حياتنا اليوم

عودة سؤال..

  • 55a

لا يحتاج الإنسان إلى أن يكون وسط إعصار كي يوقن أنه لاحول له ولا قوة أمام بأس الطبيعة. يكفيه مثلاً أن يقف على شاطئ البحر يتأمل الموج في يوم عادي، ويرقب ارتفاع البحر وهبوطه كي يشعر بقشعريرة، وليتملكه ذاك الإحساس العميق بأن حيلته محدودة أمام القوة الكامنة في البحر الجبار.

كان الإنسان قد اطمأن مع مرور الزمن إلى أن تطوره الحضاري قد أمّن له مأوىً يحميه من مخاطر الطبيعة. وترسخت لديه القناعة بأنه كلما تقدمت الحضارة كان في مأمن أكبر من هذه المخاطر. والأمر من حيث المبدأ صحيح!

لكن مشاهد السنوات الأخيرة أعادت إليه شعوره القديم بالخوف، وأيقظت فيه التساؤلات، وألقته مجدداً في هاوية القلق نتيجة هذا العجز في مواجهة الظواهر الجديدة والقديمة.

فمن جهة، هناك زلازل وفيضانات وحرائق وأعاصير يقال إنها أعتى من الماضي. ومن جهة أخرى هناك أوبئة غامضة جديدة: جنون البقر، سارس، أنفلونزا الطيور.. ناهيك عن الإيدز الذي أصبح مستوطناً مقيماً يفتك بالبشر. أمراض تكاد تكون لغرابة ظهورها أشد إثارة للمخاوف من مخاطرها الفعلية. وأمام كل ذلك يتساوى الشعور بالعجز عند جميع الأمم مهما علا شأنها.

ففي مواجهة الأعاصير المنطلقة من المحيطات أو الزلازل المنطلقة من باطن الأرض لا تجد أقوى شعوب الأرض ما يفوق كثيراً المتوافر عند أضعفها لمواجهة هذه الكوارث.

فها هي الإنسانية، وقد هنأت نفسها على إنجازات عملاقة تمسخ مسخاً. وإذ بأمم قادرة ومتطورة ترتبك فجأة ويصيبها هلع لا يتناسب مع صورتها حتى أمام نفسها. فيجد أهلها أنفسهم معرضين لأخطار محدقة، من دون أن تؤمّن لهم دولهم ومجتمعاتهم الحماية التي كانوا يتوقعون. ومشهد الأعاصير الأخيرة لا يزال حياً في الأذهان. ناهيك عن الاضطرار إلى القيام بخطوات لا تخلو من الهوان مثل إبادة مئات آلاف الأبقار أو الدواجن حتى ولو كانت مصدر رزقهم الوحيد. وفجأة نرى الطيور المهاجرة التي كانت مادة للاستمتاع بمناظرها والتصوير الفوتوغرافي والتأمل والأشعار الحالمة، تتحول إلى خطر محدق أقرب ما يكون إلى أفلام الرعب منه إلى أفلام حب الطبيعة.

كان الإنسان القديم يقف أمام موج البحر ويسأل.
عاد اليوم يقف أمام موج البحر ويسأل.

أضف تعليق

التعليقات