تقرير القافلة

الثروة السمكية العربية

مصدر وفير للاكتفاء الذاتي والتصدير

taqreer1تعدّ البلاد العربية من بلدان العالم المطلّة على شواطئ طويلة الامتداد، ومتنوعة المناخات والبيئات البحرية، التي تزخر بتنوّع كبير ووفرة غنية في الثروة السمكية. ولما كانت البلاد العربية عموماً تشكو عجزاً في ميزان تبادل المواد الغذائية في التجارة الدولية بينها وبين دول العالم الأخرى، فإن قدرتها على الاكتفاء الذاتي بالأسماك، وإمكانات التصدير الوفير لهذه الثروة الغذائية، تجعل من تنمية الثروة السمكية وصيد الأسماك من ضمن الحلول الاستراتيجية المتاحة لتعديل العجز في ميزان المبادلات الغذائية، وتحسين وضع الأمن الغذائي العربي، في جانب منه على الأقل.
لكن حسن الاستفادة من هذه الثروة يقتضي الاستثمار الرأسمالي الكافي في قطاع صيد السمك، وإنشاء الشركات العاملة في الميدان، وتحسين الوسائل والأدوات فيه، وتشكيل الأساطيل العصرية العاملة بأساليب العلم الحديث، وحسن التنظيم على نحو لا يكتفي بحفظ هذه الثروة فقط، بل ينمّيها استناداً إلى الدراسات الحديثة. كذلك يعدّ استزراع السمك في الأنهار والمزارع المخصّصة لهذا القطاع، من الحلول المناسبة المطروحة في هذا المجال. ويؤدي إنشاء مصانع التبريد والتعليب والحفظ، إلى زيادة القيمة المضافة في صناعة صيد السمك.

في هذا التقرير، نلقي نظرة عامة على وضع الثروة السمكية في البلاد العربية، ثم نتحوّل إلى التفصيل في حالة هذا القطاع، في كل من المملكة العربية السعودية، ومصر، وموريتانيا، والمغرب.

شواطئ ومسطحات شاسعة
تنتشر البلاد العربية على مساحة في الكرة الأرضية، تطلّ على شواطئ من أطول شواطئ المناطق الإقليمية في العالم. كذلك تمتاز هذه الشواطئ بتنوّع بيئي، يجعلها غنية بالأسماك، لا من الناحية الكميّة فقط، بل من الناحية النوعية أيضاً.

taqreer2تمتد الشواطئ العربية البحرية في مجموعها، نحو 22.4 ألف كيلو متر. فهي تبدأ في المحيط الأطلسي الذي يطل عليه بلدان، هما موريتانيا والمغرب، ثم تنكفئ شرقاً في داخل البحر الأبيض المتوسط، الذي يطل على شواطئه الجنوبية كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر. أما الجانب الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، فتطل عليه فلسطين ولبنان وسورية. وفي المقابل، يعد البحر الأحمر بحراً عربياً خالصاً، تطل عليه مصر والسودان وإريتريا وجيبوتي، غرباً، والأردن والمملكة العربية السعودية واليمن، شرقاً. أما بحر العرب والخليج العربي، فتطل على شواطئهما كل من الصومال واليمن وعُمان والإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية والبحرين والكويت والعراق. ويتضح بذلك أن كل البلدان العربية تطل على شاطئ ما. وفي متناولها جميعاً إذن، استثمار الثروة السمكية في مياهها الإقليمية ومياه مناطقها الاقتصادية وما يجاورها من المياه الدولية.

شواطئ المحيط الأطلسي: يقدّر طولها بنحو 4 آلاف كيلومتر، أما مساحة جرفها القاري، فتقدّر بنحو 94 ألف كيلومتر مربع. وهي من أغنى المناطق العربية بالثروة السمكية.

شواطئ البحر الأبيض المتوسط: يقدّر طولها بنحو 7 آلاف كيلومتر، فيما تبلغ مساحة جرفها القاري نحو 200 ألف كيلومتر مربّع. وتعدّ هذه الشواطئ قليلة الإنتاج من السمك نسبياً، لأن الإفريز القاري في جنوب البحر المتوسط أقل خصباً من شماله، نظراً إلى قلة الأنهار التي تصب فيه وتأتي بمياه عذبة وغنية بالغذاء إلى هذه الشواطئ، باستثناء المياه المقابلة لمصب نهر النيل. لكن بعض السنوات تزخر بوفرة مفاجئة في بعض الأسماك الساحلية الصغيرة، نتيجة لظروف بيئية موقّتة. ومن الشواطئ الغنية هنا، خليج قابس في تونس، وخليج سرت في ليبيا، إلى جانب شاطئ دلتا النيل.

شواطئ البحر الأحمر: يقدّر طول سواحل الضفتين الشرقية والغربية في البحر الأحمر بنحو 6.5 آلاف كيلومتر، بينما تبلغ مساحة جرفها القاري نحو 189 ألف كيلومتر مربّع. ويعد البحر الأحمر من البحار الدافئة التي تزدهر فيها الحياة البحرية، وتتنوّع تنوّعاً غنياً.

taqreer3شواطئ بحر العرب والخليج: طول السواحل العربية في هذه المنطقة 4.9 ألف كيلو متر. وتبلغ مساحة جرفها القاري نحو 121 ألف كيلو متر مربّع. وتمتاز مياه الخليج العربي بالدفء، وعدم الاضطراب من جراء التيارات البحرية، لأن الخليج شبه بحيرة مغلقة. ومياه الخليج الدافئة من أخصب المياه البحرية، إذ تتوافر فيها الأغذية اللازمة لازدهار الأسماك. ويصب في الخليج نهر شط العرب (التقاء دجلة والفرات) ومياه خليج عُمان.

الأنهار والمياه العذبة: تشمل هذه الفئة من مصادر الثروة السمكية مجاري الأنهار العربية وخزانات المياه السطحية وبحيرات السدود. ويقدّر طول الأنهار العربية أو المارة بالبلاد العربية، بنحو 16.6 ألف كيلومتر، أما مساحة خزانات المياه العذبة وبحيرات السدود، فتقدّر بنحو 2.4 مليوني هكتار، منها 744.2 ألف هكتار مساحة الخيران (الخور مسطح مائي ساحلي على شكل خليج شبه مغلق، يصب فيه نهر أو عدة أنهار من جهة، وهو متصل بالبحر من الجهة الأخرى، وتمتزج فيه المياه المالحة بالمياه العذبة)، يقع معظمها في العراق ومصر والسودان. كذلك ثمة في السودان مساحات واسعة من المستنقعات، تغطي نحو 6.85 مليون هكتار.

الأسماك غذاءً
تحتوي أنواع الأسماك المختلفة على ما معدّله %20 من البروتينات الحيوانية. وهي تشبه في تركيبتها الأحماض الأمينية الموجودة في بروتين الدجاج. وتمتاز على لحم البقر، بارتفاع مُعامل الإفادة. ومن حسنات السمك، غذاءً، أنه سهل الهضم، وهو يسهم في تنشيط النمو، ويفوق في هذا الأمر أيضاً اللحم الحيواني الأحمر. فتبلغ نسبته في هذا التنشيط بين 80 و%100، في مقابل %63 في اللحم الأحمر. ويعدّ السمك مصدراً مهماً للدهون الضرورية والفيتامينات والمعادن، وهو غني بالكالسيوم والحديد، واليود، ولا سيما الأنواع البحرية من السمك. ويرى الأطباء أن كيلوغراماً واحداً من السمك، يسدّ حاجة الإنسان إلى اليود.

ثروة وافرة غير مستغلّة
يُنتج العالم العربي كفايته من الأسماك، في ميزان الاستيراد والتصدير. لكن وفرة الثروة السمكية المتاحة على شواطئه الشاسعة ومصادر الصيد والاستزراع الأخرى، تؤهله لتعزيز إنتاجه وصادراته من الأسماك، على النحو الذي يمكّنه من أن يسد بالتصدير، نسبة جيدة من عجز ميزان التبادل الغذائي مع العالم الخارجي. بل إن تعزيز قطاع صيد السمك وإنتاجه، يسد ثغرة في مجال التغذية في داخل الوطن العربي، ذلك أن بلاداً مثل موريتانيا، تعدّ من أغنى البلاد من حيث وفرة الثروة السمكية على شواطئها، ومع ذلك يتجه معظم سكانها، إلى مصادر لحوم المواشي الحمراء لسد حاجتهم من البروتينات. وتعزيز الصيد يمكنه أن يحسّن التوازن الغذائي فيها، لا سيما وأن لحوم السمك، من الناحية الصحية، غذاءٌ أفضل، كما تدلّ الأبحاث الطبية.

taqreer4لقد بلغت نسبة اكتفاء البلدان العربية من الأسماك %108، في إحصاء تناول السنة 1999م. وفي سنة 2000م، قُدِّر إنتاج الأسماك في الوطن العربي كله، بنحو 2.7 مليوني طن. وتعدّ عُمان والمغرب وموريتانيا ومصر من الدول ذات الإمكانات المرتفعة في إنتاج السمك. فقد بلغت نسبة ما أنتجته موريتانيا والمغرب ومصر سنة 2000م، %70 من إنتاج العالم العربي كله. تلتها عُمان والإمارات وتونس والجزائر واليمن، بنسبة بلغت نحو %20. ومنذ تلك السنوات، تطوّر إنتاج الأسماك والروبيان في المملكة العربية السعودية، تطوّراً كبيراً، بإنشاء المزارع.

وعلى الرغم من الاكتفاء الذاتي العربي من الأسماك، إلا أن الإنتاج يعدّ ضعيفاً، إذا قورن بالإمكانات المتاحة والثروة السمكية الغنية جداً وامتداد الشواطئ الوفيرة.

أما أسباب ضعف الإنتاج، فمعظمها يُعزى إلى أن وسائل الصيد المستعملة في البلاد العربية عموماً، لا تزال بدائية. ويعجز الصيادون العرب عموماً عن امتلاك الأساطيل والسفن المجهزة لمهام الصيد الحديث، لا على الشواطئ وحسب، بل في أعالي البحار، سواء في مجال المياه الإقليمية أو المناطق الاقتصادية البحرية التابعة لهذه البلدان، أو في مجال المياه الدولية، المتاحة لها. ولذا فإن مهمة إنشاء صناعة متطورة لصيد الأسماك تقوم أساساً على أكتاف الدول والشركات المستثمرة.

ومن أسباب ضعف الإنتاج أيضاً أن سكان السواحل العربية يتجهون أكثر إلى العمل في الزراعة والصناعة، وتفتقر برامج كثير من الدول عادة إلى عوامل التشجيع على تنظيم القطاع البحري وتنميته. وهذا أيضاً دور لا بد من أن تلعبه الدول والاستثمارات الخاصة، وفق خطط عصريّة وعلميّة سليمة.

ولا يستطيع استثمار الثروة السمكية استثماراً كافياً أن يتطوّر على نحو متدرّج ومستدام، إلاَّ بإنشاء المصانع المواكبة لهذا الاستثمار، مثل مصانع الحفظ والمعلبات والتبريد والإعداد للتصدير.

taqreer9كذلك لا بد من أن تهتم الجامعات العربية ومراكز الأبحاث بتخريج خبراء الثروة السمكية، وعلماء البيئة البحرية، من أجل حماية الثروة السمكية من آفات منها الصيد الجائر، والأمراض البحرية والأوبئة التي تفتك بملايين الأسماك في كل سنة، من جرَّاء تلويث الأنهار والشواطئ البحرية، ومن أجل وضع خطط لتنمية هذه الثروة السمكية.

وإذا كانت الشركات الخاصة مسؤولة عن مزارع السمك التي تستثمرها أو تملكها، من حيث تنمية إنتاجها وحماية أسماكها من التلوّث والأوبئة وتوفير الغذاء والأسمدة لها، فإن المسؤولية تُلقَى بكاملها على الحكومات، في مسألة حماية الثروة السمكيّة في الأنهار وشواطئ البحار والبحيرات، وتنمية هذه الثروة، ومراقبة الشركات الصناعية التي يمكن أن تقضي على الثروة السمكيّة النهرية، بما تلقيه من نفاياتها السامة.

في السعودية:
مزارع بين البحر والخليج

يبلغ طول شاطئ البحر الأحمر الذي تطل عليه المملكة، 1830 كيلومتراً، فيما تطل على الخليج بشاطئ طوله 650 كيلومتراً. وأهم ما تتميز به هذه الشواطئ، الدفء وخصوبة المياه، على نحو يدعم الإنتاج السمكي، من المصائد البحرية. وقد زاد هذا الإنتاج في السنوات القليلة الماضية، ليبلغ 66591 طناً، بعدما كان 55419 طناً سنة 2004م.

لكن المملكة مهتمة كذلك بإنتاج السمك في المزارع، وقد بلغ إنتاجها 11172 طناً، أي %17 من مجموع إنتاج السمك. فيما بلغ الإنتاج من المياه الدولية 10 أطنان فقط.

taqreer7وعلى الرغم من أن حصة المواطن من الإنتاج زادت لتبلغ 8 كيلوغرامات في السنة، إلا أن هذه الحصة لا تبلغ ثلث الحصة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية للفرد في السنة، وهي 25 كيلوغراماً. ومع زيادة الطلب، لسد حاجة النمو السكاني، ولتحسين الميزان الغذائي وتعزيز حصة السمك في المطبخ السعودي، اتجه الاهتمام إلى المزارع السمكية، لتنمية الإنتاج، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، حالما تُستكمل مشاريع الاستزراع وتطوير الإنتاج. حتى إن الروبيان المستزرَع الذي بلغ إنتاجه 8705 أطنان، زاد على ذلك المصيد من البحر، وكان يبلغ 7280 طناً سنة 2004م.

لكن العجز التجاري بالأسماك، لا يزال كبيراً، ويحتاج إلى مواصلة تطوير مصادر الثروة السمكية. فقد بلغت قيمة الصادرات من السمك السعودي 106 ملايين ريال سعودي، فيما بلغت قيمة الواردات 682 مليون ريال. وقد نجحت المملكة في تصدير الروبيان إلى السوق اليابانية تليها السوقان الأمريكية والأوروبية.

وسائل الصيد
يستخدم الصيد البحري وسائل الصيد التقليدية والصيد الصناعي على السواء، في المياه الإقليمية السعودية.

أما الوسائل التقليدية، فهي على الخصوص قوارب صيد صغيرة، مجهزة بمحرك يتيح لها رحلات صيد لا تتجاوز يومين. وعددها في البحر الأحمر 11863 قارباً، وفي الخليج 1843 قارباً. والصيد التقليدي هو الغالب. ويُستخدَم فيه الخيط والشص والشباك الخيشومية، وشباك التحويط والخيط المجرور وشباك الجر القاعي، والقراقير (السخاوي) لصيد الروبيان وأسماك القاع.

أما القوارب الكبيرة، فعددها نحو 154 في البحر الأحمر، و29 في الخليج. وهي تتيح رحلات صيد قد تمتد أسبوعاً. ويتركز صيدها على الروبيان. وقد زاد عدد الصيادين في المصائد البحرية، فبلغ 28088 صياداً، منهم 16821 صياداً أجنبياً.

استزراع السمك
في العام 1999م أنشئت في المملكة مزرعة رائدة للروبيان، الذي شهد إنتاجه في السنوات العشر الماضية انطلاقة قوية. وتضمنت المزرعة، وهي من أكبر المزارع المماثلة في العالم، إنشاء مشاريع «شركة الروبيان الوطنية»، على ساحل البحر الأحمر، في محافظة الليث، على مساحة 129 كيلومتراً مربّعاً، بتكاليف بلغت 200 مليون دولار. وتزيد طاقة الإنتاج في المزرعة على 30 ألف طن في السنة، لتجعل من السعودية واحداً من أكبر عشرة بلدان منتجة للروبيان في العالم. وسبق إنشاء المزرعة تأسيس محطة أبحاث وتجارب، أثبتت جدوى المشاريع الاقتصادية.

وأسهم المناخ المناسب ودعم الدولة في تحقيق تقدم ملحوظ في إنتاج مزارع السمك والصيد البحري على السواء. ويبشر هذا التقدم بنمو في الإنتاج، من أجل سد عجز التبادل في هذا المجال، لا سيما بوجود مساحات شاسعة للاستثمار في مزارع السمك، التي يمكن للمياه فيها، أن يعاد استخدمها للري، لما تحتويه من أسمدة طبيعية وعناصر معدنية. وفي المملكة الآن أكثر من 100 مزرعة سمك، في المياه العذبة والمالحة على السواء، إضافة إلى مزارع الروبيان الكبيرة على ساحل البحر الأحمر.

المشاريع والتطوير
استعانت المملكة بالأبحاث والدراسات الحديثة لتطوير ثروتها السمكية، فتمكّنت من تفريخ وأقلمة عديد من أنواع الأسماك والروبيان لتربيتها في بيئة المملكة، وأحرزت نجاحاً في تحقيق إنتاجية متقدمة في مزارع الروبيان، وإنتاجية مستمرة من أسماك البلطي والصافي والهامور والسبيطي والناجل والقاروص. واعتُمدت التقنيات الحديثة في نظم تربية الأسماك والروبيان، وعُقدت اتفاقات في مجال الاستزراع السمكي لتبادل المعلومات والخبرات واستقدام الخبراء المتخصصين في هذا المجال لتطويره، بالإضافة إلى تقديم الدعم الفني والتسهيلات المادية للمستثمرين في هذا المجال. ومن حصيلة ذلك تنفيذ مشروعي إنشاء مختبري صحة وسلامة الأسماك بجدة والدمام.

أبحاث الثروة السمكية
تملك السعودية عديداً من المراكز والمحطات البحثية التي تعنى بأبحاث الثروة السمكية، منها مركز المزارع السمكيّة ومركز أبحاث الثروة السمكيّة بالبحر الأحمر في جدة، ومركز أبحاث الثروة السمكيّة بالمنطقة الشرقية في القطيف، كذلك توجد محطتان لأبحاث الأسماك بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في كل من ديراب والقصيم، وكلية علوم البحار بجامعة الملك عبدالعزيز، فضلاً عن قسم الإنتاج الحيوانيّ والسمكيّ بكلية العلوم الزراعيّة والأغذية في جامعة الملك فيصل، وهو يخرّج كل عام ملاكات فنيّة مؤهلة للعمل في مجال الثروة السمكيّة والاستزراع السمكي.

والحقيقة أن صناعة الاستزراع السمكي تتطور تطوّراً سريعاً في العالم وتقدم حلولاً تقنية كثيرة منها ما يتم توطينه محلياً، وتهيئته بما يناسب بيئة المملكة.

في مصر :
تعدد المصائد ووضع مقبول

تعد الثروة السمكية في مصر، واحداً من أهم مصادر الدخل القومي، وتوفّر الغذاء البروتيني بنسبة جيدة للسوق الداخلية، بالمقارنة مع الحاجات. وتشغل مصائد السمك مساحة شاسعة تزيد على 13 مليون فدّان (الفدّان في مصر يساوي 4200 متر مربع)، ومنها المصائد البحرية، في البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، ومنها البحيرات، وهي كثيرة، كبحيرة المنزلة، والبرلّس والبردويل وإدكو وقارون ومريوط والبحيرات المرّة وملاحة بور فؤاد. أما نهر النيل وبحيرة ناصر الصناعية، فهما من أكبر مصادر صيد السمك.

المصائد البحرية
تزيد مساحتها على 11 مليون فدّان، لكن الإنتاج فيها يعد متدنياً، لعدم وجود الأنهار التي تصبّ فيها المياه العذبة، سوى نهر النيل.

taqreer6من هذه المساحة، 4.4 مليون فدّان في البحر الأحمر الذي تمتد شواطئه ألف كيلومتر، وتشمل مناطق الطور ودهب والغردقة وخليج السويس وغيرها. أما مساحة مصايد البحر المتوسط، فتبلغ 6.8 مليون فدّان، وتمتد شواطئه ألف كيلومتر أيضاً. وأهم المصائد هنا، مناطق بورسعيد ودمياط وأبوقير في الإسكندرية ومطروح والعريش وبلطيم في كفر الشيخ. وتحتل المصائد البحرية المرتبة الثانية في إنتاج السمك في مصر، إذ تبلغ نسبة هذا الإنتاج على شاطئ المتوسط %11، وفي البحر الأحمر %8.81، أما باقي الإنتاج فمصدره البحيرات ونهر النيل وبحيرة ناصر. ويُعزى سبب انخفاض الإنتاج البحري، إلى ضعف الخصوبة في البحر المتوسط، نظراً لكونه شبه مغلق، ويستقبل ملوّثات كثيرة من الدول المطلّة عليه. أما في البحر الأحمر، فإن الاهتمام الاستثماري متّجه إلى المرافق السياحية. وهو أيضاً بحر شبه مغلق.

حال شرقي المتوسط: الأفقر
يُعد الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، المعروف باسم حوض الليفانتاين، الذي تطل عليه سوريا ولبنان وفلسطين الأفقر بالأسماك مقارنة بباقي أحواضه وشواطئه. وبشكل عام، فقد ضعفت الثروة السمكية في المتوسط نتيجة الصيد المكثف على شواطئه الأوروبية. وإلى ذلك، يضاف عاملان خاصان بالقسم الشرقي منه:
• طبيعة قاعه الفقير نسبياً بالمراعي.
• التلوث الشديد الذي يدمًّر هذه المراعي الهزيلة أساساً، ويقضي على الطبقات الدنيا في السلسلة الغذائية للكائنات البحرية.
يمارس الصيد في هذه البلدان عموماً بشكل حِرفي ويدوي على نطاق صغير جداً، بواسطة زوارق لا تحمل أكثر من صيادين اثنين أو ثلاثة. ونظراً لقلة الأسماك، فإن الصيادين في لبنان مثلاً اعترضوا بعنف على مشاريع إنشاء أساطيل حديثة للصيد. ورأوا أنها لن تترك لهم شيئاً ونجحوا في إفشال هذه المشاريع.

مصائد البحيرات
تعدّ بحيرات مصر من أخصب بحيرات العالم وأغناها بالغذاء الطبيعي المتاح للسمك، كالبوري والطوبار والدنيس والقاروص واللوت والثعبان والجمبري (الروبيان). لكن الإنتاج يتأثر بنمو حركة البناء على ضفاف البحيرات وبتكاثر البوص، والتلوّث. ومن أهم هذه البحيرات، بحيرة البردويل (طولها 90 كيلومتراً وعرضها 22) وقد بلغ الإنتاج فيها سنة 2003م، 3250 طناً. وتشرف على البحيرة لجنة، تسهر على تطوير المصائد وتحسين وضعها البيئي وتحريم المخالفات، ومنع الصيد في مواسم التكاثر من أول يناير إلى نهاية أبريل.

أما البحيرات المرّة فتبلغ مساحتها 76 ألف فدّان، وتشمل بحيرة التمساح في محافظة الإسماعيلية.

taqreer5ومن البحيرات المهمة، بحيرة قارون ومساحتها 55 ألف فدّان، في محافظة الفيّوم. وهي من أكبر وأجمل المحميات الطبيعية في مصر. وتتميّز بإنتاج 10 أنواع من السمك. وهي تحتاج إلى حماية من التلوّث والصيد الجائر، اللذين يهددان وضعها البيئي الحسّاس. وقد اشتهرت أسماك البوري في هذه البحيرة ببطارخها الفاخرة. ومن البحيرات المنتجة للسمك البرلّس، ومساحتها 136 ألف فدّان، وتشمل مناطق صيد بلطيم في محافظة كفر الشيخ.

وتعدّ حالة بحيرة المنزلة من الظواهر السلبية التي تتطلّب المعالجة، فقد تقلصت مساحتها، بالتجفيف، من 700 ألف فدّان، إلى نحو 100 ألف فدّان، منها 30 ألفاً فقط صالحة للصيد. وقد تراجع الصيد فيها بسبب التلوّث وإغلاق البواغيز (المداخل) التي تتيح تجديد المياه فيها.

وهناك بحيرتان صغيرتان نسبياً هما بحيرة إدكو وبحيرة مريوط، وهما صالحتان أيضاً لتربية السمك.

بحيرة ناصر والنيل
بحيرة ناصر مساحتها نحو 1.2 مليون فدّان، وهي أكبر مسطّح مياه عذبة في مصر، وتشمل مناطق صيد بحيرة السد العالي في أسوان. وهي من أكبر البحيرات الصناعية في القارّة الإفريقية. ويعيش فيها أكثر من 50 نوعاً من الأسماك، أهمها البلطي النيلي والجاليلي والبياض والرابة والشال والليبس. وقد أنشئت فيها 3 موانئ للصيد، و7 مفرخات للسمك. أما نهر النيل بفرعيه، والترع والمصارف المتفرعة منه، فتبلغ مساحته 178 ألف فدّان. وهو مصدر أساسي من مصادر السمك في مصر.

مشروع خريطة المصائد
يتولّى المعهد القومي لعلوم البحار والمصائد مسح شواطئ البحرين المتوسط والأحمر، لرسم خريطة المصائد واستكشاف مواقع الثروة السمكية فيها وزيادة الإنتاج منها. ويَستخدم في ذلك سفينتي الأبحاث: «سلسبيل» (البحر الأحمر) و«اليرموك» (البحر المتوسط). وقد تمكنت السفينتان من رسم خريطتين لشواطئ البحرين، هما الأوليان من نوعهما. وتعمل السفينتان كذلك، بواسطة شباك جرّ، في استكشاف الأعماق، لمعرفة أماكن تجمّع السمك، ومواسم توالده، ووضع قواعد لتجنّب الصيد الجائر، وتنظيم الإنتاج على نحو يحول دون الاستنزاف. كذلك ترصد السفينتان مصادر التلوث، من أجل حصرها وتقليص آثارها. وبناء على ذلك تصدر توجيهات لأساطيل الصيد، في شأن الأماكن والمواسم وأساليب الصيد، والأنواع الموصى بصيدها، على أساس علمي متين. وأدت الأبحاث الأخرى التي أمكن الوصول بها إلى نتائج مفيدة إلى اكتشاف نوع من البكتيريا في بحيرة إدفو، تصيب الصيادين الذين يغطسون في البحيرة.

إمكانات واسعة
إن هذه الأبحاث، إضافة إلى وفرة المسطحات المائية في مصر، تبشّر بإمكانات واسعة لتطوير الثروة السمكية، على أن يتجه الاهتمام الرسمي نحو حماية البيئة المائية، وتشجيع الأبحاث، وحفز القطاع الخاص على الاستثمار في تعزيز الإنتاج، على نحو مستدام، ضمن خطة شاملة بعيدة المدى. ذلك أن هذا القطاع قادر على سد جزء لا يستهان به من عجز التبادل الغذائي الذي تعانيه مصر وكثير من البلدان العربية.

شواطئ الأطلسي العربية
يرهقها الصيد الأوروبي فيها

taqreer8تُعَدّ مياه المحيط الأطلسي التي تطل عليها شواطئ المغرب وموريتانيا، من أغنى مصادر الثروة السمكية في البلاد العربية. ذلك أن التيارات البحرية الكبرى التي تجول في المحيط الأطلسي من غربه إلى شرقه، وبالعكس، تحمل معها العوالق والطحالب والجزيئات الغذائية التي تبقي هذه الشواطئ غنية بالمواد الغذائية زاخرة بالسمك المتجدد، سواء في المياه الإقليمية التي تمتد في عمق المحيط عشرين ميلاً بحرياً، أو المناطق الاقتصادية التي تمتد مائتي ميل بحري، أو حتى المياه الدولية المتاخمة لهذه المناطق.

غير أن هذين البلدين العربيين، اللذين يسعيان في تطوير اقتصادهما المستند إلى الموارد الطبيعية المتاحة لهما، يواجهان مشكلات في تنمية استفادتهما من الثروة السمكية الكبيرة التي يملكانها في مياههما. لكن المشكلات في البلدين ليست متشابهة. ففيما تشكو موريتانيا استئثار أساطيل الصيد الأجنبية، ولا سيما الأوروبية، بمعظم غلال الصيد الوفيرة، وضآلة ما يعود إلى الصيادين الموريتانيين منها، يشكو المغرب أزمة الصيد الأوروبي الجائر في مياهه، على النحو الذي يهدد الثروة السمكية بالتقلص والتراجع.

فيما يلي خلاصة مقابلات عقدتها قناة الجزيرة لإلقاء الضوء على ما تواجهه صناعة صيد السمك، في كل من البلدين.

للموريتانيين أم الأوروبيين؟
يمكن للثروة السمكية الموريتانية، لو استُثمِرت الاستثمار السليم، أن تضع البلاد في مصافّ الدول النفطية، من حيث الوفرة والرخاء الاقتصادي. ففي مياه المحيط المقابل لشواطئ موريتانيا، 300 نوع من الأسماك، منها 170 نوعاً قابلاً للتسويق. ويزيد ما يُستخرَج من السمك في المياه الموريتانية، على 840 ألف طن في السنة. لكن أكبر الصيادين في المياه الموريتانية هم الأوروبيون، يليهم اليابانيون فالصينيون. وعلى الرغم من أن طول الساحل الموريتاني يمتد على 780 كيلومتراً، غير أن العاملين الموريتانيين في الصيد قلة، والوسائل التي يستخدمها الصياد الموريتاني بدائية بالمقارنة مع الأساطيل الأجنبية الكبيرة التي تنافسه في عقر داره.

وتستحوذ الأسماك المصدّرة على %58 من مجموع صادرات موريتانيا الوطنية، و%10 من الناتج المحلي القومي، و%29 من موازنة الدولة، ونحو نصف مصادر العملة الصعبة. ومع أن موريتانيا تحتل المرتبة العربية الثالثة في إنتاج السمك، بنسبة %18 من مجموع الإنتاج العربي، بعد المغرب ومصر، إلا أنها المصدّر الأول، بنسبة %44 من مجموع صادرات السمك العربي. فاستهلاك المواطن الموريتاني من السمك في طعامه قليل، إذا قورن بمكانة البلاد الإنتاجية، ذلك أن لحم المواشي الأحمر هو مصدر البروتين الأول على الموائد الموريتانية.

لقد أبرمت نواكشوط مع الاتحاد الأوروبي عام 2001 اتفاقاً يسمح لمائتي سفينة صيد أوروبية بصيد السمك من شواطئ موريتانيا، لقاء 430 مليون يورو في السنة. لكن هذا الاتفاق يشكو أمرين أساسيين على الأقل، فالصيد الأوروبي، بوسائله العلمية المتطورة صيد جائر، ويُخشى أن يستنفد شيئاً فشيئاً الثروة السمكية، ثم إن الأساطيل الأوروبية قلما توظّف الصيادين الموريتانيين على متنها.

وعلى الرغم من أن الدولة أنشأت نقابة للصيادين، تتولى مساعدتهم في شراء الزوارق وأدوات الصيد، إلا أن المختار ولد أحمد طالب، مدير الصيد الصناعي في وزارة الصيد والاقتصاد البحري الموريتانية، يرى أن هذا ليس كافياً لتعظيم الاستفادة الوطنية من الثروة السمكية. وهو يعتقد أن شرطين يجب أن يتوافرا في هذا المجال، هما: إنشاء أسطول وطني كافِ له القدرة على استغلال هذه الثروة، وإقامة موانئ وبنية تحتية ومصانع لتحويل النتاج، من أجل جني قيمة مضافة أكبر.

وقد بدأ فعلاً الاهتمام بهذين الأمرين، فعدد مصانع الأسماك، زاد من مصنعين، قبل 40 سنة، إلى 150 مصنعاً الآن، وهي ليست كافية، لكن الاتجاه صحيح.

المغرب… والصيد الجائر
وفي المغرب أعلن الأمين العام لنقابة ضباط وبحّارة الصيد في أعالي البحار، عبد الرحمن اليزيدي، تناقص الثروة السمكية المغربية تناقصاً كبيراً، فلم يعد من فائض إلا السردين، وهو في المناطق الجنوبية المقابلة للصحراء.

وعادت مراكب الصيد الإسبانية إلى موانئها، بعدما تيقّنت من نقص الثروة السمكية الحاد في أعالي البحار، عقب اتفاق الصيد البحري بين الرباط والاتحاد الأوروبي في يوليو 2006م. وقد خفّض الاتفاق عدد سفن الأسطول الأوروبي العامل في المياه المغربية، من 600، إلى 119 سفينة مدة أربع سنوات قابلة للتجديد.

وحذّرت فدرالية الصيّادين المغاربة من أن البحار مهددة بالقضاء على الثروة السمكية فيها، إذ بلغ مجموع ما اصطيد سنة 2006م، نحو 710 آلاف طن، حسب إحصاءات المكتب الوطني للصيد.

ورأى اليزيدي أن هذا الخفض لعدد السفن ليس كافياً، ذلك أن القوارب التي وصفها الاتفاق بأنها تقليدية، هي متطوّرة بالمقارنة من مراكب الصيد المغربية. وأكد أن المغاربة قادرون على استغلال سمكهم بأنفسهم. وطالب بتفريغ حصيلة صيد السفن الأوروبية في موانئ مغربية، من أجل تشغيلها، ومراقبة عمل هذه السفن. وقال إن الصيادين الأوروبيين يستعملون أساليب صيد ممنوعة حتى في أوروبا.

كذلك أشار اليزيدي إلى أن الاتفاق المذكور نصّ على تشغيل 300 مغربي في قوارب مشتركة، بعدما كان في السابق قد نصّ على تشغيل 3500 صياد مغربي. وقد طالبت النقابات المعنية، من جانبها، بزيادة حصص الصيد الساحلي، وتوزيعها على المراكب، لإتاحة اصطياد مقدار كافٍ لكل زورق في كل رحلة صيد. وهذا يعني زيادة حصة الصيادين الوطنيين من الثروة السمكية.

تجدر الإشارة إلى أن إنتاج المغرب من الأسماك بلغ نحو مليون طن في السنة بقيمة تجاوزت 7 مليارات درهم، ويسهم الصيد الساحلي بنسبة %82 من الإنتاج المحلي.

وشهدت الصناعات السمكيّة في المملكة المغربية انفتاحاً كبيراً على الأسواق الأوروبيّة واليابانيّة، ووصلت صادرات المغرب من الأسماك والصناعات السمكيّة إلى %50 من قيمة مجموع الصادرات الزراعيّة والغذائيّة المغربيّة.

مصادر التقرير:
– د.عادل أحمد ثروت – http://www.networkofanimalproduction&fisheriessciences
– ويكيبيديا، بتصرّف
– من تحقيق للحسن السرات وأحمد بشتو، مراسلا الجزيرة في الرباط ونواكشوط

أضف تعليق

التعليقات