بيني وبينك يا صديقي
بيني وبينكَ يا صديقي:
حينما أخلو إلـيَّ أقولُ لـي: من أنتَ؟
لكن لا يردُّ سوى الصدى، من أنتَ ثانيةً!!
وها إنّي كبرتُ وما اهتديتُ إلـى جوابْ
جَرَّبتُ أدخلُني لأقتلَ حيرتـي
فوجدتُني بَشَرًا كثيرًا
بعضهُ ينعى – على بابِ الدقائقِ- عُمْرَهُ الماضي..
وبعضٌ ساهرٌ فـي الحزنِ يكبرُ في غيابةِ جُبِّهِ
يبكي الذينَ تصرَّموا من أهلهِ وصِحابِهِ..
والبعضُ ما زالتْ لديهِ وشائجٌ
بالـحُلْمِ والفَرَحِ اللَّذَيْنِ تَحَدَّيَا هذا الترابْ
بيني وبينكَ يا صديقي:
لا يزالُ الوقتُ يفتكُ بـي..
نـهاريَ كوكبٌ مُتَوَهِّجٌ بالكدحِ والشكوى
وليليَ كوكبٌ مُتَوَهِّجٌ بالـهَجْسِ والنجوى
وبينهما
يَظَلُّ الوقتُ ينسجُ لـي مؤامرةَ اكتئابْ
وأنا إلـى « فيروزَ » أُصغي
راجيًا أن ألتقي بي في « مقامٍ » لا يخونُ
لكي أقلِّمَ بالعذوبةِ كلَّ أظفارِ العذابْ
لا شيءَ أملكُ غيرَ أغنيةٍ ولحنٍ من حريرِ الروحِ
فصله الحنان على مقاس الأرضِ
أجملَ ما تفصّل من ثيابْ
يا طالما قَذَفَتْ بِـيَ الأمواجُ فوقَ سواحلِ الأَلَـمِ الفسيحِ
ولم أزلْ طفلاً
يحفّزهُ الخيالُ إلى التعلّق في «مراجيحِ» السحابْ
أشعلتُ فانوسَ القصيدةِ وانتظرتُ
فلَم يَزُرْنـي الحُلْمُ مشتاقًا ولا صَحَتِ النوافذُ..
هل أنا في العمرِ مصطلحٌ لـعلمِ الحزنِ منسيٌّ بقاموسِ الغيابْ؟
حُلْمي عصًا سحريَّةٌ
أُلقي بـها فتجيءُ بالفَرَحِ الـمُغَيَّبِ
خلفَ أبعادِ البحارِ السودِ
أو خلفَ النجومِ بأفقها
أو خلفَ أكتافِ الـهضابْ
وأعودُ بالشمسِ التي انْتَحَرَتْ
على حبلِ الغروبِ
لكي يعودَ لِـيَ الصباحُ مُحَمَّلاً بالأغنياتِ
فلا أفيقُ على غرابْ
بيني وبينكَ يا صديقي:
لم أزل جُمَلاً مبعثرةً على أطرافِ دائرةِ الحياةِ
فمَنْ سيَجْمَعُني لأُطْبَعَ في كتابْ؟!!