بيئة وعلوم

لماذا تتناقص أعداد النحل؟

تعددت الأسباب والموت واحد…

  • Bee stinger, SEM
  • dawsons-burrowing-bee-lg
  • empty-1
  • emvideo-youtube-p-BjhJNRAAQ_1
  • pascuorum_scotland
  • shutterstock_1638050
  • shutterstock_70143019
  • shutterstock_76872112
  • shutterstock_96950054
  • 890853-130801740273608-Jack-Kreuz
  • 1340922008502
  • bee.brain.1
  • bee_1_bg_042404

ينشغل العالم بعلمائه وباحثيه منذ أكثر من 5 سنوات، بحدث جلل ينذر بنتائج خطرة جداً على البشرية، ألا وهو تناقص أعداد النحل، لأنه بكل بساطة ووضوح: «لا نحل.. لا محاصيل».
فثلاثة أرباع النباتات التي تحمل زهوراً، تعتمد على النحل لمساعدتها على التلقيح والتكاثر، وإذا واصل النحل تناقصه الحاد والذي يقدّر سنوياً بـ 30 في المئة، فإن العالم سيودّع عشرات الأنواع من الفاكهة، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية التي تزيد حالياً على 15 مليار دولار في قطاع المواد الغذائية.
هنا إضاءة على هذه القضية العالمية أعدها مالك القعقور، عارضاً أبرز ما توصل إليه العلماء من أسباب وما توصلت إليه دراسات وأبحاث تجرى في معظم دول العالم وبخاصة في أوروبا والولايات المتحدة الأمركية.

خلصت آراء العلماء والمؤتمرات الدولية الكثيرة التي تركزت على مناقشة أسباب تناقص أعداد مستعمرات النحل عالمياً بنسب عالية، إلى نتائج مقلقة نظراً إلى عدم تمكن العلماء والخبراء ومربي النحل في العالم حتى الآن، من التوصل إلى معرفة أسباب هذه الآفة التي تعصف بعالم النحل منذ عام 2006م حين بدأ يسجل مربو النحل خسائر في خلاياها.

ووفقاً لبعض هذه التقارير، فإن مربي النحل في الولايات المتحدة خسروا 35 في المئة من القفران عام 2007م، بعدما فقدوا 30 في المئة منها السنة التي سبقتها. كما مُني زملاؤهم في بلدان عدة من كندا إلى الصين مروراً بالبرازيل والهند إلى جانب كثير من البلدان الأوروبية، بخسائر مشابهة. لذا صدرت تحذيرات بأن «التهديد كبير جداً»، فبعض الدول سيختفي منها النحل نهائياً كبريطانيا، حيث حذرت جميعة مربي النحل من اختفائه كلياً من البلاد بحلول عام 2018م، وبالتالي غياب نحو 90 محصولاً من أهم 115 محصولاً من الفاكهة والحبوب والخضار تعتمد على النحل في تلقيحها، أي إن الناس سيفقدون اذا ما استمر الأمر، كثيراً من السعرات الحرارية ومعظم الفيتامينات والمعادن ومضادات التأكسد.

المرض نانوي
أما فيما يتعلق بالأسباب، فقدّم العلماء منذ عام 2007م فرضيات عدة أحدثها نظرية أفادت بأن الانخفاض العالمي لمستعمرات عسل النحل سببه تلوث ناجم عن جزئيات الديزل. ووفق خلاصة الدراسة التي أجراها فريق من جامعة ساوث مبتون، فإن الجسيمات الصغيرة جداً أو «النانوية»، المنبعثة من محركات الديزل يمكن أن تؤثر في أدمغة النحل، إذ تحمل في ثناياها عوامل تضر بالعاملات من النحل فتعجز عن إيجاد طريقها لتعود إلى خليتها.

ويعتقد الفريق أيضاً، أن النانوية تشكل واحداً من عوامل التوتر التي يمكن أن تؤدي إلى نقطة تحول في صحة النحل، وبالتالي تسهم في انهيار مستعمرته. واستند الباحثون في نتيجتهم، إلى دراسة أجريت في المملكة المتحدة وأخرى في الولايات المتحدة، أظهرت أن جزئيات الدخان تضرّ بأدمغة الحيوانات عندما تتعرَّض لجرعات كبيرة. وسعى الباحثون إلى معرفة ما إذا كان النحل يتأثر بالطريقة نفسها، والأسباب التي تحول دون معرفة النحلة طريقها إلى خليتها بعد مغادرتها، للعثور على الغذاء.

ورجّح فريق البحث المؤلف من علماء بيولوجيا وبيئة وتكنولوجيا النانو، بعد اختباره التغيرات السلوكية والعصبية للنحل عقب تعرضها لجزئيات الديزل، أن أبخرته قد يكون لها تأثير مزدوج على النحل: ضياع طريقة العودة إلى الخلية، وتلويث روائح الزهور في الهواء ما يصعّب على النحل العثور على مصادر الغذاء. ومكّنت هذه البحوث التي استغرقت تجاربها 3 سنوات، من كشف مزيد من الآثار النانوية المحتملة على انهيار مستعمرات النحل.

تعديل جيني وطفيليات خلوي
وكان العلماء ساقوا قبل هذه النظرية نظريات عدة تفاوتت بين «التعديل الجيني» و«عث الفاروا» و«الطفيليات»، و«الهواتف الخلوية»، و«البذر المدمر».

فالتعديل الجيني للنباتات التي يعتقد بأنها قد تكون سبباً لتناقص مستعمرات النحل، يؤدي إلى تحوير وراثي يتزامن مع غبار الطلع للزهور، فتلقح الزهور لتنتج ثماراً معدلة وراثياً. وهنا يسود اعتقاد بأن النحل الذي يتغذى من الزهور الملحقة وراثياً يعاني من سوء تغذية يتسبب بوفاته نتيجة نقص في المواد الغذائية صيفاً، ما ينعكس ضعفاً في الجهاز الهضمي أثناء عملية الإسبات شتاء.

أما «عث الفاروا» الذي يلقي عليه بعضهم اللوم في وفاة النحل، فساد لدى العلماء يوم بدأت المشكلة عام 2005م، بأنه مصدر رئيس لمرض معوي يصيب النحل ويؤدي إلى وفاته. وهنا برزت مشكلة ثانية إذ رأى العلماء أن استخدام علاجات ضد هذا العث، قد تتسبب بأمراض تستدعي استخدام مضادات حيوية قد يؤدي الإفراط باستخدامها إلى خلل في الجهاز المناعي.

وفيما يتعلق بالطفيليات فإنها موجودة في المحاصيل والشجر ما يدفع بالمزارعين إلى رشها بمبيدات مركبة من مواد كيماوية وسامة، علماً بأن تلك المحاصيل والأشجار هي مصدر غذاء النحل، وبالتالي يعتقد أن تلك المبيدات مسؤولة عن تدمير مساكن النحل.

وكذلك فإن الهاتف الخلوي لم يسلم من التهمة، إذ أفادت دراسة بأن إشعاعه يؤثر في قدرة النحل على التنقل، مؤكدة أن موجات الراديو الكهرومغناطيسية تؤثر سلباً في الحركة الملاحية للنحل الذي يتوه عن مواقع الغذاء وأيضاً عن مساكنه.

أما «البذر المدمر» وهو نوع من البذور المعدلة وراثياً فتستخدم لإنتاج البذور، فيعتقد بأنه يسبب للنحل أمراضاً في جهازه الهضمي إذ ظهرت لدى نحل حاول ارتياد هذه البزور، أمراض من هذا النوع شبّهت، بعد عملية التشريح، بسرطان القولون لدى البشر.

بين الذاكرة والمناعة
وفي السياق نفسه، أكد علماء بريطانيون أن النحل يفقد جزءاً من قدرته على العمل عندما يمرض، وأنه مثل البشر يعاني صعوبة في القيام بواجباته اليومية حتى يتعافى. وأوضحوا أن نحل العسل ذا أجهزة المناعة النشطة، يعاني من مشكلات في الذاكرة. واعتبروا أن هذه الاكتشافات قد تعزز الجهود لإنقاذ مستعمرات النحل، لأن النحل حيوان يعيش على ذاكرته، واذا أضرت مجرد عدوى بسيطة بها، فتلك كلفة كبيرة. وقالوا إنه مثل بني البشر يمكن أن يمرض ويتماثل للشفاء خلال أيام من مرضه بعد أن ينشط جهاز المناعة لمقاومة الفيروسات والطفيليات.

وتشخيص العلماء البريطانيين للمشكلة بمرض أصاب ذاكرة النحل وجهاز مناعته، جاء بعد دراسة عملية على مجموعتين من النحل حقنوا بعضها بمادة تحفز جهاز المناعة، ثم عرضوا للنحل الاختيار بين زهور زرقاء وأخرى صفراء لكن لوناً واحداً كان يحوي رحيقاً، وفي نهاية المطاف أمضى كل النحل وقته في التغذية من الزهرة الصحيحة لكن النحل المحفز استغرق زمنا أطول 10 بالمئة ليصل إلى تلك النقطة مما يظهر أن استجابة المناعة النشطة عند المرض تؤثر في الذاكرة.

وفي موازاة ذلك تجرى أبحاث ودراسات لمعرفة الأثر الحقيقي لبعض مبيدات الآفات على النحل وطريقة تفاعله معها بهدف اختيار أفضل أنواع النحل التي تتكيف مع هذه الطفيليات ومع الإجهاد البيئي أيضاً، من خلال التركيز على علم الوراثة لمعرفة أي جينة تنشط بفعل الاجهاد والمرض والطفيليات الحشرية.

مقاوم في جو قاتم
ووسط هذا الجو القاتم، برز أمل أمام العلماء من فرنسا حيث اكتشفوا نوعاً من النحل مقاوماً للأمراض. وأعلن فريق البحث أن النحل في آفينيون (غرب فرنسا) لا يقاوم الطفيليات فقط بل جميع الأمراض على رغم أنه لم يتلق علاجاً ضد أي من هذه الأمراض، أو ضد أي من هذه الطفيليات.

ويتركز عمل العلماء على معرفة السبب الذي يجعل هذا النوع من النحل يعيش بينما تموت أنواع أخرى، لكن الحل النهائي ما زال بعيد المنال ويسعون الى تحقيقه خلال سنوات ثلاث من خلال تربية نحل مقاوم.

أسرار النحل
كشف الباحثون كثيراً من أسرار النحل، إذ تبيَّن لهم أن للنحل إبر وخز في ذيولها، وأنه شديد الدقة في بناء بيوته ويرقص للاتصال والتحاور بعضه مع بعض وينجز كل ما يحتاج عمله في الحياة في نحو 6 أسابيع. وللنحل أيضاً حاسة شم حادة، وذاكرة حادة إذ يمكنه أن يتذكر المكان الذي تناول فيه آخر وجبة. أما مخ النحل فحجمه بحجم حبة سمسم، ويعتمد على مدى صغير من المركبات لتصنيف روائح الزهور، إذ يمكن مستقبلات الروائح لدى النحل أن تكتشف حتى أصغر جزيء للرائحة في الهواء.

والنحل يستطيع التفرقة بين مئات الروائح المختلفة وأيضاً معرفة ما إذا كانت الزهرة تحمل لقاحاً أو رحيقاً من خلال شم رائحتها على بعد أمتار، وهو يمكن أن يبحر من خلال الرائحة واللون والمسافة. وتثير الرائحة أيضاً لدى النحل ذكريات ملاحية عن المكان الذي يذهب إليه وما هو لون الزهور.

وأفادت دراسة حديثة بأن ملكة النحل ليس لها كلمة الفصل في القرارات التي تتخذ، بل تكون للعاملات الأكبر عمراً اللاتي تعطي إشارات معينة لها ولبقية الرعايا وذلك وقت ما تريد.

لكن هذا العالم المنظم والجميل مهدد فعلاً بنتائج خطيرة ما لم يرس العلماء والباحثون على سبب واحد يجمعون على أنه وراء تناقص النحل، خصوصاً أن كل سبب من الأسباب التي أعلنوها جاء من ينفيه مستنداً إلى دلائل علمية أيضاً، بينما يواصل النحل رحلة موته التي لن تقضي عليه فحسب بل ستكون نتائجها مؤلمة جداً لكل الكائنات على وجه البسيطة وبخاصة البشر.

أضف تعليق

التعليقات