حياتنا اليوم

فوبيا السُّمْنَة

واستثمارها تجارياً

السُّمْنَة وباء يعاني منه 1.5 مليار نسمة من بين الكبار في العالم، وهي ثاني قاتل للبشر في بعض البلدان مثل الـولايات المتحدة من بين مختلف الأمراض التي يمكن منعها. وكون السُّمْنَة انتشرت بشدة في العقدين الأخيرين، لا يمكن تفسيره بالعوامل الوراثية فقط. ولكن هناك مجموعة كبيرة ومتعدِّدة من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وسلوكيات الأكل أسهمت فيهذا الانتشار. فمنذ 1980م تضاعفت معدلات السُّمْنَة تقريباً، وتضاعفت التحذيرات منها، وكذلك الخوف الذي أصبح فوبيا أفسحت في المجال أمام جهات عديدة لاستثمارها تجارياً.

تعرّف السُّمْنَة بأنها الخروج عن الوزن الطبيعي، وذلك بحساب معامل كتلة الجسم بتقسيم الوزن بالكيلوجرامات على مربع طول الجسم بالمتر. وتبدأ الخطورة عندما يزيد هذا الرقم على (30 كجم/م2) وهو الأمر السائد عند كل مرضى السُّمْنَة. وقد أصبحت السُّمْنَة من الأوبئة الحديثة نسبياً. ومن أجل محاربتها، ظهرت أساليب عديدة في التعامل معها. كما أدركت شركات كثيرة أن بإمكانها تحقيق أرباح طائلة من خلال الضرب على وتر ما يؤرِّق المصابين بالسُّمْنَة. ولذلك سارعت شركات الأدوية إلى تصنيع أدوية تساعد على تقليل الوزن، كما تطورَّت الجراحات الخاصة بمعالجة أسباب السُّمْنَة بشكل متسارع، لتصبح وسيلة تساعد زائدي الوزن على التخلص من مشكلتهم.

والسُّمْنَة بمعناها البسيط هي خلل مزمن بين كمية السعرات الحرارية التي يتناولها الفرد فى غذائه وبين كمية السعرات الحرارية التي يستهلكها لأداء نشاطاته اليومية. وقد يكون سبب هذا الخلل وراثياً أو اجتماعياً ناشئاً عن عادات غذائية غير صحيِّة ومفرطة، أو نفسياً عند التعرُّض لضغوط الحياة المختلفة.. أو مرضياً، وهو قليل الحدوث، لاضطراب في الغدد والهرمونات الداخلية، مما يؤدى إلى خلل بمركز الشهية بالمخ والإفراط في الطعام.

من الحذر إلى الذُعر
وساد العالم في السنوات العشر الأخيرة خوف شديد من أضرار السُّمْنَة ومخاطرها على الصحة العامة، يصل إلى درجة الهلع. خاصة مع تتابع الإحصاءات والمعلومات عن آثارها السلبية وارتباطها بأمراض البول السكري وارتفاع ضغط الدم والكولسترول بالدم، وأيضاً بأمراض القصور الشرياني للقلب والسكتات الدماغية وغيرها. فأدَّى كل ذلك إلى حدوث ما يسمى بـ “فوبيا السُّمْنَة.”

في دراسة غربية حديثة، أشار الباحثون إلى أن هذه الفوبيا مبالَغٌ فيها إلى حدٍّ كبير، وأن معظم البيانات والإحصاءات التي تم نشرها تنقصها الدقة، واكتمال الخطوات والتحليلات البحثية بصورة نزيهة، وأن وسائل الإعلام وحملات الدعاية أسهمت بشكل خطير في تضليل الرأي العام فيما يتعلَّق بالمضاعفات المترتبة على زيادة الوزن، وأن وراء ذلك عدد من شركات الأدوية التي تدعم الأطباء المروِّجين لهذه البيانات.

أدَّى هذا الذعرإلى رواج أدوات وأدوية تخفيض الوزن، بحيث باتت صناعتها تتعدَّى 40 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.

ومن الذعر إلى استثماره تجارياً
تشكِّل السُّمْنَة والأمراض ذات الصلة بها فرصاً هائلة لشركات الدواء والمختبرات الطبية. فعلى سبيل المثال، يُقدّر حجم “سوق السكري” اليوم بما قيمته 35 مليار دولار في العالم، وسيصل إلى 58 مليار دولار عام 2018م، أي بزيادة تبلغ %66. وكذلك الحال في تأثير السُّمْنَة على أمراض القلب بالنسبة لشركات تصنع الصمامات ومنظمات ضربات القلب والدعامات. وهناك أيضاً أدوية الكولسترول وأدوية مساعدة الجسم على الاستجابة للإنسولين وتصنيع الإنسولين وغيرها.

وفي إطار سعي بعض الشركات لتوسعة أسواقها، فإنها تعتمد على ما تسميه تبادل المنافع. فتقوم بعض شركات الأدوية بتدريب الأطباء في الصين مثلاً. ويتعهَّد بعضها  بإجراء الفحوصات الطبية المجانية. وفي النهاية، يسهم مثل هذا في تحقيق مبيعات أعلى لأدوية الشركة مع تقديم خدمات أرخص للمرضى. ويمكننا أن نضرب مثالاً على ذلك بشركة دنماركية قرَّرت إعطاء أعمالها في الصين الأولوية، إذ قرَّرت إنفاق 100 مليون دولار لإنشاء مركز بحثي جديد في بكين، وساعدت في تدريب أكثر من 220 ألف طبيب. ونتيجة لذلك فهي تستحوذ على %62 من السوق الصيني لأدوية السكري. ومثل هذا النمط من العمل يتم لشركات أخرى في الهند وجنوب إفريقيا وغيرها.

الآمن وغير الآمن من أدوية السُّمْنَة
من دون الطعن بسلامة كل أدوية السُّمْنَة، لا بد من الإشارة إلى أن كثيراً منها يُسحب من الأسواق بسبب مخاطره، بعد أن يكون قد راج فيها لبعض الوقت.

ففي كثير من البلدان تم حظر كثير من هذه الأدوية. وفي مصر مثلاً،  وبعد نحو عام من الشد والجذب، قرَّرت وزارة الصحة وقف تداول واستخدام جميع المستحضرات الطبية والعقاقير المحتوية على مادة “السيبوترامين”، التي تستخدم في علاج السُّمْنَة، نظراً لتأثيراتها الضارة على القلب والأوعية الدموية. كما قرَّرت إلزام جميع الشركات المنتجة والموزَّعة لتلك العقاقير بسحب المستحضرات الموجودة في الأسواق، ونصحت المرضى ممن يتناولون هذه الأدوية، بمراجعة أطبائهم لاختيار البدائل المناسبة.

لقد تسبَّبت فوبيا السُّمْنَة بتسارع البحث عن أدوية جديدة، وإنزالها إلى الأسواق قبل التأكد تماماً من مدى ملاءمتها وجدواها في العلاج. وهذا ما يفسر سحب أدوية من الأسواق بعد أن يكون الناس قد استهلكوا منها كثيراً. فكيف يمكن للأمر أن يحصل؟ وبماذا يمكن تفسير ذلك؟

يُعد مجال التجارب على الحيوانات حجر الزاوية الرئيس الذي تستند إليه الصناعة الدوائية. وهناك عدد لا يحصى من المحاكمات القضائية التي أقيمت ضد شركات دواء تسبَّبت بأضرار وضحايا كبيرة. وكان الدفاع الأكثر فعالية المستخدم بين الحين والآخر لكل شركات الأدوية هو تأكيدها على أنها أجرت كل الاختبارات العادية والمطلوبة على الحيوانات من أجل التأكد من سلامة الدواء المشكوك فيه.

لكن هل البنية الجسدية عند الحيوانات متطابقة تماماً مع البنية البشرية ؟!

الحقائق التالية قد تحمل الجواب :
1- إن كمية جرامين من السكوبولامين (مادة شبه قلوية سامة) تقتل إنساناً، لكن يمكن للكلاب والقطط أن تتحمل جرعات أعلى بمئات المرات!
2- يمكن لفطر سام أن يقضي على عائله بكاملها، ولكنه يُعدُّ طعاماً صحياً للأرانب.
3- يستطيع الشهيم (حيوان شائك من القوارض) أن يلتهم دون تعب كمية أفيون تعادل الكمية التي يدخنها مدمن في أسبوعين، أو يهضمها في معدته مستخدماً كمية من إفرازات حامض البروسيك تكفي لتسميم فوج كامل من الجيش.

تسبَّبت فوبيا السُّمْنَة بتسارع البحث عن أدوية جديدة، وإنزالها إلى الأسواق قبل التأكد تماماً من مدى ملاءمتها وجدواها في العلاج
فقد المرضى الذين أجروا جراحة المعدة لعلاج السُّمْنَة %28 من وزنهم في فترة 6 سنوات بعد العملية، كما كان احتمال الإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم لديهم أقل من مرضى السُّمْنَة الذين لم يخضعوا للعملية الجراحية

4- تستطيع الأغنام أن تبتلع كميات ضخمة من الزرنيخ وهي المادة التي تستعمل بكميات قليلة لتسميم البشر.
5- يسبِّب المورفين الذي يُهدئ ويُخدر الإنسان استثارة جنونية لدى القطط والفئران.
6- يُعدُّ البقدونس الشائع لدينا ساماً لطير الببغاء.
7- يقتل البنسلين الذي يشفينا من الأوبئة حيواناً غالباً ما يستخدم في الاختبارات العلمية وهو الخنزير الهندي.

هذه حقيقة جانب من اقتصاد صناعة الدواء الذي يُعد ثاني أكبر صناعة في العالم بعد صناعة الأسلحة. ومن هذه الحقيقة نستنتج أن هذا العملاق الاقتصادي لا يستطيع البقاء دون أن يحافظ على سبب وجوده وهو سوء الصحة. وكما يعمل مصنعو الأسلحة على إثارة النزاعات واختلاق الحروب بأساليب خسيسة لكي يحافظوا على بقائهم واستمرارهم من خلال بيع الأسلحة، نرى أن بعض مصنّعي الدواء وبعض أسياد النظام الطبي الرسمي يتبعون الاستراتيجية نفسها للإبقاء على ذُعر البشر من أمراض معيَّنة لضمان لجوئهم إلى استخدام الأدوية التي ينتجونها.

الجراحة ما لها وما قد يكون عليها
سبق للقافلة أن تناولت في أحد أعدادها السابقة موضوع جراحة السُّمْنَة، التي تُعدُّ إجراءً أكثر جذرية من الأدوية والأدوات المعالجة للسُّمْنَة، ولكن بنتائج أكثر دراماتيكية. وثمة دلائل على أن فاعلية علاج السُّمْنَة بالجراحة آخذة في الازدياد. ففي دراسة حديثة نشرت في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، فقد المرضى الذين أجروا جراحة المعدة لعلاج السُّمْنَة %28 من وزنهم في فترة 6 سنوات بعد العملية، كما كان احتمال الإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم لديهم أقل من مرضى السُّمْنَة الذين لم يخضعوا للعملية الجراحية.

وفي دراسة أخرى امتدت على مدى زمني أطول على مرضى سويديين ظهر أن معدلات الإصابة بالسكري وأمراض القلب والسرطان لدى الذين خضعوا لعملية التخسيس بالجراحة أقل من معدلاتها لدى الذين خضعوا لأشكال أخرى من العلاج.

ومع ذلك يرى د. إدوارد ليفنجستون، جرَّاح السُّمْنَة ومحرر مجلة الجمعية الطبية الأمريكية، ضرورة إجراء دراسات أكثر وأكبر ولمدى أطول، قبل تعريض الأشخاص لجراحة تتضمن تغييرات أساسية في التركيب الطبيعي للجسم.

وخلافاً للرأي السابق، ففي بعض الأقطار هناك تساهل في معايير أهلية المرضى لجراحات السُّمْنَة، ففي العام الماضي أذنت الجهات الرقابية الأمريكية باستخدام أشرطة المعدة لمرضى تُعد حالاتهم أقل من درجة السُّمْنَة الخطيرة.

وفيما تستمر الأبحاث على الطرق الطبية الأخرى لمحاربة السُّمْنَة، ورغم إجماع الأطباء على أن الرياضة واتباع حمية غذائية سليمة وجيدة يمكنهما معالجة الغالبية الساحقة من حالات السُّمْنَة، يستمر معظم المصابين بها في تفضيل العلاج بالأدوية على الجراحة، ويستسهلون تناول هذه الأدوية مقارنة بممارسة الرياضة أو حتى ضبط نظام تغذيتهم بشكل سليم.

 

 

أضف تعليق

التعليقات