نقاش مفتوح

مَنْ‭ ‬هو‭ ‬“المواطن‭ ‬الصحافي‭”‬؟‭ ‬

قبل‭ ‬نحو‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬ظهر‭ ‬مصطلح‭ “‬المواطن‭ ‬الصحافي‭”‬،‭ ‬بفعل‭ ‬انتشار‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتقنيات‭ ‬التصوير‭ ‬التي‭ ‬أتاحت‭ ‬للمواطن‭ ‬العادي‭ ‬أن‭ ‬يوثِّق‭ ‬بعض‭ ‬الأحداث‭ ‬وينشرها،‭ ‬وحتى‭ ‬أن‭ ‬يسبق‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬وكالات‭ ‬الأنباء‭ ‬المحترفة‭. ‬
أين‭ ‬أصبح‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬اليوم؟‭ ‬وما‭ ‬أثر‭ ‬صحافته‭ ‬على‭ ‬الصحافة‭ ‬التقليدية؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬تبادلية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الطرفين؟‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حاولت‭ ‬القافلة‭ ‬بحثه‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬نقاش‭ ‬عقدتها‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬وشارك‭ ‬فيها‭ ‬كلٌّ‭ ‬من‭ ‬الصحافي‭ ‬السعودي‭ ‬أحمد‭ ‬عدنان،‭ ‬والمسؤولة‭ ‬الإعلامية‭ ‬في‭ ‬مؤسَّسة‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬ثناء‭ ‬عطوي،‭ ‬والصحافية‭ ‬رنا‭ ‬حاج،‭ ‬والكاتب‭ ‬اللبناني‭ ‬عباس‭ ‬الحسيني،‭ ‬والمترجم‭ ‬والناقد‭ ‬السوري‭ ‬علي‭ ‬جازو،‭ ‬والناشطة‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يسرا‭ ‬عقيلي‭. ‬

أدار‭ ‬الجلسة‭: ‬وليد‭ ‬الحارثي
بدأت‭ ‬الجلسة‭ ‬بكلمة‭ ‬لوليد‭ ‬الحارثي‭ ‬تطرّق‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬مفهوم‭ “‬المواطن‭ ‬الصحافي‭”‬،‭ ‬متسائلاً‭ ‬عما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬طرأ‭ ‬من‭ ‬تحوّلات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬ظهوره،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أجاب‭ ‬عنه‭ ‬أحمد‭ ‬عدنان‭ ‬بقوله‭: ‬إن‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬مصطلح‭ ‬مؤلَّف‭ ‬من‭ ‬كلمتين،‭ ‬وهاتان‭ ‬الكلمتان‭ ‬تنتميان‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬الدولة‭ ‬الواسع‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬مواطن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دولة،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬الصحافي‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬الصحافة‭ ‬التي‭ ‬تسمى‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ “‬السلطة‭ ‬الرابعة‭”‬،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬للسلطة،‭ ‬أي‭ ‬سلطة،‭ ‬أن‭ ‬توجد‭ ‬إلَّا‭ ‬في‭ ‬دولة‭. ‬

وتابع‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬مصطلح‭ “‬المواطن‭ ‬الصحافي‭” ‬من‭ ‬زاويتين‭: ‬الزاوية‭ ‬الأولى‭ ‬تتعلَّق‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة،‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭ ‬الذي‭ ‬يوجد‭ ‬فيه‭ ‬المواطن‭ ‬والصحافي‭. ‬أما‭ ‬التحدي‭ ‬الثاني‭ – ‬وهو‭ ‬الأدق‭ ‬والأكثر‭ ‬مهنية‭ – ‬هو‭ ‬ما‭ ‬نشاهده‭ ‬اليوم‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬صحف‭ ‬عربية‭ ‬عديدة‭ ‬بفعل‭ ‬العامل‭ ‬المادي،‭ ‬وهذا‭ ‬ظاهر‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُعدُّ‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬صوّر‭ ‬أو‭ ‬كتب‭ ‬خبراً‭ ‬وبثّه‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬صحافياً‭. ‬لكنني‭ ‬أوافق‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬بإمكان‭ ‬المواطن‭ ‬إيصال‭ ‬المعلومة،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صحافياً
ثناء‭ ‬عطوي

وتوسّع‭ ‬عدنان‭ ‬في‭ ‬ضرب‭ ‬الأمثلة‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬الأردن،‭ ‬حيث‭ ‬تملك‭ ‬الدولة‭ ‬أغلب‭ ‬الصحف،‭ ‬نجد‭ ‬صحيفة‭ ‬لم‭ ‬يتسلَّم‭ ‬العاملون‭ ‬فيها‭ ‬رواتبهم‭ ‬منذ‭ ‬تسعة‭ ‬أشهر،‭ ‬وفي‭ ‬مصر‭ ‬تلاشى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الصحف،‭ ‬وثمة‭ ‬صحف‭ ‬أخرى‭ ‬تعاني‭ ‬معاناة‭ ‬مادية‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬تتلقَّاه‭ ‬الصحف‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭. ‬وحال‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬مشابه‭ ‬لذلك،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬أسوأ‭. ‬

وأضاف‭: “‬إن‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الصحافة‭ ‬اليوم‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬تقلّص‭ ‬السوق‭ ‬أو‭ ‬تضخمه،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬منافساً‭ ‬أخذ‭ ‬حصة‭ ‬أكبر،‭ ‬أو‭ ‬أنّ‭ ‬المنافس‭ ‬الآخر‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬حصته،‭ ‬بخلاف‭ ‬السابق‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬صحافة‭ ‬ورقية‭ ‬تتنافس‭ ‬على‭ ‬السوق‭. ‬فما‭ ‬أراه‭ ‬اليوم‭ ‬أنّ‭ ‬الصحافة‭ ‬نفسها‭ ‬مهددَّة‭ ‬وآيلة‭ ‬إلى‭ ‬الانقراض‭. ‬ولربما‭ ‬سوف‭ ‬يصبح‭ ‬الصحافيون‭ ‬بعد‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬أو‭ ‬20‭ ‬سنة‭ “‬كائنات‭ ‬منقرضة‭”. ‬

الصحافة‭ ‬باقية
ولكن‭ ‬الورقي‭ ‬منها‭ ‬قد‭ ‬يموت‭ ‬

أثارت‭ ‬انطباعات‭ ‬عدنان‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬الصحافة‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬متباينة،‭ ‬وكان‭ ‬عباس‭ ‬الحسيني‭ ‬أول‭ ‬المعقِّبين‭ ‬بقوله‭: “‬الصحافة‭ ‬لن‭ ‬تموت‭. ‬لقد‭ ‬تراجعت‭ ‬قراءاتي‭ ‬للصحف‭ ‬الورقية‭ ‬أخيراً،‭ ‬وكذلك‭ ‬للمواقع‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬واتجهت‭ ‬إلى‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬فمن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية،‭ ‬لكن‭ ‬الصحافة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬سوف‭ ‬تبقى‭”. ‬

وأضاف‭: “‬مهما‭ ‬وصل‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬المعلومة،‭ ‬فهم‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬صحافيين‭ ‬محترفين‭ ‬للكتابة‭ ‬لهم‭ ‬حول‭ ‬الأحداث‭ ‬القائمة،‭ ‬مثلما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬بورما‭ ‬حالياً،‭ ‬فمثلاً‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬لمواطن‭ ‬عادي‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬لنا‭ ‬أخبار‭ ‬بورما؟‭ ‬فهناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬التحليل‭ ‬وتقديم‭ ‬المعلومات‭ ‬المحترفة‭ ‬كي‭ ‬يكون‭ ‬الخبر‭ ‬موثوقاً‭. ‬لكننا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬كسر‭ ‬احتكار‭ ‬الصحافيين‭ ‬للصحافة‭ ‬وللخبر‭ ‬وللمعلومة،‭ ‬وكسر‭ ‬محاولات‭ ‬التضليل‭ ‬التي‭ ‬تتبعها‭ ‬الصحف،‭ ‬وصار‭ ‬مطلوباً‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أذكى‭ ‬من‭ ‬الصحافي‭ ‬وأن‭ ‬يوصِّل‭ ‬المعلومة‭ ‬بصدق‭ ‬وحياد‭”.‬

أما‭ ‬ثناء‭ ‬عطوي‭ ‬فتحفظت‭ ‬على‭ ‬مصطلح‭ “‬المواطن‭ ‬الصحافي‭”. ‬فالصحافي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬رأيها‭ ‬صحافي‭ ‬بالفعل،‭ ‬أما‭ ‬المواطن‭ ‬فليس‭ ‬كذلك‭. ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬هو‭ ‬صحافي‭. ‬وقالت‭: “‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُعدُّ‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬صوّر‭ ‬أو‭ ‬كتب‭ ‬خبراً‭ ‬وبثّه‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬صحافياً‭. ‬لكنني‭ ‬أوافق‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬بإمكان‭ ‬المواطن‭ ‬إيصال‭ ‬المعلومة،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صحافياً‭. ‬فليس‭ ‬بمقدورنا‭ ‬أن‭ ‬نقول‭: ‬المواطن‭ ‬النجّار،‭ ‬أو‭ ‬المواطن‭ ‬الدهّان،‭ ‬كي‭ ‬يجوز‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭”. ‬

يسرا‭ ‬عقيلي‭ ‬رأت‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والتأثير‭ ‬في‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬خلالها‭. ‬وما‭ ‬يحصل‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬يكتب‭ ‬ويحلّل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬براهين‭ ‬ولا‭ ‬معلومات‭ ‬صحيحة،‭ ‬ولكن‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬يتأثَّر‭ ‬به‭ ‬ويتابعه‭.‬

هل‭ ‬الصحافة‭ ‬التقليدية‭ ‬إلى‭ ‬زوال؟
أكمل‭ ‬أحمد‭ ‬عدنان‭ ‬مداخلته‭ ‬قائلاً‭: ‬إنَّ‭ ‬الصحافي‭ ‬كان‭ ‬وسيطاً‭ ‬بين‭ ‬المعلومة‭ ‬والمتلقي،‭ ‬واليوم‭ ‬لم‭ ‬يَعُد‭ ‬المتلقي‭ ‬التقليدي‭ ‬موجوداً‭. ‬فقد‭ ‬تبدّل‭ ‬نوعه،‭ ‬وتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬الطرف‭ ‬الذي‭ ‬يقدّم‭ ‬المعلومة‭ ‬للصحافي‭. ‬وهذا‭ ‬يقودنا‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬سوق‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬شهد‭ ‬تراجعاً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحف‭ ‬الورقية‭. ‬واللافت‭ ‬أن‭ ‬التراجع‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬حصة‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية،‭ ‬لم‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬الصحف‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستحوذ‭ ‬إلَّا‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬بسيط‭ ‬منها،‭ ‬بل‭ ‬إنَّ‭ ‬أغلبها‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المعلن‭ ‬فضّل‭ ‬التسويق‭ ‬عبر‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لأنه‭ ‬أقل‭ ‬تكلفة‭ ‬وأكثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬وانتشاراً‭. ‬والنقطة‭ ‬الأهم‭ ‬هنا‭ ‬هي‭ ‬اعتبار‭ ‬معلومات‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬أدق‭ ‬من‭ ‬غيرها‭. ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬المعلن‭ ‬يستطيع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬ببساطة‭ ‬عدد‭ ‬الذين‭ ‬شاهدوا‭ ‬الإعلان‭ ‬واستجابوا‭ ‬له‭.‬

ما‭ ‬أراه‭ ‬اليوم‭ ‬أنّ‭ ‬الصحافة‭ ‬نفسها‭ ‬مهددَّة‭ ‬وآيلة‭ ‬إلى‭ ‬الانقراض‭. ‬ولربما‭ ‬سوف‭ ‬يصبح‭ ‬الصحافيون‭ ‬بعد‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬أو‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬كائنات‭ ‬منقرضة
أحمد‭ ‬عدنان

وأنهى‭ ‬عدنان‭ ‬مداخلته‭ ‬بالقول‭: “‬إن‭ ‬الذي‭ ‬يحصل‭ ‬فعلياً‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬تراجع‭ ‬سوق‭ ‬الصحافة،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬تراجع‭ ‬الصحافة،‭ ‬وهذا‭ ‬شيء‭ ‬أراه‭ ‬جيداً‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬محسوب‭ ‬على‭ ‬الصحافة‭. ‬فهذا‭ ‬سينهي‭ ‬كل‭ ‬احتكار‭ ‬للمعلومة،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬يُعدُّ‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الاستبداد،‭ ‬فمعظمنا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يشاهد‭ ‬إلا‭ ‬التلفزيونات‭ ‬الرسمية،‭ ‬أمّا‭ ‬الآن‭ ‬فقد‭ ‬انفتحنا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬أدَّى‭ ‬تنوّع‭ ‬مصادر‭ ‬المعلومات‭ ‬إلى‭ ‬تنوّع‭ ‬آراء‭ ‬المتلقين‭ ‬الذين‭ ‬بدورهم‭ ‬باتوا‭ ‬يتمكَّنون‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬وسائل‭ ‬للتعليق‭ ‬على‭ ‬الخبر،‭ ‬فلا‭ ‬تبقى‭ ‬أي‭ ‬معلومة‭ ‬صحافية‭ ‬وكأنها‭ ‬منزلة‭ ‬أو‭ ‬مكرّسة‭”. ‬

المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬
مشاركاً‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬المعلومات

‭ ‬أما‭ ‬علي‭ ‬جازو‭ ‬فرأى‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬الوسيط‭ (‬أو‭ ‬الذي‭ ‬يقدِّم‭ ‬هذه‭ ‬الخدمة‭ ‬الصحافية‭) ‬سواءً‭ ‬كانت‭ ‬خبراً‭ ‬أم‭ ‬تعليقاً‭ ‬أم‭ ‬مقالاً‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬إلى‭ ‬أسفل،‭ ‬من‭ ‬الوسيط‭ ‬إلى‭ ‬المواطن،‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التوازن،‭ ‬وصار‭ ‬المواطن‭ ‬شريكاً‭ ‬فيها،‭ ‬بحيث‭ ‬صار‭ ‬بإمكانه‭ ‬أنّ‭ ‬يعّلق‭ ‬ويداخل،‭ ‬ويرفض‭ ‬ويسخر،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قرّب‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬الصحافي‭ ‬والمتلقي،‭ ‬وحفّز‭ ‬الصحافيين‭ – ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ – ‬على‭ ‬أن‭ ‬يفكِّروا‭ ‬بطريقة‭ ‬أخرى‭. ‬

وأضاف‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬نفسه‭ ‬أنّ‭ ‬لغة‭ ‬الصحافي‭ ‬عند‭ ‬الشخص‭ ‬العادي،‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بالتعليق‭ ‬أو‭ ‬المداخلة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالمعرفة،‭ ‬فأغلب‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬درسوا‭ ‬المهنة‭ ‬وتعلَّموها‭ ‬تكَّونت‭ ‬لديهم‭ ‬خبرة‭ ‬ولغة‭ ‬معيَّنة‭ ‬وقاموساً‭ ‬صحافياً،‭ ‬بخلاف‭ ‬الناس‭ ‬العاديين‭ ‬الذين‭ ‬يكتبون‭ ‬بلغة‭ ‬عامية،‭ ‬أو‭ ‬بخليط‭ ‬من‭ ‬العامية‭ ‬والفصحى‭. ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬أضفى‭ ‬شكلاً‭ ‬من‭ ‬العفوية‭ ‬على‭ ‬الأخبار،‭ ‬وأزال‭ ‬عنها‭ ‬الطابع‭ ‬الطقسي‭ ‬للصحافة‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬أصول‭ ‬وطقوس‭ ‬وأساليب‭ ‬كتابية‭ ‬معيَّنة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أحدث‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬المهنة‭. ‬

دور‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬الوعي؟
هنا‭ ‬أثار‭ ‬مدير‭ ‬الجلسة‭ ‬تساؤلاً‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬ظاهرة‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬قد‭ ‬أدَّت‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬تنامي‭ ‬الوعي‭ ‬عند‭ ‬عموم‭ ‬المواطنين‭. ‬فكان‭ ‬عباس‭ ‬الحسيني‭ ‬أول‭ ‬المتحدثين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: “‬في‭ ‬سياق‭ ‬التوعية‭ ‬يجب‭ ‬وضع‭ ‬الأخبار‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬الهامش‭ ‬لأنَّ‭ ‬كل‭ ‬مؤسسة‭ ‬إعلامية‭ ‬تقدِّمها‭ ‬حسب‭ ‬مصلحتها،‭ ‬لكنَّ‭ ‬الأمر‭ ‬يصبح‭ ‬ذا‭ ‬جدوى‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلَّق‭ ‬بالثقافة‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬يتلقّونها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية،‭ ‬والجيد‭ ‬في‭ ‬صحافة‭ ‬المواطن‭ ‬أنها‭ ‬أتاحت‭ ‬للمواطنين‭ ‬عرض‭ ‬أفكارهم‭ ‬بشكل‭ ‬منفتح‭ ‬وبقيود‭ ‬أقل‭ ‬وسقف‭ ‬مرتفع‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬تقدِّمه‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية،‭ ‬وفي‭ ‬موضوعات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المسموح‭ ‬الحديث‭ ‬عنها،‭ ‬فقد‭ ‬كُسرت‭ ‬محظورات‭ ‬كثيرة‭ ‬فرضتها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬على‭ ‬نفسها‭. ‬وكنا‭ ‬بحاجة‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القيود‭. ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬القول‭ ‬بأنَّ‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أجّجت‭ ‬الفتنة‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬فأنا‭ ‬أرى‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬جوانب‭ ‬إيجابية‭ ‬كثيرة‭ ‬لها،‭ ‬منها‭: ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬إنسانية‭ ‬كثيرين‭ ‬ممن‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬اختلافنا‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬أو‭ ‬الانتماء‭”.‬‭ ‬

دور‭ ‬الوسيط‭ (‬أو‭ ‬الذي‭ ‬يقدِّم‭ ‬الخدمة‭ ‬الصحافية‭) ‬سواءً‭ ‬أكانت‭ ‬خبراً‭ ‬أم‭ ‬تعليقاً‭ ‬أم‭ ‬مقالاً‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬إلى‭ ‬أسفل،‭ ‬من‭ ‬الوسيط‭ ‬إلى‭ ‬المواطن
علي‭ ‬جازو

أما‭ ‬ثناء‭ ‬عطوي‭ ‬فرأت‭ ‬أنَّ‭ ‬تأثير‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬يختلف‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬كما‭ ‬يختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬طبيعة‭ ‬المادة‭ ‬التي‭ ‬ينشرها‭. ‬وضربت‭ ‬مثلاً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بقولها‭ ‬إنَّ‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬محاصرة‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬مثلاً،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬ومشكلات‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬دوره‭ ‬أساسياً‭ ‬ومؤثراً،‭ ‬بخلاف‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬أمناً‭ ‬واستقراراً‭. ‬

وأعربت‭ ‬يسرا‭ ‬عقيلي‭ ‬عن‭ ‬تأييدها‭ ‬لما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬عدنان،‭ ‬ورأت‭ ‬أنَّ‭ ‬إشكالية‭ ‬هذا‭ ‬الصحافي‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬الأحداث،‭ ‬وذلك‭ ‬إذا‭ ‬افترضنا‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬العادي‭ ‬أو‭ ‬المتوسط‭ ‬لا‭ ‬يتمتع‭ ‬بالقدرة‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬التحليل،‭ ‬فإننا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬قرأنا‭ ‬تحليلات‭ ‬لصحفيين‭ ‬كبار‭ ‬ومعروفين‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬الضحك‭. ‬لكن‭ ‬الجديد‭ ‬هنا‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬لدى‭ ‬الناس‭ ‬الجرأة‭ ‬على‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬فلاناً‭ ‬لا‭ ‬يفقه‭ ‬شيئاً،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬مدرك‭ ‬لحقيقة‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬وأننا‭ ‬نفهم‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬لأننا‭ ‬نعيش‭ ‬الواقع‭ ‬بخلافه‭ ‬هو‭.‬

وتضامن‭ ‬الحسيني‭ ‬مع‭ ‬عقيلي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصحافي‭ ‬كان‭ ‬يَعُدُّ‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬مضى‭ ‬ملك‭ ‬الفهم‭ ‬والقراءة‭ ‬والتحليل،‭ ‬ولكننا‭ ‬صُدمنا‭ ‬بحقيقته‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭.  ‬

موت‭ ‬صحافة‭ ‬المواطن
عندما‭ ‬ظهر‭ ‬مصطلح‭ “‬صحافة‭ ‬المواطن‭” ‬احتفلت‭ ‬به‭ ‬الأوساط‭ ‬الإعلامية‭ ‬والأكاديمية‭ ‬لأنَّه‭ ‬يحقق‭ ‬هذه‭ ‬المشاركة‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬الأخبار‭ ‬بشكل‭ ‬سريع،‭ ‬مع‭ ‬التفاؤل‭ ‬بأن‭ ‬يحمل‭ “‬المواطن‭” ‬صفات‭ ‬المواطنة‭ ‬الحقة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تعنيه‭ ‬من‭ ‬إحساس‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والأمانة‭ ‬في‭ ‬النقل‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬قضايا‭ ‬المهمشين‭ ‬وغيرها‭.‬
لكن‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالمصطلح‭ ‬بدأ‭ ‬يضعف‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬مصطلحات‭ ‬صحافة‭ ‬الشبكات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬حيث‭ ‬تحوّل‭ ‬المواطن‭ ‬إلى‭ ‬وسيلة‭ ‬إعلام‭ ‬متحركة،‭ ‬تلاحقه‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬وتنشر‭ ‬عن‭ ‬اهتماماته‭. ‬
ولو‭ ‬بحثت‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موقع‭ ‬إخباري‭ ‬إلكتروني،‭ ‬ستجد‭ ‬نسبة‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الأخبار‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬نقل‭ ‬وتطوير‭ ‬لما‭ ‬نشره‭ ‬الجمهور‭ ‬على‭ ‬الشبكات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬أو‭ ‬لنقاشات‭ ‬تمَّت‭ ‬على‭ “‬هاشتاق‭”. ‬ولم‭ ‬تعُد‭ ‬الوسيلة‭ ‬الإعلامية‭ ‬ممتنة‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬لأنها‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬مشاركاتهم،‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬لهم،‭ ‬وتحوّل‭ ‬الصحافي‭ ‬المشهور‭ ‬إلى‭ ‬مواطن‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الشبكات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬نقله‭ ‬للأخبار،‭ ‬حتى‭ ‬تداخل‭ ‬الإعلامي‭ ‬مع‭ ‬غير‭ ‬الإعلامي،‭ ‬وصار‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬التفريق‭ ‬بينهما‭.‬
لكنَّ‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬الذي‭ ‬تواجهه‭ ‬صحافة‭ ‬المواطن‭ ‬ظهر‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حيث‭ ‬ظهر‭ ‬عدد‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬الحسابات‭ ‬التي‭ ‬تكتب‭ ‬وتنشر‭ ‬أخباراً‭ ‬مزيَّفة‭ ‬أو‭ ‬صوراً‭ ‬تم‭ ‬التلاعب‭ ‬بها‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬النشر‭ ‬عادة‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬حسابات‭ ‬مجهولة،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة‭ ‬أعاد‭ ‬نشرها‭ ‬مؤثرون‭ ‬كبار‭ ‬وصحافيون،‭ ‬وأحياناً‭ ‬وسائل‭ ‬إعلامية‭ ‬بارزة،‭ ‬وتطوّرت‭ ‬أساليب‭ ‬التزييف،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مواقع‭ ‬إخبارية‭ ‬كاملة‭ ‬مزيَّفة‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬مواقع‭ ‬محترفة،‭ ‬ويتم‭ ‬استخدام‭ ‬روابط‭ ‬منها‭ ‬لأخبار‭ ‬مزيَّفة‭ ‬بالكامل‭.‬
هذا‭ ‬التغير‭ ‬الضخم‭ ‬سيؤثِّر‭ ‬بشكلٍ‭ ‬حاد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ينشره‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الشبكات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬لأنَّ‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬سيستخدم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أزمة‭ ‬سياسية‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬ولاحقاً‭ ‬حتى‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬تقنية‭ ‬ومهنية‭ ‬لردع‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬اقترحت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬تقضي‭ ‬على‭ ‬صحافة‭ ‬الشبكات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي،‭ ‬مع‭ ‬ضياع‭ ‬المصداقية‭.‬
وقد‭ ‬كتبت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬دراسة‭ ‬عمَّا‭ ‬سمّيته‭ ‬بـ‭ “‬الصراخ‭ ‬الإلكتروني‭”‬،‭ ‬وكنت‭ ‬أعني‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ ‬المرتفع‭ ‬لدعم‭ ‬قضية‭ ‬معيَّنة،‭ ‬بحيث‭ ‬يظهر‭ ‬للجمهور‭ ‬أن‭ ‬رأياً‭ ‬معيناً‭ ‬يمثل‭ ‬رأي‭ ‬الأغلبية،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬جلس‭ ‬شخص‭ ‬يصرخ‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬مملوءة‭ ‬بالناس،‭ ‬وهذا‭ ‬الصراخ‭ ‬يمثِّل‭ ‬صوتاً‭ ‬واحداً،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬سيسمع‭ ‬صوتاً‭ ‬غيره‭.‬
لقد‭ ‬أسهمت‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬بنشر‭ ‬الأخبار‭ ‬وتوزيعها‭ ‬على‭ ‬الشبكات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬ازدياد‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬بشكل‭ ‬حاد،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الشبكات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬لأنه‭ ‬لن‭ ‬يمكنك‭ ‬التفريق‭ ‬بين‭ ‬الحسابات‭ “‬المدفوعة‭” ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي،‭ ‬والحسابات‭ “‬العفوية‭” ‬الصادقة‭.‬
د‭. ‬عمار‭ ‬بكار

وأدلت‭ ‬رنا‭ ‬الحاج‭ ‬بدلوها‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬واعتبرت‭ ‬أنّ‭ ‬مفهوم‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬يصف‭ ‬الجيل‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الصحافيين‭. ‬وقالت‭: “‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬الجزم‭ ‬بسلبية‭ ‬الأمر‭ ‬أو‭ ‬إيجابيته،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬التجربة‭ ‬جديدة‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬وقتها،‭ ‬وأن‭ ‬يتعلّم‭ ‬الناس‭ ‬كيفية‭ ‬التفاعل‭ ‬معها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬وأننا‭ ‬نفترض‭ ‬أن‭ ‬الجيل‭ ‬الثاني‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬سبق‭ ‬الجيل‭ ‬الأول؛‭ ‬لكننا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقتِ‭ ‬لنعرف‭ ‬هل‭ ‬سبق‭ ‬فعلاً‭ ‬الجيل‭ ‬الأول،‭ ‬أم‭ ‬لا‭”.‬

وعاد‭ ‬الحسيني‭ ‬ليشير‭ ‬إلى‭ ‬أمر‭ ‬لفت‭ ‬نظره‭ ‬بحكم‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬والأبحاث،‭ ‬وهو‭ ‬أنه‭ ‬عند‭ ‬انتشار‭ ‬خبر‭ ‬على‭ ‬الفيسبوك‭ ‬مثلاً،‭ ‬فإننا‭ ‬نعود‭ ‬لنتحقَّق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬وكالات‭ ‬الأنباء‭ ‬العالمية‭. ‬واللافت‭ ‬هنا‭ ‬أننا‭ ‬نمرّ‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬وكالات‭ ‬أنباء‭ ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬أي‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬قد‭ ‬نشرت‭ ‬الخبر‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬مثلاً‭ ‬على‭ ‬نشره‭ ‬في‭ ‬وسائط‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وهذا‭ ‬لاحظه‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬والأخبار،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تنقل‭ ‬أخباراً‭ ‬صحيحة‭ ‬وحقيقية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنقلها‭ ‬وكالات‭ ‬الأنباء‭ ‬الشهيرة‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يؤدِّي‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬خلاصة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لـ‭”‬المواطن‭ ‬الصحافي‭” ‬من‭ ‬غير‭ ‬وجود‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وعالم‭ ‬الإنترنت،‭ ‬إذ‭ ‬إنَّ‭ ‬تقنية‭ ‬الإنترنت‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬سمحت‭ ‬بوجود‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭.‬

أدوار‭ ‬المواطنين‭ ‬الإعلامية
ولفتت‭ ‬رنا‭ ‬الحاج‭ ‬النظر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أصبحت‭ ‬مصدر‭ ‬موضوعات‭ ‬الكتّاب‭ ‬الصحافيين‭ ‬نظراً‭ ‬لما‭ ‬ينشره‭ ‬المواطنون‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬بأدوار‭ ‬صحافية‭ ‬على‭ ‬حساباتهم‭ ‬الشخصية‭ (‬أو‭ ‬واقعهم‭ ‬الافتراضي‭) ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬هو‭ ‬الواقع‭ ‬الحقيقي‭ ‬فعلياً‭. ‬وأضافت‭: “‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬بعيشهم‭ ‬الافتراضي‭ ‬أصبحوا‭ ‬يتقدَّمون‭ ‬خطوات‭ ‬على‭ ‬غيرهم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المعلومة‭ ‬ونشرها‭ ‬أو‭ ‬تحليلها‭ ‬أو‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭ ‬فيها‭. ‬والشواهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2011م‭ ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬وهذا‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬أدوار‭ ‬للمواطنين‭ ‬الصحافيين‭.‬

ووافقت‭ ‬عقيلي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة،‭ ‬وأشارت‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬صحافيين‭ ‬يقومون‭ ‬بالدخول‭ ‬إلى‭ ‬فيسبوك‭ ‬وإلى‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الأخرى‭ ‬ليقرأوا‭ ‬تحليلات‭ ‬الناس‭ ‬العاديين،‭ ‬وتُفاجأ‭ ‬وأنت‭ ‬تستمع‭ ‬إليهم‭ ‬أو‭ ‬تقرأ‭ ‬لهم،‭ ‬بأنَّ‭ ‬ذلك‭ ‬التحليل‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬مرَّ‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭. ‬بل‭ ‬إنَّ‭ ‬بعضهم‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬بحيث‭ ‬يجعل‭ ‬المانشيت‭ ‬الرئيس‭ ‬لمادته‭ ‬الصحافية‭ ‬جملة‭ ‬مقتبسة‭ ‬من‭ ‬حساب‭ ‬أحدهم‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

المعلومة‭ ‬وامتلاكها‭ ‬وأهميتها
وكان‭ ‬التطرّق‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬الحقوق‭ ‬الفكرية‭ ‬مناسباً‭ ‬لأن‭ ‬يطرح‭ ‬مدير‭ ‬الجلسة‭ ‬سؤالاً‭ ‬حول‭ ‬صدقية‭ ‬المعلومة‭ ‬وامتلاكها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الصحافة‭ ‬التقليدية‭ ‬والمواطن‭ ‬الصحافي،‭ ‬فعبّر‭ ‬عدنان‭ ‬عن‭ ‬دهشته‭ ‬من‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬المعلومات‭ ‬لدى‭ ‬الصحافيين‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬المختلفة‭. ‬وقال‭: ‬هناك‭ ‬تنافس‭ ‬سياسي‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬المغرِّدين،‭ ‬وشراء‭ ‬المشاهير‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بظاهرة‭ “‬الجيوش‭ ‬الإلكترونية‭”‬،‭ ‬وذلك‭ ‬نظراً‭ ‬لتأثيرهم‭ ‬الكبير،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬هو‭ ‬المسيطر،‭ ‬والصحافة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬تنقرض‭”. ‬

غير‭ ‬أن‭ ‬رنا‭ ‬حاج‭ ‬تطلَّعت‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬المسألة،‭ ‬وقارنت‭ ‬الصدقية‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬التقليدية‭ ‬بصدقية‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي،‭ ‬قائلة‭: “‬إنَّ‭ ‬المعلومة‭ ‬عند‭ ‬الصحافي‭ ‬التقليدي‭ ‬تمر‭ ‬بمراحل‭ ‬تدقيق‭ ‬عديدة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬مقالته‭ ‬إلى‭ ‬القارئ،‭ ‬وقد‭ ‬تنتهي‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬المهملات‭. ‬بخلاف‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬زمن‭ “‬المواطن‭ ‬الصحافي‭”‬،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬كتابة‭ ‬خبر‭ ‬مثل‭: “‬الرئيس‭ ‬فلان‭ ‬يقدِّم‭ ‬استقالته‭”‬،‭ ‬فينتشر‭ ‬الخبر‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل،‭ ‬ويصبح‭ “‬حقيقيةً‭” ‬لمدة‭ ‬معيَّنة‭ ‬من‭ ‬الوقت،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتلاشى‭ ‬بنفيه‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬نفيها‭.‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬كسر‭ ‬احتكار‭ ‬الصحافيين‭ ‬للصحافة‭ ‬وللخبر‭ ‬وللمعلومة،‭ ‬وكسر‭ ‬محاولات‭ ‬التضليل‭ ‬التي‭ ‬تتبعها‭ ‬الصحف،‭ ‬وصار‭ ‬مطلوباً‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أذكى‭ ‬من‭ ‬الصحافي‭ ‬وأن‭ ‬يوصِّل‭ ‬المعلومة‭ ‬بصدق‭ ‬وحياد
عباس‭ ‬الحسيني

وحول‭ ‬أهمية‭ ‬المعلومة‭ ‬قال‭ ‬جازو‭ ‬إن‭ ‬ثقافة‭ ‬المعلومات‭ ‬الطاغية‭ ‬عالمياً‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تبني‭ ‬المعرفة،‭ ‬وأن‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬حول‭ ‬بلد‭ ‬معيَّن‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أو‭ ‬حول‭ ‬أي‭ ‬موضوع‭ ‬محدَّد،‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬كافية‭ ‬للخروج‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬أو‭ ‬التحليل‭ ‬الذي‭ ‬يوصِّل‭ ‬إلى‭ ‬رأي‭ ‬صائب‭ ‬ومنطقي‭. ‬ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬المعلومة‭ ‬البُعد‭ ‬المعرفي‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬مبنياً‭ ‬على‭ ‬سياق‭ ‬معيَّن،‭ ‬ويكون‭ ‬له‭ ‬ماضٍ‭ ‬وحاضر‭ ‬ومستقبل‭. ‬

ورداً‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬حول‭ ‬قدرة‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬والتغيير‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬لمجتمعه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشاطه‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬قالت‭ ‬حاج‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬يتوقَّف‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬المواطن‭ ‬نفسه،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬كيفية‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬وقضايا‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬بصورة‭ ‬صحيحة‭ ‬أم‭ ‬لا‭. ‬

وعبّرت‭ ‬ثناء‭ ‬عطوي‭ ‬عن‭ ‬رأيها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬بالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬يقوم‭ ‬أحياناً‭ ‬بدوره‭ ‬بشكل‭ ‬مثالي،‭ ‬ولكنه‭ ‬أحياناً‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬دوره‭. ‬فهو‭ ‬يؤثّر‭ ‬حسب‭ ‬أهمية‭ ‬الحدث،‭ ‬كأن‭ ‬يقوم‭ ‬بنقل‭ ‬أحداثٍ‭ ‬مهمة‭ ‬لا‭ ‬تحظى‭ ‬لسبب‭ ‬ما‭ ‬بالتغطية‭ ‬الصحافية‭ ‬التقليدية‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬محاصرة‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬موجود‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬الحال‭. ‬

أمّا‭ ‬عدنان،‭ ‬فأبدى‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬مختلفة‭ ‬بقوله‭ ‬إن‭ ‬تجربة‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬نجحت‭ ‬فيها‭ ‬3‭ ‬دول،‭ ‬هي‭: ‬السعودية،‭ ‬ومصر،‭ ‬والمغرب‭. “‬ففي‭ ‬مصر‭ ‬لعب‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬دوراً‭ ‬بارزاً‭ ‬في‭ ‬اندلاع‭ ‬ثورة،‭ ‬وفي‭ ‬المغرب‭ ‬لديهم‭ ‬تجارب‭ ‬مذهلة‭ ‬كالإذاعة‭ ‬عبر‭ ‬النت،‭ ‬وفي‭ ‬السعودية،‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نرصد‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬آلاف‭ ‬الحالات‭ ‬أو‭ ‬الشكاوى‭ ‬أو‭ ‬التعليقات‭ ‬التي‭ ‬تجاوبت‭ ‬معها‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬فور‭ ‬نشرها‭ ‬على‭ ‬وسائط‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬آخرها‭ ‬حالة‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بتعنيف‭ ‬طفل‭ ‬صغير،‭ ‬واستطاعت‭ ‬الحكومة‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬بفضل‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭. ‬ولا‭ ‬يمر‭ ‬يوم‭ ‬إلَّا‭ ‬وتجد‭ ‬تفاعلاً‭ ‬حكومياً‭ ‬مع‭ ‬خبر‭ ‬نُشر‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭”.‬

ورأى‭ ‬جازو‭ ‬أنه‭ ‬ومع‭ ‬إلغاء‭ ‬دور‭ ‬الوسيط‭ ‬يتحصل‭ ‬لنا‭ ‬التأثير‭ ‬الأفقي‭ ‬أو‭ ‬المجتمعي‭ ‬بدل‭ ‬التأثير‭ ‬العامودي‭ ‬للصحافة‭ ‬التقليدية،‭ ‬ويتجاوز‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬الجوانب‭ ‬السياسية‭ ‬إلى‭ ‬أبعاد‭ ‬ثقافية‭ ‬واجتماعية‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإنَّ‭ ‬التفاعل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬عبر‭ ‬الوسيط‭ (‬الصحفي‭- ‬الصحيفة‭- ‬التلفزيون‭) ‬اختفى‭. ‬وأصبح‭ ‬الناس‭ ‬يتفاعلون‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينهم،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الديناميكية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أسرع‭. ‬وأعرب‭ ‬عن‭ ‬اعتقاده‭ ‬أنّ‭ ‬الأثر‭ ‬الثقافي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬الأثر‭ ‬السياسي‭ ‬وأكثر‭ ‬نفوذاً‭ ‬منه؛‭ ‬لأنه‭ ‬يتعلَّق‭ ‬بأفكار‭ ‬الناس‭ ‬وحياتهم‭ ‬اليومية‭ ‬وتعاملاتهم‭. ‬

ولفتت‭ ‬عقيلي‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مثير‭ ‬للقلق‭ ‬في‭ ‬صحافة‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بقولها‭ ‬إنه‭ ‬بعد‭ ‬عرض‭ ‬فكرة‭ ‬مهمة‭ ‬أو‭ ‬نقل‭ ‬حدث‭ ‬بالغ‭ ‬الخطورة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬معيَّن،‭ ‬يطرح‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬موضوعاً‭ ‬آخر‭ ‬أو‭ ‬حدثاً‭ ‬جديداً‭ ‬ينسينا‭ ‬تماماً‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بالأمس‭. ‬فيغيب‭ ‬التراكم،‭ ‬وتبهت‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬والمواقف‭ ‬بسرعة،‭ ‬لأنَّ‭ ‬الاهتمام‭ ‬تحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬شأنٍ‭ ‬مختلف‭ ‬تماماً‭.‬

ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬طرأ‭ ‬من‭ ‬تحوّلات‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ “‬المواطن‭ ‬الصحافي‭” ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬عشر‭ ‬على‭ ‬ظهوره؟
وليد‭ ‬الحارثي

ويلتقط‭ ‬جازو‭ ‬الفكرة‭ ‬نفسها‭ ‬ليتوسَّع‭ ‬فيها‭ ‬بقوله‭: ‬إن‭ ‬ما‭ ‬تفتقده‭ ‬صحافة‭ ‬المواطن‭ ‬هو‭ ‬ربط‭ ‬المعلومات‭ ‬والأحداث‭ ‬بسياق‭ ‬معيَّن،‭ ‬والخروج‭ ‬بخلاصة‭ ‬نهائية‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭. ‬وأضاف‭: “‬يحتاج‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬بحث‭ ‬اجتماعي‭ ‬وأكاديمي،‭ ‬فالدمج‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬صحافي‭ ‬كمهنة‭ ‬وخبرة‭ ‬ولها‭ ‬أصول،‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شعبي‭ ‬ويومي‭ ‬وحياتي‭ ‬سوف‭ ‬يحدث‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬المتماسكة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬مستقبلاً‭. ‬والفرق‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الصحافي‭ ‬لا‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬فيه‭ ‬الحدث‭ ‬عندما‭ ‬يبني‭ ‬مقالاً‭ ‬أو‭ ‬رأياً،‭ ‬وإنما‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الأثر‭ ‬التراكمي،‭ ‬ويرجع‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬ليبحث‭ ‬فيها،‭ ‬وليستكشف‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬تكرَّرت‭ ‬الأحداث‭ ‬نفسها،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬اختلفت‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الوقت،‭ ‬وإلى‭ ‬متابعة‭ ‬وإعادة‭ ‬قراءة‭”. ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬تبني‭ ‬أرشيفاً‭ ‬يمكن‭ ‬الرجوع‭ ‬إليه،‭ ‬ومن‭ ‬خلاله‭ ‬يمكن‭ ‬بناء‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليه،‭ ‬بخلاف‭ ‬المواطن‭ ‬الذي‭ ‬يعرض‭ ‬الأحداث‭ ‬فور‭ ‬وقوعها‭ ‬وبشكلها‭ ‬الظاهر‭ ‬المنسلخ‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬أو‭ ‬سياقاتها‭.‬

صحافة‭ ‬المواطن‭ ‬والمواطَنة
وقبيل‭ ‬اختتام‭ ‬الجلسة،‭ ‬أثير‭ ‬موضع‭ ‬دور‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬المواطَنة،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬مجرد‭ ‬زعم‭ ‬أم‭ ‬حقيقة‭. ‬فقالت‭ ‬عقيلي‭: ‬هناك‭ ‬تعريف‭ ‬جديد‭ ‬للمواطنة‭. ‬والإنسان‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬بحث‭ ‬دائم‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬مفردة‭ “‬مواطن‭”‬،‭ ‬وليس‭ ‬باستطاعتنا‭ ‬بناء‭ ‬إجابة‭ ‬دقيقة‭ ‬حول‭ ‬ذلك،‭ ‬لأنَّ‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تغيّر‭ ‬وعدم‭ ‬ثبات‭”.‬

بينما‭ ‬رأى‭ ‬عدنان‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي‭ ‬ظاهرة‭ ‬ممتازة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬ضد‭ ‬مصلحته‭ ‬المهنية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي،‭ “‬فأي‭ ‬شيء‭ ‬يجعل‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬أفضل،‭ ‬أو‭ ‬يحمل‭ ‬السلطات‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬معالجة‭ ‬قضايا‭ ‬الناس‭ ‬وتحسين‭ ‬أوضاعهم،‭ ‬أو‭ ‬يكسر‭ ‬احتكار‭ ‬المعلومة،‭ ‬هو‭ ‬تعزيز‭ ‬للمواطنة‭”.‬

مستقبل‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي
وفي‭ ‬الختام،‭ ‬طرح‭ ‬مدير‭ ‬الجلسة‭ ‬سؤالاً‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬المواطن‭ ‬الصحافي،‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نترقَّبه‭ ‬من‭ ‬تحوّلات‭ ‬أو‭ ‬تطورات‭ ‬قد‭ ‬تطرأ‭ ‬عليه‭. ‬فقال‭ ‬جازو‭ ‬إن‭ ‬الرهان‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬سلطة‭ ‬الأفراد،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنَّ‭ ‬الناس‭ ‬العاديين‭ ‬صاروا‭ ‬أصحاب‭ ‬حضور‭ ‬قوي‭ ‬عند‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬رأيهم‭ ‬ورغباتهم‭ ‬ومخاوفهم‭. ‬فقد‭ ‬امتلأ‭ ‬الفرد‭ ‬بذاته‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الإحباط‭ ‬الموجودة،‭ ‬صار‭ ‬يمتلك‭ ‬مساحة‭ ‬أوسع‭ ‬للتعبير،‭ ‬والرهان‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تتعزَّز‭ ‬قدرة‭ ‬الأفراد‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر،‭ ‬وهو‭ ‬منحى‭ ‬إيجابي‭ ‬تماماً‭”.‬

أما‭ ‬عطوي‭ ‬فاقتبست‭ ‬القول‭ ‬المعروف‭ “‬إن‭ ‬المعرفة‭ ‬العظيمة‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأصول‭ ‬تواضعاً،‭ ‬لتؤكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المعلومات‭ ‬المهمَّة‭ ‬والكبيرة‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬أناس‭ ‬عاديين،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سيحدث‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬فالمواطن‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬ثقافة‭ ‬وأدق‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬المعلومة‭ ‬أو‭ ‬التعبير‭. ‬وقالت‭: “‬إننا‭ ‬نراهن‭ ‬على‭ ‬المواطن،‭ ‬علماً‭ ‬إنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬صحافياً‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الصحافي‭ ‬المحترف‭ ‬والمحلل‭ ‬الذي‭ ‬يُعطي‭ ‬وقته‭ ‬كاملاً‭ ‬لهذا‭ ‬العمل‭. ‬ولكن‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬دوره‭ ‬أفضل‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الأخبار‭ ‬والأحداث‭ ‬كانت‭ ‬الصورة‭ ‬أحسن،‭ ‬وكنَّا‭ ‬أقدر‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهنا‭”.  ‬

المواطن‭ ‬الصحافي‭..‬
والمواطن‭ ‬القاضي

في‭ ‬عمله‭ ‬الشهير‭ “‬مزرعة‭ ‬الحيوان‭” ‬وصف‭ ‬جورج‭ ‬أورويل‭ ‬عالماً‭ ‬تخيلياً‭ ‬تستقل‭ ‬فيه‭ ‬حيوانات‭ ‬المزرعة‭ ‬برأيها‭ ‬وأمرها،‭ ‬وتتخلص‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬الإنسان‭. ‬بدأت‭ ‬الحيوانات‭ ‬عالمها‭ ‬الجديد‭ ‬بشعار‭ “‬كل‭ ‬الحيوانات‭ ‬متساوية‭”‬،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تلبث‭ ‬أن‭ ‬أضافت‭ ‬إليه‭ ‬بعدما‭ ‬قطعت‭ ‬شوطاً‭ ‬في‭ ‬درب‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الذات‭:‬‭ “‬كل‭ ‬الحيوانات‭ ‬متساوية،‭ ‬لكن‭ ‬بعضها‭ ‬متساوٍ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الآخر‭”.‬
وحين‭ ‬نتأمَّل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬خلقه‭ “‬المواطن‭ ‬الصحافي‭”‬،‭ ‬سنجد‭ ‬أن‭ ‬المسيرة‭ ‬تمضي‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬نفسه‭. ‬ففي‭ ‬العام‭ ‬2006م،‭ ‬نشرت‭ ‬مجلة‭ “‬تايم‭” ‬الأمريكية‭ ‬عدداً‭ ‬شهيراً‭ ‬يحتفي‭ ‬بـ‭ “‬أنت‭”‬،‭ ‬وتكلفت‭ ‬غلافاً‭ ‬باهظاً‭ ‬لكل‭ ‬أعدادها،‭ ‬فيما‭ ‬الكل‭ ‬يبشر‭ ‬بإفلاس‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية‭. ‬وكان‭ ‬الغلاف‭ ‬وقتها‭ ‬من‭ ‬مادة‭ ‬صقيلة‭ ‬تشبه‭ ‬المرآة‭ ‬ليسعك‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬عليه‭ ‬وجهك‭ ‬أنت‭. ‬قالت‭ ‬التايم‭ ‬آنذاك،‭ ‬إننا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حماسة‭ ‬التدوين‭ ‬وفورة‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬وما‭ ‬تبشر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬مستقبل‭ ‬رقمي‭ ‬حر،‭ ‬بات‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬بمنزلة‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭.‬
لكن‭ ‬اليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد،‭ ‬ألا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬صوت‭ ‬المواطن‭ ‬مختطف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬فئة‭ ‬أجادت‭ ‬الصنعة‭ ‬هي‭ ‬الأخرى؟‭ ‬فمن‭ ‬هم‭ ‬وجوه‭ “‬الإعلام‭ ‬الشعبي‭”‬؟‭ ‬هل‭ ‬هن‭ ‬الفاشنيستات؟‭ ‬أم‭ ‬نجوم‭ ‬يوتيوب‭ ‬سريعو‭ ‬الاحتراق؟‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الأرقام‭ ‬المليونية‭ ‬للمتابعين‭ ‬الذين‭ ‬تعجز‭ ‬عنهم‭ ‬كبرى‭ ‬محطات‭ ‬التلفزة‭ ‬ودور‭ ‬الصحافة‭ ‬التقليدية،‭ ‬أليس‭ ‬هناك‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التنميط‭ ‬في‭ ‬الطرح‭ ‬الرقمي‭ ‬هو‭ ‬الآخر؟‭ ‬أليس‭ ‬المواطنون‭ ‬الذين‭ ‬يجيدون‭ ‬لعبة‭ ‬الظهور‭ ‬والنشر‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يخبروننا‭ ‬كيف‭ ‬نأكل‭ ‬ونسافر‭ ‬ونفكِّر‭ ‬وماذا‭ ‬نلبس‭ ‬وأي‭ ‬آراء‭ ‬نعتنق‭.‬
أعتقد‭ ‬أن‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬قد‭ ‬تمخضت‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬سوق‭ ‬جديد‭. ‬بالمعنيين‭ ‬المادي‭ ‬والفلسفي‭. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬دوماً،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يروّج‭ ‬للمنتج‭. ‬هناك‭ ‬دائماً‭ ‬قاعدة‭ (‬ما‭ ‬يطلبه‭ ‬المستمعون‭). ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مجال‭ ‬الحرية‭ ‬أوسع‭ ‬بكثير‭ ‬ويسع‭ ‬كل‭ ‬الأصوات‭ ‬والأذواق،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬هناك‭ ‬السائد‭ ‬والنمطي‭. ‬تظل‭ ‬هناك‭ ‬الموضة‭ ‬في‭ ‬الطرح‭ ‬والرأي‭ ‬والإخراج‭ ‬والمنصة‭ ‬التقنية‭ ‬السائدة‭. ‬إن‭ ‬صحافة‭ ‬المواطنين‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬قدَّمت‭ ‬أصواتاً‭ ‬مستقلة،‭ ‬لكنها‭ ‬خلقت‭ ‬حالة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الخوف‭. ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المواطن‭ ‬المسلح‭ ‬بهاتف‭ ‬ذكي‭ ‬ويزعم‭ ‬أنه‭ ‬أداة‭ ‬حريته‭ ‬في‭ ‬إحقاق‭ ‬الحق،‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬يمارس‭ ‬تنمراً‭ ‬ويقيم‭ ‬نفسه‭ ‬مقام‭ ‬القاضي‭ ‬والجلاد،‭ ‬ولا‭ ‬يلتزم‭ ‬أيّ‭ ‬معيارية‭ ‬احترافية‭. ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬أزمة‭ ‬ثقافة‭ “‬المواطن‭ ‬الصحافي‭” ‬التي‭ ‬نرجو‭ ‬ألا‭ ‬تحوّل‭ ‬كلًّا‭ ‬منا‭ ‬إلى‭ “‬المواطن‭ ‬القاضي‭”.‬
د‭. ‬أشرف‭ ‬فقيه

 

أضف تعليق

التعليقات