الآخر من خلال العمل معًا، والتفاعل لحل مشكلة، أو إكمال مهمة، أو إنشاء منتج، أو مشاركة تفكير الآخرين. تختلف هذه الطريقة عن التعلم التعاوني التقليدي، فبين كلمتي تعاون وتعاضد اختلاف لغوي بسيط، لكنه يصبح مهمًا عند ارتباطه بطرق التعليم. فالتعلم التعاوني التقليدي […]

حتى وقتٍ قريب، كان العلماء مجمعين على أن الثقافة هي سمةٌ فريدةٌ للبشر. لكن الأبحاث العلميّة التي أجريت على الحيوانات، منذ منتصف القرن العشرين، كشفت عن عددٍ كبيرٍ من الأمثلة على انتشار الثقافة لدى أغلب الحيوانات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلفّ تعبير الثقافة، حسب وصف موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفيّة، هناك شبه إجماعٍ بين العلماء […]


0 تعليقات على “الدبلجة بالذكاء الاصطناعي”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *