حياتنا اليوم

سلاح منزلي ذو حدين..

الصيدلية المنزلية

  • bd4254ed3c5e4ebd516e6446d1e768c0
  • shutterstock_2005598
  • shutterstock_52306123
  • shutterstock_54929857
  • shutterstock_77248960
  • shutterstock_80580334
  • shutterstock_101313001
  • 57
  • 58
  • 61

لا يخفى على أحدٍ ما وصلتْ إليه الصيدلية المنزلية من درجة جعلتها أمراً لا غنى عنه في منازلنا، كما بات من المعروف لدى الكثيرين ما كان لتلك الصيدلية المصغرة من دور رئيس في إنقاذ حياة مريض ما، أو تقديم إسعاف أولي لآخر تارة، أو التخفيف من حدة داء مفاجئ ألـمّ بجسمه تارة أخرى. لكن ماذا عن محتوى تلك الصيدلية؟، وما الذي يجب توافـره ضمن رفوفـهـا؟، وهل هي الأدوية فقط ما يجب أن تضمّه الصيدلية المنزلية المثالية؟، أو أنّ عناصر أخرى يجب أن تضاف إليها لتقديم خدمة أفضل عند الحاجة إليها؟، وما شروط تنظيم خزانة كتلك؟، وأيّ مخاطر كامنة قد تحملها، لتجعل منها سلاحاً ذا حدين يفيد حيناً ويؤذي حيناً آخر؟ الدكتور حذيفة أحمد الخراط يحاول في هذه المقالة الإجابة عن هذه الأسئلة.

ثمة قائمة طويلة من الأدوية التي يجب أن يجدها كل شخص في صيدلية منزله حين ظهور الحاجة إليها، وقبل أن نسرد عناصر تلك القائمة، ننوه إلى أهمية الوعي التام بما سيتمّ تناوله من أدوية، ومعنى ذلك عدم التهاون بتناول دواء من غير مشورة طبيب، وعدم الاعتماد على عنصر الحدس أو التخمين في تشخيص مرض ما ووصف ما يناسبه من علاج.

في رأس قائمة أدوية الصيدلية المنزلية تأتي مسكنات الألم بأنواعها وأسمائها المختلفة، وهي عنصر مهم لا غنى عنه في منازلنا، فأجسامنا عُرضة لمطارق الألم التي قد توجّه سهامها نحونا في أيّة لحظة، فلا مفرّ إذن من احتواء صيدليتنا المنزلية على أقراص مادة الباراسيتامول أو الأسبرين، تحفظاً من وقوع ألـم طارئ أو دخيل.

وللعديد من مسكنات الألم تلك استخدام مهم آخر، ويظهر ذلك في معالجة الحمّى وخفض درجة حرارة الجسم، ويزيد هذا من أهمية توافرها في كلّ منزل، ولا سيما في حال وجود الأطفال، فهم الفئة العمرية الأكثر تعرضاً لمخاطر الإصابة بالحمـّى، وتتوافر الأدوية المخصصة لهؤلاء، في صورة شراب فموي، أو تحاميل تؤخذ عبر المستقيم.

ومما يجب توافره من أدوية في رفوف الصيدلية المنزلية أيضاً، ما يستخدمه المريض بصورة مستمرة، كأدوية علاج الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، والداء السكري، والربو، وغيرها، وتقتضي الحكمة هنا أن يقوم المريض بتأمين حاجته من تلك الأدوية، وألا يتأخر في توفير ما ينقصه منها، إذ إنّ إهمال هذا الجانب يعني تأخر الجرعة الدوائية، وقد يترتب على ذلك ضرر صحي كبير، يتبع ظهور مضاعفات تلك الأمراض.

ومن أدوية الصيدلية المنزلية التي قد يحتاج إلى استخدامها بعض المرضى نذكر على سبيل المثال، الأدوية المخصصة لعلاج الكحّة، وتوجد في صورة أقراص أو شراب، وتقوم بتهدئة السعال، وتخفيف ما يصاحبه من مفرزات، وتذكر كذلك الأدوية المضادة للحموضة Antacid ذات الدور المهم في تخفيف حدة إفرازات المعدة التي تعطي شعوراً حارقاً، وبخاصة لدى مرضى القرحة الهضمية، وتطرح الشركات المصنعة هذه الأدوية في صورة أقراص ومحاليل فموية.

أما أقراص المضاد الحيوي بأنواعها المختلفة، فيجب استخدامها ضمن شروط دقيقة، ووفقاً لوصفة دوائية، ويُجانب الصواب من يهرع فيستخدمها من غير مشورة طبية، وقد أدى تعاطي تلك المواد بصورة عشوائية، إلى ضعف تأثيرها في مقاومة بكتريا الجسم، والأخطر من ذلك ظهور العديد من سلالات البكتريا المقاومة للدواء، والتي تستدعي وصف مضادات حيوية أقوى من سابقتها والتي غدتْ ضعيفة وعديمة الأثر.

وللمراهم الجلدية حضور قويّ في الصيدلية المنزلية، ولا بدّ من توافر العديد منها، وبخاصة مراهم المضادات الحيوية المستخدمة لعلاج ما قد يتعرض له الجلد من التهابات طارئة، ومن أمثلتها: مرهم فوسيدين Fusidic acid، ومرهم جنتاميسين Gentamycin.

ومن المراهم المهمة أيضاً: المخدر الموضعي، ويستخدم لتخفيف حدة الألم الذي يظهر على الجلد لأسباب مختلفة كلسعات الحشرات والرضوض المختلفة مثلاً، ومنها المراهم المخصصة لعلاج الحروق، مثل (فلامازين) Flamazine، والمراهم التي تحوي مادة الكورتيزون ذات الاستخدام الشائع في علاج عدد من الأمراض الجلدية، وحالات الحساسية، وما يتبعها من ظهور أعراض كالحكة. ولا غنى أيضاً عن وجود المراهم المضادة لنمو الفطريات، وبخاصة في حال وجود أطفال صغار السن في المنزل، إذ تفيد تلك المراهم في معالجة ما قد يشكو منه هؤلاء من حدوث التهابات جلدية وطفح في منطقة الحفاظات.

المحتويات غير الدوائية
ثمة عناصر أخرى غير دوائية، يجب أن تحتويها رفوف الصيدلية المنزلية، ولكلّ منها أهميته وفائدته، فلا بدّ من وجود الشاش المعقَّم أو القطن على سبيل المثال، لتنظيف الجروح الجلدية وتغطيتها، وتستخدم هنا محاليل معقمة ومطهرة مختلفة، كمحلول (ديتول) أو (سافلون) وما شابههما، ويخدم الغرض نفسه ما يعرف بالمسحات الطبية التي تحوي مادة الكحول. ومن اللازم أيضاً استخدام شريط لاصق يثـبّت ذلك الشاش في مكانه، ويضمن عدم كشف الجرح، ويتبع ذلك بالضرورة وجود مقص صغير يأخذ به المسعـِف حاجته من الشاش والمواد اللاصقة، للمساعدة في إتمام عملية تضميد الجروح المكشوفة.

ويفيد في حالات الإصابة بتلك الجروح أيضاً، استخدام قفازات مطاطية معقمة يقوم المسعـِف بارتدائها قبل مباشرة عمله في تنظيف الجروح وتغطيتها، وتقي تلك القفازات كلاً من المصاب ومسعـِفه من انتقال العدوى بين الطرفين، كما تقلل من فرص تلوث الجروح.

ومن محتويات الصيدلية المنزلية أيضاً: المحاقن (السرنجات)، وتستخدم لتعاطي الأدوية حقناً بالوريد أو بالعضل أو تحت الجلد، ويجب هنا التشديد على أهمية استخدامها من قِـبل شخص خبير بفنّ إعطائها، وقد يؤدي التهاون في ذلك إلى وقوع مضاعفات وخيمة لا يُحمد عقباها.

ومما يشيع حدوثه بين صفوف الأطفال من أمراض: التهاب اللوزتين Tonsillitis، ويستدعي تشخيصهما وجود ما يعرف بخافض اللسان، وهو في الغالب أداة خشبية تخفض لسان الطفل، وتكشف لعَـين الفاحص ما يظهر من تضخم لوزتي الطفل نتيجة التهابهما، إلا أنّ استخدام أداة كتلك يتطلب بعض الخبرة، ولا يصحّ الاعتماد على تشخيص ذلك بمجرد التوقع أو التخمين.

ويعدّ مقياس درجة الحرارة (الترمومتر) من أهم ما يجب توافره أيضاً في كلّ منزل، وقد يكون هذا العنصر الأكثر أهمّـية، وثمة أشكال مختلفة من هذا المقياس، فمنها ما يستخدم عن طريق الفم بوضعه تحت اللسان، وآخر عن طريق المستقيم، وآخر يوضع على الجلد مباشرة، وغير ذلك، وتتأكد أهميته أكثر في وجود أطفال في الأسرة، فقد تخفي الحمّى وراءها داءً التهابياً خطيراً، يكشفه ارتفاع مؤشر الحرارة، وليس من الحكمة الاكتفاء بتقدير درجة الحرارة بلمس جبين الطفل المحموم.

ولوجود أجهزة قياس ضغط الدم في صيدلية المنزل أهمية كبرى، وتزداد أهميتها في بيت مريض ارتفاع الضغط، الذي يحتاج إلى قياس ضغط دمه بصورة دورية تستدعي توافر ذلك الجهاز، وهناك عدد من أجهزة الضغط، ولها أشكال مختلفة، ومنها أنواع إلكترونية لا تتطلب الخبرة ممن يستعملها.

ومما ينصح به كذلك، توافر جهاز فحص السكر، وبخاصة إن كان في البيت مصاب بالداء السكري، وهذا يتطلب إجراء تحليل دوري لمتابعة وضعه الصحي، وإعلام طبيبه بما يستجدّ من أمور تستدعي ضبط جرعة ما يتناوله من الدواء، وتتوافر في الأسواق أجهزة مختلفة لقياس سكر الدم في المنزل، وتعتمد على فحص قطرة دم صغيرة من أصبع المريض غالياً.

وقد يحدث في بعض الأحيان، أن يتعرَّض أحد أفراد الأسرة لوخز شوكة أو ما شابهها من الأجسام الدقيقة، وقد يبقى جزء صغير منها خلال الجلد، ويستدعي ذلك وجود ملقط صغير لسحب مثل تلك الجُسيمات الصلبة، وتسهم العدسة المكبرة والمصباح اليدوي في تأمين رؤية أوضح وإضاءة كافية تساعد في تلك العملية.

ومن الأشياء المهمة أيضاً، وجود مفكرة صغيرة تحوي أرقام الهواتف الضرورية التي قد يحتاج إليها أيّ منزل، كرقم سيارة الإسعاف مثلاً، والمطافئ، والدفاع المدني، والمستشفيات القريبة من المنزل، وغيرها، وفي تلك المفكرة يمكن كذلك تسجيل الملاحظات المهمة، وتقديمها إلى طبيب الطوارئ في حال نقل مصاب ما إلى المستشفى، ومن ذلك ما ظهر على جسم المريض من أعراض وعلامات، وما تناوله المريض من دواء في المنزل، وما تمّ تقديمه من إسعافات أولية، وغير ذلك.

شروط صيدلية المنزل
ثمة مواصفات مهمة تضبط سلامة الصيدلية المنزلية، وتقلل من مخاطرها الكامنة، إذ يجب في البداية أن توضع هذه الصيدلية في مكان عالٍ، بغية ألا تطالها يد الأطفال، وفي الوقت نفسه يجب إبعادها عن متناول المرضى النفـْسيين ومرضى الأمراض العقلية، نظراً لقلة وعي هؤلاء بما تحمله محتويات الصيدلية من مخاطر.

والصيدلية المنزلية المثالية ذات حجم كبير، يتيسّـر معه ترتيب ما فيها من الأدوية المختلفة، ويأخذ فيها كلّ دواء مكانه بوضوح، مما يسهّـل عملية العثور على ضالتنا من الدواء، إذ ثمة رفّ خاص بالأدوية السائلة، وآخر للأقراص، ورفّ للمراهم، وآخر للشاش والقطن والأربطة، وغيره للأدوات المعدنية المختلفة، وتـُحفظ كلّ تلك المحتويات خلف باب محكم الإغلاق.

ومن أهمّ ما يـُذكر من ضوابط الصيدلية المنزلية، متابعة تاريخ صنع الأدوية بغية التخلص من الأدوية ذات الصلاحية المنتهية، التي تتحوّل فيها المادة الفعالة إلى سمّ ضار، وفي حال تغير رائحة الدواء، أو ظهور طعم غريب فيه، أو تغير شكله ولونه، فيجب التخلص منه فوراً، وإن لم تنته صلاحيته بعد، وهنا لا بدّ من وضع تلك الأدوية في حاوية محكمة الإغلاق، والتخلص منها بأسرع وقت، خوفاً من أن تصل إليها يد الأطفال.

ويجب وضع الصيدلية المنزلية في مكان جاف بعيداً عن عوامل الرطوبة والحرارة المرتفعة التي تؤثر في سلامة أدويتها، نتيجة تحلل المادة الدوائية وفسادها وتغير خواصها الدوائية، مما ينتج عنه ظهور مركبات سامّة فيها، ويعني ذلك إذن عدم صواب وضع تلك الصيدلية في مطبخ المنزل أو في دورة المياه، ويفضّـل كذلك أن تعـلـّق في مكان ذي إضاءة خفيفة، إذ إنّ بعض الأدوية قد تتفاعل مع أشعة الشمس المباشرة والإضاءة القوية، فتـفسد وتتغير خواصها الدوائية.

ويشترط أيضاً أن تكون العُـلب الحاوية للدواء محكمة الغلق، وأن يكون اسم الدواء مدوّناً عليها بوضوح، ويقتضي ذلك التخلص من الأدوية المجهولة الهوية، وعدم وضع دواءٍ ما في علبة دواءٍ غيره، حتى لا يحدث لــبس أو خطأ، ولا مجال هنا للمخاطرة أو المجازفة بتناول دواء غير موثوق، فقد يكون إجراء كهذا قاتلاً في بعض الأحيان.

التسمم بالأدوية المنزلية
يُعدّ التسمم بأدوية الصيدلية المنزلية واحداً من أكثر المخاطر تهديداً للحياة في بيوتنا، وبخاصة لدى الأطفال، ولا شك أنّ اتساع محيط دائرة ما نتعاطاه من الأدوية في منازلنا يكبر شيئاً فشيئاً، ومصانع الدواء تضخّ أصنافاً دوائية جديدة بين فينة وأخرى، وهذا يجعل من تلك الظاهرة المرضية مشكلة نامية الأطراف. وتحدث حالات التسمم الدوائي عندما يتناول المصاب دواءً ما، بجرعات تفوق الحدّ العلاجي الموصى به، فتظهر بذلك تأثيرات جانبية في الجسم، قد تهدد الحياة أو تسبب مضاعفات خطيرة في أجهزة الجسم المختلفة، والضحية هنا في الغالب طفل يتناول الدواء جهلاً منه بخطورة ما يفعل، وقد يظنه بألوانه الزاهية حلوى يستلذ لمذاقها، أو قد يتناوله لفضول وحبٍ للتجربة، أو من باب تقليد الآخرين. وثمة من جهة أخرى تسمم دوائي مقصود Intentional poisoning، وهو لدى الكبار أكثر، وضحيته هنا على علم سابق بخطورة ذاك الدواء، إلا أنه يعمد إلى تناوله رغبة منه في إلحاق الضرر بجسمه، ومحاولة الانتحار. وتخضع ظاهرة التسمم بالأدوية إلى بعض العوامل الاجتماعية، وتشير الإحصاءات الخاصة بهذه الظاهرة إلى أنّ عدد الحالات المسجلة بين صفوف الإناث أكثر من شبيهاتها لدى الذكور، وهي لدى العائلات الفقيرة أكثر، ولا سيما تلك التي تشكو من مشكلات التفكك الأسري، والطلاق، والضائقات المالية، والتعثر الدراسي.

تبعات التسمم الدوائي في جسم الإنسان
يتباين ما يظهر في أجسامنا من تأثيرات تتبع ما نتناوله من أدوية، ويعتمد ذلك على تفاعل المادة الدوائية مع أنسجة الجسم، وعلى قدرة تلك الأنسجة على تخفيف الأثر السمّـي لذلك الدواء، وتحْـمل الأدوية بين طياتها تأثيرات سمية بالغة الخطورة إن زاد تركيزها في الجسم، ففاق الجرعة الدوائية المطلوبة.

يظهر التأثير السمّي الأولي في معظم حالات التسمم الدوائي، وتبدو نتيجة لذلك أعراض مرضية غير نوعية، كالحمّى، واضطراب التنفس، وارتفاع ضغط الدم أو انخفاضه، وظهور بعض الأعراض العصبية. وثمة تأثيرات سمية أخرى تستهدف لاحقاً العديد من أجهزة الجسم، ويختلف ذلك بحسب الدواء المستعمل، فهناك على سبيل المثال أدوية يؤدي التسمم بها إلى ظهور أعراض تخصّ الجهاز الهضمي، وأخرى تؤذي الكلى، وأخرى تؤثر في صحة الجلد، أو الكبد، أو الدماغ، وغير ذلك من الأعضاء، فالمريض المتسمم بأقراص الأسبرين على سبيل المثال تظهر على جسمه أعراض عديدة، كطنين الأذن Tinnitus، والصمم المؤقت، وكثرة التعرق، واضطراب الرؤية، والتقيؤ، وقد يصاحب ذلك غيبوبة عابرة في بعض الحالات.

أما مادة (باراسيتامول) التي تطرحها شركات الأدوية تحت مسميات تجارية مختلفة مثل اسم (بانادول)، فتظهر على جسم المتسمم بها أعراض التقيؤ، والغثيان، وانخفاض درجة حرارة الجسم، واضطراب ضغط الدم، وفي حال تناول جرعات كبيرة يحدث فشل حاد في الكبد والكلى. ويؤدي التسمم بأقراص الفولتارين المعروفة إلى ظهور الغثيان، وألم البطن، والتقيؤ، والصداع، وطنين الأذن، أما أدوية مادة الحديد المستخدمة لعلاج حالات فقر الدم، فتـَظهر على الجسم أعراض الإسهال، والتقيؤ الممزوج بالدم أحياناً، وألم البطن، وقد يلحق الدماغ بعض الضرر، وفي الحالات الشديدة قد تصاب الكلى والكبد بالفشل، وهذه المضاعفات قاتلة في كثير من الحالات.

معالجة حالات التسمم الدوائي
تطورتْ في الآونة الأخيرة وسائل تشخيص حالات التسمم بالأدوية ومعالجتها، وقلـّتْ بذلك نسبة الوفيات والمضاعفات الصحية الناتجة عن تلك الحالات، إلا أنّ ذلك لا يعني زوال الخطر، فمصانع الأدوية لا تزال تضخّ الكثير من منتجاتها المختلفة في الأسواق بصورة مستمرة، مما يستدعي توخـّي الحيطة والحذر الدائمين.

وتتفق المراجع العلمية على ضرورة الإسراع في إسعاف جميع مصابي التسمم الدوائي إلى أقرب مستشفى، دون النظر إلى حالتهم الصحية العامة التي قد تكون مستقرة أحياناً، فقد يبدو المريض طبيعياً في بادئ الأمر، فيتدهور وضعه الصحي لاحقاً، وقد يصل إلى مرحلة حرجة ومهددة للحياة. وفي المستشفى يجب شرح ما حدث لطبيب الإسعاف، وتعريفه بما تناوله المريض من دواء، والجرعة المتناولة، ووقت الإصابة، وما تمّ تقديمه من إسعاف أولي، وغير ذلك من معلومات تفيد في تقويم الحالة العامة، وتقديم ما يلزم من علاج.

وقد يلجأ الطبيب إلى تحليل بول المصاب، وهنا يلحظ ارتفاع تركيز الدواء في عيِّنة البول، ويفيد أحياناً سحب جزء من محتويات المعدة بغية تأكيد التشخيص، إذ يتم التعرف إلى بقايا الدواء المهضومة، التي تبدو مختلطة مع طعام المعدة، كما يرتفع تركيز المادة الدوائية في عيِّنة الدم المفحوصة. وفي الوقت نفسه يـُـقوّم طبيب الطوارئ وضعَ المصاب، ويشرع بتقديم ما يلزمه من إسعافات أولية، إذ يتمّ مراقبة العلامات الحيوية، وأهمها عملية التنفس، إذ قد تصاب بعض حالات التسمم الدوائي بضيق التنفس، الذي قد يستدعي تدخلاً سريعاً لإنقاذ حياة المصاب، ودعم تنفـّسه عبر جهاز التنفس الصناعي.

ومما يراقب لدى ذلك المريض أيضاً: ضغط الدم، فانخفاضه أمر شائع في الكثير من حالات التسمم الدوائي، وقد يترتب عليه تبعات صحية ضارة في كلّ من الدماغ والكلى، ولقياس درجة حرارة الجسم أيضاً دور كبير في تقويم حالته العامة، ويجب المسارعة إلى تدفئة الجسم في حال انخفاض درجة حرارته، عبر استخدام الأغطية التي تحفظ حرارته، وتدفئة الأجواء المحيطة بالمريض، وقد يؤدي الانخفاض الشديد في درجة الحرارة بين صفوف الأطفال إلى إصابات قاتلة. أما مرحلة العلاج التالية فتهدف إلى البدء بتقديم علاج نوعي يهدف إلى تخليص الجسم مما علق به من السموم الدوائية المتناوَلة، وثمة وسائل عديدة تحقق ذلك، ومنها إجراء عملية غسيل المعدة Gastric lavage، التي يتمّ خلالها حقن معدة المصاب بسائل دافئ، يمتزج مع الأدوية في المعدة، ويتم بعدها سحب هذا المزيج نحو الخارج.

وهناك أدوية خاصة تشجّـع على التقيؤ، وتـُحدث لدى المريض شعوراً بالغثيان، وتحرضه على الاستفراغ، وتخرج بالتالي المادة السامة من معدته، مما يعني توقف عملية امتصاص الجسم لذلك الدواء. كما تتوافر في أقسام الطوارئ في المستشفيات، عقاقير تتحد مع المادة الدوائية في معدة المصاب، ممّا يقلل من امتصاص المعدة لها، ويأتي الفحم المنشط Activated charcoal في رأس قائمة تلك المواد.

الوقاية من مخاطر الصيدلية المنزلية؟
عرفنا إذن أنّ الصيدلية المنزلية سلاح ذو حدين، فمحتوياتها النفيسة لا غنى عن وجودها في منازلنا، وبات واضحاً الآن أنّ لها في الوقت نفسه مخاطر كامنة، تساعد في الوقاية منها وسائل عدة. ويكمن حجر أساس البرنامج الوقائي، في الحدّ من وصول الأدوية المنزلية إلى متناول يد الأطفال، ويتحتم هنا اتباع سياسات معيَّنة تضمن خدمة هذا الغرض، كالحرص على حفظ تلك الأدوية ضمن الصيدلية المنزلية، وعدم توزيعها في أماكن متفرقة في المنزل، ويجب أن تكون تلك الصيدلية في مكان بعيد أو مرتفع عن متناول يد الأطفال.

ويعدّ التثقيف الصحي أحد أهم الركائز الوقائية، ويهدف إلى توعية أفراد الأسرة بمخاطر الدواء، وما قد ينتج عنه من أضرار مختلفة، ولأولادنا علينا حقّ في ذلك بتوضيح مكمن الخطر، بأسلوب ذي عبارات مبسطة تقرب الفكرة إلى أذهانهم. ومن النصائح المهمة أيضاً، أن تستخدم لحفظ الدواء عـُلب محكمة الإغلاق، حتى لا يتمكن الطفل من فتحها بسهولة، وقد صمّمتْ بعض الشركات علباً تفتح بطريقة خاصة تصعب على الأطفال، وحبذا لو تقيدت باقي الشركات المصنـّعة بذلك. وتسهم المراجعة الدورية لأدوية الصيدلية المنزلية في التخلص من الأدوية ذات الصلاحية المنتهية، وهذا يؤدي بالطبع إلى التقليل من عدد أدوية المنزل، والحدّ من احتمال تعرض الأطفال لمخاطر التسمم.

أما عن محتويات صيدلية المنزل من غير الأدوية، فيجب الانتباه إلى ضرورة مراقبة الأدوات المعدنية المختلفة كالمقصات والملاقط مثلاً، والحرص على تنظيفها باستمرار وتعقيمها جيداً، والتخلص منها في حال ظهور صدأ بها، ففي هذا الصدأ سموم ضارة، قد تلحق الأذى بما تلمسه من أنسجة الجسم المختلفة، كما يجب أيضاً الحرص على عدم وصول تلك الأدوات الحادة وغيرها من الأجهزة السابقة الذكر، إلى متناول الأطفال كي لا تلحق بهم الضرر، وحبذا لو وضعت في علب محكمة الإغلاق.

أضف تعليق

التعليقات