سينما سعودية

أفلام سعودية
في سنوات ثلاث

قضايا المرأة في المقدِّمة
ثم هموم الشباب

حفلت السنوات الثلاث الماضية بعديد من الأفلام السعودية القصيرة التي تحمل موضوعات متنوِّعة لا تخلو من الأهمية والبُعد الإنساني والاجتماعي الملامس لقضايا مُعَاشَة يومياً.
ومن يتأمَّل جوهر المواضيع المطروقة من قِبل صانعات الأفلام السعوديات على نحو خاص، ويراقب مغازي أفكارهن، يجدها متجهة إلى تكريس ميل المخرجة السعودية لتناول الإشكالات التي تواجه المرأة، والمتمثلة في مجالات يرى البعض أنها لم تتجاوز السطح لتطال قضايا أعمق وأهم. أما في صفوف المخرجين الشبان، فنجد بموازاة اهتمامهم الجزئي بقضايا المرأة، تنوعاً أكبر في الاهتمامات، وميلاً إلى المواضيع المتفرِّدة.

قضايا المرأة بعدستها
ليس في انحياز المخرجات السعوديات إلى  قضايا المرأة ما يثير الاستغراب. لا بل يمكننا القول إنه طبيعي ومطلوب. ولذا ظهرت في السنوات الثلاث الماضية مجموعة أفلام تدور حول حالات تتفاوت في مدى تعبيرها ما بين الحالات الخاصة جداً والقضايا العامة. ومن هذه الأفلام نذكر فِلم “بسطة” لهند الفهّاد، الذي يروي قصة بطلتها سيدة بائعة في سوق النساء، استطاعت أن تؤمِّن لأبنائها الوصول إلى مراكز علمية جيدة، ولكنها لم تتوقَّف عن ممارسة مهنتها المتواضعة. وعندما تتعرَّض للمساومة من قِبل رجل أمن ليساعدها في مأزق تعرَّضت له، تقبل مرغمة بالزواج منه لأنَّ لا حيلة لها.

وتناول فِلم “كيكة زينة” لندى المجددي حق المرأة في العمل، من خلال قصة فتاة تسعى إلى النهوض بهوايتها في صنع “الكيك” وبيعه عبر إنستغرام، ولكن المعالجة الدرامية بقيت طافية على السطح.

ولا يختلف فِلم “ريم” من إخراج سميرة عزيز عن سابقه من حيث الموضوع، الذي يدور حول فتاة سعودية تسافر إلى الهند لتبحث عن والدتها، ومن خلال رحلتها يقف المشاهد على التحديات الثقافية بين المجتمعين.

ومثل هذه الأفلام، وغيرها، ترسّخ الفكرة القائلة بانحياز المخرجة السعودية إلى قضايا المرأة ، من دون الالتفات إلى أي شأن آخر.  ولكن بساطة المعالجة هو ما يؤخذ على فنيتها وعمقها في الطرح مع علو قيمة الأفكار.

فلو تأمّلنا فِلم “القناص” للمخرجة نورة المولد، للاحظنا أن الفِلم يوحي في بدايته بأنه حول لعبة إلكترونية مملوءة بالعنف والقتال والجثث، ولكن بعد الدقيقة الأولى تتضح فكرة الفِلم: معلِّمة تستهدف عقول الأطفال بسلاح المعلومات المضللة، لكننا نرى في المقابل كيف تتغلَّب العقول الواعية لطلابها على هذا السلاح بالعلم الصحيح..

أفلام عن المرأة بأساليب الشباب
ويلاحظ أن بعض الشباب من صنّاع الأفلام اتبعوا أساليب مختلفة في مناقشة مشكلات المرأة. فعلى سبيل المثال، يندرج فِلم “أربع ألوان” للمخرج توفيق الزايدي ضمن الأفلام التي تتناول شؤون المرأة. فهو يصوِّر حكاية أربع فتيات مختلفات في نمط التفكير وفي نظراتهن إلى المستقبل. وفي اليوم الأول من السنة الدراسية الجديدة، تطلق كل واحدة منهن بالوناً في السماء بعد أن تكتب عليه أمنيتها، وتبقى أمنية واحدة فقط محلّقة في السماء بينما تنفجر بالونات الأخريات بعد دقائق من تحليقها، بفعل شقاوة أولاد قاموا برمي البالونات بالحجارة.  والفِلم يقول: إن المختلف عنا ليس دائماً سيئاً ، ولربما يكون أفضل منا، وإصدار الأحكام المسبقة لا يؤدي بالضرورة إلى الحقيقة.

وتدور أحداث فِلم “أيقظني” من إخراج ريم البيات، حول امرأة تمر بأزمة منتصف العمر، وتحاول أن تستعيد هوايتها الفنية، وسط رفض المجتمع لها، وتربُّص كل المحيطين بها، وأيضاً شعورها الداخلي بالذنب.

ويُعدُّ فِلم “ثوب العُرس” الذي أخرجه محمد سلمان متميزاً في طابعه الأدبي الخرافي الشعبي. وتدور أحداثه حول اعتقاد بأن من يخيط ثوب عرسه في هذه المنطقة سيموت. وكانت هناك خياطة وحيدة في المنطقة مقتنعة بهذا الاعتقاد. ولكن ما هو ردُّ فعلها عند اقتراب موعد زفاف ابنتها، وتضطر إلى خياطة ثوبها بنفسها وهي تعلم بالمصير الذي سيؤول له هذا الفعل..

أما فِلم “البجعة العربية” لفهد الجودي، فتدور أحداثه حول فتاة سعودية تسافر في بعثة لدراسة الطب في أمريكا مع أخيها، ولكنها تتعلِّم الباليه. وتتقدَّم في مدرسة خاصة بالباليه، وعندما يكتشف أخوها الأمر، يمنعها من حضور دروس الرقص، ليبدأ الصراع بين رفض أخيها وتشجيع صديقاتها وحبّها للباليه.. وكان عليها أن تختار.

..وهموم شبابية مختلفة
غير أن غالبية أفلام الشباب أخذت مناحي مختلفة أضافت إلى مجموعة أفلام السنوات الثلاث الماضية تنوعاً ملحوظاً. ففِلم “ذاكرة ممتلئة” للمخرج محمد المريط و كاتب السيناريو علي حمادة، يدور حول الحرمان العاطفي الذي يعاني منه الطفل نتيجة انفصال والديه، من خلال حدوتة تحكي قصة طفل يعيش مع والده المنفصل عن والدته، وتجمعه صداقة مع ولد في نفس عمره. وفي إحدى زياراته لصديقه في بيته يشاهد صورة هذا الصديق مع والديه، فتتكون لديه رغبة شديدة في أن يجمع والديه في لقاء مفتعل ومخطط له، ليساعده صديقه في التقاط تلك الصورة..

وتناول محمد الهليل في فِلمه “ماطور” حالة رجل منعزل في منتصف العمر، يعيش وحيداً، ويتنقل بدرَّاجة نارية. إلَّا أن عطلاً أصاب الدرَّاجة أجبره على مخالطة الناس الذين حاول طوال حياته الابتعاد عنهم.. وهو بذلك يطرح سؤالاً جديراً بالتفكير: ما الذي يجعل الفرد منعزلاً، وما الذي يجعله متفاعلاً مع محيطه؟

وفي سياق أفلام التسجيل والتوثيق، اجتهد محمد سلمان في تحقيق فِلم (أصفر) ليحكي عن متاعب سائقي سيارات الأجرة، ومعاناتهم مع الزبائن على مدى سنوات طويلة، يقطعون المسافات لأجل لقمة العيش، وكيف تغيَّرت أحوالهم بعد أن بدأت شركات الليموزين تنافسهم في رزقهم، وكيف أثّر ذلك على دخلهم المادي. إنه حكاية جاءت على لسان شخصياتها الحقيقية، سائقي سيارات أجرة، تكلموا تارة بمرارة وتارة بمرح وفكاهة.

ودار فِلم “فضيلة أن تكون لا أحد” للمخرج بدر الحمود المميز بأفلامه الاجتماعية ذات الطابع الإنساني المؤثر، حول شاب فقد عائلته والتقى رجلاً مسنَّاً وأعور ينتحل شخصيات متعدِّدة بحثاً عن المؤازرة. أما فِلم “300 كم” للمخرج محمد الهليل فيدور حول واحد من المفاهيم الاجتماعية السائدة، من خلال رحلة رجل يقود سيارة من الأحساء إلى الرياض، وعلى المقعد الخلفي تجلس امرأة ومعها طفل رضيع. وترصد الكاميرا من داخل السيارة الشخصيات بدقة، وتصور حالة الريبة من وجود رجل وامرأة في مكان واحد.

وفي إطار تنوُّع الاهتمامات، يُعدُّ فِلم الأنيميشن “بلال” للمخرج أيمن جمال نقلة إنتاجية بارزة.  إذ يروي قصة حياة الصحابي بلال بن رباح (رضي الله عنه)  منذ طفولته وحتى انتقاله إلى الجزيرة العربية، ثم مرحلة دخوله الإسلام. وقد تم التحضير لهذا الفِلم عدة سنوات واستغرق تصويره حوالي 3 سنوات.

وصوّر فِلم “مبنى 20” للمخرج عبدالعزيز الفريح عوالم الفقر من خلال قصص ثلاث طفلات صغيرات مشردات وبائسات في الضواحي الفقيرة للعاصمة الفلبينية مانيلا، ولمسنا فيه وجع الحرمان، ومرارة الفقر على وجوه تركها المخرج  لتتحدَّث وتتحرَّك دون تدخل. ولذا رأينا شخصيات تبوح وتتحدَّث وكأن حديثها سيكون الكلام الأخير لأناس على هامش العالم.

ولم تغب ثيمة الإنجازات الفردية عن أفلام هذه الفترة. ففي فِلم “جليد” يأخذنا المخرج عبدالرحمن صندقجي إلى أعلى قمة في القطب الشمالي، برفقة مغامرَين سعوديين يذهبان إلى القطب الشمالي ليغوصا في جليده وثلوجه، محققين إنجازاً هو الأول من نوعه عربياً.

أضف تعليق

التعليقات