الثقافة والأدب

نص المسرح العربي..

مفقود.. مفقود.. مفقود

  • assali
  • boshra
  • layla
  • madrsa
  • masoud
  • shutterstock_65269477
  • snapshot20080810121502qv7
  • TdP90300
  • 9
  • 70-2
  • 1080215-Clipart-3d-Red-Theater-Stage-Curtains-Pulled-To-The-Sides-Royalty-Free-Vector-Illustration
  • abeer

من الجزائر والمغرب إلى مصر والأردن والكويت فالعراق وعمان، اتفقت آراء مسرحيين وممثلين على وجود أزمة نص مسرحي عربي خالص، لكنها اختلفت حول تحديد حجم هذه الأزمة، إذ رأى بعضهم أن النص هو أساس المسرح وأن النصوص الحالية إما تعبِّر عن ذاتية كاتبها، وإما أنها بعيدة عن قضايا الجمهور العربي، بينما رأى بعضهم الآخر أن النصوص متوافرة لكن الأزمة تكمن في عدم التنسيق والالتقاء بين الكاتب والمخرج.
آراء المسرحيين استطلعها جعفر العقيلي في محاولة لتحديد مكمن الخلل الذي يعتري المسرح العربي، انطلاقاً من الإشكالية الآتية: هل تكفي النيات وحدها لإيجاد مسرح عربي يستند إلى نصوص عربية تراعي خصوصية مجتمعاتنا وشعوبنا، وتنطلق من واقعها، وتحاكي هموم أفرادها وقضاياهم بمصداقية؟

إذا ما تحدثنا عن قضايا المسرح العربي المعاصر، فإن أزمة النصوص العربية المعدّة للمسرح تتصدر القائمة، إذ لا تزال منذ عقود مطروحة على طاولة النقاش ولا يزال المعنيون يناقشونها بالحماس نفسه، كلما سنحت لهم الفرصة، عبر مؤتمر أو ندوة أو مهرجان، دون أن يهتدوا إلى حلّ سحري يفضي إلى مساحة أكثر بياضاً، تعيد للمسرح (أبو الفنون) مكانته التي يستحقها، وتُصالحه مع نفسه، وتجعله عربياً خالصاً، لا مهجّناً أو غريب الهوية.

فثمة اتفاق على أن عدد الكتَّاب والأدباء العرب الذين يمارسون الكتابة المسرحية قليل، وعلى الرغم من ذلك فإن النصوص التي ينتجونها -على قلتها- غالباً ما تعاني من إشكاليات مثل: عدم مراعاة الخطاب المسرحي، وإغفال ما للدراما من خصوصية، والمراوحة بين الذهنية والمباشرة، والافتقار إلى الحوار المفعم بالتوتر الذي يتسم بالتشويق والتكثيف والذي هو جزء لا يتجزأ من النص المسرحي الناجح، وكأن ما يكتبونه ليس سوى نصوص أدبية لم يجرِ (وربما لا يمكن) تحويلها من صيغتها الأدبية البحتة إلى الصيغة التي تناسب الدراما.

الموسى: حرية النص العالمي
ويقول المخرج العراقي أحمد حسن موسى إن النص العربي يفرض سلطة مسبقة في تحديد بيئة العرض المسرحي، مؤكداً أن «هناك أزمة ملحّة في النص المسرحي على المستوى العربي». ويضيف: «نعم هناك نصوص مسرحية، لكنها غير قادرة على التعبير عن الواقع، أو الغوص في أعماقه، إلا أنها -في الغالب- تلامسها بسطحية، من الخارج فقط».

ويتابع الموسى: «حقيقةً، وأرجو ألاَّ أكون مشاكساً، أرى أن هذه الأزمة على مستوى النص أتاحت لنا مناخاً مسرحياً متوهجاً، لا يخلو من التجريب بحكم التلاقح بين الرؤى الغربية، والآراء الإخراجية العربية».

رؤى مشاكسة
ويوضح الموسى أنه يلجأ على الصعيد الشخصي، إلى نصوص الكتَّاب الطليعيين أمثال هارلود بنتر، ويوجين يونسكو، وبيكيت.. وإلى فضاءات الشعر، حيث مملكة اللغة واكتمال المعنى «لكي أنشئ عبر رؤى مشاكسة، واقع العرض المسرحي» على حد قوله.

ولأن النص العربي، على رغم ندرته وعدم توافره، يفرض سلطة مسبقة في تحديد بيئة العرض المسرحي، وهذا شكل من أشكال مصادرة التقنية لحساب اللغة وبنية الجنس الأدبي. لهذا توجه الموسى نحو النص العالمي، وذلك كما يقول «لأن الضوء الأخضر يبقى متقداً، ويمنح المخرج الحرية الكاملة ليحلّق عبر مفاتيح النص المتعددة، ورؤاه التي يشف منها».

ويؤكد الموسى «أن كاتب النص لا يتخذ موقفاً ثابتاً تجاه القضية الواحدة، بل يتيح عبر نصه المجال للقرَّاء لاتخاذ أكثر من موقف وإخضاع النص إلى أكثر من تأويل. عموماً، أتمنى أن أصادف مؤلفاً عربياً ينجز نصاً مسرحياً عبر جلسات فكرية مع المخرج، وأطمح إلى إنشاء مختبر يجمع المؤلف والمخرج معاً في صناعة العرض المسرحي».

العسال: الإفادة من التراث
الأزمة، كما تراها الكاتبة المصرية فتحية العسال «ليست في النصوص، ولكن في الالتقاء ما بين الكتّاب والمخرجين. والمسرح الموجود عربياً ليس مسرحاً، لأن الباب فُتِحَ أمام ما يُدعى مسرح «الشبّاك» على مصراعيه، وهو ما يتطلب أعمالاً وعروضاً أبعد ما تكون عن المسرح الحقيقي».

وترى العسال أن المسرح العربي انقسم إلى مسرحين: جادّ، وتجاري. فكتَّاب المسرح الجاد يبحثون عن أشكال جديدة وأفكار تحاكي قضايا الناس وهمومهم، متمردين على ما هو قائم، ولكن دون الوقوع في فخ «التجريب» الممجوج.

وهذا المسرح «الجاد» له قوالبه الخاصة به، وله جميع مواصفات المسرح الأصيل، لكنه غير رائج الآن، لأن المتفرج أصبح ميالاً إلى مسرح الإثارة و«الزغزغة» الذي يتقنَّع باسم «المسرح الخاص»، ويقدِّم عروضاً لا تهدف إلى جذب الجمهور، بقدر ما تهدف إلى جذب الأموال.

للضحك فقط
وتتابع العسال «إن المسرح التجاري مخصص فقط للضحك، والرقصات المفتعلة، و«الأفيهات» الجنسية والاستعراضات، وهذه النوع من المسرح لا يوجد له نص على الإطلاق، لأنه لا يحتاج إليه أصلاً: مجرد بطلة وبطل، يطرحان موضوعاً بسطحية في عجالة من الكلمات، لينتقلا إلى التهريج الذي لا يحمل هدفاً أو مضموناً أو رسالة طيلة ساعات العرض.

ومن هذه الزاوية ترى العسال، أزمة النص الحقيقية «ذلك أنه لم يعد هناك قوام للمسرح في هذا الزمن، على رغم ما يمكن أن يبرز هنا وهناك من عروض تبعث الحياة في جسد المسرح المحتضر».

وتسوق العسال أمثلة في المسرح التجريبي المصري نماذج قدَّمت لمسرحيات مهمة، منها: «ناس البحر» لناصر عبدالمنعم، و«الأرنب الأسود» لعبد الله الطوخي، و«البردية» لحسن الوزير، و«طبول فاوست» لانتصار عبدالفتاح، وغيرها من المسرحيات التي كتبها أدباء شباب ومخضرمون لا يستهان بهم.

وتضيف العسال في هذا المضمار: «بعض عروض المسرح الخاص يستند إلى نصوص متينة، مثل مسرح محمد صبحي، الذي لجأ إلى النصوص القديمة وأعاد صياغتها مثل «لعبة الست» و«سكة السلامة»، وهناك مسرح عادل إمام الذي يبذل جهده للحصول على نصوص ذات مضامين، ولا يمكن بأية حال إغفال نصوص لينين الرملي، ومحفوظ عبدالرحمن، ووحيد حامد، وكرم النجار».

وتدعو العسال إلى الرجوع إلى التراث والإفادة منه، وهذا المشروع بدأه ألفيرد فرج، ويوسف إدريس، وعبدالرحمن الشرقاوي، ونعمان عاشور، وأسعد وهبة.

بورشيد: السبب هو القطيعة
أما الكاتب والمخرج المغربي عبدالكريم بورشيد فيشدد على أن «المسرح ليس النص وحده، بل هو عملية متكاملة، يمثل النص أحد عناصرها، وله دور فيها، مثل أي عنصر آخر».

ويرد بورشيد على من يقول بوجود أزمة نص في المسرح العربي، معتبراً أن «الكتابة المسرحية العربية متوافرة وبكثرة، لكن هناك ما يمكن أن أدعوه بالقطيعة بين القائمين على المسرح والكتّاب. وهذا مردّه إلى انفصال الفنون في العالم العربي بعضها عن بعض، فكل مجموعة معنيَّة أو مهتمة بفن معيَّن، تنغلق على ذاتها في دائرة واحدة، بينما المسرح هو ملتقى كل الفنون، بلا منازع».

الجندي: أين المسرح؟
وترى الممثلة والمخرجة الكويتية عبير الجندي أن هناك «مسألتين مهمّتين عند إعداد النص للمسرح من الناحية الزمنية: الأولى إذا أردنا تناول نصوص قديمة فهناك كتّاب عاصروا مواقف معيَّنة وكانوا موجودين في حقب ذات سمات ثقافية واقتصادية واجتماعية، وكما نعلم، فإن الفنان مرآة مجتمعه، وبالتالي كان هؤلاء مرايا مجتمعهم في نفس الوقت». وتضيف: «المسألة الثانية، كان هنالك استعمار وثورات، وتلك الحقب أظهرت هؤلاء الكتاب وشكّلت معاناتهم على المستوى الشخصي أو على المستوى العام، فأنتجوا نصوصاً فريدة».

وتتابع الجندي: «كانت هنالك فترة كان الفن فيها معافى لناحية النص الدرامي والممثلين الذين يحملون الرسالة، والمخرج الذي له رؤية، إضافة إلى الجمهور المبدع في تلقّيه وتذوّقه.. كان هنالك اهتمام بالمسرح، على رغم وجود التلفزيون».

وتقول الجندي: «الآن السؤال المطروح هو: أين المسرح؟ ففي ظل انتشار الإنترنت والفضائيات ودور السينما، لم يتغير شيء على المسرح؛ خشبته كما هي، لم يتم تطوير التقنيات فيه، كيف يمكن استقطاب الجمهور؟ أين ذهبت رؤية المخرج وإسقاط ثيمات العرض على الواقع؟».

وأد النص
وتتابع: «نحن نتشدق بالثقافة، هناك فرق بين المثقف والدارس، هناك عوامل تعمل على وأد النص في مهده، قد يكون هناك نص جيد، لكن لم يلتفت إليه أحد لتقديمه، والسبب ليس ذوق الجمهور كما يُشاع، فالمنتَج بعامة هو الذي يشكل هذا الذوق. وهناك مسألة الكسب المادي، كما أصبح النص يفصَّل لعمل معيَّن ببطولة محددة مسبقاً لشخص (ممثل) دون غيره».

وتستدرك الجندي قائلة: «هناك بلا شك نصوص جيدة، لكن تحتاج إلى من يبحث عنها، ودعم كتّابها، والسؤال هنا: لماذا لا تعقد ورش للكتابة أسوة بتلك التي تقام للتمثيل والإخراج؟».

ولا تخفي الجندي خشيتها من «تحول المسرح إلى «كباريه»، إن لم يجرِ اختيار نصوص تليق بتقديمها على الخشبة… على الكاتب أن يخاطب جميع المستويات لدى المتلقي السمعي، البصري، والحسّي».

السيابي: استسهال النص وتقليصه
ويرى الباحث المسرحي العماني الدكتور سعيد السيابي أن «هناك محاولة من المخرج المسرحي أو القائم على عملية الإنتاج من أفراد وشركات، إلى اللجوء إلى تكييف وتأقلم بين المنتج الأصلي كنص أدبي مع المحيط الخارجي، والظروف الإنتاجية المصاحبة لعملية تقديم الشكل المسرحي لجمهور مستهدَف»، موضحاً أن «عملية الإعداد يصاحبها نجاح وفشل، تطوير وتجميد، تلاقح وأقلمة، أو تقليص وتقطيع وتشويه. لهذا، فإن فعل الإعداد إذا تم القيام به، بهدف تطوير ومناسبة للحدث الذي يقدَّم عليه النص مع وجود حرص كافٍ من المعدّ على الالتزام بروح العمل وأفكاره الرئيسة، فإن النجاح يتحقق، إضافة إلى بث روح الحياة من جديد، داخل نص مسرحي ميت».

ويقول السيابي «لكن الغالب في عملية الإعداد التي تلاحَظ في تجارب الشباب، أن هناك استسهالاً في إعداد النص وتقليصه ليتواءم مع السرعة التي يعيشها الشباب، ويندفعون بها من خلال العاطفة والرغبة، في تقديم الجديد، دون الحرص الكبير بأن الإعداد الذي يتم به تقديم النص المسرحي والمشاركة في مهرجانات أو مناسبات احتفالية يتم فيها تقديم عروض مسرحية بشرط أن تكون قصيرة».

النص الأجنبي
ويشير السيابي إلى الإعداد عن النص الآخر الأجنبي، وهذا الآخر بكل تأكيد كتب نصه بلغته الأم وموضوعات وأحداث وشخصيات تناسب تفكير وقضايا الجمهور الذي كتب له هذا النص. عملية الإعداد هنا تكون ضرورية، تكون فيها «أقلمة» للبيئة، وحذف عدد من المشاهد المسرحية غير المناسبة، واختصار الحوارات التي تحتوي على مفردات وألفاظ لا تصلح لتقديمها أمام جمهور آخر.

وبحسب السيابي «هناك مخرجون ومنتجون يقومون بالإعداد من أكثر من نص مسرحي، باستخدام فن الكولاج المسرحي، فالإعداد للنص بشكل عام، يلجأ إليه الكثير من المبدعين للوصول إلى إنتاج مناسب ومقبول فنياً وجماهيرياً، مع ما يرافق من توفيق أو إخفاق في تناول روح النص ورسالته».

الجراح: النص العربي يعبِّر
عن همومنا وقضايانا
ويقول المخرج الأردني عبد الكريم الجراح: «إننا في الوطن العربي نواجه مشكلات عند إعداد النص العربي، للارتقاء به فنياً ودرامياً، على عكس النص العالمي»، نافياً «وجود أزمة في النص العربي المعدّ للمسرح بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكن الإشكالية تكمن في عدم وجود كتابات مسرحية متعددة ومتنوعة، تتيح للمخرج الخيار لانتقاء النص المناسب منها، إذ يحتاج الواحد منا إلى الكثير من الجهد حتى يجد الكاتب المناسب والنص المناسب الذي يمكنه أن يحمل رؤيته».

النص المحلي
ويوضح الجراح أنه يميل للنص العربي، ويقول «أنا شخصياً ميال للنص العربي والمحلي بشكل خاص، لأنه الابن الشرعي المعبِّر عن هموم الإنسان العربي وقضاياه، خصوصاً أن النص هو الركن الأول في بناء العرض المسرحي».

ويشير إلى أن «المخرج ربما يواجه بعض المشكلات عند إعداد النص العربي، للارتقاء به فنياً ودرامياً، على العكس من النص العالمي الذي يستسهل بعضهم تقديمه لأنه جاهز، تناوله الكثيرون وكتبوا عنه، وهو بالتالي لا يحتاج إلى مجهود كبير من ناحية الإعداد قبل العرض، ناهيك بلجوء بعض المخرجين -خصوصاً الشباب- للنص العالمي تجنّباً للنص العربي الذي ينحصر في تناول ومعالجة قضايا المجتمع المحلي أو المحيط، لأن المخرج لا يريد أن يقع في صراع مع الجمهور الذي يمسه الموضوع مباشرة».

ويدلل الجراح على ما سبق من تجربة شخصية، ويقول: «هذا ما حدث معي في مسرحية «عرار نشيد الصعاليك»، فهل أقدِّم الشاعر الأردني عرار المختزن في ذاكرة الأردنيين، من وجهة نظري، وأصطدم مع المتلقي الذي جاء للعرض وفي مخيلته عرار خاص به لا يستطيع التنازل عنه، أم أقدِّم هاملت أو مكبث أو أيّة شخصية أخرى لا تمس قضايانا مباشرة، رغم أنها تشتبك معنا إنسانياً ووجدانياً؟»

ولا يستبعد الجراح اللجوء للنص العالمي ولكن بشرط، ويقول: «ألجأ للنص العالمي عندما أشعر أنه يحاكي طروحاتي، أو يستفزني بأن يظل حاضراً في مخيلتي، ليصبح بالتالي جزءاً مني، أو عندما يتقاطع هذا النص مع العرض الطقسي الذي أسعى إلى تقديمه، كأن يستند إلى مظاهر أسطورية أو يبحث في وجود الإنسان وصراعه مع الطبيعة».

مرير: تجاهل الفعل المسرحي
المخرج الجزائري جمال مرير، متيقّن من تميز المنجز الإبداعي العربي، لكنه يقيد ذلك بالوعي، ويقول: «أنا متيقن من قوة الإبداع العربي، لكن علينا أن نعي أن للتأليف المسرحي تقنياته وفنياته. فالنصوص المنتجة -في معظمها- تنزع إلى الأدبية، وتبتعد عن الدراما، وتتجاهل عناصر الفعل المسرحي، وهذا يرجع إلى عدم احتكاك الكاتب مع خشبة العرض».

ناد للكتاب
ويدعو المرير إلى تأسيس ناد للكتَّاب والمسرحيين لتطوير الكتابة المسرحية، «لأن كثيراً من الكتّاب والمبدعين ذوي مواهب وأحاسيس، ولكل واحد منهم خصوصيته في الكتابة، لكن معظمهم مطلع على المسرح من الجانب «النظري»، وليس من جانب العرض «التطبيقي». مثلاً، كاتب نص مسرحية «الدالية» التي أخرجتُها وعُرضت أخيراً، هو الشاعر عز الدين ميهوبي الذي عُرف كشاعر بأحاسيسه ومخيّلته قبل أن يكتب للمسرح، وهذا من الأمور التي يحتاجها المسرح. فضلاً عن أن علاقتي بالميهوبي -كصديق- أحدثت فائدة، وساهمت في إنتاج النص بالشكل المطلوب. من هنا، أرى أنه من الضروري التقاء الكاتب والمخرج، ومناقشتهما للنص قبل الشروع بإنتاجه مسرحياً».

ويلقى المرير الضوء على الواقع الحالي للمسرح في الجزائر، ويقول: «الآن، من الملاحظ أن ثمة تلاقحاً بين الكتّاب والمسرحيين، ترفده كثرة المسارح التابعة للقطاع العام، على خلاف البلدان الأخرى، التي ينتشر فيها المسرح التجاري فقط».

يؤكد المرير أنه «ليس هناك أزمة نص، والمسرح فن إنساني، وانطلاقاً من هذا الفهم، لا مانع من الاستعانة بالنصوص المترجمة، ولكنني أفضّل أن أقدّم مسرحاً بنص عربي، وهذا ما يجري على أرض الواقع، حيث إن أكثر من %90 من النصوص التي أنتجتها للمسرح هي نصوص عربية».

خضر: البحث عن النص
ويرى المخرج والممثل الأردني سامر خضر أن «النص دائماً يكشف عن منطلقاتنا الفكرية ويشير إلى تحدّينا الإبداعي الأول، والأفكار العظيمة تحتاج إلى نصوص عظيمة تحملها». ولكن خضر لا يعتقد في الوقت نفسه أن «هناك نصاً مفقوداً على وجه العموم». ويقول: «نحن يلزمنا النص الذي يتحدث عنا ويتقاطع مع ليالٍ شمسها الحقيقة العربية، أو حتى المحلية الأكثر تكثيفاً… وفي حال عدم توافر هذا النص سنظل في حالة بحث دائم عنه حتى نجده».

ويتابع: «المسرح عبر مر العصور اتكأ على الحكاية المستوردة من الأسطورة، واستند إلى ما يرويه التاريخ، فانحاز إلى النص الإنساني بشكله البهي ومضمونه الأبهى… ونحن -المسرحيون – نتقاطع مع النص الجميل أينما وُجد. فالإنسان وسيلتنا وغايتنا، وهذه خصوصية ما نقدّمه، والنصوص المسرحية تنبع من عصب الحياة اليومية، فقط علينا أن نفتح أعيننا جيداً».

بوحسين: لا نحتاج رؤى المؤلف
ويعتقد الدكتور المغربي مسعود بوحسين وهو مخرج ودراماتورغ، بأن «ما يسمى بإشكال النص العربي مجرد شبه مشكل لأن الخلفية المتحكمة فيه إيديولوجية وليست فنية، وهو إحدى علامات مشكل الهوية التي يتخبط فيه الفكر العربي منذ زمان، ففي كل التجارب المسرحية الدولية هناك دائماً طغيان للنص الأجنبي مقابل النص المحلي وتلك مسألة مفهومة وبسيطة لأن كم النصوص العالمية المتراكمة عبر التاريخ أكثر بكثير من النصوص المحلية، وهذا يجعل المخرج في أي مكان من العالم أمام نصوص عالمية كثيرة إلى جانب المحلية بطبيعة الحال، وهو ما يجعل إمكانية اختيار النصوص الأجنبية أكثر احتمالاً».

العرض العربي
ويرى بوحسين أن دواعي اختيار النصوص تختلف من مخرج لآخر، «فهناك دواع ذاتية – إبداعية تتحكم في هذا الاختيار وهي غير مرتبطة بجنسية كاتب النص. ولذلك قد يكون النص في حالتنا عربياً أو أجنبياً، وشخصياً لا أرى أي ضير في ذلك، المهم أن يكون العرض المسرحي مقنعاً وقابلاً للتجاوب مع الجمهور العربي، وهو بهذا المعنى عرض عربي بكل المقاييس».

ويتابع: «في العالم العربي لدينا كتاب مسرحيون كبار وهؤلاء كثيراً ما ترى نصوصهم النور على الخشبة، لكن بالمقابل لا يزال لدى كثيرين لبس كبير في خصوصيات الجنس الدرامي، يكتبون محاورات هي في الواقع «مونولوغ» طويل يلقى وبالتتابع على أفواه شخصيات، بهذا المعنى تغيب الكتابة الدرامية كفعل قابل للتجسيد ويحل القول محل الفعل». ويوضح أن «هذا النمط من الكتابة كان مقبولاً في وقت كان فيه المتفرج العربي يهمه الموضوع الذي يطرحه النص أكثر من خصائصه الفنية – الدرامية، الآن الوضع مختلف: نحتاج إلى نصوص درامية بالفعل، لا تداعيات ورؤى ذاتية للمؤلف موزعة على شخصيات».

قبر النصوص
ويشير بوحسين إلى «سبب ثالث يتمثل في التعريف بالعديد من النصوص العربية، العديد منها تبقى حبيسة أدراج مكاتب مؤلفيها ولا تعرف طريق النشر، وبمجرد ألا تنال قبول مخرج واحد تقبر إلى ما لا نهاية، وهذا مشكل حقيقي لأنه من المحتمل ألا يتوافق هذا النص مع الميول أو الانشغالات الفنية لمخرج ما لكنه قد يتوافق مع توجهات مخرج آخر أو فرقة مسرحية أخرى»، لافتاً إلى «مشكلة رابعة تتعلق بمفهوم الريبيرتوار في المسرح العربي. ففي العديد من البلدان، تلعب المسرحية مرة واحدة ثم تنتهي وهذا أيضاً أمر غير مقبول، إذ من المفروض أن تلعب المسرحيات الجيدة لمرات متعددة، وبإخراج مختلف الأمر الذي يجلب المتفرج إلى مستوى راق من التذوق، لأنه هنا لا تهمه المسرحية كأحداث وشخصيات وغير ذلك، بل تهمه المقاربة الفنية التي اعتمدها للنص نفسه هذا المخرج أو ذاك هذا الممثل أو ذاك».

بن عائشة: أزمة النص مفتعلة
الدكتورة الجزائرية ليلى بن عائشة ترى أن «مسألة استعارة وتوليف وإعداد النصوص المسرحية الغربية لتكون المادة الأساسية في بناء الخطاب المسرحي العربي بجانبيه (الخطاب الدرامي وخطاب العرض) مسألة لا يخلو منها أي من المسارح العربية من مشرقها إلى مغربها، وهي إشكالية لها مبرراتها وأسبابها التي توكل بالدرجة الأساسية إلى الأزمة المفتعلة ما يسمى أزمة النصوص المسرحية؛ والتي نخال أنها مسألة تكاد تكون في اعتبار كثير من النقاد شماعة يُعلقُ عليها عدم الاطلاع على ما تراكم من نصوص مسرحية لم تجد طريقها بعد إلى خشبة المسرح بسبب تجاهلها».

وَهْمٌ مفتعل
وتقدر الدكتورة عائشة أن «اللجوء إلى النص الغربي من جهة ثانية، يعود إلى الانبهار بالآخر وبكل ما يبدعه دون أن نفتح المجال للأنا أو بعض الأنا ليشاركنا إنتاج الخطاب المسرحي بفعالية ونجاعة، ليجد الكاتب المسرحي نفسه وقد حكم عليه بالفشل قبل أن تُقْرَأ أعماله بسبب وهم مفتعل اسمه أزمة النص».

وتتابع الدكتورة عائشة مستدركة: «بيد أن الأمر لا يضير إن كان هذا التوليف أو الإعداد لأسباب فنية تفرضها قوة بعض النصوص الغربية وهيمنتها على أكثر من مستوى لتصبح مرجعية فنية وجمالية تلهم صانع العرض وتغريه باختيار نص بعينه ليضفي عليه رؤيته الفنية والجمالية والفكرية. ومن المؤكد – والثابت عبر التجربة –أن كثيراً من النصوص الدرامية العربية أثبتت مقدرة فنية عالية، غير أن النص المبتكر لا حياة له ما لم يُلْتفَت إليه ويُتَرْجَم على المسرح». وتضيف: «لذا ثمة أحكام قاسية على النصوص العربية قد تصبح أحكاماً مع وقف التنفيذ إن وجدت هذه النصوص طريقها إلى خشبة المسرح، ولا نملك إلا أن نقول فلنُسقِط هذه الأحكام جملة وتفصيلاً».

عمّور: نحتاج لمخرج متميز
الناقدة المسرحية المغربية بشرى عمّور لا ترى أن «هناك أزمة نص ولكنها أزمة قراءة». وتقول: «النص المسرحي العربي متوافر، لكنه لا يشتمل أحياناً على تدقيق في تفاصيل همومنا اليومية، خصوصاً أن المسرح هو أبو الفنون ومرآة المجتمع. لذا فإن النص من أهم الأسس التي يقوم عليها العرض المسرحي، لأنه هو البذرة الأولى أو النواة التي يعتمد عليها المخرج لاستكمال نمو النبتة التي ترتكن على الأداء الجيد الذي يجسد جمالية الفكرة، إضافة إلى تقريبها إلى المتفرج الذي يعدّ عنصراً من عناصر العرض».

وتتابع: «لهذا، يتميز النص العربي بخصوصية تعبّر عن الهوية العربية، وتحيي عاداتنا وتقاليدنا لتقريبها من جيل إلى جيل. بمعنى أن النص يبقى مرجعية ثابتة لأي عمل، وجسراً يربط مراحل الحياة (الماضي، الحاضر والمستقبل)، شرط تواجد مخرج متميز في تفكيك شفرات النص وقراءة ما بين سطوره».

أضف تعليق

التعليقات