مدينة “نيوم” آمنة من الزلال
يقع مشروع مدينة “نيوم”، أو مدينة المستقبل الجديد، الضخم والعابر للحدود، في شمال غرب المملكة العربية السعودية على مساحة 26.5 ألف كيلومتر مربع، بالقرب من الحدود مع دولتي الأردن ومصر.
ومن المعروف أن هذه المنطقة تقع في الطرف الجنوبي من فالق البحر الميت المعرَّض للزلازل. وتَشَكَّل هذا الفالق، وكذلك فالق البحر الأحمر جنوبه، بسبب التباعد بين الصفيحة التكتونية الإفريقية والصفيحة العربية بعضهما عن البعض الآخر منذ حوالي 50 مليون سنة. وقد كانتا ملتصقتين قبل ذلك، ولا يزالان يبتعدان بمعدل سنتيمترٍ واحدٍ كل سنة.
يمتد فالق البحر الميت ما يقرب من 1200 كيلومتر من البحر الأحمر شمالاً إلى تركيا، وتُظهر السجلات المكتوبة أنه تسبب بعددٍ من الزلازل المدمرة على مدار 2000 عام الماضية. ومع ذلك، كانت هناك دراساتٌ قليلةٌ للزلازل في هذه المنطقة القليلة السكان، حيث يلتقي خليج العقبة بالبحر الأحمر.
ويقول في هذا الصدد عالِم الجيوفيزياء سيجورجون جونسون من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية: “تحظى هذه المنطقة الآن باهتمام كبير من قِبل المملكة العربية السعودية لأنها تبني مدينة نيوم المستقبلية الضخمة بالقرب من خليج العقبة. ويريدون أيضاً بناء طريق الملك سلمان الذي يعبر الخليج إلى شرم الشيخ. في عام 1995م، ضرب زلزال بقوة 7.2 درجة شمال الخليج. سيكون تأثير زلزال بهذا الحجم تحت المعبر المقترح كارثياً، لذلك من الضروري أن يفهم المهندسون الخطر الزلزالي في المنطقة”.
للإسهام في هذا الجهد المطلوب، قادت خينغ لي ونيكولاس كاسترو – بيردومو، من فريق جونسون، دراستين منفصلتين عن حركة الصفائح حول خليج العقبة. استخدم كلا الطالبين الجيوديسيا، أو قياسات شكل ومساحة الأرض، عبر الأقمار الاصطناعية؛ وهو إطار عالمي لقياس الموقع الدقيق للنقاط على الأرض. من خلال مراقبة كيفية تحرك النقاط المرجعية على السطح بمرور الوقت، يمكن للجيوفيزيائيين دراسة تشوُّه الصفائح التكتونية، وملاحظة مدى سرعة تراكم الإجهاد والضغط حول خطوط الفالق. يقول بيردومو: “إن تقدير مدى سرعة تراكم الطاقة المرنة يعطينا معلومات مهمة عن مدى تكرار الزلازل ومدى حجمها”.
استخدم بيردومو شبكةً تضم أكثر من 40 محطة لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على الأرض حول خليج العقبة وصمم التشوه التكتوني من مواقعهم في سنة 2015 و2017 و2019م.
على العكس من ذلك، استخدمت خينغ لي صور الرادار ذات الفتحة التركيبية المتداخلة (InSAR)، التي تنتجها الأقمار الاصطناعية، والناتجة عن إشارات الرادار المرتدة عن سطح الأرض، لقياس حركة الصفيحة التكتونية. ومع ذلك، فإن صور InSAR من الأقمار الاصطناعية التي تدور في مدار قطبي لا تلتقط الحركة بين الشمال والجنوب. لكن توضِّح لي: “من خلال التركيز على المناطق التي تتداخل فيها صور القمر الصناعي، حيث تلغي بعض الإشارات العادية بعضها الآخر، يمكننا استرداد التبدل الحاصل بين الشمال والجنوب”. فقد استخدمت لي أكثر من 300 صورة أقمار اصطناعية تم جمعها بين عامي 2014 و2020م لإنشاء ملفات تعريف متعدِّدة بطول 160 كيلومتراً لحركة الصفائح حول الخليج.
وجدت كلتا الدراستين أن الجانب العربي من الفالق يتحرك بثبات باتجاه الشمال بسرعة حوالي خمسة مليمترات في السنة. ومع ذلك، فقد لاحظوا سرعة أقل قرب الفالق جنوب الخليج، التي نسبوها إلى ترقق قشرة الأرض هناك، وبالتالي تقليل الاحتكاك تجاه البحر الأحمر. وقال بيردومو بعد أن استخدم النماذج الحالية لتشوُّه القشرة الأرضية لتفسير ملاحظاتهم: “يشير التفاوت في السرعة القريبة من الصدع إلى أن الصدع الجنوبي يمكن أن ينزلق بثبات دون أن ينتج عنه زلازل كبيرة”.
أثبتت كلتا الطريقتين أنهما موثوقتان، ومع ذلك تظل عمليات المسح عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) تتطلب عمالة كثيفة ومكلفة. لكن تقول لي: “لقد وجدنا طريقة فعالة ومنخفضة التكلفة لجمع كميات هائلة من البيانات التي تمكِّننا من حساب الإزاحة الأفقية حتى ولو كانت بطيئة جداً على طول الفالق من الشمال والجنوب، دون القيام بأي عمل ميداني”. وعلَّق قائد الفريق سيجورجون جونسون على هذه النتائج بقوله: “هناك عدم يقين داخل كل طريقة. لكن حقيقة أن كلتا الدراستين خلصتا بشكل مستقل إلى أن خطر الزلازل ينخفض باتجاه الطرف الجنوبي للخليج، يعزِّز النتائج بشكل كبير. كما يشير تحليل حديث للنوى الرسوبية التي تم جمعها من قاع الخليج إلى أن الزلازل الكبيرة كانت أقل تواتراً تاريخياً عند نهايتها الجنوبية”.
المصدر:
لماذا يصعب على البعض أن يكونوا سعداء
على الرغم من ازدهار صناعة العقاقير المهدئة والمعالجات النفسية، التي يغذيها البحث في علم النفس الإيجابي، تستمر معدَّلات القلق والاكتئاب وإيذاء الذات في الارتفاع في جميع أنحاء العالم. فهل محكوم علينا أن نكون غير سعداء، على الرغم من هذه التطورات في صناعة العقاقير وعلم النفس؟
وكما يبدو، فقد اعتمدت هذه الصناعة على دراسات عديدة سابقة كانت استنتاجاتها شبيهة بدراسة شهيرة نُشرت في دورية “ريفيو أوف جنرال سايكولوجي” 2005م، ونتيجتها أن %50 من سعادة الناس تتحدَّد من خلال جيناتهم؛ و%10 تعتمد على ظروفهم الخاصة؛ و%40 على “النشاط المتعمَّد”، أي إذا كان المرء إيجابياً أو سلبياً. الخلاصة هي: إذا كنت غير سعيدٍ، فهذا يتعلق بتركيبتك الجينية. والمغزى: نحن باستطاعتنا معالجتك. لكن الأبحاث الحديثة تُجمع على أن علم النفس الإيجابي لا يعمل مع جميع الناس؛ لأن كل واحدٍ منا هو فريد تماماً كحمضه النووي. وعلى هذا النحو، لدينا قدرة مختلفة لنكون سعداء طوال الحياة.
الطبيعية مقابل التنشئة
تنحو معظم الأبحاث الحديثة لاعتبار الطبيعة والبيئة ليستا مستقلتين عن بعضهما بعضاً. فعلم الوراثة الجزيئي الحديث، يُظهر أن بعضها يؤثر على البعض الآخر. على سبيل المثال، الشخصية الانفتاحية، التي تنتقل جينياً من الآباء إلى الأبناء تساعد الأطفال على بناء مجموعات صداقتهم.
على حدٍّ سواء، البيئة تُغيِّر التعبير الجيني. على سبيل المثال، عندما تعرَّضت أمهات حوامل للمجاعة، تغيَّرت جينات أطفالهن وفقاً لذلك، مما أدى إلى تغيراتٍ كيميائيةٍ أدت إلى كبت إنتاج عامل النمو. أدى ذلك بدوره إلى ولادة أطفال أصغر من المعتاد ولديهم حالات مثل أمراض القلب والأوعية الدموية.
لذلك فإن الجواب عن سؤال ما إذا كان يمكن للناس أن يصبحوا أكثر سعادة يعتمد على “حساسيتهم البيئية”، أي قابليتهم للتغيُّر. قد يكافح بعض الناس أكثر من غيرهم لتحسين رفاههم، وقد يعني هذا الكفاح أنهم سيظلون غير سعداء لفترات أطول. وفي الحالات القصوى، قد لا يشعرون أبداً بمستويات عالية من السعادة.
قابلية للتغيير
مع ذلك، فإن الآخرين الذين لديهم مرونة وراثية أكبر، يعني أنهم أكثر حساسية للبيئة، وبالتالي لديهم قابلية متزايدة للتغيير، قد يكونون قادرين على تعزيز رفاههم، وربما حتى يزدهروا إذا تبنوا أسلوب حياة صحي واختاروا العيش والعمل في بيئة تعزِّز سعادتهم وقدرتهم على النمو. فعلم الوراثة وعلم النفس الإيجابي وصناعة العقاقير لا تحدِّد من نحن، حتى لو كانت تلعب دوراً في التخفيف من مشكلاتنا؛ ما يهم هو الخيارات التي نتخذها بشأن المكان الذي نعيش فيه، ومن نعيش معه وكيف نعيش حياتنا، والتي تؤثر على سعادتنا وسعادة الأجيال القادمة.
المصدر:
اترك تعليقاً