حياتنا اليوم

هاني نجم..

جرَّاح يواجه النبض ويسابق الزمن

  • A

مسيرة حافلة للجرَّاح السعودي هاني نجم، بدأت بتفوقه في معهد العاصمة النموذجي ومرت بمراحل دراسية وأكاديمية وتخصصية كثيرة أوصلته إلى أن يصبح رئيساً لقسم جراحة القلب في مركز الملك عبدالعزيز بمستشفى الحرس الوطني في الرياض. شارك نجم في عدد كبير من المؤتمرات المتخصصة في جراحة القلب، وخلال سنوات قليلة نجح في تطوير قسم جراحة القلب للكبار ليصبح أحد المراكز الرائدة في المملكة والشرق الأوسط. حصد جوائز وأوسمة عليا عديدة وهو مستشار وعضو في عدد من الجمعيات المتخصصة. عبير الفوزان تقدِّم هنا صورة شاملة لهذا الطبيب النابه الذي لم يتردد في مباشرة حالات قلبية معقَّدة وأحياناً ميئوس منها، لكنه، وبعون من الله، ينجح في إنقاذ تلك القلوب لتعود إلى أهلها طيبة ومعافاة.

في حياتنا قرارات كثيرة من الصعوبة أن تتخذ فردية. فما بالك لو كان هذا القرار متعلقاً بأعز ما يملك الإنسان حيث يكون نبض حياته مرتبط به. فبمَنْ تثق لتُسلّم قلبك المتعب، أو قلب من تُحِّب لإجراء عملية قلب مفتوح؟! من هو جراح القلب الذي يستطيع أن يقوم بالمهمة بأقل خطورة ممكنة إن لم تكن على أكمل وجه ممكن.

لا بد من التقصي والسؤال والبحث عمَّن يقوم بهذه المهمة الكبرى التي تتطلب صبراً، وجلداً، ودقة، وتركيزاً، ومعرفة، وخبرة، فهو القلب.

إن القلب ليس بالكائن الرومانسي البسيط كما يُصُور في رسائل الحُب، أو كما يُرسمُ على الورق شبيهاً بالتفاحة الحمراء الجميلة، إنه أعقد مما يتخيله الفنانون، وأهم وظيفياً مما يراه المحبون، فهو ليس سكناً مجازياً للأحبة فقط. إنه مضخة الحياة للجسم والعقل. عندما يُشق الصدر عنه تظهر ملامح الحياة جلية، ليكون الجراح وجهاً لوجه مع النبض، وحياة هذا الإنسان الذي غدا عمره ومستقبله وحياة من يحبونه مرهوناً بين يديه، بعد يد القدر.

الدكتور هاني نجم اختار مواجهة النبض الحقيقي، والوقوف وجهاً لوجه أمام القلب الحقيقي بشرايينه وصماماته وعضلاته. يراه وهو ينبض في القفص الصدري، فيلمس شيئاً لا يستطيع أقرب الناس لهذا القلب أن يمسه أو يستشعره. ولعل من المفارقات التي تبدو غريبة، بالنسبة للبعض، أن يكون هذا الجراح الذي يداوي القلوب بالمباضع والقص والربط والترقيع، ويعمل بيديه وعقله وبصره وكل تركيزه، كان بطل المملكة في التايكوندو منذ عام 1984م وحتى عام 1986م، وهذا يضاف إلى مزاياه كجراح ناجح حيث تساعده بنيته الجسمية الرياضية القوية على تحمل الوقوف الطويل والتركيز الشديد في غرفة العمليات.

نجم الجراحة
في حياة نجم، الذي أخذ من اسم عائلته دلالته، حيث أصبح نجماً في عالم جراحة القلب المفتوح، لا مكان للاسترخاء إلاَّ نادراً، فهو يخرج من غرفة عمليات ليدخل إلى أخرى، وربما عمل في غرفتين للعمليات في نفس الوقت.

فهو يسابق الزمن مع حالات ربما لا يسعفها الزمن! متخذاً في كثير من الحالات قرارات جرَّاح محنك، وذلك عندما يشق الصدر ويرى ما لا تستطيع أجهزة الكشف الوقوف عليه، فلربما رقّع صمام قلب المريض الذي دخل غرفة العمليات لتبديل الشرايين، وربما استطاع أن يرى انسداداً آخر لم تستطع القسطرة التشخيصية أن تقف عليه.

يتعلم فريقه منه الإخلاص في العمل والإتقان اللذين هما سر النجاح، وسرعة الإنجاز فعملية تبديل الشرايين التي قد تستغرق من جراحين آخرين ست إلى سبع ساعات، لا تحتاج من هاني نجم وفريقه سوى أربع ساعات بالإضافة إلى عمل آخر كترقيع صمام القلب أو تبديله. وكأنهم في سباق متقن مع النبض.

باستطاعتك أن تلمس في شخصية هاني نجم ذلك الهدوء الذكي الذي يتطلبه عمله الدقيق، وتلك الابتسامة الواثقة التي قلما تفارقه. يتحدث معك عن تفاصيل عملية القلب المفتوح التي انتهى منها للتو وكأنه لم يفعل شيئاً يستحق الوقوف عليه، ببساطة يقول لك: «الحمد لله بدلنا أربعة شرايين، ووجدنا ارتخاءً في الصمام وقمنا بترقيعه».

يتحدث عن الشرايين والصمامات وتفاصيل القلوب التي غدت جزءاً من تفاصيل يومه مثلما يتحدث طبيب الأسنان عن التركيبات والخلع!

نجاح مرهون بالتحدي
تقاس براعة الجراحين وتميزهم، عادة، بعدد العمليات التي قاموا بها ونسبة نجاحها، وسمعتهم أمام نظرائهم العارفين بالمهنة، وسيرتهم المهنية وشهاداتهم، وسبقهم في الإنجازات.

ونجم تميَّز في كل ذلك، حيث كان أول من زرع قلباً صناعياً مساعداً في البطين الأيسر في المنطقة في عام 2004م، في مركز الملك عبدالعزيز لأمراض القلب. وحاز كثيراً من الأوسمة لإنجازاته في داخل المملكة وخارجها، وبالرغم من صغر سنه قياساً بأعمار جرَّاحي القلب العالميين حيث ولد في الرياض عام 1962م، إلاّ أنه استطاع خلال فترة وجيزة أن يكون من أشهر جرَّاحي القلب في العالم.

يعمل، حالياً، رئيساً لقسم جراحة القلب في مركز الملك عبدالعزيز لطب وجراحة القلب في مستشفى الحرس الوطني بالرياض. وقد قام بتطوير قسم جراحة القلب للكبار حتى أصبح أفضل مركز متخصص في القلب، في الشرق الأوسط.

ويستقبل هاني نجم أشد الحالات تعقيداً، وأكثرها يأساً، فهو لا يبحث عن النجاح بعدد العمليات، بقدر ما يبحث عن نجاح آخر يتجلي في جراحة ما يعجز عنه الآخرون. فكأنه مفطور على التحدي والتحمل والصبر. ولعل المتتبع لسيرة نجم يجد هذه الملامح في شخصيته، بدءاً من شغفه برياضة التايكوندو إلى شغفه بالبحث والاطلاع على آخر مستجدات الجراحة، فلم يتوقف عند تخرجه في الجامعة عام 1985م، بل أمضى سنوات عشر في كندا لدراسة الجراحة، وجراحة القلب والصدر، وجراحة قلب الأطفال.

يزدحم أسبوعه بالعمليات والاستشارات، حيث يكون يوما الأحد والثلاثاء مخصصين لمناقشة حالات المرضى ومدى إمكانية خضوعهم للعملية، بينما تجده باقي أيام الأسبوع في غرف العمليات، مع فريقه الذي يكنّ له كل التقدير.

عندما تزور مركز الملك عبدالعزيز للقلب في الرياض وترى كم عدد المرضى الذين يخضعون لعمليات القلب المفتوح، سترى تلك الثقة وذلك الاطمئنان في عيونهم. وعندما تسأل أحدهم :من فتح قلبك؟! ربما أجاب بكل فخر: إنه هاني نجم. وكأن المريض يزهو بنجاح وهبه الشفاء.

أضف تعليق

التعليقات