الملف

الأبيض والأسود

يمكن الكتابة عن اللون الأبيض ملفاً متكاملاً، ويمكن الكتابة عن الأسود ملفاً كاملاً متكاملاً أيضاً، فهذان اللونان يدخلان في تفاصيل كل شيء في هذه الحياة. فأحدهما كناية عن النور والآخر هو تمثيل لغياب النور. ثم إن اللون الأبيض تتشكّل منه جميع ألوان الطيف بينما يمتص الأسود الألوان الأخرى أو يغيِّر بطبيعتها إذا ما أضيف إليها. واللونان هذان يمكن لكل منهما أن يعيش ويتواجد وحده، ولكنهما غالباً متحِّدَين في لعبة الضوء والظلّ التي لا يفلت منها أي كائن على وجه الكوكب الأزرق. الملف هنا لا يتناول أحد اللونين وحده، أي حالات الأبيض وحالات الأسود. بل يتناول علاقتهما ببعضهما، فهما لونان يتكاملان في صور كثيرة رغم التناقض الذي قد ينطوي على العلاقة التي تجمعهما.هنا عرض للأبيض والأسود بتناقضهما وباتصالهما وتوازيهما، وفي اشتراكهما بصناعة عالم الألوان، وتداخلهما في عوالم الحياة بتفاصيلها.

لطالما عُومل الأبيض والأسود كلونين نقيضين ونُظر إليهما كضدين، فالأبيض هو ألوان قوس القزح عندما تجتمع، والأسود لون واحد مسيطر يمتص سائر الألوان، أو يكون حيث ينعدم الضوء نفسه، وطوال التاريخ المعروف للبشرية بكل ما فيها من ثقافات وحضارات، كان يتم إسقاط هذين اللونين على أمور وأشياء لا حصر لها، بدءاً بالخير وكذلك الشر والليل والنهار والعدل والظلم إلى السعادة والحزن والغِنى والفقر والكراهية والحُب إلى الحياة والموت. وكأن نهاية الأبيض هي بداية الأسود أو العكس، أو لكأنهما رغم كل تناقضهما يكملان بعضيهما، فلا ضوء بلا عتمة، ولا ظلّ بلا شعاع، ولا سواد مطلق ولا بياض مطلق.

ولا نرى الألوان إلَّا لأنّ ضوءاً نزل عليها فتلقته عيوننا ومنها إلى خلايا محدَّدة في أدمغتنا، وفرّقتها إلى ألوان حسب موجات معيَّنة. ولا نرى الأشياء وأشكالها وألوانها إلَّا لأنّ ظلّاً تخلّلها أو عتمة، فتصنع حدوده بالنسبة لناظرها، وهذا ما يجعل من السهل رسم أي شيء بالأبيض والأسود، بواسطة التظليل، ويمكن رسمه ثلاثي الأبعاد أيضاً بحسب درجات التظليل المستعملة. إذاً نحن نرى أي شيء لأن الضوء والعتمة شكّلاه، أي الأبيض والأسود، ونرى لونه بسببهما أيضاً، وكأن هذين اللونين، اللذين لا يُعدَّان من الألوان لدى علماء اللون، يعملان في خدمة ما سنراه وما سيصل إلى أدمغتنا من صور يحلّلها الدماغ في سواده وبياضه هو نفسه.

فالدماغ أبيض وأسود في الأصل. وثمة جزء كبير منه أسود اللون، يشار إليه في التعريفات العلمية بالمادة الرمادية، وهو مؤلَّف من الميلانين العصبي، وهي الصبغة نفسها التي تعطي البشرة والشعر لونيهما. كما يحتوي الدماغ أيضاً على المادة البيضاء، وهي الألياف العصبية التي تربط المادة الرمادية ببعضها. إذاً مصفاة الألوان التي نراها في الطبيعة، أي الدماغ، بيضاء وسوداء.

والقلب نفسه، الذي يضخ الدم في أنحاء الجسم، ومكان العاطفة والحُب والأمان – الوظيفة التي منحته إياها الشعوب القديمة – هذا القلب يمكنه أن يكون أبيض لدى الشخص الكريم الصالح والمتفاني والمحب والمؤمن، فيقال إنه شخص قلبه أبيض، ويمكنه أن يكون أسودَ في الأشخاص البخلاء الأشرار الظالمين المكتئبين والكفّار، فيقال إنهم أصحاب القلوب السوداء. حتى في السحر والسحرة هناك الأبيض والأسود، وفي القروش حيث ينفع القرش الأبيض لليوم الأسود، وفي الأيام وفي الأحلام وفي تفاصيل الأخلاقيات اليومية، هناك منها البيضاء والسوداء.

قلم الفحم الأسود يمكنه أن يخطّ على صفحة بيضاء بشطحات قليلة، لوحة أو لغة أو تشكيل، والقلم الأبيض على لوحة سوداء يمكنه الأمر نفسه، تنافرهما يصنع عملاً مشتركاً بينهما. كما هو حال الشر الأسود الذي لا يُعرَّف أو يحدَّد بلا تعريف الخير الأبيض. فبهذا يُعرف ذاك أو توضع الحدود متى يبدأ هذا لينتهي ذاك.

لذا يمكننا القول إنه في البدء كان الأبيض والأسود، أو الأسود والأبيض. ليس أحدهما قبل الآخر، بل معاً في اللحظة نفسها، لأن لا وجود لأي منهما من دون الآخر.

غياب الألوان، اجتماع الألوان
أدخل البشر الأبيض والأسود في تفاصيل كل شيء ومنحاهما صفات أبعد بكثير من بنيتهما الأصلية، فصارا الدليل إلى كل نقيضين. ففي العربية، الأبيض هو السّيف، واليد البيضاء تدلّ على الإنعامِ والإحسان، ويمكن لليد البيضاء أن تحمل السيف الأبيض وترتكب عملاً أسود، وقد يكون حمل السيف لفعل الخير الأبيض أيضاً، فالأمر يختلف بين وجهتي نظر القاتل والمقتول. ويقول العرب إن فلاناً أبيض الوجه أي مُتهَلِّل، نقي السرِيرة لا عيوب فيه، ولكن هذا لا يعني أنه أبيض فعلاً، فقد يكون المرء أسود أو أسمر أو أحمر اللون، لكن سريرته بيضاء. ويقول العرب امرأة حمراء، أي بيضاء، “لأن العرب لا تقول رجلٌ أبيض من بياض اللون، إنما الأبيض عندهم الطاهر النقي من العُيوب، فإذا أرادوا الأبيض من اللون قالوا أحمر”، بحسب قاموس المعاني.

وموتٌ أَبيض هو الذي يأتي فجأة من دون أن يسبقه مرض يغَيّر اللون. وهناك الطاعون الأسود أو الموت الأسود، وسمي كذلك عندما اجتاح أنحاء أوروبا بين عامي 1347 و1352م، وتسبّب في موت ما لا يقل عن ثلث سكان القارة. والخيط الأبيض ينبلج من وسط السواد، أي بياض الفجر وأشعَّته. ولكن في الطرف الآخر من العالم ينبلج الأسود بعد الغروب. فالخطان الأبيض والأسود في فجر أو في غروب يُحدِّدان من وجهة الناظر، ولا معطى قيمي يفاضل أحدهما على الآخر، فالأبيض يحتاج إلى الأسود لينبلج… والعكس. والفقر له حالان أيضاً، حال تتبلبل فيها الخواطر من الهمّ والغمّ وكثرة العيال وانكسار النفس، وهو الذي يبدِّد الذهن ويقتل النبوغ وهو فقر من ليس في بيته دقيق، وهو الفقر الأسود. أما الفقر الأبيض فهو حالة الإنسان الفقير لكنه خفيف المؤونة، راسخ الطمأنينة ولا يؤثر الفقر إلا على سطح جسمه، ومظهر لباسه، وأما خاطره فمستقر ثابت.

اللونان في الثقافاتاللون الأبيض في الإسلام يرتبط بشكل جليّ في كونه لون ملابس الإحرام عند أداء مناسك الحج في مكّة. وروى الترمذي وأبو داوود عن ابن عباس الحديث النبوي الشريف: “البسوا من ثيابكم البياض، فإنها خير ثيابكم، وكفّنوا فيها موتاكم”.

وارتبط اللونان الأبيض والأسود بالليل والنهار، وهما الفيصل في بدء الصيام في شهر رمضان المبارك، ﴿وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ سورة البقرة آية (187).
يمكن أن نعرِّف اللون الأسود بأنه الانطباع عندما لا تأتي أي أشعة ضوئية باتجاه العين. أي حين لا تتحفَّز أي من المستقبلات اللونية في العين بفعل الأشعة الضوئية. واللون الأسود هو غياب كل لون، وهو الظل، والعتمة والليل، اللامتناهي والسريّ ومثير الرهبة، رمز الفناء والموت والأسى في ثقافات شعوب كثيرة. والأسود هو لون أعماق الأرض، ولون أعماق الماء. وهو رمز الشتاء والماء والفوضى لدى الصينيين. وبعض الآلهة الوثنية عند اليونان والرومان.

الظلّ أسود أيضاً. هو عتمة يصنعها النور، سواد ينتجه البياض. الظلّ المعتم توأم كل شيء يقع عليه الضوء. ويعتقد بعض الشعراء أن الظل كائن حي لكنه يعيش في عالم موازٍ. وهنا أيضاً يمكننا العودة إلى النقيضين المتكاملين. كل عالم له ما يقابله، كما الشيء وصورته في المرآة. والأسود صورة الأبيض، والأبيض صورة الأسود، في عوالم الضوء المطلق، وفي عوالم العتمة المطلقة.

اليابانيون القدامى الذين كانوا مجبرين على الإقامة برضى أو إكراه في غرف مظلمة، اكتشفوا الجمال في الظل، وتواصلوا مع ظلالهم وصنعوا من عالم الظلال فنوناً جميلة. وفي أوروبا خلال العصور الوسطى، كانت تتم معاقبة ظل النبيل عوضاً عن جسمه كإجراء تحايلي يجنِّبه الأذى الفعلي. وبحسب ابن منظور في لسان العرب: يُقال للرجل إذا مات وبطل: ضحا ظله. يُقال ضحا ظله إذا صار شمساً. وإذا صار شمساً فقد بطل صاحبه ومات”. فإذاً، الرجل حي طالما أن ظله حي. أي طالما أنه يتمكَّن من الوقوف.

الأبيض والأسود في دب الباندا
أشارت دراسة أعدَّتها جامعة كاليفورنيا إلى أن للعلامات السوداء والبيضاء في جسم دب الباندا وظيفتين، هما التمويه والتواصل. فاللون الأبيض في الوجه والعنق والبطن والردف يساعد دب الباندا على الاختباء في الثلج، أما اللون الأسود في الذراعين والساعدين فيساعدها على الاختباء في الظل.وأوضحت الدراسة أن الألوان في رأس دب الباندا لا تُستخدم للاختباء من الحيوانات المفترسة، بل لها دور في التواصل. أما الأذن الداكنة فتساعد في نقل شعور الاستنفار للتحذير من الحيوانات المفترسة.

من يظلم الآخر؟بعض الوجوه الأخرى لكل منهمالم يكن الأبيض دوماً صاحب الثواب. ولطالما تبادل مع الأسود الدلالة الواحدة. ففي ملابس الحداد وطقوس الموت، وفي حين نرى أن المجتمعات الغربية اختارت الأسود للإعلان عن الحزن والخسارة، يحل الأبيض محل الأسود في هذه الوظيفة في الهند، فهو لباس المرأة التي فقدت زوجها، كما أنه لون غطاء الرأس التي تضعه المرأة في بعض المجتمعات العربية خلال حدادها على شخص عزيز، وهو أيضاً لون الكفن الذي يُلف به جسد الميت. والماء الأبيض في العين هو سبب ضعف النظر حتى العمى، والليالي البيضاء هي تلك التي جفاها النوم همّاً وقلقاً. كما يمكن للأسود أن يتموضع في أماكن ومفاهيم إيجابية وجميلة وخيّرة . فكم تغزَّل الشعراء بالعيون السود والشَّعر الأسود؟ وهو أيضاً لون الملابس عندما يكون الوقار هو المطلوب من هذه الملابس، ولون السماء التي تبرز منها النجوم متلألئة، ولون أشياء كثيرة مفيدة من حولنا مثل إطارات السيارات وأسفلت الطرق وصولاً إلى أغلى الأشياء مثل اللآلئ السوداء.

إضافة إلى ما تقدَّم، يمكن لبوصلة العقل أن تفقد الاتجاه السليم في التطلع إلى دلالات الأبيض والأسود. فالغراب مثلاً، تذكر الأساطير أنه تعرَّض للظلم بسبب لونه. لقد وُصف بأسوأ الأوصاف بسبب سواده. علماً أنه من أذكى الطيور، كما سبق وكشفنا في ملف حول الغراب، نشرناه على هذه الصفحات بالذات.

ميشيل باستورو وآلان باديو في تاريخالأسود والأبيض
اللون ظاهرة فيزيائية بالتأكيد، لكنه أيضاً “تركيب ثقافي معقَّد”، إذ كما يمثِّل اللون الأسود رمز الحداد والموت في بعض الثقافات كالأوروبية والعربية، يمثل اللون الأبيض رمزهما في الثقافة الصينية مثلاً. وثمة شر واحد بلونين متعارضين: “الساحرات السود في مسرحية ماكبث، وملكة الثلج الأبيض لأندرسن”، كما يذكّر آلان باديو في كتابه الأخير (2015م) عن اللون الأسود: “جدلية اللون الأسود”. وكان ميشيل باستورو قد درس في كتابه “الأسود: تاريخ لون” (2008م)، تجليات اللون الأسود، في التاريخ الغربي، وذي الحضور العريق المتميِّز منذ استخدامه منذ ما قبل التاريخ لرسم شخوص الفنون الكهوفية الميتافيزيقية.الأسود لون المزج المتوازن بين الأقطاب المتناقضة: مثلاً هو لون البؤس ولون الأناقة أيضاً، وهو لون الموت، والتكاثر أيضاً في بعض الثقافات. لذلك استخدم باديو مصطلح ديالكتيك Dialectique في عنوان كتابه،
ودرس، في ما درس، علاقته الفلسفية التعارضية مع اللون الأبيض. وقد درس الفيلسوف آلان باديو في كتابه مجمل تجليات التعارض بين الأبيض والأسود في الثقافة الأوروبية (التي تختلف كثيراً عن تكامل اليين واليانغ الصينية)، وبشكل خاص ديالكتيك اللون الأسود الذي يبدو غالباً رمزاً “لنقص ما، ولثراء كثيف في الوقت نفسه”.أحد هذه التجليات إشكالية “الصفحة البيضاء” الشهيرة: عدوة الكاتب، وعقدة وهوس مخاوفه من ألَّا يجد ما يكتبه. أليست الكتابة “علامات سوداء تهزم الجفاف الأبيض”؟.تعبر فصول كتابه كل التجليات الحديثة لتاريخ ثنائية الأبيض والأسود. لعلّ آخرها ثورة استبدال السبورة السوداء والطباشير الأبيض اليوم، بالسبورة البيضاء وأقلام التخطيط السوداء.لا ينسى باديو التعرُّض لمدلول أو رمزية ألوان الأعلام كما تستخدمها الحركات الثورية والفاشية والعدمية؛ ويدرس في فصلٍ خاص، مصطلح “الرجل الأسود” الذي اخترعه الرجل الأبيض. يستهل ذلك بعبارة جان جينيه في مسرحيته “الزنوج”: “ماذا يعني إذاً: رجل أسود؟ وقبل ذلك: ما لون الرجل الأسود؟”.

أما أسوأ تجليات ربط القيم والدلالات بالأبيض والأسود، فتتمثل في فصل طويل من تاريخ الإنسانية، وهو التمييز العنصري على أساس لون البشرة، ما بين العِرق الأبيض والعِرق الأسمر (الذي سُمِّي بالأسود علماً أنه ليس كذلك تماماً). واستمر هذا التمييز حتى نهاية القرن الماضي في دولة جنوب إفريقيا.

والثلج الذي يشير إلى طبيعة ناصعة البياض هادئة ومسالمة ونقية، هو نفسه يسبب الكوارث الطبيعية ويشل حركات بلاد بأكملها، وتعادل انهياراته في الجبال الزلازل من حيث الخوف منها والضحايا التي تتسبَّب في وقوعها.

قد تكون سطوة الثلج قادمة من سلطة بلاد العالم الأول وسكانها البيض. لكن حال الأسود لم يكن سيئاً دائماً. فقد مجَّدَه الفايكنغ كلون العالم الماورائي والقوة، واعتبره الصينيون ملك الألوان، وهو لون المياه العميقة عندهم. وعند المصريين القدماء ارتبط الأسود بالجدية والوحدة، كما ارتبط بالحزن والنهضة والحياة.

اتحاد الأبيض والأسودتُعدّ أشعة الشمس المصدر الرئيس الطبيعي للضوء على كوكب الأرض، وهي تبدو لعين الناظر ذات لون أبيض، وكذلك ضوء القمر المنعكس على سطحه. وقد بيّن إسحق نيوتن سنة 1666م أنّ الضوء الأبيض يتحلّل إلى الألوان الأوليّة عند تمريره عبر موشور، وأنه يتشكّل مرّة أخرى عند تمرير مجموع تلك الأشعّة على موشور ثانٍ.

بخلط كمية قليلة من الأبيض باللون الأحمر، على سبيل المثال، تكون النتيجة لوناً أحمر فاتحاً، وخلط كمية قليلة من الأسود مع اللون الأحمر يعطينا لوناً أحمر قاتماً
في السينما الحديثة هناك أيضاً عودة إلى الأسود والأبيض رغم الثورة التقنية التي تبهرنا بها سينما اليوم

الثلج الأبيض، على سبيل المثال، هو عبارة عن مزيج من الهواء وبلّورات صغيرة من الجليد، فعندما يسقط الشعاع الضوئي على الثلج، يحدث امتصاص قليل جداً لتلك الأشعّة، أمّا الأغلبية العظمى فتنعكس أو تتبعثر وتتشتّت نتيجة وجود جزيئات الماء والهواء، ولذلك يبدو الثلج أبيض اللون. يحدث في بعض الأحيان أن يرتدّ الشعاع الضوئي داخل البلّورة الجليدية قبل أن يتبعثر، ممّا يجعل الثلج الأبيض ذا مظهرٍ متلألئ.

لكن لنخرج مما يحب البشر تصوّره تجاه كل ما يمنحونه صفاتهم، ومنها الأسود والأبيض. فهما متحدان في أشكال كثيرة في حياتنا، ويكمِّلان بعضهما بعضاً فيها. ولنأخذ الرماد مثلاً.

ينتج الرماد عن احتراق أي مادة عضوية على وجه المعمورة احتراقاً تاماً. وفي عالم الألوان، إذا خلطنا الأسود والأبيض فسنحصل على اللون الرمادي. والرماد نهاية كل شيء، وغير قابل للاحتراق من بعد. والأبيض والأسود يجتمعان في دب الباندا وفي حمار الوحش، وهناك طرفة تقال عن الحمار الوحشي تدلّل على مدى اتحاد اللونين معاً: “هل الحمار الوحشي كان لونه أسود وخُطط بالأبيض، أم كان لونه أبيض وخُطط بالأسود؟”. كما يجتمع هذان اللونان على طاولة الشطرنج في 64 مربعاً موزعة بالتساوي بين الأبيض والأسود، وفي فنجان القهوة الأسود حين ينسكب عليه الحليب الأبيض، وفي صفحات الصحف البيضاء التي تنير أسود الحروف، وفي النفس الأمّارة بالسوء ولو كانت تهدف إلى الخير.

اليين واليانغ وخلافهما
لا يمكن أن يبقى الأبيض والأسود متناقضين أو متعارضين أو كل منهما وحده يحارب الآخر، فأمورهما ليست محصورة بالخير والشر ولا بالنور والعتمة. هناك كثير مما يجمعهما معاً، مما يجعلهما وجهين في عملة واحدة.

المثال الأهم لوحدة الأبيض والأسود هو مفهوم “اليين واليانغ” الخاص بالفلسفة الصينية، لأنه مرتبط بنظرة الصينيين القدماء للكون من حولهم. ففي رأي الصينيين أن في كل الكائنات في الكون قوتين، أي طاقتين متعاكستين، ولكنهما متكاملتان أيضاً، لأنهما في تعاكسهما يتوازن الكون وكل شيء فيه، باعتماد كل قوة منهما على الأخرى، وبتكملة كل منهما للأخرى. وعلى الرغم من تباين (تضاد) اليين واليانغ، فوجود كل منهما مشروط بوجود الآخر، ومن المستحيل أن يبقى أي منهما بمفرده، ويمكن أن نقول إن ما يربطهما هو علاقة تكامل، واعتماد متبادل.

محمد ملص في وحشة الأبيض والأسود
ولد المخرج محمد ملص في القنيطرة بالجولان السوري المحتل عام 1945م، ويمكن القول إنه ينتمي إلى سينما المؤلف كمخرج، فهو كاتب يوميات أيضاً، خصوصاً في كتابه الجديد “وحشة الأبيض والأسود – مفكرة سينمائي 1974-1980” الصادر أخيراً عن دار نينوى بدمشق. وملص أنجز إلى اليوم نحو ثمانية كتب. في كتابه الجديد، وحشة الأبيض والأسود، يمكن قراءته من خلال اليوميات والأحداث كتاريخ وملاحظات وأرشفة لمشاريع سينمائية ولأحلام وأفكار مجهضة في تلك المرحلة، وفي الكتاب مكاشفات عن أحوال الرقابة في التلفزيون والسينما وكيفية التعاطي من قِبل المديرين والعاملين والمسؤولين مع المخرجين الجدد الوافدين إلى قسم الإنتاج السينمائي في التلفزيون. وتلك اليوميات والمذكرات المنشورة تتناول فقط الجانب السينمائي من الفترة التي كتبت عنها، من 1974 إلى 1980م.

ويشار لليين واليانغ بأنهما الشمس والقمر، ويرمز لهما برسمة، وهي دائرة مقسومة إلى نصفين، أحدهما أبيض والآخر أسود، ونجد بداخل النصف الأسود نقطة بيضاء صغيرة، وبداخل الجزء الأبيض نقطة سوداء صغيرة. يطلق على هذه الرسمة اسم “التاي تجي” أي وصول الشيء إلى أقصاه وذروته.

وبسهولة يمكنك رسم الخطوط الأولية لمنضدة أو شجرة أو وجه وببضعة ضربات مُتقنة بالفرشاة باستخدام الأبيض والأسود يمكن الحصول على شكل أكثر واقعية لما نرسمه.

فيمكننا تعريف الرسم بأنه فن استخدام الضوء والظل في تلوين لوحة، وهو محاكاة لعملية الرؤية الفيزيائية التي نرى من خلالها العالم.

فالأبيض والأسود ليسا لونين بقدر ما هما أداتان مُعبِّرتان عن النور والعتمة. ويحدِّدان درجة سطوع أو عتمة لون ما. فعند خلط كمية قليلة من الأبيض باللون الأحمر على سبيل المثال، تكون النتيجة لوناً أحمر فاتحاً، وخلط كمية قليلة من الأسود مع اللون الأحمر يعطينا لوناً أحمر قاتماً.

التصوير الفوتوغرافي بالأسود والأبيض
ظهر التصوير الفوتوغرافي قبل أكثر من قرن ونصف القرن، وكان عند ظهوره بالأبيض والأسود. وبعد أن تطوّر وصار بالألوان، نشهد اليوم عودة إلى ما كان عليه في بداياته. فقد تكرَّست العودة إلى التصوير بالأبيض والأسود في الصور الوثائقية والفنية التي لأسباب تاريخية ترتبط بالقدرة التعبيرية لهذين اللونين التي صارت مرتبطة بما شهده العالم من أحداث وتحوّلات كبرى كالحروب مع بداية انتشار التصوير والصحافة. وبات هذا النوع من التصوير اليوم أحد خيارات المصوِّر المحترف يحقِّق عبره جزءاً من خياراته الإبداعية. فالأبيض والأسود في الصورة جذَّابان، وبهما يمكن إظهار المعاناة، أو إظهار تقاسيم كبار السن من خلال ثلاثة أشياء، وهي: الحدّة وكمية الضوء وعمق المكان. وعلى الرغم من أن بعض آلات التصوير تمتلك خاصية التصوير بالأسود والأبيض، إلَّا أن بعض المصوِّرين المحترفين يلجأون اليوم إلى التصوير بالألوان ثم تحويل الصورة في ما بعد إلى الرمادي بواسطة أحد برامج تعديل الصور.

وفي السينماالأمر نفسه ينطبق على السينما، التي ولدت كالتصوير الفوتوغرافي بالأبيض والأسود، وتلوّنت في وقت لاحق. ففي السينما الحديثة هناك أيضاً عودة إلى الأسود والأبيض رغم الثورة التقنية التي تبهرنا بها سينما اليوم.

البحران الأبيض والأسود
سُمِّي البحر المتوسط بالأبيض، بسبب شكله الجغرافي ومساحته. فمياهه تمتد لمسافات كبيرة، حيث إن البحّارين عندما يبحرون فيه تمتد أنظارهم لمسافات طويلة فيبدو لون الماء مائلاً إلى البياض. ومناخ منطقة المتوسط يلعب دوراً في هذه التسمية بسبب كثافة الغيوم، إذ إنّ الغيوم البيضاء تعكس لونها على البحر ليبدو أبيض. سمَّى العرب البحر الأسود بهذا الاسم، فقد كان العرب قديماً يرمزون للاتجاهات في البوصلة بالألوان، حيث كان اللون الأسود يشير إلى جهة الشمال، واللون الأحمر يشير إلى جهة الجنوب، واللون الأصفر يشير إلى جهة الشرق، والبحر الأسود يقع شمالاً ولذلك فقد ارتبط اسمه بموقعه على البوصلة. وقد يكون السبب مرتبطاً بلون مياه البحر الأسود بسبب كثرة العوالق النباتية في مياهه لأنّها عذبة بسبب مصدرها (نهر الدانوب)، ولأنّه بحر شبه منغلق.

فالمخرج تيم بورتون انتهى حديثاً من فِلم الرسوم المتحرِّكة “فرانكينويني” بالأبيض والأسود مع تقنية الـ “ثري دي”. وجاء هذا العمل بعدما طردت شركة “ديزني” تيم برتون العام 1984م، إذ اعتبرت أن تِلك القتامة الشديدة والكائنات الغريبة التي يتضمَّنها العمل لا تصلح إطلاقاً في فِلم موجّه للأطفال. ولكن بعد ثلاثة عقود من تِلك الحادثة أصبح برتون واحداً من أهم مخرجي الفانتازيا في السينما، بعد النجاح الاستثنائي الذي حقَّقه إخراجه لفِلم “أليس في بلاد العجائب”، محقِّقاً ما يزيد على المليار دولار. فعادت الشركة وطلبت منه في العام 2010م، أن يقدّم نسخة رسومية من “فرانكنويني” في ساعة ونصف الساعة، لينتصر الخيال ويذهب به إلى أبعد ما يريد. ثم أجرى تجربة إخراجية أخرى بالأبيض والأسود عندما قدَّم فِلمه (إد وود) وهو فِلم مبني على قصة حياة مخرج أفلام الرعب الرخيصة الراحل إد وود، وهو بمنزلة إعادة لاكتشاف هذا المخرج، والفِلم من بطولة جوني ديب، وسارة جيسيكا باركر. وعلى الرغم من فشل الفِلم مادياً في صالات العرض، إلَّا أنه لاقى استقبالاً جيداً لدى النقَّاد.

أما الفِلم الفرنسي الصامت “ذي أرتيست” أو (الفنَّان) إنتاج 2011م، فقد عُرض بالأسود والأبيض وحصد كثيراً من الجوائز، وهو فِلم درامي رومانسي بطولة بيجو برنيس وجان ديجردان. حصل هذا الفِلم على خمس جوائز أوسكار من بينها جائزة أفضل فِلم وأفضل ممثل لجان دوجاردان وهو أول فرنسي يفوز بهذه الجائزة. وتدور أحداثه حوالي عام 1927م، ويروي قصة ممثل يؤدِّي أدواراً في الأفلام الصامتة، وبعد اختراع الأفلام الناطقة تتقلَّص شعبيته وتتدهور أموره، بينما تتمكَّن بيبي ميلر من دخول عالم النجومية والشهرة.

وكان المخرج الأمريكي وودي آلن قد أطلق مشوار إحياء الأبيض والأسود بين عمالقة الإخراج في هوليوود عبر فِلمه “مانهاتن” العام 1979م، ليضفي مزيداً من السوداوية على الفِلم، الذي شارك آلن في كتابته وتمثيل دور البطولة فيه بجوار الممثلة صاحبة الأوسكار ديان كيتون.

كما لجأ المخرج مارتن سكورسيزي إلى الأبيض والأسود في فِلمه الشهير “الثور الهائج”، من إنتاج 1980م وبطولة النجم روبرت دي نيرو. والفِلم مبني على سيرة الملاكم المعروف جاك لاموتا “الثور الهائج: حكايتي”. ونال دي نيرو عن تجسيده لدور لاموتا أوسكار أفضل ممثل رئيس.

يمكن أن نعرّف اللون الأسود بأنه الانطباع عندما لا تأتي أي أشعة ضوئية باتجاه العين. أي حين لا تتحفَّز أي من المستقبلات اللونية في العين بفعل الأشعة الضوئية

وسار المخرج فرانسيس فورد كوبولا على الدرب نفسه في فِلم “رامبل فيش” العام 1983م من بطولة مات يلون وميكي رورك. ثم جاء فِلم “قائمة شندلر”، للمخرج العبقري ستيفن سبيلبرغ العام 1993م أول من دق باب الأوسكار عبر شريط الأبيض والأسود في عصر السينما الحديثة. وحاز الفِلم سبع جوائز أوسكار من أصل 12 ترشيحاً.

أما فِلم “التاريخ الأمريكي إكس” 1998م، من إخراج توني كاي وبطولة إدوارد نورتون وإدوارد فورلونغ، فيُعد أحد أنجح الأفلام التي وظَّفت الأبيض والأسود في مشاهد “الفلاش باك” بداخلها. وحقق الفِلم نجاحاً كبيراً، كما ترشح إدوارد نورتون عن دوره لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيس.

ويبرز من بين أفلام الأبيض والأسود الأحدث التي حقَّقت نجاحاً كبيراً لدى النُقَّاد، رغم فشلها في شباك التذاكر، “الألماني الطيب” لجورج كلوني وكيت بلانشيت، وهو من إخراج ستيفن سوديربرج في العام 2006م. ويتناول الفِلم قصة صحافي أمريكي أرسلته صحيفته لتغطية وقائع اجتماع قمة قوات الحلفاء في بوتسدام بألمانيا، الذي عُقد لبحث سبل السيطرة على ألمانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

الأسود والأبيض في الشِّعر والنوادر
ما بين الشِّعر الجاهلي مع عنترة بن شداد والشِّعر المعاصر، تضمَّن الشِّعر العربي كثيراً مما دار حول البياض والسواد، من المدح والفخر إلى الهجاء، ومن النوادر الفكاهية إلى ما يرقى إلى أعلى درجات الجدية.

عنترة ينافح عن لونه
فمن يتتبع شعر عنترة، يجد أن سمرة بشرته شكلت مسألة واضحة وبارزة لديه، فهو لا يفتأ يذكر لونه في معظم قصائده:
لئن أكُ أسوداً فالمسكُ لوني ** ومَا لِسوادِ جِلدي منْ دواء
وَلَكِنْ تَبْعُدُ الفَحْشاءُ عَني ** كَبُعْدِ الأَرْضِ عَنْ جوِّ السَّماء
أو في قوله:
لئنْ يعيبوا سوادي فهوَ لي نسبٌ ** يَوْمَ النِّزَالِ إذا مَا فَاتَني النَسبُ
أو في قوله:
دَعني أَجِدُّ إلى العَلْيَاءِ في الطَّلبِ ** وأبلغُ الغايةَ القصوى منَ الرتبِ
لعلَّ عبلةَ تضحى وهيَ راضيةٌ ** على سوادي وتمحو صورة َالغضبِ
أو في قوله :
يعيبونَ لوني بالسواد وإنما ** فعالهم بالخبث أسودُ من جلدي
وما عابَ الزَّمانُ عليّ لوْني ** ولا حَطّ السوادُ رفيع قَدري
أو في:
سَوادي بياضٌ حينَ تبْدُو شَمائلي ** وفعلي على الأنسابِ يزهو ويفخرُ
يعيبون لوني بالسواد جهالة ** ولولا سواد الليل ما طلع الفجر
وإنْ كانَ لوني أسوداً فخصائلي ** بياضٌ ومن كَفيَّ يُستنزل القَطْر
أو في:
تُعيّرني العِدا بِسوادِ جلْدي ** وبيض خصائلي تمحو السَّوادا

المتنبي هاجياً بالأسود والأبيض
والمفاهيم الاجتماعية نفسها التي دفعت عنترة إلى الفخر بسمرة بشرته، هي التي دفعت المتنبي إلى هجاء كافور الإخشيدي ولون بشرته السمراء:
أرِيكَ الرّضَى لوْ أخفَتِ النفسُ خافِيا ** وَمَا أنَا عنْ نَفسي وَلا عنكَ رَاضِيَا
أمَيْناً وَإخْلافاً وَغَدْراً وَخِسّةً ** وَجُبْناً، أشَخصاً لُحتَ لي أمْ مخازِيا
تَظُنّ ابتِسَاماتي رَجاءً وَغِبْطَةً ** وَمَا أنَا إلَّا ضاحِكٌ مِنْ رَجَائِيَا
وَتُعجِبُني رِجْلاكَ في النّعلِ، إنّني ** رَأيتُكَ ذا نَعْلٍ إذا كنتَ حَافِيَا
وَإنّكَ لا تَدْري ألَوْنُكَ أسْوَدٌ ** من الجهلِ أمْ قد صارَ أبيضَ صافِيَا

وفي الإطار الأقرب إلى الفكاهة، يروى أن أبا العتاهية ودعبل الخزاعي وأبا نواس مرّوا بثلاث نسوة، تلبس كل واحدة منهن ثوباً بلون مختلف، فأرادوا التَّندُر بألوان الثياب الثلاثة، الأبيض والأسود والأحمر، فجادت قريحة كل منهم باللون الذي اختاره.

فقال أبو العتاهية في الثوب الأبيض:
تَبَدَّى في ثياب من بياض ** بأجفان وألحــاظٍ مِـراض
فقلت له عبرتَ ولم تسلم ** وإني منــك بالتسليم راض
تبارك من كسا خديك ورداً ** وقدك مثل أغصان الريـاض
فقال نعم كساني الله حسناً ** ويخلق ما يشاء بلا اعتراض
فثوبي مثل ثغري مثل نحري ** بياض في بيـاض في بياض

وقال دعبل الخزاعي في الثوب الأسود:
تبدى في قميص من سواد ** تجلى في الظلام على العباد
فقلت له عبرت ولم تسلم ** وأشمتَّ الحسود مع الأعادي
فقال نعم كساني الله حسناً ** ويخــلق ما يشاء بلا عناد
فثوبك مثل شعرك مثل حظي ** سواد في سواد في ســواد

وقال أبو نواس في الثوب الأحمر:
تبدى في قميص من لهيب ** عدولاً لي يُلقبُ بالحبيب
فقلت من التعجب أنت بدر ** وقد أقبلتَ في زِيٍّ عجيب
أَحُمرة وجنتيكَ كَسَتْكَ هذا ** أم أنت صبَغتَه بدمِ القلوب
فقال الشمسُ أهدَتْ لي قميصاً ** قريبَ اللون من شفقِ المغيب
فثوبي والمُدامُ ولونُ خدي ** لهيبٌ في لهيبٍ في لهيب

وفي الوصف والغزل باللونين الأبيض والأسود، يقول أبو قيس:
رأيتك في السواد فقلت بدراً ** بدا في ظلمة الليل البهيم
وألقيت السواد فقلت شمس ** محت بشعاعها ضوء النجوم

وصولاً إلى الشعر الحديث
ويطالعنا الأبيض والأسود في الشعر الحديث ضمن مواضيع شتى، نكتفي منها بالإشارة إلى قصيدة “الأبيض والأسود” للشاعر العراقي أحمد مطر التي تمحورت حول التمييز العِرقي:

(1) (2)
رجل أبيض
يغفو مبترداً في الظل.
رجل أسود
يعمل محترقاً في الحقل.
هذا الأسود
يجني (القطن)
وذاك الأبيض
يجني عرق الأسود!
في موقدنا …
يحرق فحم مقعد
من موقدنا …
خيط دخان يصعد
يحرق ذاك … ليصعد هذا
لمن السؤدد؟
ألهذا الأبيض …
أم ذاك الأسود؟

(3)
في رأس أبي … كان يعيش الشعر الأسود
يوم أتاه الشعر الأبيض لم يقتل أو يطرد.
لكن لمَّا ازداد الأبيض يوماً … طرد الأسود.

غير أن واحداً من أجمل ما قيل في الإنسانين الأبيض والأسود، وأرقى تصوير لهما، هو ما جاء على لسان سعيد عقل في قصيدته “غنيت مكة”، التي يصف فيها الحجيج في بيت الله الحرام، حيث يتساوى الجميع، فيقول:
وأعزّ ربي الناس كلهم ** بيضاً فلا فرّقت أو سودا

الأبيض والأسود في الرواية
قد تكون عبارة “الأبيض والأسود” مجتمعة أو مفككة من العناوين الشائعة في روايات أجنبية، رغم أن روايات عربية كثيرة حملت هذا الاسم أيضاً في العقود الماضية. وهي من بين العناوين وكذلك في مضامين هذه الروايات التي قد تتناول تناقضات ما أو تمظهرات متضادة متكاملة، أو فكرة العنصرية او الاستبداد أو غير ذلك.
لكن نختار هنا بعض القصص والروايات الشهيرة التي مرَّت في عناوينها عبارة الأبيض أو الأسود أو كلاهما معاً.

رواية الزنبقة السوداء
“الزنبقة السوداء” هي رواية الكاتب الفرنسي الشهير ألكسندر دوما، الذي اشتهر برواياته التاريخية التي تجمع ما بين المغامرات الفردية والأحداث السياسية… ومن أشهر أعماله (الفرسان الثلاثة) و(الكونت دي مونت كريستو).

تدور أحداثها في هولندا في القرن السابع عشر، حيث كانت الاضطرابات السياسية والقتال على أشده بين الأحزاب السياسية المتصارعة وفي خضم هذه الصراعات تنشأ قصة حُب بين كورنيليوس وروزا وينشأ السر الكبير لاكتشاف نوع نادر من الزنابق ذات اللون الأسود.

تختلط السياسة بالمغامرات بالحُب في هذه الرواية، حيث كثيراً ما يكون الحُب ضحية السياسة، ويكون الطمع والحسد أقوى من الأخلاق.

حليب أسود للروائية التركية أليف شفق
مدفوعة بقوة الأمومة وعطائها، وعشق الكتابة وأسرارها، تنقل التركية أليف شفق في يومياتها “حليب أسود” الصراعات التي اعتملت في داخلها قبيل زواجها ثم أثناء حملها بابنتها وإنجابها، ثم يوميات الكاتبة الأم، ومحاولات التوفيق بين الكتابة والأمومة، والتساؤل عما إن كان أحد الأمرين يعارض الآخر أو يقف في طريقه.

تخوض شفق في مذكراتها في مواضيع الأمومة والكتابة والأدب، وتعرض مختلف الآراء التي تتناول هذه العلاقة الشائكة، وتنقل حكايات عدد من الأمهات الكاتبات، وبعض حكايات أولئك اللائي فضلن الكتابة على الأمومة، وتنقل وجهات نظرهن ودفاعهن عن اختياراتهن، معلقة عليها تارة، ومعجبة بهن تارة أخرى.

الحمار الوحشي
خطوط الحمار الوحشي البيضاء والسوداء كبصمة إصبع الإنسان، كل واحدة تختلف عن الأخرى. ويُعتقد بأنها تساعده في التمويه ضد الحيوانات المفترسة، ولكن الأهم في الأمر أنها تقوم بتنفير أنواع عديدة من الحشرات الصغيرة التي تعتمد على الدم ونقل الأمراض.

الزئبق الأسوديُعدّ الزئبق الأسود من المعادن الأسطورية التي يكثر البحث عنها، فهو يمثل كنزاً لكثير من الناس، بعضهم يؤمن بوجوده والبعض الآخر يشككون فيه، ذلك السائل الذي يعطي صاحبه سر الخلود والطاقة الكبيرة، ويستغله المشعوذون والكذَّابون، لخداع الناس وإشعارهم بامتلاك القوة والمال والسيطرة.

قام جابر بن حيان بتقسيم الزئبق إلى نوعيْن، النوع الأول وهو الزئبق الطبي الرمادي المعروف الذي يستخدم في عدة مجالات أهمها في أدوات قياس الضغط وغيرها، والنوع الثاني هو الزئبق المركَّب من كل المواد الكيميائية الموجودة في الجدول الدوري، الذي أخذه الناس والعرَّافون على أنه الزئبق السحري، ويقال له الزئبق الفرعوني، أو زئبق الكهنة، حيث يُعتقَد أن الفراعنة كانوا يضعون قارورة زجاج صغيرة عند رقبة الملك وفي رحم الملكة عند تحنيطها حتى يعطيها القوة ويحرسها من الجن والعفاريت، ولكن بعد الفحص تبيَّن أن هذه الزجاجة تحتوي على دم الملك ومواد التحنيط ومواد عضوية، وبفعل التحلل تحوَّلت إلى سائل لزج قريب من كثافة الزئبق.

الصندوق الأسوديعتقد كثير من الناس أن لون الصندوق الأسود في الطائرات هو الأسود، ولكن لونه برتقالي أو أصفر، وذلك لتمييزه بسهولة بين حطام الطائرة. ولا يزال سبب منحه هذا الاسم غير معروف تماماً. فالبعض يقول إنه سمي باللون الأسود لأنه يسجل حوادث سوداء ككوارث تحطم الطائرات. ويسمى أيضاً بـ “مسجل معلومات الطائرة”. هناك رأي آخر يعود بالتسمية إلى أن مسجلات المعلومات الأولى نفسها كانت سوداء اللون من الداخل لمنع التسربات الضوئية من تدمير شريط التسجيل كما في غرف التصوير الفوتوغرافي.

الفيل الأبيض
يستخدم مصطلح “الفيل الأبيض” على مستوى الاقتصاد في الدول، أو على مستوى استثمارات الشركات والمؤسسات أو حتى على مستوى الأفراد إذا ما كان استثمار أموالهم أو أوقاتهم في مشاريع غير مفيدة وغير مجدية اقتصادياً، ولا تحقق عوائد مجزية مادياً أو معنوياً على أرض الواقع، أو تشغيلهم في المؤسسات في أعمال ضخمة من حيث حجمها والمجهود المبذول فيها ولكنها غير مهمة من حيث القيمة.وفي التراث التايلندي تحترم الفيلة احتراماً كبيراً، ومنها الفيل الأبيض الذي يكون لونه مزيجاً من اللونين البنّي والأبيض، وهو فيل من فصيلة خاصة ويملكه ملكِ تايلند بحكم القانون. وتقول القصة التاريخية إن الملك اعتاد إهداء فيل أبيض لأعضاء حاشيته الذين يرغب في القضاء عليهم والتخلص منهم، إذ إن تكاليف رعاية هذا الحيوان باهظة جداً، وبهذا يضمن صعوبة معيشتهم، في الوقت الذي لا يمكنهم فيه التفريط فيه كونه هدية الملك.

في العام 1953م، كان خبراء الطيران يجاهدون في سبيل معرفة أسباب حوادث سقوط عدد من طائرات شركة “كوميت” التي بدأت تلقي ظلال الشك على مستقبل الطيران المدني برمته. وبعد عام اقترح عالم طيران أسترالي يدعى ديفيد وارن صنع جهاز لتسجيل تفاصيل رحلات الطيران. وكان الجهاز الأول أكبر من حجم اليد، ولكنه يستطيع تسجيل نحو أربع ساعات من الأحاديث التي تجري داخل مقصورة القيادة وتفاصيل أداء أجهزة الطائرة. وأصيب الدكتور وارن بالدهشة عندما رفضت سلطات الطيران الأسترالية جهازه وقالت إنه “عديم الفائدة في مجال الطيران المدني”. وأطلق عليه الطيارون اسم “الأخ الكبير” الذي يتجسس على أحاديثهم. فنقل الدكتور وارن ابتكاره إلى بريطانيا التي رحَّبت به بحماس، وبعد أن بثَّت إذاعة بي بي سي تقريراً حول الجهاز تقدَّمت الشركات بعروضها لتطويره وصناعته.

الثقب الأبيض هو 
نفسه الثقب الأسود…
ربما!لكن الرحلة إلى أحد الثقوب السوداء هي رحلة ذات اتجاه واحد، أي ذهاب بلا عودة. فبمجرد أن تجتاز النقطة التي لا يستطيع الضوء المرور من خلالها، لا يبقى أمامك مجال للعودة. وعلى الأرجح، ستموت بطريقة عنيفة. عندما يستهلك نجم هائل وقوده، ينهار بفعل وزنه، ويهوي إلى أحد الثقوب السوداء. فقط النجوم ذات الوزن الكبير، التي تكون عادة أكبر من شمسنا بنحو 25 مرة، هي التي يؤدي موتها إلى ظهور ثقب أسود.دعنا نقول إنك وصلت بطريقة أو بأخرى إلى أحد هذه الثقوب السوداء، فما الذي ستراه؟في الواقع لا شيء.

الفراشات البيضاء لإنتاج الطاقة الشمسية 
أظهر بحث علمي جديد أن الفراشات البيضاء قد تكون كلمة السر نحو اكتشاف تقنيات جديدة لإنتاج الطاقة الشمسية بكفاءة أعلى وتكلفة أرخص، فقد قام فريق من الخبراء في “جامعة إكستر” باختبار تقنيات جديدة لتوليد الطاقة الكهروضوئية، وهي طرق تستخدم في تحويل الضوء إلى طاقة. وقد وجد العلماء أنه بتقليد وضعية حرف (V) الذي تتخذه “فراشات الملفوف البيضاء” لتدفئة عضلات الطيران لديها قبل إقلاعها، يمكن أن يرفع من الطاقة التي تنتجها اللوحات الشمسية بحوالي %50 تقريباً. الأمر الأهم أنه باستنساخ البنية الشبيهة بالجناح في نظام الطاقة الشمسية، فإن نسبة الطاقة إلى وزن البنية الإجمالية للنظام ازدادت بمقدار 17 ضعفاً، مما جعله أكثر فعاليّة في إنتاج الطاقة. تُعرف الفراشات البيضاء بقدرتها على الطيران أفضل من الفراشات الأخرى في الأيام الملبدة بالغيوم. ويعتقد أن هذه القدرة مستمدة من وضعية حرف (V) المعروفة بـ “التعرض الانعكاسي للشمس” (reflectance basking) حيث تتخذ الفراشات هذه الوضعية لأيام حتى تزيد من تركيز الطاقة الشمسية على صدورها مما يمكِّنها من الطيران. كذلك توجد هياكل فرعيّة خاصة لأجنحة الفراشات تسمح لضوء الشمس أن ينعكس بالكفاءة القصوى لتضمن أن عضلات الطيران سيتم تدفئتها إلى درجة الحرارة المثالية للطيران في أسرع وقت ممكن.
المصدر: https://nasainarabic.net/main/articles/view/butterflies-heat-up-the-field-of-solar-research

فقط اللون الأسود. ولو قمت بالدوران حوله، ستجد أنه كروي الشكل، ليس كتلك الثقوب المحمولة المسطحة التي تظهر في أفلام الصور المتحركة.ولرؤية منظر أكثر إثارة، انتقل إلى مركز درب التبانة، حيث يوجد ثقب أسود هائل أكبر من الشمس بحوالي أربعة ملايين مرة. وقد أدَّت جاذبية هذا الثقب الأسود إلى تجمع كثير من جزيئات الغبار والغازات التي تراكمت على شكل أسطوانة تتصاعد داخل الثقب.ذلك القرص الساخن له منظر أخّاذ. أما بالنسبة للثقب الأسود نفسه، فلن يكون بإمكانك رؤيته مباشرة. إذ إنه مغلف بالغبار والغازات. لكن بإمكانك أن ترى كيف تقوم جاذبية الثقب الأسود بتغليف أشعة الضوء حولها، محدثة بذلك صورة بصرية في المواد المحيطة بالثقب، يطلق عليها اسم “ظل الثقب الأسود”. تقول الفرضيات إنك إذا اقتربت من الثقب الأسود، فسوف تتمدّد وتصبح مثل المعكرونة الرفيعة الطويلة، بمعنى أنه إذا دخلت إلى الثقب الأسود بأقدامك أولاً، فسوف تتعرّض أقدامك لجاذبية أكبر بكثير من الجاذبية التي يتعرَّض لها رأسك. وكلما اقتربت أكثر من الثقب، سيؤدي الفرق في قوة الجاذبية التي تتعرّض لها بين رأسك وأقدامك إلى أن يتضخم رأسك حتى ينفصل عن جسمك. وعلى الفور تقوم هذه الجاذبية المتردِّدة بتحويل كل خلية في جسمك وكل جزيء وكل ذرة إلى أجزاء أصغر.يظهر مفهوم الثقب الأبيض كجزء من حل الفراغ لمعادلات حقل أينشتاين، فيكون أحد أطراف الثقب الدودي عبارة عن ثقب أسود يسحب المادة نحوه، في حين يُوجد ثقب أبيض عند النهاية الأخرى.يُمثل الثقب الأبيض المعاكس الزمني النظري للثقب الأسود. وبرهن عالم الفيزياء ستيفن هوكينغ على أن الثقب الأسود يُصدر أشعة ويستطيع أن يتوازن حرارياً، ويبقى هذا التوازن ثابتاً عند انعكاس الزمن. لذلك، فإن المعاكس لحالة الثقب الأسود الموجود في توازنٍ حراري هو ثقب أبيض في حالة توازن حراري، مما يعني أن الثقب، أسودَ كان أم أبيض، هو الشيء نفسه.تتشكل الثقوب السوداء الحقيقية جرّاء انهيار النجوم. لكنّ الثقوب البيضاء تتحرك بعيداً عن المادة، ولذلك لا يُمكن أن تُوجد في حالة اتصال مع ثقوب سوداء لأن وجود المادة سيتسبَّب في انهيارها.ولذا، لا تزال الثقوب البيضاء مجرد مفهوم نظري عالي المستوى؛ ولم يستطع أي شخص رصدها، وقد لا يتمكَّن أحد من القيام بذلك. ويعتقد بضعة علماء أنّ الثقب الأبيض قد يكون جزءاً من مفهوم يُعرف بـ “الكون الولود”.

المصدر (بتصرف): https://nasainarabic.net/education/articles/view/what-is-a-white-whole

 

البيت الأبيض The White House 
ربما يكون البيت الأكثر شهرة في العالم، فهو مقر الإقامة والرئاسة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وهو المقر الرسمي والمركزي لأعلى سلطة تنفيذية في الولايات المتحدة الأمريكية، كما يمكن وصفه موضوعياً، ولكنه الآن مركز قيادة العالم على ما يصفه مناهضوه أو مساندوه.يقع في العنوان المعروف بواشنطن دي سي، مقاطعة كولومبيا، 1600 شارع بنسلفانيا، ويُعد أشهر القصور الرئاسية في العالم.بينما كان يتم تطوير العاصمة واشنطن عقدت مسابقة لاختيار مهندس لتصميم البيت الأبيض، ولقد فاز بها المهندس جيمس هوبن. بُدئ العمل فيه في عام 1792م حيث أُحضرت الأحجار من أسكتلندا، وأشرف على بنائه الرئيس جورج واشنطن.يقع البيت الأبيض على قطعة أرض مساحتها 7.3 هكتار، ويتكوَّن أساساً من الحدائق ومجمع البيت الأبيض الذي يتكوَّن بدوره من المقر الرئيس والجناح الشرقي والجناح الغربي.

 

خروف أسود وخروف أبيض
“خروف أسود” هو تعبير اصطلاحي بين الناطقين بالإنجليزية، يُستخدم لوصف عضو غريب من داخل مجموعة ما، وخاصة داخل الأسرة. وأصل المصطلح نابعٌ من حالة شائعة بين الأغنام، حيث يُولد أحد الخراف بلون أسود عوضاً عن اللون الأبيض السائد. وتبرز هذه الأغنام بين القطيع، وعادةً ما يُعد صوفها ذا قيمةٍ أقل. وللمصطلح مدلول سلبي عادة ويأتي في سياق يُعبِّر عن التمرد.وفي علم النفس، يشير “تأثير الخروف الأسود” إلى ميل أعضاء مجموعة ما للحكم السلبي على بعض الأعضاء مقارنة بالآخرين. ويُقصد به فرد يحمل قيماً ومعتقدات مختلفة عن بقية القطيع.

 

أضف تعليق

التعليقات

رضوان الكوج

جميل جدا