قصة مبتكر
قصة ابتكار
د. طاهـــر الجــمل
الفازلين
جميع المتعاملين مع المتصفحات والأجهزة الرقمية كالحواسيب وأجهزة الهاتف المحمول لا بد أن يعرفوا مَن هو الدكتور طاهر الجمل. هو واحد من أهم علماء التشفير في تاريخ الإنترنت فهو مخترع بروتوكول التشفير SSL، المسؤول عن تأمين البيانات السرية المستخدمة على الإنترنت، وتقنية التوقيع الرقمي. ولد د.طاهر الجمل في القاهرة عام 1955م في أسرة ميسورة الحال، كان والده مسؤولاً كبيراً في وزارة الصحة وله من الأخوة ثلاثة، ويقيم حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية. كان مولعاً بالرياضيات والخوارزميات في طفولته ومراهقته ويكره اللغويات وكتابة المقالات والمسائل الأدبية. نال شهادة البكالوريوس في العلوم من جامعة القاهرة في عام 1977م، وشهادتي الماجستير والدكتوراة من كلية الهندسة الكهربائية في جامعة ستانفورد في عامي 1981 و1984م، على الترتيب. كان أخوه الأكبر يشجعه للالتحاق بجامعة ستانفورد لكونه متخرج فيها هو الآخر. وهناك تعّرف مصادفة بمارتي هوارد الذي كان يترأس القسم الذي كان يدرس فيه الجمل. وكان هاورد مشهوراً في علم التشفير. وسأله الجمل إن كان يريد أحد الطلاب أن يعمل معه، فقبل هاورد. وهنا بدأت رحلته مع عالم التشفير. كان هاورد يعطي الجمل العديد من المعادلات الرياضية التي لا حل لها، وفي كل مرة كان الجمل ينجح في حلها إلى أن بدأت تتولد لديه فكرة يسميها العالم اليوم باسم: (Discrete Quadratic Log Algorithm) التي تستخدم في إيجاد الخوارزميات والأعداد الصحيحة. وقاده ذلك للحصول على براءة اختراع بنظرية تشفير خاصة ومن هنا أصبح معروفاً في ذلك المجال للحكومة الأمريكية. التحق الجمل بالكادر التقني في مختبرات هيوليت هيلمان في عام 1984م وعندما تخرج في السنة نفسها، لم يكن أحد مهتماً بما توصل إليه وعمل في شركة HP في مجالات ليس لها علاقة بالتشفير كالصور والرسم الجرافيكي. بعد ذلك التحق بمختبرات Hewlett-Packard وفي العام 1988م، عرض عليه رئيسه في العمل الانضمام إلى شركته الجديدة فترك منصبه في HP، وانضم إلى تلك الشركة باعتباره مؤسس InfoChip الثالث من العام 1988م. لم يكن الجمل تاجراً بل كان شخصاً تقنياً لا يفهم إلا في الخوارزميات ولكنه اكتسب المعرفة في عالم إدارة الأعمال من خلال تعرّفه إلى كيفية إدارة الشؤون الهندسية. لم تحقق تلك الشركة نجاحاً تجارياً فقرر بيع نصيبه في العام 1991م إلى شركه سيركس بولاية تكساس وبعد ذلك التحق بالعمل في شركه RSA، والطريف أن تلك الشركة طوّرت نظام تشفير خاص بها لينافس نظام التشفير الخاص بطاهر الجمل! وكان هذا العالم كبيراً للعلماء في مؤسسة نيسكاب للاتصالات من 1995 إلى 1998م حيث كان وراء ابتكار تقنية التشفير (SSL) العالية التعقيد. واحتل منصب مدير المهندسين في مؤسسة RSA للأمن قبل تأسيس شركة Securify ومن ثم أصبح رئيسها التنفيذي. وعندما استحوذت Securify على شركة كرول-أوجارا، أصبح رئيساً لمجموعة أمن معلوماتها. وفي العام 2009م حصل د. الجمل على جائزة الإنجاز مدى الحياة lifetime achievement award نتيجة لاختراعاته العديدة في مجال معايير الأمن للشبكات.
لم تكن جميع المبتكرات في العالم نتيجة لتجارب واختبارات مخطط لها من قبل، فقد ظهرت الكثير من المبتكرات عن طريق المصادفة من غير سابق تخطيط. وربما من أشهر هذه المبتكرات العرضية هي مرهم «الفازلين». كان الكيميائي روبرت شيسبرو واحداً من تجار الكيروسين الشباب والواعدين ومُني كغيره من التجار بخسائر فادحة عندما أخفق في توريد مادة العنبر إلى البلاد. وفي عام 1859م، قرر أخيراً أن يسعى وراء رزقه في الحقول النفطية في ولاية بنسلفانيا الأمريكية. وبعد جهود مضنية، حقق نجاحاً متواضعاً في ذلك. لاحظ بعد فترة قصيرة من وصوله أن العمال في الحقول النفطية كانوا يشتكون من مادة شمعية مزعجة وسموها في ذلك الحين باسم «الشمع اللحائي». كانت المادة جيلاتينية جداً كالصمغ تتشكل على معدات الحفر وتلطخها، ولاحظوا أيضاً أنه على الرغم من الإزعاج الذي يسببه ملمسها الإنزلاقي، إلا أنها كانت تعجّل من تعافي الجروح والكدمات التي كانوا يتعرضون لها أثناء العمل. شك شيسبرو في ماهية هذه المادة، فأرسل عينة منها إلى مختبره في بروكلين. وبعد دراسات وتجارب، استطاع عزل المادة عن البترول الاعتيادي، ومن ثم شرع في إجراء الاختبارات عليها وأخضع نفسه لكل أنواع الجروح والكدمات والحروق وعالجها بالمادة النفطية العجيبة، والمذهل أن كل جروحه كانت تلتئم في وقت قياسي. ولإضفاء صفة تجارية على ابتكاره المذهل، أطلق شيسبرو اسم «فازلين» (المأخوذة من كلمتين هما «فازر» الألمانية وتعني الماء، و«إلاين» الإغريقية وتعني زيت)، وبدأ في عمل استعراضات فردية في الشوارع ليشرح للناس القدرات العجيبة لمنتجه، بعد أن رفضت الصيدليات ترويج المنتج له، وكان لا يتورع عن جرح أو حرق نفسه بالنار أو بالمحاليل الحامضية أمامهم ويضع المادة على الجرح! ونجح في بيع زجاجة من المنتج في كل دقيقة. استخدم الناس المادة في كل شيء تقريباً بدءاً من تنظيف الاحتقانات الأنفية إلى تنظيف الأثاث. وفي نهاية القرن التاسع عشر، أصبح شيسبرو من أغنى الأغنياء وبدأ يحتل أسواق أوروبا بمادته هذه. وفي عام 1870م، افتتح أول معمل لتصنيع الفازلين في نيوجيرسي الأمريكية وفي عام 1872م، تسلَّم شيسبرو رسمياً شهادة ابتكاره لهذه المادة الأمريكية الصنع بامتياز. ومن ثم أنشأ عدداً من المعامل الأخرى في بتسبرغ وبنسلفانيا ولندن وبريطانيا. وفي عام 1882م، تسّلم شيسبرو، لكونه مواطناً بريطانياً، وسام الفرسان من الملكة فيكتوريا تكريماً له على ابتكار هذه المادة التي كانت تستخدمها الملكة يومياً. عاش شيسبرو حتى الـ 96 من عمره، واعترف قبل وفاته في عام 1933م بأنه كان يلتهم ملعقة من الفازلين كل يوم ولسنوات عدة. ويشير أحد المصادر إلى أنه كان يعاني من مرض ذات الجنب (التهاب الغشاء المحيط بالرئة) وكان يطلب من ممرضته أن تدلكه من رأسه إلى أخمص قدميه بالمادة، وشفي من المرض بعدها بسرعة.