أقول شعراً

مَنْ يكتب مَنْ..

الشاعر أم القصيدة؟

استمع للقصيدة

SAUDI SPEACHINGباعتقادي أن خيوط النص تشرع في حياكة بعضها قبل تشكُّل الشاعر ككائن لغوي. وما هذه المرحلة الأخيرة إلا عملية استنطاق غيوم الذاكرة التي تلبدت في فضاء لم يعد يحتمل المراوحة أو المراوغة. ففي إحدى تجليات توفيق الحكيم تحت عنوان (في بيتنا موهوب) أرى أن هذه الأيقونة التي تسللت (غزالة) من حظيرته إلى محمية ذاكرتي منذ وقت مبكر عبر خطوات قراءاتي الأولى والخداج لمعالجة مناخ عاشه طفلاً ليعيد تدويره لاحقاً كفكرة منفتحة على مديات أوسع، أراها تختصر ما أريد لساقيتي أن تثرثر به لفضح حديقة النص هذا، من خلال ثيمة أشبه بنقطة ارتكاز شبكة عنكبوتية وبتكثيف لافت للحظتها الزمانية والمكانية (هنا …) بشفرتي مروحتها (هنا كنت …، هنا لم تكن …) منشطراً النص خلالها عبر محطاته التي زارها (عابر سبيل)، كفصل من سيرة ذاتية لاتذهب في المغامرة بعيداً لأن غايتها النهائية تعرية الواقع لا الذات. فهي أشبه ماتكون بالصورة الفوتوغرافية التي تعنى بالمحيط ليس بالمادة.
«هنا..»

1
هنا … كنت من غيمة ملعبي
هنا كنت أنقش بالطين ذكرى الذين عبرت بمينائهم شهقة المتعـب
هنا كنت أغـري (الصبايا) اللواتي تلاعـبن بي
هنا كنت أرقـب أمي تطحـن مـن حـنطة العمر شيئاً
لترسمه في المساء رغيفاً …. فأسأل
ماذا سيبقى لنا بعدما يأكل البحـر حـصته، والنوارس حصتها ياأبي؟
هنا كنت أرقبها وهي تغـزل شالاً لفاتنة سوف تسرقني من يديها إذا ما اكتملت كقارورة العطر ليلاً، وبعثرت أسرارها كالنبي
هنا كنت أحصي الغزالات حين يضئن الدروب القديمة شعراً
ويغـزلـن بالحزن ذاك الصبي
هنا …. كثيرون مرت حكاياهم من هنا
خربشات على حائط الروح
كم تركوا خصلة من قصاصات أحلامهم
حين لاحت لهم غـيمة فارتدوها مناماً إلى حلم أرحـب

2
هنا … لم تكن أنت
من نقـشته القوابل حـرزاً عـلى كفها
ثم رشـته في بركة الدرب (صبحاً) لليل الحداة
هنا لم تكن أنت
من عـقـدوا في جبينك (شمساً) وأهدوك لليم يرسم دربك ماء الجهات
هنا لم تكن أنت
من شد مرزامه الغيم في ساعـديك وأوحت إليك الجرار التي أوكلتْك مفاتيحها
كي تراودها كيفما شئت … نافلة … أو صلاة
هنا … لم تكن أنت
وجه الغـريب الذي كان أخطأني ظله ذات مسرى
وقد كان يولم لي كلما مر لكنه اليوم أومأ لي
حول الطرف عـنا إذا جئت صوب الحمى ياغـريب
فالعيون التي خضبتك أسنتها أمس مشرعة كالفلاة
فلماذا زرعتك في الطين قافية عطرها من رحيق الفساتين
لكن ألحانها من نشيد الحفاة
ولماذا تشكلت لي قمراً سادراً في ليالي الشتاة
ولماذا تخاتلني كلما رحت أدعك ذاكرتي (نخلة) !
سرها تاه في ذكريات النواة
أي هاذا المقيم بروحي ترجَّل
فقد أدرك الشوط غايته
والجياد الأصيلات أتعبها الانتظار
ووحدي أنا واقف بين شوطين
هذا يريد ابتكار الحياة،
وهذا يجيد ارتكاب الحياة .

أضف تعليق

التعليقات