مائة عام على رحيل جرجي زيدان
فقيد الأدب العربي في الشرق، مؤسس نهضته العلمية، مؤسس مجلة الهلال، ومؤلف عديداً من الكتب التي تداولتها الأيدي في الشرق والغرب. حتى أجمع المثقفون على أنها خير ما ألف باللغة العربية في القرن التاسع عشر. إذ كتب في التاريخ الإسلامي روايات كانت لها ضجة كبرى في الأدب العربي، وترجمها الغربيون والشرقيون إلى لغاتهم، وبذلك رفع شأن الأدب العربي.
ولد جرجي زيدان في مدينة بيروت في 14 ديسمبر 1861م، وتلقى مبادئ العلوم في مدارسها الابتدائية، اضطرته الظروف لمغادرة المدرسة صغيراً لمساعدة والده في أشغاله، وهو لم يبلغ الثانية عشرة من عمره، وكان خلال أشغاله لا يترك فرصة دون أن يستفيد منها بمطالعة ما تصل إليه يده من الكتب، ودرس الإنجليزية في مدة خمسة أشهر في إحدى المدارس الليلية مع مزاولة عمله طوال نهاره وبعض ليله.
في سنة 1881م صحّت عزيمته على ترك عمله وطلب العلم، فلاح له أن الطب خير وسيله تقربه من العلم وتساعده على الكسب. فدرس العلوم الإعدادية كلها على أحد أصدقائه بمدة لا تتجاوز الشهرين ونصف الشهر، ولما حان أوان افتتاح المدرسة تقدم للامتحان واجتازه بنجاح باهر، واجتاز السنة الأولى الطبية بتفوق على أقرانه، ولما وافت السنة الثانية عاد إلى المدرسة، فدرس فن الصيدلة أولاً في بيروت ثم هاجر بعد ذلك إلى مصر لتكملة الطب، ولكنه عدل عن ذلك واشتغل بالعلم وتولى تحرير جريدة الزمان، ولبث يحررها مدة سنة إلى أن كانت الحملة النيلية على السودان عام 1886م، فسار برفقتها مترجماً بقلم المخابرات، وقضى في هذه الوظيفة عشرة أشهر حضر في خلالها المواقع الحربية كلها، وكوفئ على شجاعته وإخلاصه في الخدمة بثلاثة أوسمة.
ولما عاد من الحملة سافر إلى بيروت سنة 1885م لطلب العلم فمكث عشرة أشهر يدرس اللغات الشرقية مثل العبرانية والسريانية، ووضع على إثر ذلك كتابه في الألفاظ العربية والفلسفة اللغوية وانتدبه المجمع العلمي الشرقي عضواً عاملاً.
وفي صيف عام 1886م زار لندن، وتردد فيها على أندية العلم ودور الآثار، ثم عاد إلى مصر، حيث تولى إدارة أشغال مجلة المقتطف، لبث في هذه الوظيفة حتى أوائل سنة 1888م حيث استقال وانصرف إلى الكتابة والتأليف، فألف تاريخ مصر الحديث في جزأين ضخمين، وتاريخ الماسونية العام وغيرهما.
وفي أواخر سنة 1889م تولَّى إدارة تدريس اللغة العربية في المدرسة العبيدية، ولبث في هذه الوظيفة مدة سنتين. ثم تركها وأنشأ مطبعة صغيرة، وانصرف إلى الكتابة والتأليف، ثم أصدر مجلة الهلال في أواخر سنة 1892م وكان في أول نشأته يتولى كل شؤونه بنفسه من إدارة وتحرير ومكاتبات حتى إنه كان بنفسه يغلِّفه ويلصق طوابع البريد، ولما اتسع نطاقها عهد بإدارتها إلى شقيقه متري أفندي زيدان، ورحل عدة رحلات إلى الأستانة وأوروبا وفلسطين، وأنشأ مكتبة الهلال الشهيرة، وعهد إدارتها إلى شقيقه إبراهيم أفندي زيدان.
كان يُجيد تسع لغات قراءة وكتابة، وكانت له مراسلات مع أكثر مستشرقي أوروبا وأمريكا، وكان عضواً في عدة جمعيات علمية وشرقية منها الجمعية الآسيوية الإيطالية والإنجليزية والفرنسية، منحه باي تونس نيشان الافتخار من الدرجة الأولى فضلاً عن أوسمة حرب السودان، وأنعم عليه خديوي مصر برتبة التمايز الرفيعة، ومنحته الكلية السورية الأمريكية في بيروت لقب شرف من ألقابها العلمية.
وأصدر الهلال مدة اثنتين وعشرين سنة انتشر خلالها انتشاراً عظيماً لم يعهد له مثيل بين الصحف والمجلات العربية، وكان يطرق فيه المواضيع الشيقة التي تلفت الأنظار وتثير علمية فكرية في النفوس.
علي عفيفي علي غازي
صحافي وأكاديمي مصري
حلم القافلة
القافلة إحدى أهم المجلات العربية الآن. فهي تجدِّد وتطوِّر لتكون في المقدِّمة. تجيب مواضيعها عن أسئلة الحاضر وتغوص في أعماق المستقبل، تكشف كل ما هو جديد في مجالات العلوم والتكنولوجيا. تسابق الزمن لتصل بقارئها إلى المعرفة الصحيحة لمدى تطور الدول والعقول. تنقب في الماضي، وتتعلم من دروسه لتحافظ على الحاضر وتصنع المستقبل. أحياناً أجدها علمية متخصصة وأحياناً أجدها أدبية متخصصة، لكن أجمل ما يميزها أنها ترى أن العلم طريق النجاح، طريق التقدم، طريق المستقبل، وأجد البون شاسعاً بينها وبين حالنا العربي، وأتمنى أن نسير نحن العرب على دربها، هدفنا العلم لحل مشكلات أوطاننا.
أتعجب من الذين تسألهم عن حاضرهم فيجيبون بماضيهم. إننا نحن العرب نقول دائماً إننا حكمنا نصف العالم. فهل سنظل نفتخر أننا كنا نمتلك العلم وأوروبا كانت تعيش في الظلام؟ كان من أراد العلم فعليه ببغداد أيام الخلافة العباسية، ومن أراد المعرفة فعليه ببلاد الأندلس. كان علماؤنا هم الأوائل، فالفارابي المعلِّم الثاني وابن بطوطة أول الرحالة والخوارزمي أبو الجبر وابن سينا أبو الطب وابن خلدون أبو التاريخ والاجتماع الحديث.. هؤلاء وغيرهم كثير علَّموا العالم. والآن بعد أن كنا نطعم أهل الأرض وتهابنا كل الدول، لم يعد يبقى لنا إلا الفخر والاعتزاز بالماضي.
تعلَّمنا أن الفتى ليس من يقول هذا أبي إنما الفتى من يقول ها أنا ذا. فمنا من يقول نحن بناة الأهرامات ومنا من يقول جدي صلاح الدين، ويقول آخر نحن أول من بني سفينة.. وهكذا نفتخر بالماضي لكن حاضرنا لا نصنعه فقد أهملنا العلم وضاع منا الحلم. فنحن نستورد الغذاء والدواء والكساء. نستورد كل شيء لأننا لا ننتج إلا القليل.
فمتى نفتخر بالحاضر ويتحقق الحلم؟
مصطفى أحمد عبد القادر البواب
دمشيت، مركز طنطا، جمهورية مصر العربية