بداية كلام

ماذا في ذاكرتك عن يومك الأول بالمدرسة؟

توصيات أهلي وقسوة الأستاذ
غسان حيدر ـ صحافي وإعلامي من اليمن
أتذكَّر لهفة أبي عند أول يوم فراق وأنا طفل لم أكمل سن الرابعة، ووجه أمي وهي تحذِّرني ألَّا أنسى شرب الماء.. وأذكر حافظة الماء (الزمزمية) التي كان لونها يميل إلى الأخضر الداكن. ولأنَّ العام الدراسي يبدأ في الأيام الباردة، أتذكَّر البخار المتصاعد من فمي أثناء الحديث ودِفْء السترة المحشوة بالفرو .. أتذكَّر اهتمام أبي بألَّا أبرد أو أجوع أو أعطش. أتذكَّر معاناتي في أول يوم دراسي مع دورة المياه. لم أستطع أن أدخل دورة مياه المدرسة المختلف كلياً عن دورة مياه البيت وعانيت كثيراً إلى أن عدت إلى المنزل.. وأتذكَّر أستاذي المصري، وكم كان مخيفاً بالعصا الطويلة في يده ونبرة صوته الغليظة.

 

شعوري بالوحدة ومحاولة الاحتماء بأختي
د. أميرة كشغري ـ أستاذة جامعية وكاتبة من جدة
أتذكَّر طابور المدرسة في اليوم الأول وأنا في السنة الأولى، وأختي في صفها الأكبر منَّي بسنوات. من فصلي الصغير، لا أذكر شيئاً سوى شعوري بأننَّي وحيدة أمام عشرات من الوجوه التي ألقاها لأول مرَّة. أكفكف دموعي وأتسلَّل خارج الفصل متجهة إلى حيث فصل أختي، وأمام الباب المغلق في وجهي، أبدأ في البكاء علَّهم يسمحون لي بالدخول. استمر هذا الفصل المسرحي أياماً، بل شهوراً، حتى ضاقت مديرة المدرسة بي، وعاتبت أختي على إحضاري إلى المدرسة، وطلبت منها ألا آتي أبداً .. الغريب أنني كنت أخرج من المنزل بفرح وحماس ولهفة لا تلبث أن تتبدَّد وقت إغلاق باب فصلي الصغير. أدركت لاحقاً أنني خسرت سنة من عمري الصغير، حتى تعوَّدت على مواجهة الوجوه الجديدة بثقة واستقلالية وسلام.

 

أرمي الحقيبة في حاوية النفايات
إيمان الوزير ـمعلِّمة دراسات اجتماعية – من فلسطين
انتابني الخوف في اليوم الأول، فقامت المعلِّمة وخرجت من الصف بحثاً عن أختي لتأتي وتأخذني. ولكني اختبأت وبكيت، ثم أعادوني إلى الصف وكان في جيبي قلم صغير، فانشغلت بالشخبطة على (الماصة). كانت فترة عصيبة، لأنَّ المعلِّمة كانت قاسية، وكنت عنيدة، فلم تتمكَّن من جذبي أو حُبي للمدرسة . كنت أهرب من الصف وأعود إلى الروضة، ثم يعيدونني ثانية إلى الصف. وحين أجبرت على البقاء في الصف، وأمروني بعدم الخروج صرت أعبر عن الغضب بإلقاء حقيبة المدرسة في حاوية النفايات.. كنت في كل يوم ألقيها في الحاوية وهم يبحثون عنها ولا يجدونها، فيشتري لي أبي حقيبة جديدة، وأتسلَّم كتباً جديدة أعود وألقيها في الحاوية حتى اكتشفوا الأمر.

 

كنت مع أقربائي ولذا لم أستوحش المكان
حسين الجفال ـ إعلامي من المنطقة الشرقية
في نهاية الستينيات من القرن الماضي، كانت الأمور رحبة؛ لأن أولاد حارتي كانوا برفقتي وأخي الأكبر في المدرسة نفسها. وفي اليوم الدراسي الأول دخلنا أنا وإخوتي وأبناء أعمامي دفعة واحدة، لذلك لم نستوحش المكان ولم يكن هناك متسع للبكاء.. كانت المدرسة تحتوي على كل شيء: ملاعب رياضية لكرة القدم والطائرة والسلة ومسرح جميل يقدّم مسرحيتين في نهاية كل فصل ومقصف يعلِّمنا كيف نوفِّر ونتساعد فيما بيننا، ومدرّسون يعملون بجد من أجلنا. كان اليوم الدراسي جميلاً وبسيطاً. وكلما حفظنا سورة أو نشيداً كانت تعمّ البيت بهجة مشتهاة.

 

حتى الحلوى لم تكن لذيذة
مسفر الغامدي ـ شاعر وكاتب من جدة
في اليوم الأول للمدرسة، حتى الحلوى التي وزَّعوها علينا في الحصة الأولى، لم تكن لذيذة كحلوى العيد. كانت طُعماً لاصطيادنا نحن الذين كنا نشبه العصافير يومها. أو أنني كنت مشغولاً بأمر آخر: فردَتيْ حذائي الجديد عليّ كلياً. قضت أمي ليلة كاملة وهي تجري لي البروفات حتى لا تختلط اليمنى باليسرى، ومع ذلك كنت قلقاً، أنظر إلى الأسفل دائماً، أخاف أن تذهب كل قدم في طريق مختلف.

 

أضف تعليق

التعليقات