الحياة اليومية

عبدالرحمن الطيب الأنصاري
أعاد الاعتبار للأحجار واستنطقها

  • أحمد البوق
علم الآثار وعبدالرحمن الأنصاري صنوان في المملكة العربية السعودية، لا يُذكر أحدهما إلا ويكون صاحبه حاضراً في الذاكرة، حضور الريحان البري في ذاكرة الجبال. فمن عوالم أبي الطيب المتنبي جاء الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الأنصاري إلى عوالم الآثار والتنقيبات الآثارية ولسان حاله -عبر أكثر من ثلاثة عقود- يقول: سيسعف النطق ويسعف الحال فخيول علمه وثروته الفكرية معين لا ينضب. اتصل به الزميل أحمد البوق ليتوقف معه عند أبرز محطات قوافله العلمية الآثارية.
ولد عبدالرحمن الأنصاري في المدينة المنورة في عام 1935م وتلقى في مدارسها تعليمه العام ثم التحق بقسم اللغة العربية في كلية آداب جامعة القاهرة وتخرج منها في 1960م. ألّف بعدها كتاباً نشر في القاهرة في 1961م عن حياة أبي الطيب المتنبي. ولكن شعر أبي الطيب دفع الطيب الأنصاري للالتحاق بقسم الدراسات السامية بكلية الآداب بجامعة ليدز بإنجلترا ومنها حصل على شهادة الدكتوراة في 1966م. خيول الشعر حملته على ظهورها فاتحاً لأكبر عواصم التاريخ، فأنشأ جمعية التاريخ والآثار في قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة الملك سعود في الرياض في 1966م. واختير أول عميد سعودي للكلية في 1971م ثم أشرف على تأسيس فرع الآثار في قسم التاريخ، وعلى تخريج أول دفعة منه في 1976م. كوّن الدكتور عبدالرحمن الأنصاري كتيبة من طلابه المتميزين ليقتحم معهم-بسلاح العلم- أول بوابة للتاريخ القديم في المملكة العربية السعودية، فكانت التقنيات الأثرية لمنطقة الفاو والتي استمرت صولاتها وجولاتها أكثر من عقدين من الزمان (1972-1995م) رأَس خلالها وأشرف على النشر العلمي لنتائجها.

حين توجهنا إليه بالسؤال عن ما تبقى في جعبته عن عاصمة مملكة كندة؟.
أجاب الأنصاري: حملت نتائج التنقيبات، خلال أكثر من عقدين -عبر جامعة الملك سعود في الرياض- إلى كثير من بلاد العالم من اليابان شرقاً إلى أقصى غرب أوروبا وقدمت الحضارة العربية قبل الإسلام في العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات والمحاضرات العلمية. وفي حوار طويل وأصيل مع الآخر حول الجذور العميقة لحضارات الممالك في الجزيرة العربية قبل الإسلام وانعكاس جوانبها الإيجابية الخلاّقة على الحضارة الإسلامية كدين سماوي يحمل مضامين إنسانية تبشر بالخير والعدل والسلام لكل البشرية وليس هناك حضارة عظيمة منبتة الجذور.

كيف تنظرون لعلم الآثار والتنقيبات الآثارية كأدوات لاستشراف المستقبل؟.
علم الآثار والتنقيبات الآثارية توفر مادة غنية لكشف الأساليب التي تحاورت فيها الحضارات المختلفة والسبل التي تلاقحت فيها الأفكار لتعبر كل أمة عن خصوصيتها. إنه كنـز علينا أن ننقب فيه بأناة لننعم بثرواته.

هل قورنت نتائج التقنيات في الفاو في الطرف الشمالي الغربي لصحراء الربع الخالي مع نتائج تنقيبات الممالك الأخرى التي سادت في الجزيرة العربية قبل الإسلام وكيف قدمت نتائجها؟.
بالتأكيد، فطرق التجارة القديمة أثرت في نشأة الممالك والمدن ومنها الفاو عاصمة مملكة كندة وقد كتبت باللغة العربية أربعة عشر كتاباً معظمها عن الفاو وبعض الممالك العربية الأخرى في نجران ومدائن صالح وتيماء والطائف وغيرها، كما نشرت باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية كتب في ذات السياق. إضافة لكتاب -نشر في 2005م- باللغة اليابانية عن العلا ومدائن صالح والحضارة القديمة لهاتين المدينتين. إضافة لنشري في ذات المواضيع 33 بحثاً علمياً محكماً في دوريات عربية وسبعة أبحاث محكمة في دوريات إنجليزية وفرنسية. وأشرفت وحكمت العديد من رسائل الماجستير والدكتوراة في علم التاريخ القديم والآثار.

هل ما زال في جعبتكم شيئاً جديداً تقدمونه -بعد هذه الرحلة الطويلة- للبحث العلمي وعالم الكتب؟.
لدي كتابان تحت الطبع، أولهما عن النتائج الكاملة لأعمال التنقيب في موقع قرية ، الموسم الأول إلى الموسم العشرين، ويشتمل على التنقيبات في قرية الفاو والنقوش والكتابة بقرية والمسكوكات في قرية الفاو وكتاب آخر عن خيبر الفتح الذي سرّ به (النبي صلى الله عليه وسلم).كذلك لدي أربعة بحوث تحت الطبع اثنان منها عن الجزيرة العربية قبل الإسلام والنشاط الأثري في المملكة.وقد رأست تحرير مجلة العصور التي تصدرها دار المريخ في الرياض من 1985-1995م ورأست تحرير مجلة أدوماتو من 2000م وحتى الآن.

اخترتم عضواً لمجلس الشورى لدورتين (1414-1422هـ) كيف كانت تجربتكم بها؟.
ترأست في بعض الفترات خلال عملي بالمجلس لجنة الشؤون التعليمية والثقافية والإعلامية، وكانت تجربة ثرية لترجمة الأحلام إلى وقائع.

تاريخكم العلمي الطويل يمتد إلى 45 مشاركة دولية في علم الآثار في مناطق مختلفة في العالم إضافة للمشاركة في الكثير من اللجان الآثارية المحلية والدولية. كيف تلخصون هذا المشوار العلمي الطويل؟.
الاحتكاك بالآخرين يثري العمل والبحث العلمي، ويصحح كثيراً من المفاهيم الخاطئة أو المغلوطة التي يرسخها الجهل والسطحية. وقد أسهمت كعضو في الهيئة الدولية لكتابة تاريخ الإنسانية التابع لمنظمة اليونسكو باعتباري اشتغلت لفترة خبيراً للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في الجامعة العربية. وشاركت في تنقيبات آثارية في فلسطين وإيطاليا.

قبل أن نتوقف معكم في المحطة الأخيرة ما هي الجوائز التي حصلتم عليها في مسيرتكم العلمية والعملية؟.
الجائزة الأهم هي الرضا عن الذات، والخدمة التي يسعدني تقديمها لرفعة بلادي والأمة العربية والإسلامية. وقد حصلت على العديد من الجوائز التي أعتز بها كوسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من المملكة العربية السعودية 1982م، وجائزة مؤسسة التقدم العلمي الكويتية 1984م، ووشاح الثقافة والفنون من وزارة الثقافة اليمنية 1998م، ودرع الآثاريين العرب بالقاهرة 2001م ومؤخراً ميدالية 22 مايو الذهبية من رئيس الجمهورية اليمنية 2004م.

كيف ينظر الدكتور عبدالرحمن الأنصاري لمستقبل الآثار في المملكة وإمكانيات استثماره؟!.
رغم أن الكثير عمل في هذا المجال بحثاً وتنقيباً، إلا أن الكثير أيضاً بانتظار البحث، ولعل وجود أقسام مخصصة في الجامعات السعودية للتاريخ القديم والآثار سيسهم في تفعيل ذلك، إضافة للجهود المثمرة المبذولة حالياً لتنظيم الاستثمار السياحي للثروات الآثارية في المملكة. وقد اشتغلت لدورة واحدة عضواً في مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة في المملكة العربية السعودية، وأظن أننا مقبلون -إن شاء الله- على طفرة في الاستثمار السياحي الداخلي وتحديداً ما يتعلق بالسياحة التاريخية والآثارية.

أضف تعليق

التعليقات