ذاكرة القافلة

جازان قبل نصف قرن

تصفح المقال كاملاً

N_16618_14تضمَّن عدد القافلة لشهر يونيو 1971م، استطلاعاً مصوراً حول جازان بقلم سليمان نصر الله، لمناسبة تدشين سد وادي جازان. ومن الاستطلاع الذي صدر في 12 صفحة نختار مقتطفات تصوِّر ما كانت عليه المدينة ومنطقتها آنذاك..

جازان اليوم
شتان بين جازان الأمس واليوم.. هي اليوم مدينة آخذة بأسباب التقدم والتطور، فبينما كان معظم بيوتها من العشش المخروطية الشكل حتى العقدين الأخيرين من هذا القرن، نجدها الآن تشهد حركة عمرانية واسعة، فقد نسقت طرقاتها ووسعت، ورصفت شوارعها وأنيرت.

أما من الناحية الإدارية فمدينة جازان تضم الإمارة المركزية، ويتبعها 29 إمارة فرعية موزعة في قرى المنطقة الرئيسة، كما تضم الإدارات الحكومية المختلفة من أمن، وزراعة، وصحة، وتعليم، وتجارة، ومواصلات، وعدل، ومالية، وعمل. وتوجد فيها الفنادق وفروع البنوك وفرع مؤسسة الخطوط الجوية السعودية.

N_16618_16وقد كانت جازان في الماضي تعاني قلة مياه الشرب، فكان الأهالي يعتمدون على الآبار والأحفار التي كانوا يحفرونها على مقربة من المدينة، إلا أن ماءها غالباً ما يكون ملحاً. ومن أهم هذه الآبار بئر اسمها «العميرية» تقع على بُعد 9 كيلومترات إلى الشرق من جازان. ثم تم حفر أربع آبار ارتوازية في مكان يُقال له «الماطري»، وأنشئ خزان ضخم على مقربة منها، وجلب ماؤها إلى جازان بوساطة ثلاثة خطوط من الأنابيب متوسط قطر الواحد منها 25 سنتيمتراً. كما أنشئ في المدينة أربعة خزانات لتوزيع المياه على المنازل، وبذلك سدت حاجة هذه المدينة من الماء بصفة دائمة. وكان لهذا أثره العظيم في إنعاشها واتساع عمرانها وانتشار الرخاء فيها.

وأول ما يطالع المقبل على مدينة جازان من ناحية المطار، حي «المطلع»، وهو مدخل المدينة، حيث يسير في شارع الملك عبدالعزيز الذي تنتشر على جانبيه الحوانيت والمقاهي التي تغص بروادها في المساء يشربون الشاي الممزوج بالشمطري، إلى أن يواجهه مبنى البلدية القابع في أعلى شارع الملك فيصل الذي يتجه غرباً، إلى أن يفضي إلى الميناء. ويُعد هذا الشارع قلب المدينة النابض، إذ تقوم على جانبيه المحلات التجارية.

N_16618_15فإذا ما شعر بالتعب من التجوال بين حوانيت البزازين، وما أكثرهم في هذا الشارع، فما عليه إلا أن يسلك شارع «مصلى العيد» الذي يبدأ من مكتب الإمارة، ويتجه جنوباً إلى حي الجبل الذي يحتضن أبنية جميلة، من بينها قصر الأمير تركي السديري، والد الأمير الحالي للمنطقة. في هذه المنطقة يلحظ سوقاً للأواني الفخارية وأخرى للمظلات «قبعات الخوص» والحصر والمفارش وسجاجيد الصلاة والحبال والزنانيل المصنوعة من السعف، وبعض النباتات والحشائش كالحلفاء والطفي والصافي والمشل وغيرها. ويشتهر أهالي منطقة جازان بصنع قبعات الخوص التي يرتديها الفلاحون منهم لتقيهم غائلة الحر اللافح في فصل الصيف، ويتراوح ثمن الواحدة منها بين خمسة ريالات وعشرين ريالاً، تبعاً لنوعها وشكلها وطريقة صنعها. وعلى مقربة من هذه السوق يرتفع جبل الملح الذي تقوم عليه بعض منازل المدينة. ولقد قامت بعثة كندية بحفر تلك المنطقة، فعثرت على كميات كبيرة من الملح تُقدَّر بنحو 500 مليون طن. وتوجد هذه الكميات في طبقات تمتد إلى عمق عشرين متراً تحت سطح الأرض، وتجري في الوقت الحاضر دراسات واسعة لاستغلال هذه الثروة الضخمة بالأساليب الحديثة. ويقوم الأهالي حالياً بتفتيت صخور الملح بطرق بدائية وتعبئتها في أكياس من الخيش يباع الواحد منها بأربعة ريالات لأهل جازان والقرى المجاورة. ومن هناك تصافح ناظريك «قلعة الدوسرية» تتربع على جبل وسط المدينة وتطل على الميناء، وهي قلعة تركية على الأرجح.

N_16618_19ويشتهر أبناء جازان بصناعة قوارب صيد الأسماك وخاصة السنابيك. ويبلغ عدد القوارب في مينائها ما ينوف على أربعمائة قارب، تستخدم حالياً في صيد الأسماك المختلفة من البحر الأحمر، وقد كانت، حتى وقت قريب، تستخدم في صيد اللؤلؤ. ومن أشهر الأسماك عندهم: الظيراك، وزين أبوه، وشَرّواء، وعَقَام، وصُهَب، ومُلوّن، وتُوداف، وقِرب، ومنَقّم، ومسلبه، وأبو لعالع، وبياض، والقرش بأنواعه، وثمد، وأبو سلامة (الدلفين)، والخوتة، وقيده، والطويلة (عروس البحر)، وبُتان وهي من الأسماك الضخمة التي يتراوح طول الواحدة منها بين 3 و5 أمتار. ويشتغل أهالي جازان بالتجارة والصناعة اليدوية وفي الوظائف الحكومية المختلفة، أما باقي سكان المنطقة فيشتغلون بالزراعة وتربية المواشي.

جازان ممر حيوي
N_16618_12ليس غريباً أن تصبح جازان بحكم موقعها ممراً حيوياً للرائح والغادي، ومحطة يلتقي فيها المسافرون على الطرق البرية والبحرية على حد سواء. ولهذا بادرت وزارة المواصلات بربط هذه المدينة بشبكة من الطرق. ويجري العمل حالياً على تعبيد الطريق الرئيس الذي يربط جازان بصبيا وأبها والطائف، وهو طريق يبلغ طوله 775 كيلومتراً. كما سيعاد تمهيد الطريق الذي تعطَّل بفعل السيول والذي يربط جازان بأبي عريش والسد ويمتد إلى الجبال. ولا شك أن هذه الشبكة من الطرق تسهل نقل حاصلات البلد الزراعية إلى المناطق المجاورة. كما أن العمل جار الآن على توسعة ميناء جازان الذي يكلف نحو 15 مليون ريال. وقد بدأ العمل في منتصف عام 1967م بإنشاء جسر حجري يمتد من الساحل إلى البحر مسافة 625 متراً ويتفرع منه رصيفان طول أحدهما 127 متراً، والآخر 60 متراً، ويبلغ عمق المياه عندهما سبعة أمتار. والمشروع في مراحله النهائية وقد أوشك على الانتهاء.

وبالإضافة إلى ذلك تقوم وزارة المواصلات بدراسة لإنشاء أربعة أرصفة أخرى للميناء وإقامة عنابر ضخمة ومنشآت إضافية تقدَّر تكاليفها بمبلغ 120 مليون ريال. وسيتسنَّى لهذا الميناء بعد هذه التوسعة استقبال السفن الضخمة، وسيسهم إلى حد كبير في تصدير الحبوب والمواشي والجلود والأسماك المجففة والسمن إلى مصوع وعدن والسودان وينبع وأملج وغيرها. وفي مجال النقل الجوي فإن طائرات مؤسسة الخطوط الجوية العربية السعودية تربط مدينة جازان بأمهات مدن المملكة برحلات يومية منتظمة.

سد وادي جازان
N_16618_20هو أضخم سد تم بناؤه في المملكة العربية السعودية. وقد احتفل رسمياً بتدشينه في يوم الإثنين 25 المحرم 1391، وقام بافتتاحه صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبدالعزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، قائلاً: «بسم الله الرحمن الرحيم، في هذا اليوم المبارك نفتتح سد وادي جيزان نيابة عن جلالة الملك المعظَّم وأرجو من الله أن يكون فاتحة خير وبداية مشاريع لهذه المنطقة وجميع مناطق المملكة العربية السعودية».

N_16618_23وقد لخَّص معالي وزير الزراعة والمياه، الشيخ حسن المشاري، الأهداف والفوائد التي ستجنيها المنطقة من وراء إقامة هذا السد بقوله: «إن إنشاءات السد ما هي إلا جزء من مشروع متكامل لتطوير الزراعة بالمنطقة، تدخل فيه إنشاءات شبكة للري والصرف، كما تدخل فيه أعمال استصلاح الأرض والبحوث والإرشاد الزراعي، وتقديم العون الفني والعيني للمزارعين. وبهذا يكون الهدف النهائي للمشروع ككل، هو توفير المياه اللازمة للزراعة، وزيادة مساحة الأرض المزروعة والمروية رياً دائماً، بما يتصل بكل ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية تتمثل في رفع مستوى إنتاج الأرض والعاملين فيها، وفي زيادة في الدخل وفي فرص العمل». وقد ألقى الشاعر فؤاد شاكر قصيدة في الحفل الذي أقيم لافتتاح السد، نقتطف منها ما يلي:
بناء على صرحه يعتلي تألق، في يومه الأمثل
به اليوم «جازان» مزهوة تتيه على دهرها، المقبل
فلا البحر يشرب من مائها ولا السيل يمضي، ولا يأتلي
ولكنه «السد» قيد المياه، فأمواجه فيه كالجدول
ويحيي به الله في كل أرض، مواتاً من الجدب، والممحل
ويسقي، ويسقى بأثباجه رحيق حلال من السلسل

أضف تعليق

التعليقات