ملف العدد

رحلة الزخرف

  • 99b
  • 99c
  • 100a
  • 100b
  • 100c
  • 101a
  • 101b
  • 102a
  • 102b
  • 102c
  • 87a
  • 88a
  • 88b
  • 88c
  • 89a
  • 89b
  • 89c
  • 89d
  • 89e
  • 89g
  • 89h
  • 89i
  • 89j
  • 89k
  • 89l
  • 90a
  • 90b
  • 90c
  • 90d
  • 90e
  • 90f
  • 91a
  • 92a
  • 92b
  • 92c
  • 92d
  • 92e
  • 93a
  • 93b
  • 93c
  • 93d
  • 93e
  • 94a
  • 94b
  • 95a
  • 96a
  • 96b
  • 96c
  • 96d
  • 96e
  • 96g
  • 97a
  • 97b
  • 97c
  • 97d
  • 97e
  • 98a
  • 98c
  • 99a

في غمرة الاهتمام بالفنون البصرية نسي الكثيرون فن الزخرفة، رغم أن أية نظرة محايدة لانغماسنا المباشر اليومي في أشكال الحياة، تشي بالمكان الكبير الذي يحتله الزخرف، هذا العمل الفني المضاف إلى الشيء ليعطيه رونقاً خاصاً، سواء أكان هذا الشيء بناءً أم إناءً للطعام أم ورقة نقدية، أو غير ذلك من آلاف الأشياء والأدوات التي تحاك منها معالم الحياة اليومية.
لقد تنوعت الزخارف عند شعوب العالم، وتغيرت، وغذت بعضها البعض. فلم تنفرد حضارة دون غيرها بإنتاج الزخرف واستعماله. وفي بعض الحالات تبدلت هذه الزخارف وانفردت بمواصفاتها، وفي حالات أخرى تلاءمت وتشابهت.
الزخرف ورحلته عبر الحضارات في هذا الملف بأقلام أربعة من كبار الاختصاصيين هم: الدكتور عبدالله كحيل من لبنان، الدكتور أسعد عرابي من سورية، الدكتور خالد عزب من مصر، والدكتور فريد الزاهي من المغرب.

اهتم مؤرخو الفن الأوروبيين بفنون الزخرفة في نهاية القرن التاسع عشر في الوقت الذي راح فيه العديد من المعماريين والفنانين الأوروبيين يعيدون الاعتبار للزخرفة في التصميم المعماري والتزيين الداخلي والفن التشكيلي والفنون البصرية الوظيفية.

في تلك الفترة، ظهرت حركة الفنون والحرف في بريطانيا بريادة وليام موريس الذي تبصّر باستعمال الأشكال المستمدة من الطبيعة وأوراق النباتات كعنصر أساس في التصميم المعماري والتزييني وأسهم بتطوير استعمال ورق الجدران ، الذي ما زال يعود إلى الاستعمال في أيامنا هذه.

كذلك فإن حركة الفن الجديد في فرنسا وبلجيكا شجعت على استنباط أشكال زخرفية جديدة مستمدة من عناصر في الطبيعة كأوراق النباتات والأزهار، وتضمين هذه الأشكال في التصاميم المعمارية والتزينية. وفي النمسا طور معماريو وفنانو السيسّيون استعمال الزخارف وتناولوها في أبحاثهم النظرية وفي تصاميمهم المعمارية. وأيضاً فإن بداية العمارة الحديثة في الولايات المتحدة الأمريكية زاوجت بين التصميم الحديث، ومنها المباني العالية، والزخرفة. وفي الفنون التشكيلية استعمل بعض الفنانين التشكيليين الزخارف في أعمالهم الفنية بما فيهم ماتيس في فرنسا، كاندنيسكي في ألمانيا وكليمت في النمسا.

ما قدمته هنا هو للتوضيح أن الفنون في البلدان العربية، ولأسباب متعددة، أهملت المقاربة الحديثة للزخرفة لتأثرها بشكل غالب بحداثة ثلاثينيات القرن الماضي والتي غلبت عليها نظريات السوريلية والتجريد الهندسي والعفوي. كذلك فإن هذا الانشغال تصاحب مع نظرة دونية للتاريخ البصري للمناطق العربية والإسلامية وبخاصة الجانب الزخرفي منه.

تأريخ الزخرفة

تجدر الإشارة إلى أن استلهام الزخارف في المدارس الفنية التي ذكرتها شمل الكثير من التقاليد الزخرفية العالمية بقديمها وحديثها. وكانت الزخارف الإسلامية واحدة من هذه التقاليد.

وتاريخ الزخرفة في العالم تاريخ متشعب وطويل. وفي الفترة التاريخية التي عاد الاهتمام الأوروبي والأمريكي إلى استعمال الزخرفة في التصميم الحديث، بدأ يتكون تأريخ الزخرفة.

من أوائل المحاولات التوثيقية الشاملة التي ظهرت في هذه الفترة هي عمل أوين جونز الواسع قاعدة الزخرفة . وعلى الصعيد النظري البحت، فإن مؤرخ الفن النمساوي أرنست ريغل كتب أولاً بحثاً واسعاً في أصول وتطور الزخارف العالمية منذ ما عُرف في نهاية القرن التاسع عشر عن بداية الزخرفة في العالم وحتى نهاية القرون الوسطى. ورغم توسع هذا الاختصاص الذي أصبح من أقسام تاريخ الفن الأساسية في الدراسات الأكاديمية المعاصرة، ما زال هذان الكتابان يشكلان العملين المرجعين اللذين يعود إليهما الباحثون إما استناداً وإما نقداً. أما في الفنون الإسلامية فإن دراسات أولِغ غرابار التي نشرت منذ عقد تحت عنوان توسيط الزخرفة ، فإنها تشكل نصوصاً أساسية لأول عمل نظري جدي حول استعمال الزخرفة في العمارة والفنون الإسلامية.

بالعودة إلى كتابي ريغل وجونز، فهما يعرضان للزخارف العالمية ابتداءً من الفراعنة وحتى عصر النهضة الأوروبية مروراً بالشرق الأوسط القديم بما فيه السومريون والآشوريون والفرس، ثم زخارف اليونان والرومان والبيزنطيين والمسلمين، وأوروبا في القرون الوسطى والنهضة وأحياناً الزخارف الصينية. ويتبع هذا الترتيب التاريخي الترتيب الزمني لتوالي المراحل الفنية.
قراءة جديدة لفن قديم

تحاول هذه الكتابات بالنص والصورة استنباط بعض العلاقات بين الفترات المختلفة. وقبل تناول هذه المسألة، تجدر الإشارة إلى أن ما عرفه المختصون عن الزخارف عبر التاريخ تغيّر كثيراً في أيامنا. فخلال القرن الماضي اكتشفت كميات كبيرة من الزخارف من مختلف الحضارات، ثم إن الدراسات التاريخية والمقارنة والنقدية أسهمت في بناء معرفة أوسع وأشمل عن زخارف العالم وتطورها الداخلي وعلاقاتها ببعضها. كذلك فإن المعرفة التاريخية الأوسع في أيامنا تساعد على إجراء دراسات مفيدة عن كيفية تطور الزخارف ضمن الحضارة الواحدة وعلاقات الحضارات ببعضها.

واحدة من الصعوبات التي واجهت الدارسين في القرن التاسع عشر وغير المتخصصين في أيامنا هي ما يبدو للوهلة الأولى بأن كل زخارف حضارة ما تتشابه، فعلى سبيل المثال، أطلق الفرنسيون، في القرن التاسع على الزخارف الإسلامية تسمية أرابسك . وهكذا أصبح كل ما يبدو أنه زخرفة إسلامية يحمل الآن هذه التسمية من دون الأخذ بالفروقات بين أنواع عديدة ومختلفة من هذه الأرابسك .

ففي الفنون الإسلامية هناك تمايزات بين الزخارف التي أُنتجت خلال الفترات الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية. كذلك فإن هناك تمايزات بين زخارف شرق المتوسط وشمال إفريقيا وإسبانيا، عدا عن التمايزات بين شرق المتوسط والزخارف الإيرانية والهندية في الفترات الإسلامية. وهكذا فإن كلمة أرابسك تفقد معناها لأنها لا تصف أياً من هذه الأساليب بحد ذاته.

الزخرف نفسه من حضارة
إلى أخرى

زهرة اللوتس مثلاً
من المعروف أن أوائل الكثافة الزخرفية جاءت مما بقي لنا من آثار المصريين القدماء ولأن هذه الحضارة عاصرت السومريين والأكاديين والآشوريين، فإن هناك العديد من الوحدات الزخرفية التي هاجرت من حضارة إلى حضارة مجاورة. واحدة من الوحدات الزخرفية الأكثر شعبية في هذه الهجرات هي زهرة النيلوفر أو اللوتس. فقدت تجوّلت هذه الزهرة كعنصر زخرفي أساس في أماكن متعددة وعبر عصور متتابعة في حوض البحر المتوسط وشرقه.

ظهرت وحدة اللوتس الزخرفية أولاً في حوض النيل منذ الألف الثالث قبل الميلاد، واستمر استعمالها بأشكال مؤسلبة مختلفة على أماكن عدة من المباني والأدوات الفرعونية. ورغم أن هذه الزهرة لا تنبت في شمال بلاد الرافدين، إلا أننا نجدها تدخل قاموس الزخرفة الآشورية في الألف الأول قبل الميلاد، جنباً إلى جنب مع عناصر محلية ككبش الصنوبر الذي امتازت به الزخارف الآشورية.

لن ندخل هنا في نقاش في مسألة معنى الوحدة الزخرفية، فانتقالها من مكان إلى آخر ربما يغيّر معناها من مكانها الأول إلى مكانها الثاني. لكن هذه الزهرة لم تتوقف عند الآشوريين بل إنها عادت غرباً باتجاه البحر ومنذ القرن السابع قبل الميلاد نجدها على العديد من الموجودات الأثرية في البحر الأيجي وقبرص والشاطئ السوري. وبهذا التجوال تتعرض المفردة الزخرفية المؤسلبة لزهرة اللوتس إلى تبسيط وتحتل مكاناً بارزاً في الزخارف اليونانية الكلاسيكية من القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد. كما أن هذه الزهرة ظهرت في بدايات العصر الإسلامي، في زخارف فسيفساء قبة الصخرة في القدس الشريف، وفي الزخارف الحجرية بواجهة قصر المشتى الأموي. وكان من مميزاتها شدة الاتصال بالعناصر النباتية من الأشكال النخيلية.

إن تجوال المفردات الزخرفية هو عنصر أساس للاستدلال على علاقات مختلفة بين الحضارات والتتابع التاريخي لتطور الفنون. وهنا نلمح إلى ما حاول مؤرخو القرن التاسع عشر استنباطه من هذه المسائل وما نعاود إعادة النظر فيه. يرى ريغل مثلاً، أن الزخرفة تطورت مع تطور الحضارات من الأدنى باتجاه الأعلى. ولكن عندما نعاود النظر في الموجودات الزخرفية في عصرنا، فإنه يمكن نقض نظرية التطور هذه وربط ما سُميّ بالتطور بأمور مختلفة كالذوق وسياقات الاستعمال والمعاني التي أُسقطت على الوحدات الزخرفية. وهكذا فإننا نستبدل التطور بـ التغيّر . فاستعمال اللوتس في السياقات التاريخية المذكورة له معانٍ مختلفة من سياق إلى آخر، وطبعاً فإن الذوق الجمالي يختلف من فترة إلى أخرى، وليس بالضرورة أن تكون هذه الأمور محكومة بعملية التطور من أدنى إلى أعلى. ففي مراحل متأخرة كالفنون الإسلامية في شرق المتوسط فيما بعد الغزو المغولي، تعود زهرة اللوتس إلى قاموس الزخارف الإسلامية بعد انقطاع طويل. ولكن هذه المرة تعود من الصين بدلاً من قاموس المفردات الزخرفية التي استمرت من الفترة الرومانية في شرق المتوسط.

اللوتس تعود إلى مصر من الصين
ففي الفترة الإيلخانية في نهاية القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر شكل الحكام المغول في إيران والعراق صلة بين الصين من جهة وإيران والعراق وسورية ومصر من جهة ثانية. وهكذا فإن العديد من الزخارف الموجودة على مباني المماليك وتحفهم المعدنية والزجاجية من القرن الرابع عشر في سورية ومصر تضمنت زخارف مصدرها الصين مروراً بإيران والعراق. ومنها زهرة اللوتس التي تمت أسلبتها بناءً على أشكالها الصينية وليست على أشكالها المصرية المحلية. فالذوق الجمالي خلال الفترة المملوكية كان ميالاً إلى التأثر بالزخارف الآتية من الشرق أكثر مما كان مهتماً باستنباط أشكال مما تركه الفراعنة. فظهرت هذه الزهرة في طاقية محراب الناصر محمد بن قلاوون، وفي محراب زاوية زين الدين يوسف، وفي محراب قبة أصلم السلحدار. أما صورتها في التحف الفنية المنقولة من العصر المملوكي فتختلف عن صورتها الموجودة في الجص، حيث تميزت بالبساطة في الأولى، بينما أثراها الفنان في الثانية بزيادة انحنائها، خاصة قاعدتها الكأسية، بالإضافة إلى كثرة تفريغاتها الداخلية الدقيقة بالرسوم النباتية والأشكال الدائرية. ومن الأمثلة على ذلك تطورها البديع في المعادن، خاصة في عهد السلطان قلاوون وابنه الناصر محمد، كما في كراسي العشاء المعدنية للسلطان الأخير، وفي إناء من النحاس المكفت بالذهب والفضة في المتحف البريطاني.

وظهرت اللوتس أيضاً في مشكاوات زجاجية من عصر السلطات حسن. وإذا كانت هذه الزهرة قد تأسلبت إلى حد كبير على بعض العملات لكثرة التفافها وتعانقها، فإن الأثر الصيني يبدو واضحاً جداً عليها في حامل صينية من النحاس المكفت بالفضة من القرن الثالث عشر الميلادي.

نبتة الأقنش
والأمثلة كثيرة عن تناقل استعمال الوحدة الزخرفية من مكان إلى آخر. فمثلاً هناك الوحدة الزخرفية المستوحاة من ورقة نبتة الأقنثس ، وهي نبتة شوكية من نباتات حوض البحر الأبيض المتوسط. فقد استعمل اليونان والرومان هذه الوحدة لتزيين تيجان الأعمدة الكورينثية، واستمر استعمالها بتواتر حتي أيامنا في التصاميم الكلاسيكية. لكننا نجد أن الفرس القدماء استعملوها في زخارف تيجان أعمدة مبانيهم لكنهم غيّروا طريقة أسلبتها عما اعتاد عليه اليونان والرومان.

تبادل الزخرف في كل الاتجاهات
بالإضافة إلى تناقل وإعادة أسلبة الوحدات الزخرفية، هناك طريقة أخرى لتناقل الوحدات الزخرفية وهي إعادة موضعة الزخرفة الأصلية. حدثت هذه في الفن الإسلامي حيث ضمّن المعماريون في مصر زخارف من مصادر متعددة كما هي في مبانيهم، كاستعمال أحجار منحوتة فرعونية في سياق زخارفهم أو استعمال أحجار منحوتة من مبانٍ تعود إلى عصر الحروب الصليبية.

ورغم أنه من السهل أن نرى تناقل الزخارف بين المناطق الجغرافية المتباعدة والمتقاربة، يصعب أحياناً معرفة كيفية انتقالها، بمعنى أننا لا نعرف ما إذا تم ذلك عبر انتقال الحرفيين، أو ببساطة قام حرفيون بنقل ما رأوه على أوانٍ من مكان آخر. ولكن فيما يخص العصر الإسلامي، هناك معلومات كثيرة عن انتقال الحرفيين وكونهم واسطة انتقال الزخارف.

ففي بداية الفترة المملوكية انتقل بعض حرفيي الأواني المعدنية من الموصل إلى القاهرة بعد الغزو المغولي، وفي الفترة الإيلخانية في إيران والمملوكية في مصر انتقل حرفيون من إيران إلى سورية ومصر حاملين معهم زخارف يتقنون إنتاجها.

وقبل ذلك بقرنين استقدم ملك صقلية النورمي حرفيين من القاهرة في الفترة الفاطمية لتزيين قصره في باليرمو . وبما أنه لم يبق لنا أي أثر من تزيينات الفاطميين لقصورهم في مصر، يبقى قصر باليرمو المثل الوحيد لفن الرسم الفاطمي على داخل المباني.

وتزايد تناقل الزخارف في القرون الوسطى بسبب الغزوات الصليبية ولاحقاً في عصر النهضة، لازدياد التبادل التجاري بين شرق المتوسط ومصر والأراضي العثمانية من جهة والممالك الأوروبية من جهة ثانية. وأغلب هذا التنقل كان من الشرق باتجاه الغرب حتى نهاية القرن الثامن عشر، حين انعكست وجهة زخم التبادل. وهكذا فإن معظمنا الآن يجلس على أرائك من طراز لويس الخامس عشر ويغطي نوافذه بأقمشة تحمل عناصر زخرفية من أوروبا في القرن الثامن عشر.

نجوم الزخرفة الإسلامية
لا بد هنا من أن نتناول جانباً أساساً من الزخرفة الإسلامية التي تثار حولها النقاشات المتعاكسة النتائج، ألا وهو جانب الأشكال الهندسية والنجوم المستنبطة.

كان أول من اهتم بتجميع أشكال النجوم الزخرفية الإسلامية الفرنسي جول بورغوان في ثلاثة كتب نشرها في نهاية القرن التاسع عشر. يتضمن واحد من هذه الكتب لوحات عديدة لتنوعات من استعمال النجوم في الزخرفة الإسلامية. هذه النجوم التي أطلق عليها المصريون في المرحلة المملوكية تسمية أطباق نجمية ، تتضمن العديد من الأشكال المبنية على الأشكال الهندسية من المثلث والمربع والمخمس إلى آخره. وقد استعملت النجوم في الزخرفة بشكل واسع منذ القرن الرابع عشر في مصر وسورية والعراق وإيران ولاحقاً في أفغانستان وفي ما وراء النهر وخاصة في سمرقند وبخارى.

ويميل العديد من الدارسين المعاصرين الإيرانيين والعرب إلى ربط هذه النجوم والأشكال الهندسية بأبعاد روحانية وفلسفية. وتواجه الباحث هنا مسألة انعدام نصوص قديمة تربط مباشرة بين استعمال النجوم وهذا المعنى المسقط الحديث، كذلك تُغيّب مسألة بداية استعمال الأشكال الهندسية.

إن استعمال هذه الأشكال بدأ يتكون بُعيد ترجمات العرب لأعمال أوقليديس في الهندسة، والأعمال الحسابية اليونانية والهندية. فزاوجوا بين علوم الحساب والهندسة لإنتاج أشكال هندسية جديدة. لكن استعمال الأشكال الهندسية لم يخترعه العرب والمسلمون بل إن استعمال الأشكال الهندسية والنجوم السداسية والثمانية كان عنصراً من عناصر الزخرفة الرومانية، ويمكن لزوار معابد بعلبك الرومانية أن يشاهدوا هذه النجوم على سقوف المعابد، كذلك فإن العديد من الآثار الرومانية في تركيا وإيطاليا يحمل زخارف مشابهة. وهذا ما يدفعنا إلى الحذر في تحميل النجوم معاني أبعد من استعمالها التزيني في كثير من الأحيان.

واستعمال الأشكال الهندسية لم يقتصر على حضورها المباشر، ففي كل القواميس الزخرفية منذ الفراعنة استعمل الشكل الهندسي كهيكل غير مرئي لتوضيب العناصر النباتية، فهناك الأشكال الحلزونية والمتماثلة والدائرية والمتعامدة إلى ما هناك.

الحرف العربي من دون معنى وللزينة فقط
أشرنا سابقاً إلى أن الصينيين استعملوا الخط العربي في تزيينات بعض الأعمال الخزفية التي صدّروها إلى شرق المتوسط. وذلك يقودنا إلى استعمال العرب والمسلمين للخط العربي كعنصر زخرفي بامتياز في العديد من المراحل التاريخية، وكذلك على العديد من السطوح في العمارة وعلى الأشياء المنقولة من معدن وخزف وزجاج وخشب، وكذلك في الكتب.

وهناك أشكال مختلفة من استعمال الخط، نذكر منها الخط الذي تنتهي أطراف حروفه العمودية العليا برسم صغير يمثل شيئاً معيناً الذي استعمل أكثر ما استعمل في إيران في القرن الثاني عشر. كذلك فإننا نجد على بعض الخزفيات التي وُجدت في مناطق نيسابور في إيران زخرفة خطية، ولكن الحروف استعملت لقيمتها التزيينية فقط، وهذه الحروف لا تشكل كلمات يمكن قراءتها. وتقول تفسيرات هذه الظاهرة إن جمال الخط هو المقصود وإن الحرفيين لم يعرفوا العربية.

وهذه المسألة الأخيرة. أي جهل الحرفي أو الفنان باللغة العربية واضحة في تمثال من بداية عصر النهضة للفنان الإيطالي فيرّوكيو وهو أحد أساتذة ليوناردو دافنشي.

ففي منحوتة شهيرة للفنان، نرى على أطراف رداء الرجل زخرفة حروفية عربية مكونة بشكل غالب من أحرف عمودية كالألف واللام، ولكن لا يمكن قراءة هذه الأحرف لأنها لا تشكل كلمات معروفة. يطرح هذا المثل مسألة مهمة في تفسير معنى الوحدات الزخرفية عند انتقالها من مكان إلى آخر أو من حضارة إلى أخرى. أن ما حدا بـ فيرّوكيو إلى نحت أحرف عربية على رداء الرجل هو رغبته بأن يشير إلى هويته الشرقية. فما خبره فيرّوكيو في إيطاليا عن الشرق ربما جاء عبر أوان نحاسية أو أقمشة عليها كتابات عربية، فقام بنقل الحروف بما يناسب إيقاعاً تزينياً جديداً. وهكذا فقدت الحروف معناها الأول، ثم استعملت لتشير إلى حضارة أخرى.

إن معرفتنا بالزخرفة وتاريخها تتسع باستمرار، والاستعمالات في التاريخ للزخرفة هي مصادر غنية لاستلهامات معاصرة وبالأخص إذا ما درسنا تنوعات زخارف الشرق وكيف تغيرت وتفاعلت مع التقاليد الزخرفية المجاورة والبعيدة، ربما استلهمنا ذلك لتشكيل قاموس زخرفي معاصر.

تحولات الزخرفة

المغرب مثالاً
إن انتقال زخرف محدد من حضارة إلى أخرى وعبر عصور مختلفة لا يعني أن فن الزخرفة لم يعرف تقلبات وتطويرات كبيرة داخل الحضارة الواحدة وفي المكان الواحد. فهو فن حي يتغير ويتبدل بتبدل أحوال المجتمعات. وخير مثال نتوقف أمامه هنا هو المغرب، البلد العربي الذي رفع الزخرف إلى مقام يجعل منه المعلم الفني الأول فيه.

فقد أشاعت العديد من الدراسات للفن الإسلامي أن الفن المغربي مجرد صدى للفن الأندلسي وأن هذا الأخير نفسه امتداد للأصل المشرقي. كما ادعى الكثيرون أن قمة الفن الإسلامي المعماري والزخرفي بالمغرب تقف، في أحسن الأحوال، عند حدود المرابطين. والحال أن الدراسة المتمحّصة لتطور فنون العمارة والزخرفة تثبت أن كل عصر سعى إلى صياغة نموذج جمالي يعبر عن تصوره للعالم والجمال، وأن الإضافات والانزياحات مهما تضاءلت تشكل تعبيراً عن نظرة جديدة لها خلفياتها الثقافية والسياسية والمجتمعية.

موقع الزخرفة المغربية وجماليتها
اعتمد الفن الأندلسي المغربي في بداياته على النحت من الحجر. ثم ما لبث تحت التأثيرات المشرقية أن بدأ في استعمال الخرسانة والطلاءات السميكة. وأصبح تغليف الحيطان بالخشب والجص والزليج القاعدة الرئيسة. ومكنت هذه التقنيات تدريجياً من إبداع عالم زخرفي غني يمنح للأمكنة رونقاً خاصاً ويغطي على أخطاء المعماريين. وبهذا الشكل بدأت القطيعة بين الزخرفة والعمران كما شاع الأمر في الفن المشرقي، وتجاوز الفن الأندلسي المغربي الفن المشرقي.

تخلت العناصر الزخرفية تدريجياً عن النحت لتتحول إلى النقش، وطبعت بذلك الفضاءات العمرانية بطابع جديد مجرد وهندسي يعتمد بالأساس على تضاد الخطوط. والنقش فن يتقن المعارضة والتعالق وتقاطع الحركات بين الخطوط المستقيمة. وهذه الصرامة هي التي جعلت الزخرفة توحد بين العناصر الخطية المستقيمة والعناصر الخطية المقوسة، مما جعل التشبيكات المعمارية تتميز بالحدة والمرونة، كما تمثل ذلك في الزخارف التي تزين صوامع العصر الموحدي، خاصة بمراكش. بيد أن الزخرفية الأندلسية المغربية ظلت عاشقة للقوس سواء في عمارة الأبواب أو في الزخرفة، وبخاصة على عهد الموحدين.

ويمكن اعتبار الزخرفة الأندلسية والمغربية أساساً زخرفة نباتية وتوريقية. فالمآثر المعمارية تحظى بوفرة من التشكيلات النباتية ذات الحركة المرنة والمنظمة، المشكّلة أساساً من أوراق الكروم والأقنْثة والعريشة. ويُبنى هذا التوريق في شكله البسيط على تخطيط هندسي ينظم التشابك والترامي والتداخل بين مكوناتها، ويأخذ في بعض الأحيان شكل المضلعات المزينة بالتوْريقات وقد يصاحب أحياناً الخط الكوفي أو الثلث أو المغربي ليمنحها تعريقاتها المنظمة.

وتتمثل أبهى صور الزخرفة المغربية في مراكش، التي أسسها المرابطون عاصمة لهم في بدايات القرن الثاني عشر الميلادي. ولا تزال المآثر العمرانية التي تركوها سواء بالأندلس أو المغرب الأقصى في حلتها الراهنة شاهدة على هؤلاء البرابرة الآتين من الصحراء الذين فتنتهم حضارة الأندلس وأنشأوا فناً خاصاً بالغرب الإسلامي برمته. فمسجد القرويين في حلته الراهنة ومسجد تلمسان لا يزالان يشهدان على ذلك. ففي هذه المآثر تتجلى العناصر الزخرفية المغربية الأندلسية في أشكالها المتعددة. لقد اعتمدت الزخرفة في عصرهم على السعفة المضعفة التي أخذت شكل فصين مقوسين متناظرين لم يكن يظهر في الفن الأندلسي إلا لماماً. ومع بناء مسجد تلمسان على يد علي بن يوسف بن تاشفين بين سنتي 1135 و1138م غدت السعفة مكوناً زخرفياً أساساً سواء منقوشة على الجص أو الخشب وسواء في شكلها البسيط أم في شكلها المضعَّف.

غير أن الموحدين الذين تلوهم على السلطة، نحوا إلى ضرب من التقشف الزخرفي. فبعد أن نقل المرابطون إلى المغرب الإرث المعماري والزخرفي الأندلسي بغير كثير من التعديل والتطوير، سعى الموحدون إلى خلق فن معماري وزخرفي جديد يؤكد استقلاليتهم الفنية عن المشرق.

إن مسجد تينمل في قلب جبال الأطلس أول معالمهم المعمارية، يشكل بداية نشأة الأسلوب الموحدي. ويشكل محراب تينمل إحدى الروائع الزخرفية للمذهب الفني الإسلامي الجديد بالمغرب. فقد تخلى الفن الموحدي عن وفرة الزخارف والتواريق والتشابيك، بحيث أصبحت الزخارف تشكل شبكة واحدة تترك كثيراً من الفضاءات الفارغة.

وتتفادى الزخرفة الموحدية التراكم وتبدو التفاصيل واضحة والخطوط متقنة. فالسعفة الزخرفية كما كانت قبلهم، تتميز بتراكب التصبيعات وتعددها، أما في الفن الموحدي فإن كل ورقة تُنقش مستقلة وبتداوير دقيقة، وأصبحت الأشكال أكثر سمكاً وعيانية مقارنة مع الماضي، وغدا التشابك أكثر قوة وصلابة. كما أن التوريقات تبدو منبثقة من كؤوس زهور متوالية.

ونحن نجد الخصائص نفسها في استخدام الألوان. ففي الزخارف الداخلية تم تفادي تعدد الألوان. فالزخرفة في مسجد تينمل على سبيل المثال منقوشة على جصّ صلب ذي لون أصفر وردي يلطف من حدة النور ويلون الظلال. غير أن الأمر يختلف في الزخرفة الخارجية، حيث أكثر الصنّاع من الألوان بفضل استعمال الزليج. وكأننا بهم يرفضون التلاوين التي تستعمل فيها العناصر الطبيعية ليجعلوا من الزليج المجال الوحيد للألوان.

يمكن اعتبار الفن الموحدي إذن مرحلة ازدهار وتأويل للفنون السابقة وفي الآن نفسه بناءً جديداً للشخصية الزخرفية والمعمارية المغربية التي عرفت كيف تعيد صهر المؤثرات المشرقية في نظام يعتمد الصرامة وتلطيف الفورة التزويقية والزخرفية.

ولم يستطع المرينيون بلوغ العظمة الموحدية، بالرغم من أنهم تركوا مآثر عمرانية وزخرفية من الروعة بمكان. فمع نهاية القرن الثالث عشر الميلادي بدأوا في تشييد معالمهم العمرانية. وقد تركز جهدهم على المدارس والجوامع باعتبارها مواطن للعلم والمعرفة. ونجدهم يكسون مآثرهم بزخارف متنوعة تتوزع إلى لوحات وأشرطة هائلة متناغمة ومتفاعلة بصرياً. وهكذا قلّت المساحات الفارغة وغدت الزخارف عبارة عن تشكيل دقيق لا يمكن أن نميز خطوطه وتعاريجه إلا عن قرب. وغدا لكل عنصر ولكل لوحة أو شريط سمة لونية خاصة به معاضداً بين النور والعتمة وبين سمفونية الألوان البراقة. ففي المدارس التي تركوها كالمدرسة البوعنانية بفاس مثلاً، تغلف الجدران في الأسفل الزليج، ثم النقوش الجبصية ذات اللون الرمادي، ثم النقوش الخشبية التي تأخذ شكل أقواس وتتلفع بالأحمر الفاقع.

وبالرغم من هذا الغنى والوفرة السهلة للعناصر الزخرفية فإن جمالية الفن المريني سوف تظل أكيدة باعتماده الكبير على الخط، وعلى التلوين المتعدد ونزوعه العميق إلى المتغيرات الزخرفية. وهو ما جعل الزخرفة في العصر السعدي، كما هو الحال في مدرسة ابن يوسف بمراكش تعلن مديونيتها للفن المريني بالرغم من بساطتها. وقد أدخل الفن السعدي عناصر أندلسية ومشرقية سعى بها إلى التميز وخلق ضرب من التناغم. وهكذا فإن ضرورات التجديد الزخرفي والتمايز الفني جعلت الصنّاع في العصر السعدي يستعيدون الإرث الأندلسي، ليتملّكوه بشكل جديد.

وبما أن الآثار السعدية لا تزال إلى الآن محافظة على رونقها، فإنها قد حظيت باهتمام كبير من قبل الدارسين، بحيث اعتبرها البعض قمة الفن الإسلامي بالمغرب، ورأى فيها استكمالاً خصوصياً للتراث الأندلسي في أوج عظمته. ويمكن القول إن العصر العلوي جاء امتداداً لهذه المنظومات التي بلورت ورسخت سيرورةً تم التفكير في إعادة الحياة لها في مسجد الحسن الثاني في أواخر القرن الماضي.

الزخرف ودلالته بين الروحانية والاستهلاك

لو حصرنا البحث هنا بالفنون الزخرفية في سورية على سبيل المثال، سعياً إلى ضبط الأمثلة التي يصعب ضبطها، لوجدنا أن الزخارف هي إما زخارف نخبوية روحية مثقفة كإشارات المحاريب والمكتبات وبواطن المخطوطات بما فيها رسوم المنمنمات والتحليات القرآنية، ورسوم الزجاج من الخلف (المثبت) وحتى الطباعات المحفورة الشعبية. تدمج كلها الصورة بالإشارة بالزخرف، فتتماهى الحدود بين زخرفة المحاريب وإعادة تلخيص المحراب كإشارة قدسية على سجاجيد الصلاة بحيث يأخذ شكله السهمي بوصلة الاتجاه إلى الكعبة المشرفة نسميها بجهة القبلة .

وإما أنها زخارف ذات صناعات استهلاكية تسويقية. اندمج أغلبها في إنتاج مصانع الحرفيات بالجملة، كما هو بورسلان التبليط الحديث، الذي يستخدم النجميات نفسها ولكنها فاقدة للروح والبعد الرمزي، الذي كان في عصر النقابات الروحية . هذه النقابات التي كانت تراقب تجويد الحرف وتملك سلطة سحب الإجازة ومنحها. والمثال الذي نعثر عليه صراحة هو في تزويد عدد أطراف النجميّة ، فهي اليوم قد تصل إلى العدد 48 الذي لا يملك أية أبعاد رمزية، فقد كان التضاعف يبدأ من 8 ثم 16 ليصل إلى 24 ويتوقف، ولا مجال لشرح أبعاده الروحية، حتى لا نتوه عن موضوعنا المركزي.

ذاكرة الذاكرة
من الضروري الاعتراف بادئ ذي بدء بأن استقلال الذاكرة الزخرفية السورية عن نظائرها العربية (مثل مصر) ليس أكيداً، فالفترة المملوكية أو الأيوبية مثلاً تشترك فيها صناعات البلدين، ليس فقط في مجال التصديف والخشبيات (الأبواب)، بل نعثر في حلب على مساجد تخلط بين الطرازين بحيث لا ندري أهي مملوكية أم أيوبية. لكن نفي هذا الاستقلال النوعي أيضاً لا يخلو من التعسف بدوره. لأن مفردات الزخرفة المحلية ذات نسغ متوسطي. نجد مثلاً أصول نجميات المثمّن في المدافن والمعابد التدمرية (مثل سقف معبد بل).

وإذا أخذنا عنصراً زخرفياً آخر لا يقل شيوعاً وهو الحلزون المضاعف (أساس الأرابسك) وجدناه وافداً من زخارف سامراء في القرن التاسع للميلاد ضمن محموله المحلي لعمارة الزيقورات ، والتي طبقت في حينها على المئذنة الملوية التي نقلها ابن طولون إلى مسجده في القاهرة. أقول إن هذا الشكل الرافدي وهو أيضاً من الحضارات السورية المتوسطية السابقة للإسلام من اليونان وحتى البيزنطيين مروراً بالرومان، ومن الطراز المحلي السوري – الهلنستي. فعروق الكرمة والغصنيات كانت شائعة منذ زخارف الجامع الأموي الكبير منذ القرن الثامن للميلاد، إضافة إلى نبات الأكانتة اليوناني وسواه.

نصل هنا إلى ملاحظة أن مفردات الرقش الإسلامي سواء في سورية أم سواها ما هي إلا مفردات موروثة عن الحضارات العريقة، خاصة الرافدية – السورية ـ المتوسطية. أما التجديد الفني فقد تجلى في روحانية تنظيمها الجبري وتواصلها الموسيقي الذوقي الخاص بها.

ثنائية المربع والدائرة وتوليد المثمن
يقسِّم الحرفيون المحليون الزخارف المحفوظة أصولها لديهم (على رسوم ورق الكالك) إلى قسمين: الخيط والرمي أو بقولهم بثنائية التسطير (الهندسي) والتدوير (العضوي أو النباتي). يتجسد الأول في صيغ النجميات الهندسية التي لا تحدّ احتمالاتها حدود، من مضاعفات المربع والمثلث وفق مسار الدائرة. وتستخدم في إنجازها وسواءً أكانت قطعة فنية ما من المغرب أو من دمشق، فإن الزخارف عليها تعلن فوراً هويتها ومكان نشأتها. تماماً كما كان الزخرف على مر العصور.

الأدوات الهندسية: المسطرة والمثلث والفرجار، مثلها مثل العمارة. فالمثمّن هو مفردة زخرفية شائعة ومخطط معماري أشد شيوعاً. أي أن زخرفته تحمل معنى نُصبي فلكي نسبي ، تترامى على قياس القبة الفلكية والمدينة والكون.

كما يرتبط بأشد العناصر المعمارية الزخرفية تعقيداً وهو المقرنص ، وهو مجموعة الخلايا أو الحويصلات الجصية التي تعشعش (مثل أعشاش الصواعد والنوازل) في زوايا الدور والجدر، حتى تخفف من الإحساس بالكتلة، وأحياناً لتصد صوت الخطيب بطريقة محسوبة.

الحلزون والإشارات
أما القسم الثاني من الزخارف فهو المنحنيات الغصنية أو العروقية النباتية أو المتاهية الحلزونية القريبة من نواظم العالم النباتي أو الطبيعي، مثل الأصداف وبيت العنكبوت ورسوم جلد حمار الوحش وغيرهم.

أضيف إلى هذين القسمين الإشارات ، وهي الأشكال المختزلة التي تقع بين التجريد والتمثيل، فرسم الأكانتة والنخيل والبراق والكعبة والمحراب، كلها إشارات مختزلة عن مفاهيم تصورية عامة، فالمحراب في سجادة الصلاة يتحول إلى شكل السهم المبسّط. ولكن الزخارف عموماً تظل أشد كثافة ونخبوية وعناية في جسم المحاريب (كما هي في المحاريب الأربعة في حرم الجامع الأموي الكبير). تختفي صور الأحياء والإشارات من جدر المساجد ليحتل محلها رقش الشطرين الأوليين: الهندسي والنباتي أو المناظر الطبيعية أو الحضرية (كما هي حالة النموذج الذي يحتذى منذ عصر الوليد بن عبد الملك في جامعة أمية الكبير).

نخبوية توحيد السمع والبصر
كنّا قد أشرنا سابقاً إلى أنه لابد من التفريق بين الزخارف النخبوية (كما هي غالباً في المحاريب والمقرنصات والمنابر والبيمارستانات (خاصة بيمارستان النوري في دمشق)، وحنايا المآذن والقصور الزاهية (مثل قصر العظم وسواه)، و الزخارف الاستهلاكية أو التسويقية المهجنة والمتأخرة. لأن هذه الحرفيات تراجعت منذ غُرِّبت رقابة النقابات الروحية ، واستبدلت المواد النبيلة بالمواد الصنيعة، فأصبحت المصدّفات في بعض الأحوال تنتج بالجملة للسياح وتصدّر دون استخدام الشظايا الصدفية (بل اللدائن الورقية الرخيصة)، ناهيك عن التهريب المزمن للحرفيات النخبوية بعد تدمير صناعات المدن بحجة التحديث (كما هو مشروع إيكوشار المشبوه الذي دمّر النسيج العمراني المركزي في دمشق، ما بين حي العيبة وسوق ساروجه عام 1965م، واقتلع حي الخطاطين والمزخرفين (حي البحصة) من جذوره، ثم لحق بالمصير نفسه حي الوراقين (المسكية) في الثمانينيات وهكذا).

لعله من أبرز الأسرار النخبوية في صناعة مجمل هذه الزخارف هو السعي الحثيث لرفع الحدود بين السمع والبصر، بين حسن البصيرة وتطريبات التحولات اللونية. لو تأملنا جداراً من السيراميك التركواز لوجدنا أن بلاطاته تمثل أبسط مفردة تربيعية شطرنجية، زُرعت في الملاط كل بلاطة باتجاه مغاير حتى تتبدل زوايا إسقاطات أشعة الشمس، تبتدئ بلاغة هذه النواظم من نوطة هذا التناغم الرهيف، فإذا ما تجاورت عدة جدران متباينة الزخارف كان بينها حوار أوركسترالي بالغ التعقيد. هي التقاليد التي ترجع إلى اختلاط الصناع بأصحاب الطرب ومواجيد مقاماتهم حتى ليبدو النظام الجبري في تواتر الزخارف أحياناً (خاصة المعتمد على نظام المجموعات ) أقرب إلى النوطة الموسيقية لمقام السماعي ، والمعروفة بالموسيقى اللحنية أو الأفقية. هي التي تعتمد على القراءة باتجاه واحد لا يقبل العودة.

الزخرف في مواجهة الحداثة

خلال القرن العشرين، خسر الزخرف بعضاً من مكانته لصالح وظيفة الشيء، ففي فن العمارة مثلاً، كان الإسباني أنطونيو غاودي آخر معماري يعتمد على الزخارف كعنصر أساس في مبانيه الجميلة التي بناها في أوائل القرن ولا تزال حتى اليوم من المعالم الحضارية والفنية في إسبانيا
التي لا تفتقر أبداً إلى القصور والمباني التاريخية الباهرة. والواقع أن مبالغة غاودي في استعمال الزخارف الباروكية، بحيث أن واجهات المباني بأكملها كانت تصاغ منها، هو أشبه بيقظة الموت للفن الزخرفي. فبعده، وبسرعة انتصر فن العمارة القائم على بساطة الأسطح، وتداخل الأحجام الهندسية التي راحت تخلو أكثر فأكثر من الزخرفة، حتى تخلصت منها تماماً في المباني وناطحات السحاب الزجاجية.

بين الصناعة والحداثة
يرد البعض هذا التراجع في مكانة الزخرف إلى الحضارة الصناعية. والأمر غير دقيق تماماً. فالقطارات القديمة مثلاً كانت مزينة بكميات من الزخارف تجعل منها أعمالاً فنية حقيقية وليس مجرد آلات. وحتى آلات الخياطة المنزلية التي لا تزال تصنع حتى اليوم يحمل الكثير منها زخارف مذهبة تضفي عليها رونقاً خاصاً لا علاقة له بوظيفتها.

الواقع أن فلسفة الحداثة التي ترسم حياتنا المعاصرة، هي التي أزاحت الزخرف عن مكانته من جملة أشياءً كثيرة أزاحتها عن مكانتها، وقدمت عليها أشياء كثيرة من بينها الصناعة ووظيفة الشيء.

فمعادلات من نوع سعر الكلفة وسعر المبيع ، التكلفة والعائد – وهي المعادلات التي لم تعد تتحكم فقط بالمقاييس الاقتصادية، بل صارت تصمم تفاصيل الحياة اليومية – هذا النوع من المعادلات لا يشجع أبداً على إحياء الزخرف في بعض مواضعه التقليدية مثل العمارة. فكيف الحال إذا أضفنا إلى ذلك إعادة قولبة الأذواق الفنية في كل المجالات بحيث أن الإنسان الحديث بات مدعواً إلى الإعجاب بلوحات فنية مرسومة بلون واحد أو بلونين (مثل لوحات السويسري كلاين المطلية بلون أزرق داكن من دون أي رسم فوقها على الإطلاق).

واستشراف مستقبل العمارة بحثاً عمّا إذا كانت العودة إلى اعتماد الزخرف أمراً محتملاً، لا يظهر أي وعد في هذا المجال. إذ لا نجد غير اهتمام واحد لا علاقة له بموضوعنا، بدأ يطل برأسه وقد يحتل الأولوية على ما عداه مستقبلاً، ألا وهو تكييف البناء مع المعطيات والشروط الملائمة بيئياً.. أي أن الاتجاه لا يزال يؤدي إلى المزيد من عقلنة الأمور وليس باتجاه استعادة الرونق بمفاهيمه القديمة.

ولكن أن تكون الحداثة قد أجبرت الزخرف على التقهقر فيما تنتجه الإنسانية اليوم، فإن هذا لا يعني إنكاراً لقيمته الجمالية، لا بل أضفى على الزخارف الموروثة قيمة جديدة، وبات السائح مدعواً عند وقوفه أمام قصر الحمراء مثلاً، إلى احتساب قيمة الجهود التي تطلبتها زخرفة الجدران بهذا الشكل وهذا عامل جديد يولّد عند المشاهد الحديث تحدياً في القدرة على إنتاج عمل مماثل. وتحدي قدرات المشاهد يدخل في صميم القدرة على الإبهار التي تتمتع بها الأعمال الفنية العظيمة.

ومن الأمثلة الأخرى التي يمكن ذكرها في هذا المجال هناك وسط بيروت الذي عندما تقررت إعادة بنائه غداة الحرب اللبنانية، حرص المعنيون على إعادة بناء وترميم كل المباني القديمة التي تعود إلى الحقبتين العثمانية والكولونيالية الفرنسية بكل ما على واجهاتها ومداخلها من زخارف تماماً كما كانت عليه في الأصل. وباكتمال عمليات الترميم تبدو مباني تلك المنطقة على جانب من الأناقة والرونق يبرر التكلفة الإضافية التي تطلبتها إعادة الزخارف إلى ما كانت عليه.

من الزخرفة إلى التصميم
من جهة أخرى لا يمكن القول إن الحداثة قضت على الزخرف، والأصح أن نقول إنها تحولت به عن أشكاله التقليدية، واستنبطت منه أشكالاً جديدة.

فالعصر الصناعي أطلق المنافسة ما بين كل الجهات التي تنتج السلعة نفسها. ولكي تضمن كل منشأة رواج سلعتها أكثر من غيرها سعت إلى تمييزها شكلاً. فتطور فن التصميم تطوراً صاروخياً. والتصميم (Design) هو ابن الزخرف. فهو يتضمن إضافات فنية مرسومة أو محفورة على سلعة ما ولا تدخل في صلب وظيفة هذه السلعة، بل تقتصر مهمتها على جعلها جذابة أمام من يتردد في اقتنائها.

فمن زجاجات المرطبات إلى أسماء الصحف والمجلات ومن علب الدواء إلى ساعات اليد نلاحظ الإضافات الفنية الصغيرة حاضرة أينما كان. قد تكون هذه الإضافات مجرد مساحة لونية، أو شكلاً هندسياً أو خطوطاً متقاطعة أو متوازية.. ولا وظيفة لهذه العناصر غير إضفاء الرونق على حاملها، تماماً كما كان الزخرف التقليدي في عصوره الذهبية.

إلى ذلك ظهر نوع جديد من الزخارف قريب جداً من زخارف العصور الغابرة، ويتمثل في شعارات الشركات. فهذه الشعارات هي عبارة عن رسم صغير، قد يكون هندسياً مجرداً مثل المثلث الأحمر (شعار شركة أكاي اليابانية) أو مستوحى من النبات مثل التفاحة (أبل ماكنتوش)، أو حرفاً أبجدياً هو عادة الأول من اسم المنشأة، بعد أن يؤسلب بشكل فني خاص (وهو من الاتجاهات الغالبة عالمياً)… الخ.

وحيث لم يتزعزع الزخرف
ما سقناه حتى الآن عن حال الزخرف في حياتنا المعاصرة ينطبق على بعض المجالات الكبرى مثل العمارة والمفروشات وبعض المنتجات الصناعية. ولكنه ليس شاملاً بحيث يمكن تصميمه. ففي مجالات أخرى نلاحظ أن الزخرف لم يخسر شيئاً من مكانته على الإطلاق. فلو أخذنا أدوات المائدة مثلاً لوجدنا أن أرقى المصانع في العالم لا تزال تزين أطباق البورسلين بزخارف مطابقة تماماً للزخارف الهندسية الإغريقية. وأشهر صنّاع أدوات الطعام الفضية في فرنسا لا يزال يطعم أدواته بزخارف باروكية ظهرت لأول مرة في القرن السابع عشر، أو بزخارف كلاسيكية من القرن الثامن عشر. وكأن جمال الزخرف يضمن له حياةً أطول بكثير من العصر الذي نشأ فيه.

وما ينطق على أدوات الطعام ينطبق أيضاً على الكثير من الأشياء التزيينية التي تقتصر مهمتها على إضفاء الرونق على محيطها، من الحلي والمصوغات الذهبية إلى الأدوات التزيينية في ديكور المنازل، حيث يسعى الإنسان من خلال اقتناء الزخارف على مزهرية أو صحن من النحاس يعلقه على الحائط، إلى التعويض عمّا أهمله البنّاء الذي صمّم المنزل ورفع جدرانه ملساء بلون واحد.

وحال الزخرف عربياً
ولو تطلعنا إلى حال الزخرف في البلاد العربية اليوم، للاحظنا أن المساجد التي تقام اليوم لا تزال تولي للزخرف مكانته في تصميمها الداخلي والخارجي طالما أن ممولي بنائها هم عادة الحكومات أو الجمعيات القادرة على تحمل التكلفة المادية للزخارف.

وما عدا المساجد، يمكن القول إن الزخرف التقليدي اختفى تماماً من بيوتنا الحديثة. والأسوأ من ذلك، أن مساعي التصنيع وتحولات أنماط الحياة في القرن العشرين ضربت الفنون الحرفية ضربة كادت أن تكون قاصمة.

ففي حين أن بعض البلدان الإسلامية مثل الهند وباكستان وإيران حافظت – عن عمد أو بحكم المسار الطبيعي للأمور – على فنونها الحرفية التقليدية القائمة أساساً على الزخرف كعنصر أساس فيها، فإن حال هذه الفنون تدهور في البلاد العربية خلال القرن العشرين حتى شارف على الانحطاط الذي يجرده من كل قيمة. إلى أن جرت الرياح بما تشتهي السفن، وشهد العقد الأخير من القرن العشرين يقظة جديدة للفنون الحرفية والزخرفية في البلاد العربية.

فمن جهة، ولأن كل فعل يولد ردة فعل مضادة، أدت الحداثة إلى ردة فعل تمثلت في مزيد من التقدير للفن اليدوي القديم والجديد، وللمنتج الحرفي المتمتع برونق تعجز عن محاكاته الصناعة. والرخاء الاقتصادي بُعيد أعادة بناء ما دمرته الحرب العالمية الثانية، بات يسمح للمستهلكين غرباً وشرقاً باقتناء بعض الأشياء الفاخرة من أعمال فنية قديمة وحديثة فازدهرت أسواق التحف والأعمال الفنية.

ومن جهة أخرى، ولأن الإنجازات الصناعية كانت في الواقع أصغر من الطموحات أو من أن تمتص كل الأيدي العاملة، وفي مواجهة مخاطر البطالة، وبتشجيع حكومي متفاوت الأهمية بين بلد وآخر، عاد بعض الحرفيين إلى التطلع صوب فنونهم التقليدية كمخرج من المأزق.

ففي دمشق مثلاً، عادت صناعة الخشب المطعَّم بالصدف إلى النهوض من كبوتها في السنوات الأخيرة. ويمكن تقسيم المفروشات المصنعة في هذه المحترفات من حيث الزخرف إلى فئتين. فئة تغطيها الزخارف بالكامل وفق أشكال نجمية وهندسية، وأخرى مورقة أي تحمل بعض الزخرف بالأصداف، المستوحى في شكله من النباتات المتسلقة. كما أن فناً زخرفياً آخر عاد إلى الانتعاش ألا هو تكفيت المعادن، وخاصة الفولاذ، بالذهب والفضة. صحيح أن الزخارف في هذا الفن لا تختلف كثيراً في معظم الأحيان عمّا كانت عليه في العصر المملوكي، والأمر لا يعيبها على كل حال، إلا أن حسن التنفيذ والإقبال الكبير عليها يشكل بارقة أمل تبعث على التفاؤل.

وكما هو الحال في دمشق، عرفت المغرب قفزة كبيرة في فنونها الزخرفية خلال العقود الأخيرة، وخاصة في مجال زخرفة الخزف والخشبيات. صحيح أن هذا الفن لم يتقهقر في المغرب العربي. ولكن بعض لمسات الحداثة على التصاميم التقليدية، وغزارة الإنتاج، جعلت هذه المنتجات تخرج من المغرب لتصبح حاضرة في العديد من الأسواق العربية والعالمية.

وسواءً أكانت قطعة فنية ما من المغرب أو من دمشق، فإن الزخارف عليها تعلن فوراً هويتها ومكان نشأتها. تماماً كما كان الزخرف على مر العصور.

الأزرق على أبيض
وعلى ذكر الصين، فإن الصينيين الذين أقاموا علاقات تجارية مباشرة مع مصر عبر المحيط الهندي واستمروا في التصدير عن طريق البر عبر أفغانستان وإيران إلى شرق المتوسط، لم يكتفوا بالتجارة الجافة أي بتصدير إنتاجاتهم وخاصة البورسلين والأحجار الكريمة المنحوتة على أشكال أوانٍ فخمة بل نسخوا بعض الكلمات العربية أضافوها إلى قاموسهم الزخرفي في إنتاج البورسلين المُصدَّر إلى الشرق. وهكذا فإننا نجد الكثير من البورسلين الصيني المعروف بـ الأزرق على أبيض يتضمن إلى جانب التنين والغيوم واللوتس الصيني كلمات باللغة العربية. معظم هذه الأواني، التي يوجد العديد منها في المتاحف التركية يعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي وما بعد. في هذه الفترة أيضا دخلت مفردة زخرفية صينية أخرى إلى قاموس الزخارف الإسلامية وخاصة في إيران وأفغانستان، وهي الغيمة الحلزونية الصينية . وقداستمر استعمال هذه الغيمة من القرن الرابع عشر وحتى نهاية القرن السابع عشر في الزخارف والمنمنمات الفارسية.

الأبعاد الروحية
تبدو النجميات وكأنها مضاعفات دورانية ابتداءً من المربع أو المثلث (المخمس نادر في الزخرفة المحلية) أما المسدس فقد وفد من الهند بحيث يتقابل فيه مثلثان متعارضان يمثلان النار العليا والنار السفلى (ثنائية العالم العلوي والعالم السفلي).
وإذا قربنا مجهرنا التحليلي من أحد الزخارف الأكثر شيوعاً وهو المثمن لوجدناه مشبعاً بالتراكمات الروحية – الذوقية والعرفانية.
ولو فتّتنا هذا الشكل إلى والديه: المربع والدائرة، لوجدناه متناسلاً عند تربيع الدائرة وتدوير المربع، أي تفاني السالب في الموجب وبالعكس وفق المعادلة البسيطة:
الشكل السالب (المربع) + الشكل الموجب (الدائرة) = الشكل الكامل .
هي الثنائية التي تبتدئ من رسائل الجاحظ (عن التكوير والتربيع في طبائع البشر) وتنتهي بمخططات المدن الكبرى. المنصور يبني بغداد على مخطط دائري وجوهر الصقلي يبني القاهرة وفق مخطط مربع.
وإذا تأملنا رسوم المخطوطات المملوكية حول موضوع الفروسية لوجدنا الفرسان يحومون حول مربع أو دائرة، مثلهم مثل رسوم أغلفة مخطوطات القرن الثاني عشر العباسي (على غرار كتاب الأغاني أو العقاقير الطبية حيث تحوم عرائس الطب حول دائرة الثعبان).
تكثر في العمائر المحلية سواء الدينية منها أم الدنيوية المساقط المثمنة، وريثة الحضارات السورية المتوسطية. ويتحدث العديد من المختصين من أمثال كولفان وبابادوبولو وسورديل وأتنفهاوزن وخاصة ميشيل إيكوشار عن تواصل المساقط المثمنة في العمائر المتوسطية ما بين العمائر اليونانية والرومانية والبيزنطية قبل الإسلامية.
ويبالغ هؤلاء المستشرقون في خط هذا التواصل متناسين أن العمارة الإسلامية لا تعتمد فقط على المسقط، بل أكثر على الكساء من سجاجيد وحصر وفوانيس وزخارف محاريب ومشربيات، بحيث تبدو المساجد وكأنها مغلفةً بمواد عاكسة للضوء، تتحالف في هذه المشكاة انعكاسات البرك المائية ففي صحن الجامع الأموي الكبير على سبيل المثال يتحالف الأبلق مع أنواع الرخام والفسيفساء المزجّج والرخام المجزّع، فتبدو بعض الجدران وكأنها زخارف قُدّت من نور على نور تيمناً بالآية الكريمة.
وتذكّر عمارة قبة الخزنة في الجامع الأموي بعمارة قبة الماء الثُمانيّة إلى جانبها، بما أنها مطوقة جدرانها من الخارج بالفسيفساء فهو دليل على أنها صُمّمت لتكون في الصحن. لأن أغلب الجدران المزخرفة المحلية داخلية، في حين تبدو أحجارها من الخارج عارية منيعة أقرب إلى هيئة القلاع. وتشترك مساجد القاهرة مع دمشق في خصائص الزخرفة الداخلية. كما تشترك صوامعها وسبلها وأضرحتها أيضاً في التحول الثماني من المربع (المسقط الأرضي) إلى القبة (المقطع السماوي) عبوراً بالجدر المثمنة.
ويُطبق المربع على طراز تخطيط قلم الكوفي الشطرنجي هو المنقوش غالباً في الحجر أو السيراميك ضمن متاهية هندسية مع التباسها الباطني في القراءة، بسبب اختلاط الشكل بالأرضية وفق مبدأ الغشتالت . نجد أصوله البصرية الوهمية الأولى في اعتماد نظام رقعة الشطرنج في أسطح الفسيفساء وتربيعات السيراميك والزيلليج. هو ما يفسر أفضلية مكعبات وحدات الفسيفساء المزجّجة على الكتيمة وكذلك فرش مساحات اللون الذهبي في الأرضيات الشاسعة.

يتوافر في المكتبات العربية عدد كبير من الكتب التي تتناول الزخرف من خلال تطبيقاته المختلفة، كالعمارة، والمفروشات والسجاد وما شابه، إضافة إلى مجموعة كبيرة من الإصدارات العربية والأجنبية التي تتناول الزخارف بحد ذاتها على شكل ألبومات .
ومن ضمن هذه المجموعة نكتفي هنا بالإشارة إلى اثنين وهما: تاريخ وتطور فنون الزخرفة والأثاث عبر العصور للمهندس يوسف خنفر، والصادر عن دار الرائد الجامعية في بيروت. وهو كتاب يتناول باختصار وبالرسوم اليدوية السمات الشكلية لزخارف الحضارات الكبرى. وكتاب العمارة المغربية في الأندلس ، الصادر بالإنجليزية عن دار تاشن في ألمانيا. ورغم أن الكتاب مخصص كما يشير العنوان إلى العمارة ككل، فإنه يركز تركيزاً شديداً على الزخارف الإسلامية في العمارة الأندلسية، من خلال مجموعة صور وشروحات قد تكون من أجمل ما هو متوافر حالياً في الأسواق.

أضف تعليق

التعليقات

سوسو

هل يوجد مراجع لهذه المقاله

أسماء الراشد

الموضوع رائع جدا شكرا لكم