رسالة المحرر

القيادات‭ ‬الشابة‭ ‬تتقدَّم‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة

إنها ظاهرة إدارية تستحق القراءة والفحص، يسميها البعض «القيادات الشابة» في ريادة الأعمال ويسميها آخرون «الطاقات الواعدة». ولكن بعيداً عن المسميات فإنها شريحة يزداد حضورها في المؤسسات والشركات، في القطاعين العام والخاص، على حد سواء. وهي ظاهرة تزداد أهمية في مجتمعاتنا العربية نظراً إلى أنها الشريحة الأغلب سكانياً. فالدراسات تشير إلى أن هذه الشريحة التي تراوح أعمارها بين 15 و35 سنة أصبحت تشكِّل نسبة تقترب من %70 من إجمالي سكان المملكة، وهذا الرقم قد يزيد أو يقل قليلاً حين نقيس حالة الدول العربية الأخرى.
على مدى حقب التاريخ الإداري، وجدت دائماً مواهب قيادية يافعة تؤدي أدوارها، ولكن ضمن الدائرة التي يرسمها الإداري الأكبر سناً، والأطول تجربة، والأعمق خبرة… وغالباً ما كانت المخرجات الإدارية لتلك المواهب تصب تلقائياً في بحيرة «المدير» القابض على زمام المؤسسة ونظامها فيصبح الصانع الأبرز والمعتمد لكل إنجاز، وتلقائياً تذبل عطاءات تلك المواهب الخضراء، وتضمر دوافعها نحو الفعل الإبداعي والابتكاري، ويصبحون أفراداً عاديين.
أظن، دون جزم كبير، أن زخم القيادات الشابة لم ينطلق إلا مع شروق الألفية الجديدة. فقد صعدت إلى سطح عالم الأعمال والابتكار والإدارة والتقنية والمال مجموعة من المواهب الابتكارية تمكنت من صناعة وتسويق منتجات كونية، أصبحت في صميم حياة كل إنسان على هذه البسيطة. الأمثلة كثيرة هنا، ولكن سأكتفي بأمثلة سار بها الركبان، هي: بيل غيتس مؤسس مايكروسوفت، وصانعا غوغل لاري بيج وسيرجي برين، ومخترع الفيسبوك مارك زوكربيرج، هؤلاء صنعوا مخترعات مبهرة، لكنهم لم يسلِّموا ابتكاراتهم لشركات تنفِّذها وتسوّقها، كما كان يفعل المخترعون الأوائل، حين كانوا يقبلون ببعض الهبات أو الهدايا، تاركين للشركات استثمار مبتكراتهم. لقد حدث العكس في العقود الأخيرة، فكل مبتكر لا يكتفي بمخترعاته، بل يشرع في بناء شركته الخاصة ويجلب إليها ألمع العقول الإدارية، وهكذا يصبح العقل المبتكر عقلاً إدارياً وتسويقياً ويتحوَّل إلى قائد شاب، أو أيقونة إدارية نابضة تلهم أجيالاً مترعة بالحيوية والطاقة… فتنتقل العدوى عبر قنوات التواصل، وتكون المحصلة مجموعات شابة مؤهلة تطالب بنصيبها في قيادة المؤسسات والأعمال.
ولكن.. أين تكمن أهمية هؤلاء اليافعين واليافعات الذين يزاحمون الكبار على قيادة أعرق الشركات والمؤسسات؟
تعمل القيادات الشابة اليوم في محيط متلاطم من المعارف والخبرات، وهو ما يجعلها شديدة الحيوية والتجدد وقادرة على استثمار المعرفة لصقل مواهبها ومهاراتها، وهي في الوقت نفسه تستثمر منجزات التقنية الحديثة وأساليبها في تعميق تواصلها، وتسريع إنجازاتها، كما أنها تكون أكفأ حين تعمل في فرق ومجموعات متضامنة، وأجرأ على تطوير اللوائح والأنظمة وامتلاك إدارة التغيير، كما أنها قادرة على العمل مع الفرق الأخرى التي تنتمي إلى مرجعيات ثقافية متنوعة دون ريبة أو عقد. ولعل إحدى خصائص هذه القيادات، التي لمستها عن قرب، هي في انخراطها في الأعمال الاجتماعية والخيرية، وحماية المجتمع ومصادره الحياتية والطبيعية من النفاد.
إذن.. فإن التفات القطاعات الحكومية والخاصة المتزايد إلى حيوية هذه الفئة ومنها حق الصعود الإداري السريع، هو توجه إيجابي، حتى وإن جاء متأخراً. فعوائد هذه الخطوة على قطاعات الأعمال والخدمات، وما تحدثه من آثار اجتماعية بنَّاءة سيوطّد أقدامها، ويحفّز تلك القطاعات على الاعتماد عليها أكثر فأكثر في معركة صنع المستقبل، وقيادة تنمية صالحة مستدامة..
هذا هو الأمل المعقود في القيادات الشابة والواعدة..

أضف تعليق

التعليقات