بيئة وعلوم

الطاقه النظيفة

مطلب ملح

  • 101858570
  • Clean Energy
  • Natural gas storage tanks burn at a facility in Chiba Prefecture, near Tokyo
  • 101330325

تَغيُّر المناخ قضية تتعلَّق بالبيئة والتنمية معاً. هذا ما يقوله الاختصاصيون، وما يخشى منه أصحاب القرار في المنظومة الكونية. والتنمية قضية، في وجه من وجوهها، اقتصادية بحتة، عبر هذه السلسلة المنطقية، يصبح الارتباط بين البيئة والاقتصاد ارتباطاً عضوياً لا فكاك منه. محمد خضر يتحدث عن الفكرة الجوهرية للحصول على طاقة نظيفة.

الاقتصاد العابر للقارات هو وحده القادر، بأدواته وحلوله متعددة الاستراتيجيات والمنهجيات، على أن يقدّم دليل حسن نواياه نحو كوكب يضج بصراعاته وأطماعه ومشاريعه التي لا تنتهي

ليس بقرار حكومي في أي بلد من بلدان العالم، يمكن أن يستيقظ العالم ذات صباح سعيد، على بيئة نظيفة، تنعم بالتوازن والصحة والعافية.
وليس حتى بقرار أممي. فما يحتاج إليه الكون في لحظته الراهنة، تراكم وعي إنساني، يتجاوز فيه أبناء العالم الثالث إحساسهم بالضيم من أبناء العالم الأول، وينحي الإفريقي فيه همومه جانباً، وتتواضع المجتمعات المتقدمة، لصالح بناء المعمورة، ولما فيه صلاحها: هواء نقي، وماء نظيف، وتناغم خلاق بين عناصر الكون، ومفرداته جميعها! الفكرة الجوهرية هنا، تتمثل في سؤال: هل من سبيل لأن تتجاوز البسيطة محنها المتعلقة بمُناخها، وبيئتها، وتصحر مناطق واسعة فيها، وتراجع منسوب المياه أو تلوثها وكذا تلوث الهواء، والمجموع الخضري لصالح الإسمنت والإسفلت؟

المؤسسات الدولية المعنية، ومن بينها البنك الدولي على سبيل المثال، تتوقع أن يؤثر تغير المُناخ الناجم عن كافة نشاط البشر تأثيراً سلبياً في الإنتاجية الزراعية في مختلف المناطق المدارية وشبه المدارية، إلى جانب تدني كمية المياه ونوعيتها في معظم المناطق الجافة وشبه الجافة. تغيّر المناخ قضية تتعلق بالبيئة والتنمية معاً. هذا ما يقوله الاختصاصيون، وما يخشى منه أصحاب القرار في المنظومة الكونية. والتنمية قضية، في وجه من وجوهها، اقتصادية بحتة، عبر هذه السلسلة المنطقية، يصبح الارتباط بين البيئة والاقتصاد، ارتباطاً عضوياً لا فكاك منه.

هو إذاً، ارتباط يفرض حلولاً اقتصادية عاجلة، أي بمعنى أن على الاقتصاد العابر للقارات الذي كان في كثير من تجلياته، سبباً في التأثير في بيئة الأرض ومُناخها، وتوازناتها «المصانع الكبرى، والاحتباس الحراري، وصناعات الموت، وأسلحة مختلفة الأوزان والأنواع»، هو وحده القادر، بأدواته وحلوله متعددة الاستراتيجيات والمنهجيات، على أن يقدم دليلاً على حسن نواياه نحو كوكب يضج بصراعاته وأطماعه ومشاريعه التي لا تنتهي، وأن يجترح أفق خلاص كوني مبين.

فتغير المُناخ قضية، بحسب أرباب البنك الدولي، لا تحتمل الانتظار، وينبغي التصدي لها عاجلاً وليس آجلاً. منذ صدور بيان الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المُناخ الذي قدّم أدلة وشواهد علمية إضافية بشأن تغير المُناخ الناجم عن كافة نشاط البشر، ومروراً باستراتيجية المفوضية الأوروبية بشأن الطاقة التي دعت إلى الحد بشدة من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتحقيقاً لهدف الاتحاد الأوروبي بشأن الوصول إلى ما نسبته %20 من الطاقة المتجددة بحلول عام 2020، ومع الأمور التي أولاها القطاع الخاص في الولايات المتحدة لتغيّر المناخ، ثمة اعتراف متزايد الوتيرة بما تشكله مخاطر تغير المُناخ، والفرص الجديدة المتأتية من ذلك بشأن المضي قدماً نحو اقتصاد تقل فيه انبعاثات غازات الدفيئة.

ها هي الصيحة تأتي إذاً من أكثر الجهات التي أضرت، ربما، ببيئة الكون وسلامة أحواله، في هذا السياق، طلبت قمة مجموعة الثمانية، التي عقدت في غلين إيغلز في اسكتلندا عام 2005م، من البنك الدولي تقديم خطة تساعد على تسريع وتيرة الاستثمار في الطاقة النظيفة من أجل بلدان العالم النامية، وذلك بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية الأخرى. وهو ما يشمل: زيادة القدرة للحصول على الطاقة، ولا سيما في إفريقيا جنوب الصحراء، وتسريع وتيرة الانتقال إلى اقتصاد تقل فيه انبعاثات غازات الدفيئة، والتأقلم مع تقلبات المُناخ وتغيره.

وفقاً لما تقدَّم، يحتاج قطاع الطاقة الكهربائية إلى 165 بليون دولار أمريكي من الاستثمارات كل عام من العقد الحالي. ولا تتوافر موارد تمويلية سوى لنصف هذه الاحتياجات. وهناك حاجة، أيضاً، إلى عشرات البلايين من الدولارات لتغطية التكاليف الإضافية اللازمة للتحول إلى اقتصاد تقل فيه انبعاثات غازات الدفيئة. وستصل التكاليف الإضافية لمشروعات الحماية من التقلبات المناخية المرتبطة بإعانات وتمويل بشروط ميسرة للبلدان النامية إلى حوالي بليون دولار سنوياً. بينما قد يصل إجمالي التكاليف التي يتحملها القطاعان العام والخاص في بلدٍ نامٍ إلى عشرات البلايين من الدولارات سنوياً.

إن الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتج عن التنمية، مع استمرار المفاوضات الدولية بشأن إطار ما بعد عام 2012م ضمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المُناخ، ومساندة البلدان الغنية للبلدان النامية مقابل تحقيق نمو أكثر فائدة وأقل إضراراً بالبيئة، وتجميع غاز الميثان المنبعث في مقالب النفايات، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة في إنتاج الصلب، والتوليد المشترك للطاقة باستخدام تفل قصب السكر، والطاقة المتجددة «الرياح، والحرارة الأرضية، والطاقة المائية»، وتغيير أنماط استخدام الأراضي، وتشجير المناطق القاحلة وإعادة التشجير، جميعها وغيرها، وسائل يمكن أن تساعد على التقليل من التغيرات البيئية المدمّرة، والحد من انبعاثات غازات الدفيئة بأشكالها ودرجاتها المختلفة: الانبعاث غير الخطر، والخطر، والانبعاث المدمّر.

بالتأكيد، لا يكفي تخصيص يوم في العام «في 14 أكتوبر 1986م اجتمع وزراء البيئة العرب في تونس العاصمة وقرروا أن يكون ذلك اليوم من كل عام يوم البيئة العربي»، ليتحقق قدر من الالتفات القومي للبيئة، ربما يحتاج الأمر إلى إطار استثماري معنيّ بالطاقة النظيفة، والبيئة النظيفة، والمُناخ النظيف من أجل تنمية حقيقية مستدامة.

يعرّف التلوث البيئي بأنه إحداث تأثير في البيئة التي تحيط الكائنات الحية بفعل الإنسان ونشاطه اليومي، ما يؤدي إلى ظهور بعض الموارد التي لا تتلاءم مع المكان الذي يعيش فيه الكائن الحي ويؤدي إلى اختلاله.

الإنسان، هو، إذاً، المسؤول، عن الإخلال بمنظومة البيئة الكونية، وعن هدم أركان استقرارها وتوازنها، فهو الذي يخترع، ويصنع، ويستخدم، وهو المكوّن الأساسي لسكان الكوكب. بالنظر إلى نتائج كارثتين كونيتين متشابهتين بالتسمية: تسونامي سومطرة الإندونيسية وتسونامي فوكوشيما اليابانية، يتبيّن لنا أن الإنسان المسكون بقلق دائم يتعلق بمواصلة تطوير بناه التحتية وخدماته الوطنية والرسمية، هو المسؤول عن نقل مخاطر تسونامي الثاني إلى درجة مروّعة حَبَسَ العالم أنفاسه أمامها.

فالتسرب الإشعاعي، كما حدث في قصة تشيرنوبل المؤلمة، ليس من الأخبار التي يمكن أن يمر عليها المواطن الكوني مرور الكرام. صحيح أن تسونامي سومطرة أخذ معه أرواح ربع مليون إنسان، وهو الرقم الذي قد لا يصل تسونامي فوكوشيما إلى عشره، أو ربما يصل إلى أكثر من ذلك بقليل مع احتساب المفقودين «حوالي 30 ألف مع المفقودين»، إلا أن ما تصاحب مع الزلزال البحري المدمّر الثاني، من مخاطر التسرب الإشعاعي من أربع محطات قريبة من مركز الزلزال، يضع الإنسانية أمام أسئلة جوهرية مصيرية حاسمة: إلى أي مدى يحتاج الكون إلى كل هذه الوسائل العلمية التقنية المتقدمة، عندما يتعلق الموضوع بتوفير مصادر طاقة، أو تطوير تقنيات زراعية، أو تسريع خدمات بلدية مدينية عديدة؟

المظاهرات التي اجتاحت بعض شوارع طوكيو وغيرها مطالبة بترشيد استخدامات الطاقة، والتقليل من استخدام الطاقة النووية على وجه الخصوص، قد تدخل في سياق الإجابة عن هذا السؤال أو هذه الأسئلة!

فهل يدرك الإنسان، قبل فوات الأوان، فداحة المسؤولية الأخلاقية التي تنتظر البيئة الكونية منه أن يتصدى لها، وأن يشرع في تطبيق عدالة بيئية تأخذ في الحسبان الآثار المترتبة على الأضرار البيئية بصفتها جزءاً لا يتجزأ من السياسة البيئية الحكيمة القويمة؟!

أضف تعليق

التعليقات