طاقة واقتصاد

التجارة الإلكترونية
ما هي حصة العرب منها؟

  • 18a
  • 20a
  • 17a

بفضلها، أصبح من الممكن لأي شخص مقيم في الدمام مثلاً، ومن دون أن يخرج من بيته، أن يشتري أية سلعة يشاء من أحد متاجر ساو باولو في البرازيل، وأن يسدد ثمنها من حسابه المصرفي في أحد مصارف سويسرا أو أي مكان آخر، فتصله السلعة إلى حيث يوجد، حتى ولو أراد تسليمها إلى شخص في كاتماندو بالنيبال.
إنها التجارة الإلكترونية، التي تحدثنا عنها هنا الخبيرة الاقتصادية بهاء الرملي.

منذ عشر سنوات تقريباً، وبعد ظهور الإنترنت وانتشاره على نطاق واسع حول العالم، بدأت التجارة الإلكترونية تشق طريقها كوسيلة سريعة وسهلة تتم من خلالها عمليات تجارية تتعلق بتبادل السلع والخدمات في مختلف أنحاء العالم عبر الإنترنت وعلى مدار الأيام والساعات، محدثة بذلك تغييراً جذرياً في طريقة التعاطي في قطاع الأعمال عموماً والمؤسسات التجارية خصوصاً.

وتغطي التجارة الإلكترونية مروحة واسعة من الأعمال، من البيع بالتجزئة للمستهلك، إلى الموسيقى والإعلانات والمزاد العلني والمبادلات التجارية للسلع والخدمات بين الشركات، أو بين الشركات والمستهلكين. وحققت هذه التجارة نمواً كبيراً منذ انطلاقتها ويتوقع أن يستمر نموها المتسارع مع ازدياد الاعتماد على الإنترنت في العمليات التجارية عالمياً وعلى مختلف المستويات متخطية الحدود الجغرافية واللغوية وإجراءات تأشيرات الدخول والجمارك.

فكيف نشأت هذه التجارة
وما هي مكوناتها؟.
التجارة الإلكترونية هي ابنة تقنية المعلومات ورافعتها شبكة الإنترنت. إن استخدام الكومبيوتر، ولا سيما الكومبيوتر الشخصي للاستعلام والبحث عن معلومات وربطها لاحقاً بشبكة الاتصالات وتطور شبكة الإنترنت وتوسعها، خلق الوجود الواقعي للتجارة الإلكترونية كونها تعتمد على الإلكترونيات والاتصالات للدخول إلى المواقع الإلكترونية للتجار أينما وجدوا حول العالم والاطلاع على ما يعرضونه من خدمات وسلع.

وسرعان ما كبر حجم هذه التجارة عالمياً ليصل إلى 170 مليار دولار عام 1999م، ويتوقع أن تصل إلى 7000 مليار دولار خلال العام الجاري 2005م وسيكون للدول المتحضرة حصة الأسد منها نظراً إلى ارتفاع مستوى التعليم وارتفاع القدرة الشرائية للفرد، وتالياً ارتفاع نسبة المواطنين القادرين على اقتناء تقنياتها وأدواتها وتوافر هذه التقنيات والأدوات بأسعار رخيصة.

واللافت أن الدول العربية عموماً بقيت بعيدة عن هذه الثورة التقنية – الاقتصادية كونها اصطدمت بادىء الأمر بمعوقات عدة كانت حائلاً دون العبور إلى هذا العالم المتسارع النمو إلى درجة يقدر المتفائلون فيه أن تزول في المستقبل الحدود بين التجارة الإلكترونية والتجارة التقليدية مع ازدياد الاعتماد على الإنترنت لإتمام عمليات تجارية.

تتمثل هذه المعوقات أولاً في كون اللغة العربية لا تشكل سوى 0.5 في المئة من مساحة الاستخدام على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى غياب الإطار التشريعي والقانوني لرعاية هذه التجارة وفقدان البنية التحتية سواء في الإلكترونيات أو الاتصالات، ونقص كبير في وعي المستهلك لوسائل التجارة الإلكترونية وخصوصاً وسائل الدفع الإلكتروني وتسلم المشتريات فضلاً عن ضعف الثقة ببطاقات الائتمان وبالأمور المتعلقة بحماية المعلومات سواء بالنسبة إلى التاجر أو المستهلك وغيرها. لكن، وسط كل هذه المعوقات تمكنت مملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة، لا سيما دبي، من أن تخطو خطوات كبيرة على صعيد التجارة الإلكترونية، فكانت البحرين السباقة إلى تقديم خدمة التجارة الإلكترونية لتشمل البائع والمشتري، وأنشأت دبي مؤسسة تجاري دوت كوم لتكون سوقاً للتجارة الإلكترونية بين الشركات عبر الإنترنت في الشرق الأوسط، وإنشاء حلقة وصل بين الشاري والبائع لتسهيل عملية البيع والشراء. إلى ذلك قطعت دبي شوطاً كبيراً في مجال الحكومة الإلكترونية وتخطت في هذا المجال عدداً من الدول الأوروبية.

وفي فترة لاحقة أنشئت مواقع عربية للتجارة الإلكترونية وشاع تأسيس متاجر افتراضية على الشبكة تبيع الملابس والحلويات والكتب وغيرها. وتشهد المملكة العربية السعودية والأردن والكويت اليوم قيام مشروعات تجارة إلكترونية طموحة، ويتبين مع الوقت أن نسبة تسارع النشاطات الإلكترونية وخدمات التجارة الإلكترونية تنمو باضطراد، وتضيف أصنافاً جديدة إلى خدماتها وأنشطتها التجارية الإلكترونية تشمل بيع تذاكر السفر والإعلانات وغيرها. وتشير الإحصاءات إلى أن استعمال بطاقات الائتمان في الدول العربية هو في ازدياد مضطرد لكنها ما زالت دون المستوى الذي يجب أن تكون عليه مقارنة مع دول أوروبا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وغيرها، حتى إن حجم التجارة الإلكترونية في عدد من الدول العربية لم يتخط الواحد في المئة من حجم تجارتها العامة، وهذه نسبة متدنية جداً.

آليات الدفع
ظاهرياً تبدو آليات التجارة الإلكترونية معقدة أكثر مما هي حقيقةً. وإن كانت الشكوى من ضعف متطلباتها القانونية والبنيوية والحمائية في الدول العربية واقعية ومحقة. فهي تتطلب وجود عدد من العناصر لتكتمل دورتها وتتلخص بالآتي: الكومبيوتر لإدخال المعلومات، الزبون وشبكة التكنولوجيا التي تؤمّن تنفيذ العملية التجارية بصورة إلكترونية، والتاجر صاحب الموقع الافتراضي على الشبكة، والبنك الذي يؤمّن أدوات الدفع الإلكتروني، ومركز المعالجة أي المؤسسة التي تؤدي خدمة بوابة العبور بين المصرف والتاجر والمستهلك، أي الأداة التكنولوجية التي تؤمن بصورة آلية إلكترونية تنفيذ الدورة الكاملة للتجارة الإلكترونية. وتتم عملية الشراء عبر الإنترنت بأن يدخل المستهلك أو الزبون بواسطة الكومبيوتر على الشبكة حيث يكون المورد أو التاجر أنشأ موقعاً وعرض عليه مجموعة من السلع أو الخدمات مرفقة بالمواصفات والسعر.

إلا أن هذه العملية التجارية عن بعد تفترض وجود مصرف يؤمّن الدفع، وهذه عملية تتم بواسطة بطاقات الائتمان التي تصدرها مصارف عالمية. فعندما يدخل المستهلك إلى موقع التاجر ويختار السلعة أو الخدمة التي يريدها، يؤمّن المصرف الذي يتعامل معه التاجر بوابة العبور التي يتم من خلالها إدخال رقم بطاقة المستهلك الذي يطلب منه بعد ذلك إدخال الرقم السري للبطاقة، ثم تؤمّن بوابة العبور إرسال معلومات البطاقة إلى المصرف الذي يتعامل معه المستهلك، أي المصرف الذي يحمل البطاقة الصادرة منه، والذي عليه أن يؤكد إذا كان رصيد المستهلك يسمح بدفع ثمن ما اشتراه.

من مزايا التجارة الإلكترونية أنها ألغت الحدود بين التاجر والمستهلك بما يعود بالفائدة على الطرفين. فهي خلقت للتاجر فرصاً جديدة لتقديم منتجاته أو خدماته من خلال الشبكة وعلى نطاق عالمي وتسويقها بسرعة وبسهولة بحيث تصل إلى المستهلك في أي مكان من العالم من دون عناء. ومن جهة أخرى أتاحت للمستهلك فرصة الشراء بسهولة، إذ بات في إمكانه الدخول إلى أي موقع في أي مكان من العالم والاطلاع على ما يعرضه واختيار ما يناسبه منه بكبسة زر من دون الحاجة إلى الانتقال إلى الموقع الجغرافي للمتجر، وأفسحت له المجال واسعاً للاختيار بين مروحة واسعة من المنتجات والخدمات مع إمكان المفاضلة بينها لجهة النوعية والسعر من المكتب أو من البيت، والحصول عليها بواسطة موزع معتمد من التاجر.

الحماية من الغش والقرصنة
لكن هذه العملية دونها محاذير، إذ سجلت منذ نشوء هذه الطريقة بالتعاطي التجاري آلاف حالات غش وقرصنة على الشبكة طاولت التجار والمستهلكين على السواء، وشملت المعلومات وبطاقات الدفع بالإضافة إلى مئات الحالات غير الموثقة في شركات أمريكية رغم وجود قانون لمكافحة التجسس الاقتصادي في الولايات المتحدة. هذه الحوادث وغيرها الكثير في العالم حمل الشركات العالمية على إنفاق مئات مليارات الدولارات على تمويل البحوث المضادة للتجسس ولتأمين الحماية على الشبكة. وفي هذا السياق وضعت أكبر شركتين عالميتين تصدّران بطاقات ائتمان، فيزا وماستر كارد، منذ نحو عام ما يعرف بنظام الأمان على الشبكة، وهما: نظام Verified by Visa لشركة فيزا ونظام Secure Code لماستر كارد، وهو نظام أمان مزدوج يشمل البطاقة والتاجر. بالنسبة إلى البطاقة، عندما يصدر المصرف بطاقة للمستهلك يزوده أيضاً برقم سري يخوله الدخول إلى الشبكة ودفع ثمن مشترياته من دون أن يتمكن أي شخص آخر من سرقة الرقم أو استعماله. حتى إذا ضاعت البطاقة يستحيل على أي كان استعمالها.

ويشمل هذا النظام أيضاً تسجيل التاجر وإعطائه شهادة تسجيل يفترض أن تكون واضحة على موقعه ومسجلة لدى الشركة التي أصدرت البطاقة، فيزا أو ماستر كارد، وبذلك يمكن للزبون أن يتأكد من أن التاجر فعلي وليس وهمياً. وهناك شركات تثبت صدقية التوقيع الإلكتروني الذي هو من عناصر الأمان بالنسبة إلى البطاقة كما تثبت صدقية التوقيع الإلكتروني للمؤسسة التجارية. هذه بمثابة شركات ضمان في هذا المضمار وعلى المستهلك أن يتأكد من صحة التوقيع الإلكتروني للتاجر والمثبت لدى هذه الشركات.

وحتى قبل اتباع هذ الخطوات، كانت شركتا فيزا وماستر كارد أصدرتا بطاقات خاصة بالإنترنت، أطلق عليها كثير من المصارف اسم بطاقات إنترنت ، بمبالغ محدودة، فإذا تم التعرف عليها بصورة غير شرعية لا تكون مخاطر المستهلك كبيرة. وأرفق هذا النوع من البطاقات ببطاقات مسبقة الدفع بمبالغ صغيرة أيضاً وتحرر المصرف من أي التزام تجاه المستهلك. وميزة بطاقات الإنترنت والبطاقات المسبقة الدفع وغيرها من البطاقات التي أطلقت لاحقاً والتي تعتمد على سمات شخصية لحاملها، مثل البصمة وبؤبؤ العين، هي أنها تجنب بطاقات الائتمان أية عملية تزوير أو سوء استعمال. أما سلامة السلع المسلمة وطريقة التسليم وكلفته فهي أمور تكون عادة محددة في الموقع، وعلى المستهلك أن يتأكد منها قبل أن يشتري البضاعة، وأن يتأكد من أن التاجر حقيقي ومسجل ولديه شهادة تسجيل كون هذه العملية غير إلزامية.

وعلى غرار الشركات التي أنشئت للتأكد من صحة التوقيع الإلكتروني، هناك شركات مهمتها التأكد من سلامة المشتريات الكبيرة عند التسليم، وهي تتسلم ثمنها لكنها لا تعطيه للتاجر إلا إذا تأكدت من أن الشاري تسلّم ما طلبه وفقاً للمواصفات وللشروط المتفق عليها مع التاجر. بعض المصارف يتعاطى مع التجارة الإلكترونية بأسلوب خطاب الائتمان المطبق في التجارة التقليدية، وهو يدفع بموجبه جزءاً من ثمن البضاعة وجزءاً آخر عند الشحن والباقي عند التسليم. بعض الدول لديه تشريعات لحماية المستهلك من الغش وتضمن له سبل المراجعة القانونية، ولبنان هو من الدول التي عملت على ذلك وعلى التوقيع الإلكتروني الذي يمكّن التاجر والمستهلك من التعامل على أساس ثابت بالنسبة إلى المحاكم ما دامت هذه لا تعترف بمستخرجات الكومبيوتر كوسائل إثبات.

أثر الإلكترونيات على النشاطات التقليدية
ومع ارتفاع وتيرة نمو التجارة الإلكترونية والذي يتوقع أن يصل إلى 120 مليار دولار سنة 2005م في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، يطرح السؤال عما إذا كان التعامل الإلكتروني سيحل محل التعامل الورقي أو الشيكات، فيأتي الجواب من خبراء في العمل الإلكتروني – المصرفي أن التجارة الإلكترونية أوجدت مجال عمل جديد للمصارف له خصائصه وشروطه ويصب في خانة تنمية العمل المصرفي كونه يحد من استخدام العملة الورقية والشيكات الورقية، إلا أنه من غير المتوقع أن يلغيها، وهي ما زالت متداولة بكثرة في أمريكا وأوروبا حيث تنتشر التجارة الإلكترونية على نطاق واسع. وكذلك هي الحال بالنسبة إلى التجارة التقليدية.

فالتجارة الإلكترونية تتجه بالعالم إلى أن يكون رقمياً حتماً، وهي أوجدت منتجات جديدة ووسائل دفع جديدة وسلوكاً جديداً بالإضافة إلى الأساليب المعتمدة، لكنها لن تلغي التسوق الشخصي على المدى المنظور لأنه قد يكون متعة للكثيرين بالإضافة إلى أنه قد يكون وسيلة ترفيه أساسية بالنسبة إلى بعض الفئات الاجتماعية في دول عدة منها دول الشرق الأوسط مثلاً، ناهيك عن عادة اجتماعية تتمثل في الرغبة، وحتى أحياناً الإصرار، على التأكد الشخصي من السلعة المشتراة.

ثمة واقع لا يمكن إنكاره وهو أن التجارة الإلكترونية أوجدت سلوكاً جديداً ومنتجات جديدة يصعب وجودها في المحال التقليدية، وشراؤها عبر الإنترنت أسهل وأرخص، لكن التجارة التقليدية ستبقى موجودة بفعل ما تنطوي عليه من لمسة إنسانية. هذا الواقع ينطبق على الدول العربية عموماً رغم أن دول الخليج حققت قفزة نوعية على هذا الصعيد اعتباراً من عام 2000م لا سيما على صعيد القوانين كون الدول ترعى هذه العملية وتعطيها الأولوية. فقد أنشأت دبي مدينة الإنترنت بهدف توسيع شبكة الإنترنت التي من خلالها تتم التجارة الإلكترونية. وحققت هذه الإمارة تطوراً كبيراً على صعيد هذه التجارة بين مواقع الأعمال (من شركة إلى شركة) من خلال موقع تجاري دوت كوم ، وبلغ حجم العمليات التجارية المنفذة عبره في كانون الثاني عام 2005م أكثر من مليار دولار، كما أنها قطعت شوطاً كبيراً في مجال الحكومة الإلكترونية ووضعت على الشبكة أكثر من 1000 خدمة إدارية حكومية، وسبقت كل دول المنطقة في هذا المضمار.

ورغم محاولات إيجاد الأطر القانونية والتنظيمية لهذه التجارة في الدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً، ما زالت التجارة الإلكترونية في هذه الدول تمثل أقل من 2 في المئة من مجمل التجارة الإلكترونية في العالم. الأمر الذي يطرح السؤال حول سبل تنشيط هذه التجارة.

قد يأتي الجواب تلقائياً من خلال ما وصفته إحدى الدراسات العربية بمعوقات انتشار هذه التجارة في المنطقة، ولخصتها بالآتي: عدم وجود خطة شاملة على المستويين الوطني والإقليمي، ارتفاع نسبة الضرائب على أجهزة الكومبيوتر، ارتفاع كلفة الولوج إلى الشبكة في بعض الدول والوقت الطويل الذي يستغرقه فتح الصفحات على الشبكة، ضعف مستوى الوعي للاستخدام الصحيح لتكنولجيا المعلومات في قطاع الأعمال ومعوقات اجتماعية وثقافية، والمطلوب إيجاد حلول لهذه المعوقات.

ومما لا شك فيه أن التجارة الإلكترونية كان لها أثرها على الواقع الاقتصادي سلباً وإيجاباً. ويتمثل التأثير الإيجابي في فتح آفاق العالم بأسره أمام أصغر متجر في أي بلد فقير لعرض منتجاته على الإنترنت والوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستهلكين. ويمكن أن تستضاف هذه المواقع الصغيرة على موقع كبير يبني لها ثقة مع المستهلك ويروج لمؤسسات صغيرة ومتوسطة بحاجة إلى توسيع أفق عملها، كما أن من شأنها تأمين فرص عمل لعدد كبير من مصممي المواقع الإلكترونية حول العالم. بالإضافة إلى ذلك هناك شبكة مؤسسات مكملة للتجارة الإلكترونية مثل الشحن والبريد وغيرها من المؤسسات التي تؤمّن دورة اقتصادية كاملة وتخلق فرص عمل جديدة.

أما السلبيات بالنسبة إلى العالم العربي فهي أن هذا النشاط يتم في اتجاه واحد، إذ زاد حجم الاستيراد الاستهلاكي من الخارج وتعمقت الفجوة بين مستوردات الدول العربية وصادراتها بفعل غياب أو شبه غياب مواقع تجارية عربية. ومعروف أن من تقاليدنا أن نتحفظ على شراء أشياء لسنا على دراية كافية بها وتفضيلنا لمس الأشياء قبل شرائها والتأكد من جودتها ونوعيتها. وثمة من يرى أن الحملة المتسرعة لتشجيع التجارة الإلكترونية في العالم العربي لم يكن هدفها بوضوح تنمية التجارة الإلكترونية البينية العربية أو الداخلية بل الترويج التكنولوجي.

التجارة الإلكترونية لزيادة التجارة البينية
يصعب تقدير الحجم المتوقع للتجارة الإلكترونية في المستقبل القريب، ذلك أن التوقعات السابقة كانت متفائلة وبقي الحجم الحقيقي أقل بكثير من التوقعات للأسباب الاجتماعية والقانونية والبنيوية المذكورة. ويؤكد خبراء في هذا المجال أن هذا النمط من التجارة لن ينمو في المنطقة العربية عموماً ما لم يكن هناك عرض وطلب داخلي. وثمة إمكانات برأيهم لتشجيع العارضين دون المستهلكين كون هؤلاء يتبعون العرض، وهنا يقع على الحكومات أن تقوم بحملات توعية لأهمية عرض المنتجات الوطنية على الشبكة وليس التبضع على الشبكة والترويج لمفهوم أن تكون التجارة الإلكترونية وسيلة لزيادة التجارة الوطنية والبينية وليس لزيادة التجارة مع الخارج مع احترام مبدأ التجارة الحرة مع أي كان. إنما، ودائماً بحسب رأي الخبراء، يمكن الاستعانة بالتبضع عبر الشبكة للضغط على التجار المحليين لخفض أسعارهم إذا وجدت بدائل مماثلة لمنتجاتهم بأسعار أرخص مما يعرضون. إلى ذلك، يلفت هؤلاء الخبراء إلى ضرورة ملاحظة تطور استعمالات الهاتف الجوال الذي حقق نجاحات في بعض الجوانب أكثر من الإنترنت كونه أقرب إلى الناس من الكومبيوتر واستخدامه أكثر سهولة، لاسيما عبر الرسائل القصيرة التي باتت تستعمل اليوم للترويج لسلع وخدمات وأيضاً لطلب بعض الخدمات. ونصحوا بمراقبة ظاهرة الجوال مع الإنترنت التي تعزز التجارة الإلكترونية والتي ما زالت قاصرة في منطقتنا لكنها حققت نجاحاً كبيراً في أوروبا وأمريكا.

التجارة الإلكترونية بالأرقام
أشارت دراسة متخصصة إلى أن حجم التجارة الإلكترونية العالمية راوح عام 1999م، أي 3 أعوام على انطلاق العمل بها، بين 70 و 170 مليار دولار أمريكي وأن نسبتها من مجموع التجارة العالمية في السلع والخدمات راوحت بين 1.03 و 2.5 في المئة. وقدرت هذه الدراسة أن حجم التجارة الإلكترونية الأمريكية بلغ 15.5 مليار دولار عام 1996م و39 ملياراً عام 1999م. إلى ذلك توقعت دراسة متخصصة في شؤون الإنترنت أن يصل حجم التجارة الإلكترونية العالمية إلى 7 آلاف مليار دولار في عام 2005م وأن تصل حصة الاتحاد الأوروبي منها إلى 20 في المئة، ما يعني أن 100 مليون أوروبي يقبلون على استخدام الإنترنت لأغراض هذه التجارة، كما يتوقع أن يبلغ مستوى نمو التجارة الإلكترونية في أوروبا نحو 140 في المئة.
من جهة أخرى توقع أن تبلغ حصة الولايات المتحدة الأمريكية من هذه التجارة 55 في المئة متراجعة من 70 في المئة مطلع الألفية وذلك لمصلحة الدول الآسيوية بما فيها الدول العربية التي شهدت نمواً كبيراً على هذا الصعيد. وتشير هذه التوقعات إلى أن حجم التجارة الإلكترونية في الصين وحدها سيصل في عام 2005م إلى أكثر من 72 مليار دولار. وقدرت هذه الدراسة أن 48 في المئة من التجارة الإلكترونية العربية يتم بسبب عدم توافر المنتجات المشتراة عبر الشبكة في السوق المحلية، وأن نسبة 45 في المئة منها تتم بسبب سهولة الشراء.

أضف تعليق

التعليقات