حياتنا اليوم

في أعقاب مونديال البرازيل أزمة نفسية ووطنية اسمها: 

ركلات الترجيح

Pascal Zuberbuehler (L) from Switzerland cannot save the penalty shot of...تحتشد في مباريات كأس العالم لكرة القدم هنيهات من الحماسة والفرح والترقب والخيبة والأمل والتوتّر والانفراج، وكل أنواع المشاعر التي يمكن تخيلها. لكن لحظات الذروة في التوتر تختص بالثواني والدقائق التي تنفَّذ فيها ركلات الترجيح عند تعادل الفريقين. فما هو سر هذا الرعب والتوتر الشديد؟ ولماذا تختلف هذه الثواني والدقائق المعدودة، عن 120 دقيقة يخوض فيها الفريقان أشد تنافس لتسجيل الأهداف؟

يضع اللاعب الكرة بهدوء، على نقطة التسديد، التي لا تبعد سوى بضعة أمتار قبالة مرمى فسيح يقف في وسطه حارس المرمى الخصم. ويكتم الجميع أنفاسهم، لاعبو الفريقين في الملعب والمتفرجون في المدرّجات، والمشاهدون أمام شاشات التلفزة في العالم، ويسألون وهم يرون كم هي المسافة قريبة، وكم يبدو الحارس محدود القدرة على صد الكرة عن أمتار عن يمينه، وأمتار أخرى عن يساره: هل يمكن الإخفاق في التسجيل؟ يبدو الأمر مستحيلاً! التسجيل سهل كما نظن. ومع ذلك يُخفق أعظم أبطال كرة القدم في تسجيل ركلات الترجيح. لماذا؟

صعوبة الركلات
shutterstock_202136566في الدرجة الأولى كانت الهزيمة التي أنزلها الألمان بالبرازيل 7-1، في الثامن من يوليو الماضي، هي الحدث الأبرز في مونديال 2014 الذي سيطر على فكر المليارات من المتفرجين في العالم. لكن الجماهير التي أذهلتها هذه «المجزرة»، لم تفُتها، في اليوم التالي الموقعة التي خسرتها هولندا أمام الأرجنتين في المباراة نصف النهائية، بركلات الترجيح 4-2، بعد مباراة تكافأ فيها مستوى الفريقين، من غير أن يسجّلا أي هدف.

وقد أدهش لويس فان غال، مدير الفريق الهولندي الفني القراء في صحف صبيحة اليوم الثالث، حين كشف أن اثنين من لاعبي الفريق رفضا أن يتقدما لتسديد ركلة الترجيح الأولى. وقد شرح فان غال، ببساطة، شيئاً من أسباب هذا الرفض، حين قال: «إن الركلة الأولى دائماً ما تكون صعبة، والخسارة بركلات الترجيح هي أسوأ سيناريو كنت أتوقعه. على الأقل كنا متساوين معهم في المباراة، إن لم نكن الأفضل، إنه أمر مخيّب للآمال».

shutterstock_216078598فإذا كانت ركلة الترجيح الأولى صعبة كما قال فان غال، فالحقيقة أن كل ركلات الترجيح صعبة نفسياً، لا الأولى فقط. وهذا السيناريو سيّئ في كل حال، ما دام يتيح أحياناً كثيرة للفريق الأضعف أن يكسب المباراة، «من غير وجه حق» كما قد يرى الكثير.

لكن، فلننظر في أمر هذين اللاعبين اللذين رفضا تسديد الركلة الأولى لهولندا. لماذا يرضى اللاعب أن يلعب مباراة كاملة في الأدوار الحساسة النصف النهائي، أو النهائي، في بطولة العالم، ويتحمّل مسؤولية اللعب 120 دقيقة، ثم يرفض تحمّل مسؤولية تسديد الركلة الترجيحية الأولى، فيما يقل عن ثوانٍ معدودة؟

عندما يخيِّم الصمت حتى على تويتر
في أثناء المرحلة الحرجة التي تسدَّد فيها ركلات الترجيح، يخيّم صمت رهيب على العالم كلّه: في الملعب، أولاً، وفي المنازل حيث تجتمع الأسر للمشاهدة جماعة، وفي المقاهي العامّة التي تعرض المباريات، ولكن الصّمت يخيّم كذلك على “تويتر” في الشبكة العنكبوتية.فقد ذكرت شركة «تويتر» أن التغريدات على موقعها تكاد تنعدم، حين الاستعداد لتسديد ركلات الترجيح، انعداماً تاماً. ولاحظت الشركة أن الدقائق التي تسبق التسديد، تشهد انخفاضاً شديداً في نسبة التغريدات، ثم يكون صمت تام عند انطلاق صفارة الحكم للتسديد، لكن بعد التسديد يعود التغريد كثيفاً للغاية.

وقال مدير علوم البيانات لدى «تويتر» ميغيل ريوس: «إن ما يحدث على موقع تويتر، هو نفسه الذي يحدث في العالم الحقيقي، على أرض الملعب، فالزمن الذي يسبق تسديد الكرة يكون ثواني صمت وترقب حرج ومتوتر، للجمهور الذي تصيبه حالة توتر شديد، لكنه سرعان ما ينفجر فرحاً أو حزناً، تبعاً لنتيجة التسديد».

وتقول الشركة إنها تدرس سلوك الجمهور في تغريداته، التي تسجل أعلى كثافة، في أثناء هذا الحدث الرياضي الكبير. ويستخدم ملايين البشر في أنحاء العالم، مواقع التواصل الاجتماعي، في أثناء الأحداث الرياضية، للدردشة أو التعقيب على الأحداث المثيرة للجدل، أو للتعبير عن فرحهم أو حزنهم، لهذا الانتصار أو تلك الخسارة.

مسؤولية فردية في لعبة جماعية
shutterstock_150133607السبب بسيط، فقد قيل كثير في أن لعبة كرة القدم، لعبة جماعية، ينبغي فيها للاعبين أن يفكروا تفكيراً بعيداً عن الأنانيّة وحب الظهور بمظهر البطل الأوحد. وقيل كذلك كثير، لا سيّما في تصريحات اللاّعبين أنفسهم، إن الربح والخسارة مسألة جماعية، فلا يتحمّل لاعب وحده مسؤولية الخسارة، مثلما أنه لا يحظى منفرداً بشرف الربح. بل إن دائرة مسؤولية الخسارة وشرف الانتصار، تتوسّع دوماً لتشمل المدرّب وفريق عمله. ولذا يستقيل المدير الفني بعد كل خسارة مذلّة، أو يقطف هذا المدير الفني أكاليل الغار، والعقود السخيّة، حين يسجل فريقه انتصاراً مدوياً.

ومن أوضح النماذج التي تبيّن ضرورة تحمّل المسؤولية كفريق، حين يكون لاعبان من الفريق نفسه على همّة تسجيل هدف، فيجد اللاعب الذي يحوز الكرة أن رفيقه في وضع أفضل للتسجيل. عندها يتقرر ما إذا كان أنانياً، أو صاحب تفكير جماعي في اللعب، إذا أصر أن يحاول بنفسه التسجيل، رغم ضعف فرصته، أو تنازل عن الكرة لزميله الذي يحظى بفرصة أفضل.

هذا صحيح! المسؤولية جماعية في متن المباراة، لكنه لا يعود صحيحاً في ركلات الترجيح. وهنا يكمن سبب رعب اللاعبين. ففي هذه الركلات، لا يعود اللاعبون جميعاً في المواجهة. ولا يعود ثمة تعاون ممكن، بل تصبح المواجهة بين مسدّد الكرة وحارس المرمى وحدهما. وإذا كانت مسؤولية الركلات الخمس تقع على خمسة لاعبين بالمداورة، فإن «مسؤولية» حارس المرمى مضاعفة بخمسة، لأنه يقف منفرداً في مواجهة لاعبي الخصم الخمسة، واحداً بعد الآخر.

shutterstock_198603887ّفي هذه اللحظات العصيبة قبل التسديد، ماذا يمكن أن يدور في رأس حارس المرمى واللاعب الخصم المتقدم للتسديد؟ لا شك في أن أهم ما يفكران به، هو: إلى أي وجهة ستُسَدَّد الكرة، إلى يمين الحارس أم يساره، أم إلى الوسط. ولعل الحارس يُمعن النظر في اللاعب الخصم وهو يتقدّم نحو الكرة، ليستكشف من حركته، نيته في توجيه ركلته: أإلى اليسار أم اليمين. وبناء على ذلك يقفز الحارس محاولاً صد الكرة. لكنه في كثير من الحالات يقفز في الاتجاه المخالف لمسار الكرة. فلقد أثبتت دراسات، أن كلا اللاعبين المتواجهين، الحارس وخصمه، يقرران سلفاً، كل في سرّه بالطبع، الوجهة المنشودة أو المتوقعة، ولا تغيّر حركة اللاعب المتقدم نحو الكرة، قرار حارس المرمى، ولا اللاعب يتسع له الوقت لتغيير وجهة ركلته، وفقاً لقفزة الحارس. المسألة في معظم الحالات مسألة حظ إذن. ونسبة البراعة فيها لا تضمن النجاح في التسديد. لذلك يشعر كثير من الناس أن الفوز بركلات الترجيح، غير عادل، أو أقل عدلاً من الفوز في دقائق المباراة نفسها.

غير أن الاضطرار إلى حسم النتيجة هو الذي كان وراء فكرة اعتماد ركلات الترجيح.

أين سيسدد؟
صد ركلة الجزاء من أصعب المهام التي يواجهها حارس المرمى، فنظراً إلى المسافة القصيرة التي تفصل مسدّد الكرة عن المرمى، فالوقت لا يكاد يتسع لرد فعل سليم. لذلك يعمد حراس المرمى، اتكالاً على الحظ، إلى التحرك قبل أن تسدَّد الكرة. وعليهم أن يتوقّعوا ما أمكنهم، إلى أين ستسدَّد. ويقرر بعض حراس االمرمى، وهم كثر، أن يرموا بأنفسهم في اتجاه اختاروه قبل الركلة بأجزاء من الثانية، لعلهم يحظون بالتوفيق في الوقت المناسب. ويحاول آخرون أن يستنتجوا من حركة الخصم اتجاه ركلته. وفي المقابل كان مسدّدو الكرة يخادعون الحراس، فيتجهون صوب الكرة ثم يتوقفون، ريثما يرون في أي اتجاه رمى الحارس بجسمه، ليسددوا في الاتجاه الآخر. لكن هذا النوع من الخداع صار محظوراً.إحصائياً، أفضل الفرص تحظى بها الركلات في الوسط، لأنه المكان الذي أخلاه الحارس بقفزته إلى اليمين أو اليسار. لكن خطر هذه التسديدة، أنها في أحيان تطيح فوق العارضة.

في أجزاء الثانية التي بين صفارة الحكم والركلة، يحاول الحراس أن يترجموا أسلوب تحرّك الخصم، للتكهن بوجهة ركلته. فإذا تكهنوا تكهناً صحيحاً، فحظهم في صد الكرة كبير.

ومن الحوادث الشهيرة في هذا الشأن أن هلموت دوكادام، حارس مرمى ستيوا بوخارست، صد رقماً قياسياً هو 4 ركلات، في نهائي كأس أوروبا سنة 1986، للاعبي فريق برشلونة. إذ رمى نفسه 3 مرات إلى اليمين، ومرة إلى اليسار، فصد الكرة في جميعها، وضمن لفريقه الفوز.

قبل ركلات الترجيح
كيف كان يتقرر مَنْ هو الفريق الرابح، حين يتعادل الفريقان، قبل اعتماد التمديد نصف ساعة، ثم قبل اعتماد أسلوب الركلات؟

shutterstock_202140784كان لا بد من إعادة المباراة، أو قذف العملة المعدنية، أو سحب القرعة، إذا تعادل الفريقان. ولكن نظام الركلات اعتُمد بصيغ مختلفة، في عديد من الدورات الرياضية المحلية في الماضي، مثل كأس يوغوسلافيا سنة 1952م، كذلك في كأس إيطاليا في موسم 1958-1959م، وكأس الشبيبة السويسرية في موسم 1959-1960م، ثم أخذت تنتشر الفكرة وتُعتمَد حتى في بعض الدورات الدولية. ولكن ظلّ خيار إعادة المباراة عند التعادل معتمداً في كثير من الحالات.

ولكن في الدورات الكبرى والدولية، كانت إعادة المباراة أمراً متعذراً، لأن في الدورة مواعيد معينة سلفاً للمباريات، ولم يكن ممكناً تأجيل كل الجدول الزمني، بسبب مباراة انتهت بالتعادل، فكانوا يلجأون إلى قذف النقود، أو سحب القرعة. ففي دورة بطولة أوروبا لكرة القدم التي نُظّمت سنة 1968م، فازت إيطاليا في المباراة نصف النهائية على الاتحاد السوفياتي بسحب القرعة، بعد تعادلهما.

كيف اعتُمدت ركلات الترجيح؟
في أغسطس سنة 1969م، نشرت مجلة الفيفا، الاتحاد الدولي لكرة القدم، رسالة تقترح صيغة لركلات الترجيح، بدل سحب القرعة. وأخذ كو إيوي تيك، العضو الماليزي في لجنة الحكّام، يقود الجهود للموافقة على الاقتراح. وقد نوقش الأمر في 20 فبراير 1970م، في إطار لجنة عمل شكّلها مجلس جمعية كرة القدم الدولية (IFAB)، واقترحت اللجنة قبول الفكرة. وأُقرّت الفكرة في الاجتماع السنوي العام، الذي عقده المجلس، في 27 يونيو 1970م. هذه هي القصة الرسمية، لكن وكالة الأنباء الألمانية (DPA) تلقت في 2006م، اعتراضاً من الحكم السابق كارل فالد، يقول فيه إنه هو الذي كان اقترح ذلك أولاً سنة 1970م، على جمعية كرة القدم البافارية.

Soccer - Michel Platiniركلة بلاتيني
كان أول اللاعبين الذين فشلوا في تسديد ركلة ترجيح في تاريخ كرة القدم الرسمي، هو دنيس لو، في مباراة جرت في عام 1970م، بين هل سيتي ومانشستر يونايتد، في مباريات كأس الاتحاد الإنجليزي.

على أن أشهر حادثة إخفاق في تسديد ركلة ترجيح، حدثت في بطولة العالم لكرة القدم، في المكسيك سنة 1986م. لم يكن اللاعب المخفق عادياً، فهو اليوم رئيس UEFA، اتحاد كرة القدم الأوروبي: ميشال بلاتيني.

كان بلاتيني يومئذٍ نجم فرنسا وأوروبا بلا منازع في كرة القدم. لكنه في المباراة تلك، التي كانت مع البرازيل، في الدور النصف النهائي لبطولة العالم، لم يكن في أحسن أحواله. ذلك أنه كان يشكو من آلام، ونزل إلى الميدان بفضل إبرة مسكّن. سجّل بلاتيني هدف التعادل لفرنسا، بعدما كان كاريكا قد سجّل هدف السبق للبرازيل. وهكذا انتهت المباراة وتمديدها، بالتعادل بين الفريقين. فذهبا إلى ركلات الترجيح، فحبس الجمهور والمتفرجون في العالم عندئذٍ أنفاسهم، حين تقدم بلاتيني ليسدد، وإذا به يطيح الكرة فوق المرمى. غير أن فرنسا عادت وكسبت في الركلات 4-3. ولا يسع المرء إلا أن يتصوّر ما كان ليحدث له، لو أنه كان السبب في خسارة بلاده في يوم عيده.

إحصاءات
في ركلات الجزاء، في متن المباراة، لو صد الحارس الكرة لكنها أفلتت من يديه، يمكن للاعبي الخصم أن يعاودوا تسديد الكرة. وفي معظم الحالات يكون الحارس في وضع لا يسمح له بصدها، مرة ثانية. ولذا يشيع اعتقاد أن ركلة الجزاء هي بمنزلة هدف مؤكد.ذلك أنه يصعب كثيراً صد ركلات الجزاء. أما في ركلات الترجيح، بعد التعادل، فلا يُسمح للاعب إلا بركلة أولى. ولذا فإن الإخفاق في التسجيل أكثر حدوثاً منه في ركلات الجزاء في متن المباراة.

في موسم «البريميير ليغ» الإنجليزية لكرة القدم، 2005-2006م، أمكن تسجيل 57 هدفاً من ركلات الجزاء، أي إن %30 من الركلات تقريباً كان نصيبها الإخفاق.

وقد تخصص أستاذ جامعي ألماني في دراسة إحصاءات ركلات الجزاء، في مباريات «البوندسليغا»، طوال 16 سنة. فوجد أن %76 من ركلات الجزاء سُجِلت، خلال هذه السنوات، وأن %99 من الركلات التي وُجِّهت إلى الأعلى في وسط المرمى، سُجِّلت.

في تاريخ اللاعب الإيطالي الشهير روبرتو باجيو، حدث مرتين أن سدد الكرة في أعلى وسط المرمى، فاصطدمت الكرة بالعارضة من أسفلها، ونزلت إلى خط المرمى، قبل أن تدخله.

التوتر في التسديد
والآلام التي كان يعانيها بلاتيني في الواقع، لا تسوّغ فشله في التسديد، فكم من نجم فشل وهو في أحسن حال. بل إن الحدس العام لدى الجمهور، بعد عدد من حوادث الفشل هذه، استبطن نوعاً من الإحساس بأن النجوم البارزين في اللعبة هم أكثر اللاعبين إضاعة لركلات الترجيح. والسبب هو أن الدعاية والإعلام والحديث عن عبقرية هذا النجم أو ذاك، والاعتماد عليه في فوز فريق بلاده، كل هذا يضع فعلاً عبئاً إضافياً على كاهل اللاعب، حتى إذا حانت لحظة الحسم، وتوقفت دقّات الساعة ونبضات القلوب بين النجاح والفشل، استبد به الرعب وتوترت أعصابه على أشد ما يكون.

لكن هذا ليس قانوناً قاطعاً بالتأكيد. فثمة حراس مرمى (والحارس أشد توتراً وحملاً للمسؤولية كما يُفترض) كانوا سبباً لربح فريقهم، لا بصدّ تسديدات الخصم فقط، بل بالتسديد الناجح أيضاً. ففي سنة 2004م، في المباراة الربع النهائية لكأس الاتحاد الأوروبي، صد حارس مرمى البرتغال ريكاردو ركلة اللاعب الإنجليزي داريوس فاسيل، ثم سدد الركلة الحاسمة في المرمى الإنجليزي. وفي بطولة «كوبا ليبرتادوريس» دورة الأندية الأمريكية اللاتينية السنوية سنة 1994م، فعل الشيء نفسه حارس المرمى خوسيه لويس شيلافرت، الذي اشتُهر بأنه حارس المرمى الذي يسجل الأهداف أيضاً، إذ إن في سجله 41 هدفاً سجّلها في مرمى الخصوم.

تقليد وطني!
يرى المتخصصون في الصحافة الرياضية أن تسجيل الأهداف بركلات الترجيح، ليس من صفات أهم اللاعبين. بل إن غير يورديت، من كلية الدراسات الرياضية في النروج، يرى أن النجوم من اللاعبين هم أميل إلى الفشل في هذا من اللاعبين العاديين. فاللعبة هذه لعبة أعصاب، لا سيما في الثواني التي يستغرقها خروج اللاعب من مكان تجمع فريقه، وسيره هنيهات عصيبة باتجاه المرمى، ثم وضعه الكرة وتبادل النظرات مع حارس مرمى الخصم وانتظار صفارة الحكم. الأمور تبدو بسيطة، لكن المسألة أشبه بـ «الاحتضار». لذا فالركلات ليست اختباراً في القوة الرياضية، بقدر ما هي اختبار لقوة الأعصاب. فإذا كان المتفرج الجالس في مقعده، ربما على الطرف الآخر من الكرة الأرضية، يقترب من الانهيار لشدة توتره في انتظار الركلة، فكيف الحال عند اللاعب نفسه؟

ركلات ترجيح في أرقام
في نهائي كأس العالم سنة 1994م، في باسادينا، كاليفورنيا، تعادلت البرازيل وإيطاليا، بلا أهداف في المباراة والوقت الإضافي، ثم كسبت البرازيل بركلات الترجيح 3-2، وفازت بكأس العالم.في نهائي كأس العالم سنة 2006م، تعادلت إيطاليا وفرنسا في المباراة والوقت الإضافي 1-1، ثم فازت إيطاليا بركلات الترجيح 5-3 وفازت بكأس العالم.

أصحاب الرقم القياسي في فشل ركلات الترجيح هم البرازيليون، الذين فشلوا في التسديد 4 مرات متتالية، في كوبا أميركا، في الأرجنتين، 20 يوليو 2011م، فربحت الباراغوي 2-0، وتأهلت للمباراة النصف النهائية.

الرقم القياسي في عدد الركلات حتى الحسم، في مباراة واحدة، هو 30 ركلة احتاج إليها فريقا بروكنهيرست وأندوفر تاون الإنجليزيان، في كأس هامشير سينيور في 9 أكتوبر 2013م، حتى ربح الأول 15-14.

وليس تسجيل ركلات الترجيح من صفات الفرق القوية حتى. فمن اللافت أن بعض الدول أكثر مثابرة على الخسارة في ركلات الترجيح من غيرها. فالإنجليز، الذين ربحوا كأس العالم، في مواجهة ألمانيا، سنة 1966م، هم أسوأ الفرق سجلاً في ركلات الترجيح. فقد خسروا ست مرات، من أصل سبع مرات كان عليهم أن يسددوا ركلات الترجيح في بطولة العالم، أو البطولة الأوروبية. يليهم الهولنديون الذين خسروا أربع مرات من خمس. أما الألمان فقد ربحوا جميع المرات الأربع، حتى إن نقاداً رياضيين محترمين في إنجلترا يرون أن الألمان لا يُهزَمون في ركلات الترجيح. ويحل التشيكيون في المرتبة الأولى، إذ إنهم لم يفشلوا في أي تسديدة في ركلات الترجيح في تاريخ لعبهم الدولي.

الأسباب
تقول إحدى النظريات في تفسير ذلك، إن الهزيمة حين تحدث مرة تدخل في اللاوعي الوطني، وتتسرّب حتى إلى اللاعبين. فيخسرون، إذا كان فريقهم قد خسر في السابق. ويصبحون «قدريين» في هذا الشأن، وقد يُهملون الاستعداد الجيد للركلات.

وثمة تفسير آخر، مفاده ما قاله جون بيلزبيري في جامعة ديكين الأسترالية، إذ يرى أن «البلاد التي يعم فيها الإحساس الجماعي بالطبيعة تميل إلى أن تكون أفضل في ركلات الترجيح، من البلاد التي تنتشر فيها الذهنية الفردية».

وتشير الإحصاءات إلى أن اللاعبين أميل إلى الإخفاق في تسديدهم، حين يسدّدون ركلة يمكن أن تنجّيهم من خسارة المباراة (بتحقيق التعادل) من تسديدهم ركلات تضمن لهم الانتصار. ولذا فإن الفريق الذي يبدأ بالركلة الأولى، أكبر حظاً في الربح من الفريق الآخر، الذي يكون عليه أن يعادل، حين يكون الفريق الأول قد سجّل، وهو يسجّل في معظم الحالات.

فإذا كان بعد هذا ثمّة من يسأل عن سرّ سحر كرة القدم، فالجواب هو أنها ليست رياضة وحسب، بل مهرجان نفساني وموسم عصبي واحتفال وطني على أعلى مستوى، وفي كثير من الأحيان، عيد جماعي تزول فيه الحدود بين مختلف مستويات البشر ومشاربهم. إنها الكرة الأرضية في الاحتفال.

أضف تعليق

التعليقات

هادي الفرطوسي

تحية طيبة وبعد انا قد عملت بحثا قصيرا يتظمن ايجاد بديلا للركلات الترجيحية وهو حل جزئي لرفع مايقع من ظلم على الفرق الكبيرة وقدمته الى الاتحاد العراقي واعطوني موعدا محدد لمناقشته لكني لحد الان لم اتلقى

    محرر القافلة

    أهلا وسهلا بك أ. هادي
    قد تود أن تكتب لنا مقالة موجزةحول هذه الفكرة تعرض فيها رؤيتك البديلة لركلات الترجيح.
    يمكنك مراسلتنا من خلال نموذج التواصل التالي:
    https://qafilah.com/ar/contact/#t5

    محرر القافلة