هو ضد التصنيف، ولأنه كذلك قدَّم «وجه النائم» في بناء وشكل خارج تماماً عن نمطية كتابة الرواية في شكلها الدارج.
الروائي عبدالله ثابت يرى ألا شيء ليس ممكناً في الكتابة المهم هو الكيفية التي نكتب بها ما نريد، ولا يوافق على أن هناك فوضوية في النصوص والمظهر، وفي كل الأحوال. فأزمة التسميات كما ينظر إليها لا يمكن تجاوزها، خصوصاً في زمن تعي دور النشر أنه تم تسليع كل شيء. حاورته رحاب أبو زيد حول نصوصه ورواياته وهواجسه.
عبد الله ثابت:
وحدة الفنان.. سجادة صلاته
بين فوضوية النصوص وفوضوية في المظهر.. هل هو اتساق متعمد؟ وإذا جعلنا المظهر اختياراً شخصياً، فما قولك في النصوص التي تعنينا؟
أقدر رأيك، لكني لا أرى أي فوضوية، لا في النصوص ولا في المظهر. في النصوص ربما يكون هناك خروج عن أنماط الكتابة السائدة، لكن هذا الخروج ليس فوضوياً بحال. بل أرجو أنه يأتي من رؤية تريد أن تعبِّر عن نفسها وتقول شيئاً، أما في المظهر فلا أعرف ما الذي يوحي به انطباعك هذا؟!
هل تتيقن بأنك تتحصن بتعويذة قديمة وأنت تعبر فخاخ كلماتك؟ أم أنك تنصت لشيطان نبيل يسر لك جمال اللغة؟
أتيقن بأنني موجود، وأن لوجودي هذا معنى، ويلزمني أن أخلص لهذا المعنى ما دمت حيّاً. أشعر بالعار أن آتي لهذه الحياة ثم أغادرها ذات يوم دون أثر يساوي معناي، أو على الأقل يقاربه. وهذا حق مشروع لكل إنسان، وأرجو أن يمكنني الله من النجاح في ذلك.
هل ثمة تناقض بين «الإرهابي 20» و«وجه النائم»؟
ليس هناك من فرضية للمقارنة ليكون هناك تناقض، في «الإرهابي20» تجربة إنسانية في سياق يختلف تماماً عن التجربة الإنسانية الموجودة في «وجه النائم»، يأتي تبعاً لذلك اختلاف عوالم الروايتين وأجوائهما وما يلحق بذلك. ما يمكنني أن أقوله، أو بالأحرى أن أرجوه، هو أن أكون بـ«وجه النائم» قد تجاوزت فنياً «الإرهابي20».
أشار حامد بن عقيل في «إله التدمير» إلى أن «الإرهابي 20» هي كتابة عن الجنون! إلى أي حد تجد ذلك صحيحاً؟ وكيف تجد روايتك في النقد وعلاقتك بالنقاد؟
أظن أن الأديب والناقد حامد بن عقيل عمد في محاولة منه إلى تحليل نص «الإرهابي20» تحليلاً نقدياً ونفسياً واجتماعياً وفكرياً، وإن كان قد أشار إلى لمحة الجنون فهي كما سميتها مجرد إشارة. لكنه في العام قدَّم جهداً نقدياً بارعاً، ورمى برأيي إلى ما هو أبعد من الجنون.. إلى تحليل البنية الاجتماعية والثقافية والسلطوية التي أنتجت تجارب حياتية من هذا النوع.
كتابك «وجه النائم» صنف على أنه رواية، ألست ضد التصنيف الأدبي؟ لماذا «وجه النائم» رواية؟
ضد التصنيف نعم. ولأنني ضده فقد قدمت «وجه النائم» في بناء وشكل خارج تماماً عن نمطية كتابة الرواية في شكلها الدارج. وفي كل الأحوال فأزمة التسميات لا يمكن تجاوزها، وخصوصاً في زمن تعي دور النشر أنه قد تم فيه تسليع كل شيء، أي تحويله إلى سلعة تجري عليها قيمتا العرض والطلب. هذا هو الواقع.
في «الإرهابي 20» قراءة نفسية لعسير وللمجتمع العسيري. هل يمكن أن يكتب الكاتب كتابة حرة عن وسط ليس حراً ولا منفتحاً دون أن يشعر بالارتباك؟ وكيف كان استقبال روايتك في المجتمع القبلي؟
ليس هناك من شيء ليس ممكناً في الكتابة. المهم هو الكيفية التي نكتب بها ما نريد. وما كتبته عن عسير كان عفوياً، ولم أرد به أن أقدم أي قراءة نفسية لذلك المجتمع. وأظن أن الغالبية قد تقبلوا ما كتبت على هذا النحو. أما كيف كان استقبال الرواية فقد كان مفاجئاً لي بسبب الحفاوة التي أغرقني بصدقها وطيبها الكثيرون في عسير تحديداً، وفي كل مكان عموماً.
«وجه النائم» هواجس تشبه كتابة قصيدة النثر، لماذا لم ينطلق عنوان كتابك من «المكان» وليس الإشارة مباشرة لتأطير المحتوى بأنه منامات؟
حين ينام المرء فإنه ينتقل إلى عالم آخر غير عالمنا هذا. عالم من الغيب والمجهول. ولا شيء يبقى من هذا النائم سوى جسده، وبالتحديد وجهه. إذاً فوجه النائم هو النقطة التي تتوسط عالمين، أحدهما محسوس والآخر غيب.. ولا أظن أن هناك اسماً يناسب أجواء ما كتبته في تلك الرواية أكثر من «وجه النائم».
في «وجه النائم» قسوة يولد بطلها «غسان» في اللحظة التي تغادر أمه فيها الحياة، هل هذا توصيف سوداوي لطبيعة وجودنا على الأرض بوصف أن «وجه النائم» كتاب رؤية ورؤى؟
هناك تعميق لأسئلة الغيب وطباعه وأطواره. ربما نحن نغضب ونحتج ونحلم بقدر ما نتعذب. وربما تكون هذه المنامات التي تلج إلى أحداقنا ونحن نيام من حين لآخر ليست سوى ركون ولوذ بعالم آخر غير عالمنا هذا. عالمنا هذا الذي نفقد الثقة فيه وفي مجرياته. خذي مثلاً تسرب الإشعاعات النووية عقب زلزال اليابان الأخير، والأخبار اليومية عن تلك التسربات النووية التي تهدِّد البقاء البشري على المدى البعيد.. هل يجعلك هذا تثقين بهذا العالم؟ ثقي بالحلم أكثر.
كيف تفسِّر ما يراه بعضهم في نصك من كونه إدانة للحياة الواقعية وإعلاء للعلاقة بين الأم وابنها؟ أعني علاقة ما قبل الميلاد.
العلاقة الأولى التي تربط أي كائن بآخر هي علاقة الجنين بأمه. قبل أن يكون لك أب كانت لك أم. وقبل أن يكون لك أخ كانت لك أم. وقبل أن يكون لك صديقة وصديق وعم وعمة وخال وخالة، وقبل أن يكون لك زوج كانت لك أم. وقبل أن يكون لك سلالة كانت لك أم. في رأيي أن القصة كلها هناك.. في تلك الجذور التي لا نفكر فيها كما ينبغي.
هل تظن أن المجنون يشعر بالوحدة؟ إذ لا أحد يشاركه أفكاره وأسئلته؟ منغلق منعزل في عالم اختاره لنفسه؟
إن كنت تقصدين المجنون بالمعنى الإبداعي والفلسفي، وليس المعنى العضوي والنفسي، فلا ريب أن الوحدة تمثل جزءاً جوهرياً من شخصية كل فرد مستقل عن حياة المجموع، لكنها ليست كل حياته. الوحدة في هذه الحال تشبه السجادة التي يفرشها مؤمن صادق في غرفة نومه، وبعيداً عن كل البشر، يناجي الله وهو يقف في منتصفها. الوحدة تشبه بالتمام هذه الحالة وهذه السجادة، يرجع إليها هذا الكائن القلق والمتعب ليجد أمانه وطمأنينته في منتصفها. وحدة الفنان.. هي سجادته.