حياتنا اليوم

الأطفال والمال كيف يدَّخرونه أو ينفقونه أو يستثمرونه؟

  • boy money
  • 62
  • 64
  • 65
  • books

لا تحظى التوعية بالمسائل المالية في حياة أطفالنا بموقعها الطبيعي في حياتهم التعليمية وخاصة في المراحل المبكرة من أعمارهم. فهم يرون آباءهم وأمهاتهم يتجولون في الأسواق مستخدمين أموالهم المباشرة أو بطاقاتهم الائتمانية دون أن يعوا مصادر تلك الأموال أو يدركوا حجم المعاناة التي تواجهها الأسر لتأمين متطلبات الأبناء وضمان حياة كريمة لهم. الخبيرة التربوية مهى قمر الدين تناقش في مقالها أهمية تحميل الأبناء ومنذ سن مبكرة المسؤوليات المالية وتعلم أسس التفكير المالي بما ينطوي عليه من ادخار وتخطيط للإنفاق وفهم أكبر للخارطة المالية للعائلة.

هنالك العديد من الأمور المهمة التي لا تُعلَّم في المدارس وتقع مسؤولية تعليمها على كاهل الأهل. ومن تلك الأمور المهمة تعليم الأطفال كيفية التصرف في الأمور المالية.

فكم هم الأهالي الذين أدركوا، في مرحلة من المراحل، أنه ليس باستطاعة أطفالهم فهم العلاقة بين كسب المال وإنفاقه؟

إذ إن هنالك الكثير من الأطفال الذين يعتقدون بأن المال متوافر في المصرف بشكل دائم. لذلك يطلبون من أهاليهم الذهاب إلى المصرف لجلب المزيد من المال في حال رفض الأهل تلبية أحد طلباتهم بحجة أن ليس لديهم المال الكافي لذلك.

تقول لوري ماكي Lori Mackey مؤسسة شركة «الازدهار للأطفال» أو «Prosperity for Kids» إن تعليم الأطفال الدراية بالأمور المالية هو بنفس أهمية تعليمهم القراءة والكتابة. وتضيف تُعد تنشئة أطفال واعين من الناحية المالية لا يتعلق بالمادة، إنما هو مرتبط بتنشئة جيل أفضل وأكثر نجاحاً إذ إن التنشئة الصحيحة بالأمور المالية تشكِّل أداة مناسبة لتطوير مهارات الاستقلالية والقدرة على الحكم على الأمور بشكلٍ صحيح والإحساس بالمسؤولية.

إنها وسيلة لكي يصبح الجيل الجديد أكثر إسهاماً في العائلة والمجتمع. ويتعلق تعليم الأطفال الأمور المالية بتعليمهم بعض المهارات والقيم الأساسية. أما المهارات فتشمل مهارة توفير المال وتأجيل متعة الإشباع الفوري وكيفية العيش على ميزانية معيَّنة وطريقة الصرف بطريقة حكيمة ومتابعة مسار المال ومهارات أخرى. كذلك هنالك مجموعة من القيم التي تشكل الأساس لاكتساب تلك المهارات بشكلٍ صحيح، ومن هذه القيم أن المال هو الوسيلة لتحقيق الاستقلالية، وإن توفير المال الضروري، دون المبالغة في اقتصاده، وإن العطاء أمر مطلوب خصوصاً أنه جزء من تحمل المسؤولية ضمن العائلة، وإن المال هو طاقة يمكن استخدامها من أجل الخير والشر، و إن تقدير النعم والشكر عليها أمر أساسي.

ولكن قبل كل ذلك يجب أن يكون الأهل واضحين بالنسبة لعدة نقاط من أجل تعليم تلك المهارات وتلك القيم بشكل أفضل. على الأهل، أولاً، عدم الخوف من التحدث مع أطفالهم في الأمور المالية، فعلى الأهل أن يدركوا بأن هنالك أربعة أعداء للإدارة الجيدة للأموال وهي الوقت و الأصدقاء والإعلام والتسويق .كيف؟ الوقت لأنه في العائلات العصرية يعمل كلا الوالدين وينشغل الأولاد بأوجه النشاط المختلفة مما يقلل من كمية الوقت الذي تمضيه العائلة سوياً! والأصدقاء بسبب الضغوط التي يمكن أن يمارسوها على أصدقائهم والإحساس بضرورة التباهي بهم. والإعلان والتسويق اللذان يؤثران على الأطفال ويدفعانهم إلى طلب أمور لم يكونوا ليريدونها أو ليعرفوا بها لولا وجودهما. والحل الأنسب هو توفير الوقت المفيد والملائم للدخول في نقاشات مع الأبناء وملء الفراغات في تفكيرهم بما يريده الأهل وليس بما يريده العالم الخارجي.

كما أنه غالباً ما يكون لدى الكبار قضايا معقَّدة وملتبسة بالنسبة للأمور المالية. لذلك، يؤجل الأهل الحديث عنها مع أطفالهم. ولكن لذلك الحديث أهمية كبرى إذ هنالك من يشبهه بإعطاء أطفالنا طعماً معيَّناً، لأنه يشكِّل الحصانة الكافية لحمايتهم من الرسائل المرسلة إليهم من الثقافة الخارجية والمبادئ التي يفرضها عليهم المجتمع بالنسبة للأمور المالية.

وإذا كانت القيم المالية واضحة ومعلنة من قبل الأهل، فسيكون من الأسهل عليهم تجنب الصدامات العائلية التي يمكن أن تنشأ عندما تتصادم طلبات وقيم الأبناء مع قيم الأهل. لنقل إن هنالك فتاة مراهقة تريد شراء بنطالاً من الجينز ذي ماركة معيَّنة وإن الوالد يعارض ذلك لأنه لا يريد أن يكون لدى ابنته الاعتقاد بأنها ستكون «شخصاً مهماً» بمجرد ارتدائها تلك الماركة المعروفة. وبدل الجدال معها يمكن للوالد مناقشة القيم التي تدفعه إلى اتخاذ قراره بالنسبة لذلك الموضوع. وبذلك يرفع المناقشة إلى مستوى أعلى ويذيب صراع القوة بين الأهل والأبناء ويساعدها على اتخاذ قراراتها بناءً على القيم المزروعة داخلها أكثر من الجري وراء ضغوط الأصحاب.

والأمر الثاني هو أنه يجب البدء بالحديث عن الأمور المالية باكراً لأن تعلم الأمور المالية هو، مثل تعلم اللغة، يمكن أن يكون سهلاً عندما يتم البدء به في عمرٍ مبكر.

تقول جولين غودفري Joline Godfrey في كتابها «تنشئة أطفالاً سليمين من الناحية المالية» أو «Raising Financially Fit Kids» أنه «على الأطفال تعلم بعض المهارات الأساسية المتعلقة بالأمور المالية قبل فوات الأوان» أي قبل أن يكبروا ويستقلوا بأنفسهم. وليست الفكرة هنا أن نثقل كاهلهم بالأمور المالية المعقَّدة ولكن أن نعلِّمهم بعض المفاهيم الأساسية.

أما القيم التي يجب على الأهل نقلها إليهم فلا تتغير بتغير عمر الأطفال، ولكن مستوى فهمها يصبح أفضل مع تقدمهم بالعمر. ففي عمر مبكر يمكن إعطاؤهم مصروفهم ويُطلب منهم تقسيمه بين الإنفاق والتوفير وإعطاء قسم منه كصدقة، وعلينا مكافئة أي سلوك يؤدي به إلى توفير وإعطاء نسبة مُرضية منه.

أما في حال إنفاقه فعلينا أن نفرض عليهم ضرورة انتظار موعد المصروف التالي في حال أرادوا شراء أي شيء، وذلك مهما كان مدى ثراء العائلة لأنه لا يجب علينا عزل الأطفال عن معرفة حقيقة الدنيا التي بإمكانها حرمانهم من هذا الثراء في وقت من الأوقات. وفي هذا العمر المبكر من المفيد تعليمهم التمييز بين ما يريدونه وما يحتاجون إليه فعلاً.

أما في عمر المراهقة المبكرة فمن المفيد تشجيع الأولاد على اتخاذ وظيفة بسيطة وهو الوقت المناسب لتعليمهم كيفية «ملاحقة المال» أي معرفة أين ذهب كل فلس أنفقوه، مما يعلمهم قيمة المال وأهميته.

وفي المراحل المتقدمة أي بعد سن السادسة عشرة يجب إشراكهم وإطلاعهم على حقيقة أوضاع الأهل المالية حتى أنه يمكن الطلب منهم المساعدة في دفع بعض الأقساط المالية قبل أن يقفزوا للعيش بمفردهم ويكون عليهم وحدهم عبء سداد جميع أقساطهم المالية.

وفي هذه المرحلة بالذات إذا ما شعر الأهل بأنهم هم أنفسهم تنقصهم الخبرة والمعرفة في إدارة أمورهم المالية لنقلها إلى أولادهم، عليهم طلب المساعدة من الآخرين. إذ يمكن الطلب من أي شخص آخر تعليم ابنهم أو ابنتهم كيفية موازنة دفتر الشيكات أو إنجاز جدول بيانات على الحاسوب الإلكتروني مثلاً.

وهنالك نقطة مهمة أخرى هي أن كلا الوالدين لن يكونا على نفس الموجة من التفكير عند تقديم أي نصائح مالية لأطفالهما، إذ إن إعطاء الأطفال معلومات متضاربة حول كيفية الإنفاق والتوفير وجني الأموال والتصدق بها هو مثل محاولة تعليمهم اللغة العربية، بينما يتحدث أحد الوالدين اللغة الإنجليزية والآخر اللغة الفرنسية!

وتبقى نقطة أخيرة وهي أنه علينا ألاَّ ننسى بأن للأطفال طباعاً يولدون بها، فالبعض منهم يميلون إلى الإنفاق الفائض ويميل البعض الآخر إلى إدخار المال والاحتفاظ بكل ما يحصل عليه منه.

لذلك يبرز السؤال التالي: كيف نوفر التعليم المالي الأنسب لكل منهم؟ والجواب هو أن الطريقة الأفضل هي بتعليمهم طبيعة المال وفوائد ادخاره وإنفاقه واستثماره والتصدق به. بكلام آخر، لا يمكننا إرغامهم على التخلي عن طباعهم الفطرية، لكن لا يمكننا أيضاً مجاراتها بالكامل. والبديل هو تعليمهم التوازن بين الإنفاق والادخار والاستثمار.

أضف تعليق

التعليقات

Mohammed Chamas

أُهَنِّئْ السَّيِّدة مهى قَمَر ألدِّين على مقلاتِها ألرَّائعةْ وألمُفيدة، إذْ إنَّها جميعاً تَرْقى إلى ألإمتياز. بُرِكْتِ سَيِّدَتي وبُركتْ أعْمالُكِ. وَفّقكِ وَرَعاكِ ألله.

Mohammad Shamass

بِسْمِ أللهِ ألرَّحمَن ألرَّحيم. أُهَنِّئْ ألقافِلة والسَّيِّدة مهى قَمَر ألدِّين على مقلاتِها ألرَّائعةْ وألمُفيدة. بُرِكْتِ سَيِّدَتي وبُركتْ أعْمالُكِ. وفّقكِ ورعاكِ ألله.