طاقة واقتصاد

حقــل النـفـط الرقمي

  • 16b
  • 10a
  • 10b
  • 12a
  • 14
  • 16a

أصبحت صناعة النفط والغاز تعتمد أكثر من أي وقت مضى على الابتكار في التكنولوجيا من أجل فتح الآفاق أمام الإنتاج والمساعدة في إدامة الجدوى. وفيما يلي تقرير مارتن كلارك عن هذا الموضوع مترجماً بإذن خاص عن مجلة بتروليوم إيكونوميست البريطانية.

لقد تبدل وجه صناعة النفط والغاز تبدلاً هائلاً في العقود الأخيرة إذ فتحت التكنولوجيا مجالات جديدة، على طول كل سلسلة صناعة الطاقة.

ففي أول هذه السلسلة، تستكشف الشركات وتستثمر حقول النفط البحرية العميقة التي كانت في الماضي صعبة المنال أو غير معروفة. وفي آخرها، دفع استخدام آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا، إلى توسيع آفاق الجدوى والإنتاجية. وإضافة إلى دفع مستوى المبيع والإنتاج، ساعدت التكنولوجيا في مجالات حساسة أخرى. فلعبت تقنية الحفر الأفقي الحديثة دوراً أساساً في تقليل الآثار البيئية خلال أعمال الاستكشاف مثلاً.

والحق أن كل مراحل صناعة الطاقة تزداد اعتماداً على تكنولوجيا المعلومات. وعلى الرغم من أن شركات النفط والغاز قد لا تكون استثمرت النسبة نفسها من المال التي استثمرتها قطاعات صناعية أخرى في تكنولوجيا المعلومات، مثل قطاع الخدمات المالية، إلا أن ثمة وعياً متنامياً لدور هذه التكنولوجيا في رسم صورة مستقبل الصناعة. لقد نشأ فعلاً منذ الآن مفهوم حقل النفط الذكي، أي تحسس المعلومات من بُعد في الزمن الحقيقي، من آبار ذكية ومنشآت أخرى، واستخدام نظم معلوماتية معقدة للتفسير والتحليل واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المطلوب.

يقول ماريزه ميكوليس مدير قسم صناعة النفط والغاز في العالم، في شركة “مايكروسوفت”: “ثمة طلب للاستكشاف الذكي والاتصال بين حقول النفط؛ لزيادة الإنتاج وخفض تكلفة الاستكشاف والاستخراج، والمساعدة في تحسين تقدير الاحتياط وبدائله”. ويضيف: “هذا مهم للغاية لأن احتياط النفط وتحسين استكشافه واستبداله هي العناصر الرئيسة في أساس هذا القطاع”.

ويرى ميكوليس أن التعاون سيزداد أهمية في كل مراحل الصناعة هذه، كلما عقدت شركات النفط اتفاقاً مع مصادر تكنولوجيا المعلومات مثل “مايكروسوفت”، فقد طوّر بائعو تكنولوجيا المعلومات أنفسهم من مجرد بائعين لمنتجات وخدمات معزولة، إلى مصادر حلول للشركات في كل أوجه عملها، وللبنية التحتية الفعّالة. ويقول: “في الصناعة النفطية الشاملة، صار العمل مرهوناً بالمعلومات أكثر من أي وقت مضى، والنجاح في يد أولئك الذين يعرفون أكثر كيف يستخدمون حلولاً مجدية ومجربة ومتوافرة وقابلة للبقاء في المستقبل، في تكنولوجيا المعلومات”.

الإنفاق ووجهة العمل
لقد تسارع استخدام تكنولوجيا المعلومات في صناعة النفط والغاز في العقد الأخير. وأكثر ما يلاحظ أن شبكة “الإنترنت” ظهرت بقوة في التسعينيات من القرن الماضي، فدعم استخدامها نشر تطبيق الحلول وتوزيعها في مجالات عديدة مثل إدارة العلاقات بالزبون وتوافر الخدمات. لقد أتاحت التكنولوجيا على الشبكة الدولية “الإنترنت” للشركات أن تحسّن أعمالها تحسيناً هائلاً، وأن تركِّز على زبائنها وتخفض تكاليفها. وفي الطرف الآخر، خفض استخدام الشبكة الدولية تكاليف التبادل ومكنن بعض الوظائف الأساسية مثل القياس وطبع كشوف الحساب.

وتقول فيرونيك ديران – شارلو (من إتحاد الغاز الدولي) إن تطور التكنولوجيا يتباطأ منذ سنوات الإقبال الشديد على عالم دوت كوم (أي استخدام الشبكة الدولية – “الإنترنت”) “ونحن الآن في مرحلة تدعيم التكنولوجيا التي ظهرت في أواخر التسعينيات. إننا ندخل مرحلة استقرار تكنولوجي. ليس ثمة مفاهيم جديدة كثيرة تظهر الآن، وتتقدم الصفوف تكنولوجيا الاتصال وحلول الحركة. والاتصال السلكي يترك مكانه للاسلكي. وشبكة “الإنترنت” صارت أسرع بفضل تكنولوجيا الوصل المباشر، واستخدام الصوت عبر الشبكة يتسع باطراد”.

وتضيف ديران – شارلو: “الإنفاق هو تبدل آخر مهم يحدث الآن. وهذا الاتجاه جديد في صناعة الطاقة. ففي تاريخ هذه الصناعة كانت الشركات أكثر إحجاماً من قطاع المصارف عن الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات. لكن حوافز خفض التكاليف تدفع هذه الشركات الآن إلى إنفاق نسبة كبيرة من المدخرات غير المستخدمة في التشغيل”. وقد أدى هذا إلى زيادة العاملين في الخدمات لسوق الطاقة، مثل المسوقين والتجار وتجار المفرق، وكذلك بائعي تكنولوجيا المعلومات.

وقد استضاف اتحاد الغاز الدولي قبل أشهر قليلة مؤتمره الذي يعقد كل ثلاث سنوات في بوسان، المدينة الكورية الجنوبية. وكان المؤتمر السابق عقد في براغ سنة 2002م. والغرض الأول هو الترويج لفهم تكنولوجيا المعلومات والاتصال لدى أعضاء الاتحاد وعبر قطاع الغاز. وتقول ديران – شارلو (وهي أيضاً رئيسة فريق عمل مؤتمر بوسان) إن هذا المؤتمر جمع كبار المديرين التنفيذيين في عالم الصناعة لمعالجة قضايا القطاع الحقيقية، لا مجرد قضايا التكنولوجيا المتطورة جداًَ.

في هذه الصناعة التي تتبادل المعلومات التكنولوجية، لا تعود القفزات التي تحدث في الاستكشاف إلى الصدفة. فقد ساعدت تكنولوجيا الزلازل، مثل تكنولوجيا الأبعاد الثلاثة والأبعاد الأربعة، ووسائل المعالجة الجديدة وأساليب التصوير، في تحسين معرفة مديري الاستكشاف بمواضع الحقول في العالم. كما حفّزت التكاليف الباهظة في حالات الحفر البحري العميق، على ابتكار تكنولوجيا جديدة لتحسين معرفة ما في باطن الأرض، وتقليص خطر الحفر بلا جدوى، وهذا يعني على صعيد الإحصاء أن تحفر آبار أقل قبل العثور على النفط.

ويرى بيتر بروينغ رئيس قسم الإعلام في مجموعة تكنولوجيا الطاقة شيفرون – تكساكو، إن ما تطلبه مراحل صناعة الطاقة من تكنولوجيا المعلومات يتباين. ففيما تتطلب الحلول للمراحل الأولى التركيز على تقليل المخاطرة مثلاً، ينبغي أن يركز العاملون في مراحل الإنتاج المتقدمة، مثل مراحل العمل في بحر الشمال، على مراقبة الهوامش. ويقول إن التجديد لذلك ينبغي أن يقلل المخاطر في مرحلة الاستكشاف ويراعي التكاليف في مرحلة الإنتاج.

وبين الخطوات الكبرى التي خطاها التقدم في المراحل الأولى أخيراً، سرعة معالجة حجم المعلومات المتعاظم باستمرار. ولقد تقدمت تقدماً هائلاً أساليب تخيّل حجم الحقول واستخدام التصوير الزلزالي لإنتاج خرائط رقمية افتراضية لحقل النفط. ويقول بروينغ: “تستطيع اليوم أن تقدّر حجم الحقول على نحو لم يكن ممكناً قبل عشرين سنة. وقوة الكومبيوتر تمكننا من تحليل الأمور واحتسابها في وقت قصير لم نكن نحلم به من قبل”.

حقل النفط الذكي
لقد صار التحديد في تكنولوجيا المعلومات عنصراً حساساً، مع نزوع شركات النفط والغاز إلى تقليص نفقاتها في مراحل الإنتاج الأولى والأخيرة على السواء. ويعد ظهور حقل النفط الرقمي أو الذكي تطوراً مهماً آخر يبدل الحال في المراحل الأولى. ويصفه بروينغ بأنه “إدارة حقل النفط مثلما تدار المصفاة”.

ويستخدم حقل النفط الذكي، مثل منشآت مراحل الإنتاج الأخيرة التقليدية، شبكة تكنولوجيا معلومات لتحسين القدرة على إدارة مجموعة المنشآت للمراقبة داخل البئر والسيطرة الآلية. والغرض هو زيادة الرؤية في أعمال الحقل، وتوفير رقابة ذكية، وفي النتيجة تحسين الأداء وتوسيع الهوامش. إن في هذا مجال اهتمام كبير لشركات تكنولوجيا المعلومات مثل “أي بي إم”، التي تزيد نشاطها في القطاع، إلى جانب كبرى شركات النفط والغاز في العالم.

ومع أن ثمة اعتباراً لموازنة التكلفة بالربح، فإن تكنولوجيا المعلومات تستطيع أن تقدم حلاً لأحدث أساليب إدارة حقل النفط، على ما تقول ديران – شارلو. وتضيف: “إن أهم تكنولوجيا هنا هي التحسّس من بُعد، والتصوير بأبعاد ثلاثة والحفر الذكي وتنسيق المعلومات. وتلعب تكنولوجيا الحركة أيضاً دوراً في إدارة الحقل الرقمية”. ويبقى أن نعرف ما إذا كانت تكنولوجيا حقل النفط الذكي تستطيع دوماً أن تؤدي إلى النتائج التي تؤمل منها في الاستثمارات الهائلة، على الرغم من أنها تحظى باهتمام متزايد لدى الشركات العاملة في مراحل الصناعة الأولى.

حقول الغاز الافتراضية
تعد تكنولوجيا التحكم من بعد مفيدة على نحو خاص في مواقع مثل البيئة غير الودودة في بحر الشمال. وقد نشرت شركة “غاز دو فرانس” في يوليو من هذا العام نظم تشغيل آلي وإدارة معلومات في اثنتين من منصات الإنتاج في بحر الشمال. وتستخدم الشركة الفرنسية نظام “هونيويل إكسبريون”، من أجل وصل كل من المنصتين المستقلتين بمنشآت “غاز دو فرانس” الأخرى في البحر. وسيسهل هذا النظام تبادل الاتصال والمعلومات ويمكّن الشركة من النظر برؤية أفضل لأعمالها في البحر.

وستوفر “هونيويل” لحقول الغاز خادماً إلكترونياً ومراقباً ونظام قفل طوارئ، وكل خدمات التجهيز الإلكتروني وبرامجه. وسيخزن نظام “هونيويل” لإدارة المعلومات، كل ما يتوافر من معلومات تتعلق بسير العمل في كل منصات الإنتاج. وستوضح تقارير الإنتاج على نحو آلي وترسل إلى مستخدميها في المواقع على البر وفي البحر.

وسيتواصل العاملون في النظام الجديد باستخدام “إنترنت إكسبلورر” (من “مايكروسوفت”) عبر مركز “هونيويل” لمراقبة الإنتاج. ويرى بول أورزسكي (نائب رئيس حلول “هونيويل” لأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا) “إن العنصر المهم في مركز مراقبة الإنتاج هو أنه يعمل بواسطة أجهزتنا الشخصية العادية في المكاتب. ويسهّل هذا الأمر عمل غاز دو فرانس، وفي النتيجة يقلص حاجتها إلى التجهيز الإلكتروني والبرامج وتكاليف تدريب الموظفين العاملين بها”.

وعلى الرغم من وثوق العلاقة بين تكنولوجيا المعلومات وصناعة النفط والغاز، تقول ديران – شارلو إن شركات الطاقة لا تزال تشتهر بأنها محافظة في هذا الأمر، إذ أنها ليست من الشركات الرائدة في اعتماد التكنولوجيا الطليعية. ومع أن ديران – شارلو لا تتوقع تبدل الحال بين ليلة وضحاها، إلا أن ثمة تبدلاً عميقاً أساساً يحدث الآن. فتقول: “تواجه شركات الطاقة تحدياً أساساً والتكنولوجيا الجديدة مهمة جداً لمرافقة هذه الشركات بصفة شريك عمل. وسيكون على شركات الطاقة أن تواصل الإنفاق في قطاعات تتيح لها وضع حلول لقضايا عملها مثل إدارة شؤون الزبائن واستيعاب تكنولوجيا المعلومات”.

كذلك هناك جسر ثقافي لا يزال قائماً بين الجانبين، وكلاهما متعدد الفروع، وممتد على حقول معرفة لا تحصى. ويقول مدير تنفيذي في شركة نفط دولية إن على التكنولوجيا الجديدة أن تثبت جدواها على الفور تقريباً، على الرغم من أن أي تبدل وأي تحسن يحتاج إلى التدرّج. ويضيف قوله: “لا يمكنك أن تجرب قيمة الجدوى إلا مرة أو اثنتين”.

في الدول النامية، ثمة قضايا أخرى تواجه شركات النفط والغاز. إذ يرى فيليب شوكوو، رئيس شركة خدمات إدارة استثمار النفط الوطنية النيجيرية، أن فوائد تكنولوجيا المعلومات ينبغي أن تصيب المجتمع الأوسع، وأن تُنشر في المشروعات.

ويضيف: “إن صناعة النفط والغاز هي في الأساس جزيرة من التكنولوجيا المتطورة داخل معظم بلدان إفريقيا. وليس ثمة صلة مع بقية الاقتصاد”. ونتيجة لذلك، يشتد إلحاح الحكومات في الأسواق الناشئة، على طلب إلزام شركات النفط نشر التكنولوجيا الجديدة في البلد المضيف. وينطبق هذا على كل مجالات تكنولوجيا النفط والغاز، وكذلك على تعلّم استخدام تكنولوجيا المعلومات.

الحاجة إلى مقاييس الصناعة
وثمة قضية أخرى هي توحيد وسائل العمل وتنسيقها. فأمام كثرة المنتجات التكنولوجية في السوق، تجد الشركات نفسها أمام مشكلة توحيد مقاييس العمل والتناسق والملاءمة فيما بينها. فكثرة تقنيات المعلومات قد تعقّد بيئة العمل أكثر من اللزوم وتعرقل التجديد والإبداع. ويعتقد ستيف كومستوك، نائب رئيس التقنية الرقمية في مراحل الإنتاج الأولى في قسم استكشاف شركة “إكسون موبيل”، أن الاستفادة القصوى من تكنولوجيا المعلومات تقضي وضع مقاييس مشتركة لتبسيط رزمة المعلومات الهائلة التي تواجه مديري الاستكشاف النفطي.

ويحتاج هذا الأمر إلى قدر كبير من التعاون في صناعة النفط، في قطاع النفط والغاز وفي قطاع تكنولوجيا المعلومات على السواء. ويقول إن الصناعة، من دون هذا التعاون، ستظل تصارع التعقيد وتجد مصاعب في وجه التجديد والابتكار لمواجهة تحدي المستقبل. ويوافق آخرون إذ يقول بروينغ: “إذا استطاع العاملون في تكنولوجيا المعلومات أن يفعلوا هذا، فسيساعدون كثيراً”.

الابتكار يزيد إنتاج خليج المكسيك
إن أفضل دليل على قدرة التكنولوجيا على توفير نتائج مهمة، هو حقل مارلين لشركة “بي بي” في خليج مكسيكو. فالحقل الذي بدئ العمل فيه في يوليو 2003م هو واحد من الحقول البريطانية العملاقة الأهم في الإنتاج البحري في المنطقة. وهو يضخ في اليوم 40 ألف برميل.

وفي الوقت نفسه تقريباً سعت شركة “بي بي” إلى الحصول على خدمات حلول “هونيويل” للتشغيل – وهي فرع من مجموعة “هونيويل” الدولية – في مجال تكنولوجيا مراقبة التخمين المتعدد، المعروف باسم برنامج مراقبة الربح، من أجل إدارة حقل النفط على نحو أجدى ومحاولة زيادة الإنتاج. ومع اعتماد نظام مراقبة الربح بعد ذلك بأشهر قليلة، في أكتوبر 2003م زاد معدل إنتاج حقل مارلين البحري 4 في المئة، وهي نسبة قد تبدو ضئيلة بالرقم، لكنها هائلة بالقيمة النقدية.

ويقول فيل ميليت وهو مستشار في صناعة النفط والغاز في شركة حلول “هونيويل” للتشغيل، في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، إن تكنولوجيا مراقبة التخمين المتعدد على الرغم من ثبات جدواها في صناعة البتروكيمياء والتكرير، إلا أنها لا تزال إلى الآن قليلة الانتشار في منشآت الإنتاج البحري. وكانت “بي بي” من الرواد في استخدام تكنولوجيا مراقبة التشغيل المتقدمة في منشآتها البحرية لتحسين عملها وأدائها إلى أقصى مدى.

ويستطيع نظام مراقبة الربح أن يدير كل المتغيرات على نحو أجدى، كما يقول ميليت. ويضيف: “لقد استعملنا التكنولوجيا التي تركز على تجاوز عقبات التجهيز. والنظام يعمل بأسرع مما يمكن لأي إنسان”. وبذلك أمكن لتكنولوجيا المعلومات أن تصل إلى الحدود الطبيعية الحقيقية لإنتاج النفط، باستخدامها كل الفرص المتاحة لدفع الضخ إلى أقصى مدى ممكن.

ويقول ميليت: إننا قادرون على انتهاز كل الفرص حالما تلوح”. وتعلو منصة مارلين 3240 قدماً على قاع البحر، وتستخرج النفط من ثلاثة حقول مختلفة.

وبالنظر إلى النتائج التي أحرزتها تكنولوجيا مراقبة التشغيل، يبدو أن ثمة شركات أخرى ستسعى في استخدامها من أجل زيادة إنتاج النفط. وفي هذا العالم الذي يؤرقه همّ استرداد المال المستثمر، وحيث يتعين دوماً على التكنولوجيا أن تثبت فائدتها وجدواها المالية، كانت الفرصة المتاحة لانتظار نتائج مالية في منصة مارلين أياماً قليلة فقط، على ما يضيف ميليت. وحين يبلغ سعر البرميل 60 دولاراً وأكثر، تصبح زيادة الإنتاج، حتى الهامشية، مكسباً مالياً ملموساً.

مبادرة الحقل الذكي في أرامكو السعودية
بدأت مبادرة الحقل الذكي في أرامكو السعودية عام 2003م عندما انضمت الشركة إلى دراسة حول المبررات التجارية والتقنيات الرئيسة للحقل الذكي أجرتها جمعية كمبريدج لأبحاث الطاقة لحساب عملاء متعددين. وفي عام 2004م، كُلِّف فريق صغير بالبدء في مشروعات تعنى ببعض العناصر الأولية ضمن الحقل الذكي، وفي وقت لاحق من العام نفسه، أطلق كبير مهندسي البترول في الشركة رسمياً مبادرة الحقل الذكي . وتم تشكيل فريق تنسيق يمثل جميع الدوائر المعنية في أرامكو السعودية.

وقد قام أعضاء فريق الحقل الذكي بزيارات عديدة إلى الولايات المتحدة وأوروبا بهدف الاتصال بمعاهد الأبحاث مثل جامعة ستانفورد، وشركات إنتاج الزيت الكبرى وشركات الخدمات مثل شيفرون وبتروليوم إكسبرتس ليمتد، وشل وبريتش بتروليوم وستات أويل وإنفسيس لتبادل الاستراتيجيات والخبرات والخطط المتعلقة بالحقل الذكي ومناقشة أوجه التعاون الممكنة.

وقد نجحت هذه الرحلات في تحديد التقنيات الأساسية التي نحتاج لدراستها لتطوير الحقل الذكي وتنفيذها مع التعرف على مقدمي هذه التقنيات. ونظراً لأن بعض عناصر الحقل الذكي تعد جديدة وغير متوافرة بصورة تجارية، فقد كان علينا العمل مع شركاء مختلفين (شركات تجارية وجهات أكاديمية)؛ لإجراء الأبحاث الخاصة بهذه التقنيات الجديدة وتطويرها بصورة فعالة. وقد أشارت المعلومات التي تلقيناها من الجهات التي التقينا بها إلى أن أرامكو السعودية تتمتع بوضع أفضل فيما يتعلق بتنفيذ مبادرة الحقل الذكي بسبب هيكلها التنظيمي وما تقدمه إدارتها من دعم والتزام إلى جانب امتلاكها لمجموعة من الأصول الجديدة وما تتمتع به من رؤية واضحة.

وتجد جميع الشركات الكبرى التي التقينا بها صعوبات في تطبيق تقنيات الحقل الذكي بسبب هياكلها التنظيمية التي تقوم على مراكز أو وحدات الأصول، كما أن فرق الحقل الذكي فيها تعد جزءاً من التنظيم العام وعلى هذه الفرق أن تحصل على معظم التمويل والموافقة على التطبيق من وحدات الأصول.

أما في أرامكو السعودية فإننا نواصل تركيب البنية الأساسية بما فيها أجهزة الاستشعار والاتصال بالمقر الرئيس في جميع الحقول التي نقوم بتشغيلها. كما قمنا بتطوير أنظمة لتنقية المعلومات الواردة من الحقل ومعالجتها بغرض التحكم في مستوى إلى الحد المطلوب دون الإخلال بقيمتها وتخزينها في قاعدة بيانات شاملة. ويجرى اختبار أنظمة تتيح للمهندسين عرض البيانات في هيئة صور وتنبيه المهندس المسؤول وقت الحاجة بصورة آلية، وذلك في ظل ظروف حقول فعلية قبل نشر هذه الأنظمة على مستوى الشركة. ويمثل ذلك المستوى الأول للحقل الذكي، أي المراقبة.

وفيما يتعلق بسائر المستويات، لدينا بعض العناصر مثل نظام محاكاة المكامن المتميز باورز والبرامج المرتبطة به التي تسهل بناء وتشغيل النماذج ثم عرض النتائج في هيئة صور وتحليلها. ويتعاون عدد من الإدارات المعنية في تطوير بيئة متكاملة تسهل عملية اتخاذ القرار، ونتوقع إنجاز النظام بالكامل في غضون ثلاث سنوات.

ونقوم حاليا بتطوير مشروع حرض 3 في أقصى الجزء الجنوبي لحقل الغوار لإنتاج 300 ألف برميل في اليوم. وسوف يتم إنجاز معظم الآبار المنتجة في هذا الحقل بما يعرف بطريقة الإنجاز الذكي، مع تزويدها بأجهزة استشعار داخل فتحات الآبار لتسهيل عملية التحكم عن بعد في التدفق من الأفرع المختلفة للبئر داخل المكمن لإنتاج المزيد من الزيت ووقف إنتاج الماء غير المرغوب فيه. كما سيتم تزويد الحقل بشبكة اتصالات متطورة من الألياف البصرية لتسهيل الحصول على المعلومات من الآبار ومراقبة تدفق إنتاجها عن بعد. وسوف يكون هذا الحقل من أوائل الحقول، إن لم يكن الأول في العالم، الذي تزود جميع آباره بهذه المعدات الذكية.

أضف تعليق

التعليقات