طاقة واقتصاد

النووي و النانوي

  • STOCK101
  • Print
  • Atoms3b
  • Atoms4
  • FEX_020
  • Stock1

تقنية النانو هي تقنية التحكم في تركيب المواد والأجهزة من خلال التحكم بالذرات التي تتكون منها
هذه المواد
على الرغم من الفوائد العظمى للطاقة الذرية وتقنية النانو ثمة هواجس مقلقة لخروج هاتين التقنيتين عما يفيد الناس إلى ما يضرهم د.عقلا الحريص يتناول الرعب النووي وتطبيقاته الواسعة. في عام 1959م تنبأ العالم الأمريكي ريتشارد فينمان R.Fynman بإمكانية السيطرة على الذرة وتساءل عما يمكن أن يحدث إذا تمكنا من تحريك الذرات وصفها واحدة واحدة بالشكل الذي نحتاج إليه. كان ذلك يُعد ضرباً من الخيال. لكن في السبعينيات ظهر اسم تقنية النانو NanoTechnology، وهي تقنية التحكم في تركيب المواد والأجهزة من خلال التحكم بالذرات التي تتكون منها هذه المواد.
على ذلك فهذه التقنية تعني التحكم بالذرات في مدى وحدة القياس: النانو. والنانومتر يساوي 10-9 م، أي واحد من البليون من المتر «واحد من مليار من المتر»، وهو ما يساوي تقريباً طول خمس ذرات مصفوفة جنباً إلى جنب. وفي الثمانينيات، كانت بدايات ثورة هذه التقنية الفتية، والتي، حتى الآن، لم تتضح معالم خيرها وشرها بشكل كامل، بخلاف الحال بالنسبة للطاقة النووية.
من حرب النجوم إلى حرب النانو
الرعب النووي:
لعل أساس العلوم النووية الحديثة وأجدرها بالذكر هنا هي دراسات العالِميَن بلانك وأينشتاين في مجال الكم والنسبية الخاصة، والتي كان أهم نتائجها تحديد علاقة الكتلة بالطاقة، والتي تمخضت عام 1905 تقريباً عن معادلة أينشتاين المشهورة E = mc2، حيث E هي الطاقة، وm الكتلة، C سرعة الضوء (والتي تبلغ 300 ألف كم في الثانية). وهذا يعني أن هناك طاقة هائلة تكمن في الكتلة.

لم يلتفت العالم بجدية إلى هذه المعادلة إلا بعد أكثر من ثلاثين عاماً، وذلك حين اكتشفت ظاهرة انشطار نواة اليورانيوم، والتي أتت نتيجة بحوث وتجارب متواصلة من عدد من العلماء على تفاعلات الجسيم الجديد، النيوترون، مع العناصر المختلفة. وتساءل العالم بوهر مذهولاً وهو يناقش أينشتاين في هذه الظاهرة، ما مقدار الطاقة التي يمكن أن تنتج من مثل هذا الانشطار!

في هذه الأثناء اشتعلت الحرب العالمية الثانية، فكان من الطبيعي أن تتجه الأنظار إلى هذا المخزون الرهيب من الطاقة، وكيفية استغلاله عسكرياً. لقد كان ذلك حاضراً في أذهان العلماء في أمريكا، فحذروا الرئيس الأمريكي من احتمال أن تستغل ألمانيا نتائج تلك الأبحاث في إنتاج أسلحة نووية لخدمة أهدافها العسكرية. وقد أخذ هذا التحذير مأخذ الجد. فأعطي العلماء في أمريكا الضوء الأخضر للسير في هذا الاتجاه بشكل سري للغاية.

أشرف العالم الإيطالي فيرمي Enrico Fermi وزميله زيلارد Leó Szilárd على بناء أول مفاعل نووي في العالم، والذي تم تشغيله عام 1942م معلناً بذلك انطلاق مشروع مانهاتن، حيث كانت الأبحاث تجري باستخدام ذلك المفاعل على قدم وساق حتى تم تتويج ذلك المشروع بأبشع تاج، وهو إنتاج أول سلاح نووي، وكان ذلك عام 1945م. فتم بنجاح، في صحراء نيفادا بنيومكسيكو في 16 يوليو 1945م، تفجير أول قنبلة نووية في التاريخ، فكانت النتيجة مرعبة، وفوق كل تصور.

هددت أمريكا اليابان، لكن اليابانيين لم يأبهوا بالتهديد، فصدرت الأوامر بإلقاء القنبلة النووية الأولى، التي سماها الأمريكان «الولد الصغير» Little Boy، على مدينة هيروشيما، وكان ذلك في السادس من أغسطس 1945م، فقتل عشرات الألوف من البشر في لحظات، وتحولت المدينة إلى خراب. وبعد أيام من هذه الفاجعة، وكان ذلك في التاسع من أغسطس، صدرت الأوامر بإلقاء القنبلة الثانية التي سميت «الرجل السمين» (Fat Man) على مدينة ناجازاكي، فكانت تلك هي القاصمة، وكانت كافية لإيقاف الحرب واستسلام اليابان، والذي تزامن كذلك مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.
نهض العالم أجمع يستنكر استخدام هذا السلاح المخيف، وفي الوقت نفسه، نحا عدد من الدول منحى آخر، فسعت سعياً حثيثاً إلى تصنيعه أو امتلاكه. فقد رأت أن هذا السلاح يعطيها القوة والمهابة. فبرزت خلال العقود الماضية دول عظمى ترّست نفسها بهذا السلاح، بل توالت البحوث في هذا المجال، حتى تمكن العلماء من إنتاج ما يسمى بالقنبلة الهيدروجينية، والتي تفوق قوتها قوة القنبلة النووية بعدة مرات، وهي تقوم على ظاهرة الاندماج النووي، مما يمكن القول تجاوزاً بأنها عكس ظاهرة الانشطار النووي. استمرت الأصوات عالية ومنادية بوقف انتشار هذه الأسلحة المرعبة، واتجه العالم إلى استغلال هذه الطاقة الهائلة لخدمة الإنسان ورفاهيته، فكانت أمريكا وروسيا سباقتين في هذا المجال. فقد أنشأتا أول مفاعلين نووين يهدفان إلى إنتاج الطاقة الكهربائية، وكان ذلك في عامي 1951م و1952م. وقد كان من ثمار تلك التوجهات العالمية تأسيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1957م، وإصدار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1968م.

تسابقت دول كثيرة منذ ذلك الحين إلى بناء مفاعلات نووية وتملكها بهدف الحصول على الطاقة الكهربائية أو لإجراء البحوث العلمية، حتى وصل عدد المفاعلات النووية في الوقت الحاضر إلى أكثر من 430 مفاعلاً. وتعتمد بعض الدول، مثل فرنسا، على محطات المفاعلات النووية لإنتاج ما يزيد على 60٪ من احتياجها من الكهرباء.

تطبيقات واسعة
بعيداً عن إنتاج الكهرباء، فإن للمفاعلات النووية تطبيقات واسعة، من أهمها البحوث العلمية المتقدمة في المجالات المختلفة، وتحلية المياه المالحة، وإنتاج النظائر المشعة، وتحليل العناصر بالتنشيط النيوتروني، والتصوير النيوتروني. هذا إضافة إلى استخدامها في بعض أنواع الغواصات والبواخر الضخمة بديلاً للوقود التقليدي.
يثير معارضي الطاقة النووية التكاليفُ العالية لبناء المفاعلات، والمخاوفُ المتعلقة بالسلامة، وصعوبةُ التخلص الآمن من النفايات المشعة. ولقد ساءت سمعة الطاقة النووية بسبب حادث تشيرنوبل عام 1986م، وحالياً بسبب كارثة محطة فوكوشيما في اليابان. وهذا حتماً هو ما سيتبادر إلى ذهن القارئ مباشرة عند الحديث عن التطبيقات السلمية للطاقة النووية.

كلا المحطتين، تشيرنوبل وفوكوشيما بدأتا العمل في السبعينيات الميلادية. ولكن يجب أن نقر بأن مفاعلات محطة فوكوشيما تتفوق في تصميمها على مفاعلات محطة تشيرنوبل فيما يتعلق بجوانب السلامة والأمان، ومن أهمها أن مفاعلات تشيرنوبل تفتقر لحاويات تحمي قلب المفاعل وتحمي البيئة من التسرب الإشعاعي عند وقوع الحوادث. فالإشعاع الذي تسرب من فوكوشيما أقل بكثير منه في حالة تشيرنوبل، وفقاً لما أشارت إليه وكالة السلامة النووية والصناعية اليابانية. هذا رغم شدة الزلزال وضخامة الطوفان الذي ضرب اليابان.

ويجدر بالذكر أن ردود أفعال الدول المتقدمة نتيجة هذه الكارثة كانت متباينة، فبين استمرار دعم الطاقة النووية، إلى تعليق، أو إيقاف المشاريع الجديدة والقائمة في انتظار مراجعة معايير السلامة. إن هذه الكارثة، في ظني، تدعم الخيار النووي لإنتاج الطاقة، وتحفز الصناعة النووية لتكثيف الجهود لتطوير جوانب السلامة عند تصميم مفاعلات جديدة، مع العمل على إنهاء تشغيل المفاعلات الحالية التي لا تتوافر في تصاميمها تلك الشروط التي يجب أن تفرضها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ولعل التكلفة العالية نسبياً لبناء محطات الطاقة النووية يمكن التغاضي عنها، إذا علمنا أن تكاليف تشغيل المحطات النووية على المدى الطويل أقل بكثير مقارنة بالمحطات التقليدية، إضافة إلى أنها أكثر صداقة للبيئة في أثناء تشغيلها.

الرعب النانوي
بعد أكثر من عشرين عاماً من تساؤلات العالم فينمان وتنبؤاته، نشر العالم الأمريكي إ. دريكسلر (E. Drexler)، وكان ذلك عام 1986م، كتاباً بعنوان «محركات الخلق»، تحدث فيه بشكل مشوق حول تقنية النانو والمخاطر المرعبة المحتملة لهذه التقنية. لقد ذهب به خياله بعيداً حين ذكر إمكانية أن تتمخض هذه التقنية عن تصنيع روبوت «إنسان آلي» متناهي الصغر مبرمج وذاتي الاستنساخ «التكاثر»، ويمكنه اللعب بذرات المادة والتحكم بها، وهذا يعني تغيير كل جوانب الحياة الإنسانية.

مكث الخيال غير بعيد، واقترب من الحقيقة. فعلى أرض الواقع، تمكن علماء في أحد مختبرات شركة آي بي إم IBM، وبقيادة العالم د.إيجلر D. Eigler عام 1989م، من كتابة أصغر إعلان في العالم، حيث تمكنوا من كتابة اسم الشركة باستخدام 35 ذرة فقط من ذرات عنصر الزينون، وذلك باستخدام ذكي لمجهر المسح النفقي Scanning Tunneling Microscope، الذي ابتكره العالمان ج. بينيج G. Binnig و هـ. روهرير H. Rohrer عام 1981م.
المواد كلها مكونة من ذرات مرتبطة وفق نسق معين، لذا، فإنه يمكننا أن نستبدل بذرة عنصر ما في منظومة من الذرات ذرة عنصر آخر، ما قد يبهرنا بخصائص جديدة لهذه المادة أو تلك، يمكننا أن نسخرها في الجوانب الحياتية المختلفة.

تقنية النانو يمكن أن تسعد البشرية في شتى مناحي حياتها، في صناعة المنتجات الاستهلاكية، وفي صناعة الحاسبات وأشباه الموصلات، وفي معالجات ومرشحات المياه، وفي الفضاء، وفي الطب والصحة، وفي الزراعة وإنتاج الأغذية، وفي مجال الطاقة البديلة، وفي المجالات العسكرية، وهنا يكمن الخطر.

إن تسابق عدد من الدول المتقدمة لعسكرة العلوم النانوية يزيد من خطورة هذه التقنية على الحياة البشرية. هذه الدول ترى أن هذه التقنية ستوفر لها وسائل قتالية غير تقليدية كانت في السابق تُعدّ ضرباً من الخيال العلمي.

من ذلك تصنيع طائرات تجسس نانوية، وإنتاج ملابس عسكرية تحوي أنسجة ومجسات مزروعة وكمبيوترات متناهية الصغر تقي من الرصاص وتراقب تغيرات جسم الجندي، ويمكنها تغيير لونها الخارجي بهدف التخفي والتمويه.

كما يجري حالياً تطوير معدات نانوية يمكنها إخفاء الجنود جزئياً، ومنحهم صفات غير عادية تخدمهم في أثناء القتال.

تشير بعض الإحصاءات إلى أن هناك نحو 400 مركز بحثي يعمل في مجال تقنية النانو. وأن إيران تحتل المرتبة الأولى في العالم الإسلامي في مجال تقنية النانو والمرتبة 32 على مستوى العالم. وتخطط لأن تكون في المرتبة 15 عالمياً بحلول عام 2015. بينما تحتل إسرائيل المركز الثالث عشر على قائمة الدول المنفقة على أبحاث النانو والتي يبلغ عددها 42 دولة حسب إحصاءات عام 2005م. ويجدر بالذكر أنه قد تم إنشاء عدد من مراكز تقنية النانو في المملكة خلال السنوات الخمس الماضية يدعمها توجه حكومة خادم الحرمين الشريفين لاستغلال هذه التقنية بأقصى ما يمكن لخدمة التنمية. وقد كانت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية هي أول من بادر لإنشاء مركز وطني متخصص في هذه التقنية.

إن الهاجس الذي يراود المنادين بكبح جماح هذه التقنية، هو تحقق فكرة روبوتات النانو ذاتية التكاثر, وإمكانية فقد السيطرة عليها، ما يمكنها من التكاثر حينئذٍ بلا حدود، فتهيمن على حياة البشر.

إن المارد بالفعل قد خرج من قمقمه، وحكومات العالم كانت تتلكأ في مناقشة موضوع رقابة تقنية النانو، ويبدو أن فرصة فرض حظر عالمي، أو حتى تأجيل هذه التقنية قد سنحت ثم ذهبت. وها نحن نعيش الآن بين رعبين، نووي ونانوي.

أضف تعليق

التعليقات