قبل سنة فقط، تبوأت المملكة العربية السعودية مكانة أكبر بلد في العالم فيما يخصُّ تحلية مياه البحر. وبكلفة تقدر بـ3.4 بليون دولار، تنتج محطة الجبيل 2 لتحلية مياه البحر 000 800 متر مكعب من المياه يومياً. لقد كانت هذه المنشأة هي الـ28 في ترتيب منشآت تحلية مياه البحر التي تشتغل في البلاد، كلية وارثن للأعمال في بنسلفانيا التفتت إلى موضوع تحلية المياه واستخدام الطاقة المتجددة في ذلك.
تشكل إنتاجية المحطة شريان الحياة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، ذلك أن %70 من المياه العذبة التي يستعملها السعوديون تنتجها منشآت تحلية المياه المالحة.
يكثر التلاعب في الأسهم التي لا يتابعها المتداولون المطلعون ومنها الأسهم ضعيفة السيولة، وكذلك أسهم الشركات الصغيرة التي يمكن تملك جزء كبير من أسهمها بسهولة
المنطقة ستضاعف من قدرتها على تحلية المياه بتكلفة تقدر بنحو 61.3 بليون دولار بين عامي 2009 و2016.
إن تشغيل مثل هذه المنشآت يكلف غالياً. فالحكومة السعودية تقدر أن تشغيل كل محطات تحلية المياه سيكلف 1.5 مليون برميل من النفط يومياً، مع الأخذ في الحسبان أن عملية تحلية مياه البحر إلى مياه صالحة للشرب تعتمد بشكل كبير على الطاقة. وهذا هو السبب في البحث عن مورد طبيعي آخر لتحريك عجلة التحلية، وهو شمس الصحراء. بالتشارك مع شركة «إي بي إم» يطور البلد تقنية شمسية للاستعمال التجريبي في محطة تلبي حاجات 100,000 فرد. وليست هذه سوى تجربة واحدة في المنطقة، حيث الطلب المتزايد، وارتفاع أسعار النفط، وتضاؤل موارد المياه الجوفية جعل من إيجاد موارد بديلة أكثر فاعلية وأقل تكلفة أولية.
يمثل الشرق الأوسط وإفريقيا الآن نحو نصف القدرة العالمية في تحلية المياه، حسب «جمعية تحلية المياه العالمية»، مع استحواذ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وحدهما على ما يناهز%30 من قدرتها المركبة. إن ازدهار عملية تحلية المياه في الشرق الأوسط دعمه الطلب المتنامي على الماء وتوافر طاقة رخيصة، فهذه العملية تعتمد بشكل كبير على الطاقة، التي تشكل %50 من تكاليف الإنتاج. والنتيجة أن البلدان التي لا تملك طاقة رخيصة تعاني تكاليف باهظة، غير أنه بالنسبة لأمم الشرق الأوسط الغنية بالهيدروكربونات، فإن عملية تحلية المياه تعد حلاً واضحاً لمعالجة ما ينقصها من المياه العذبة إذا وضعنا الطلب جانباً، فإن أبوظبي، أكبر إمارة في دولة الإمارات العربية المتحدة، تتمتع بقصب السبق في تشكيل تيار شهد نمواً كبيراً في قدرة تحلية المياه على مدى العقد الأخير.
لقد كانت البلد الأول في المنطقة الذي استعمل رأس المال الخاص لتمويل بناء «محطة المياه والطاقة» في عام 1998م.
اعتمد النموذج على نظام «بناء تملك وتشغيل وتحويل» الذي استعمل في تمويل المشاريع وكان شعاره البسيط: عوض شراء محطات المياه والطاقة من مقاولي الهندسة، توافق المنشآت على شراء كمية معينة من المياه والطاقة من مطور، يمتلك بدوره تدفقاً مضموناً من المداخيل ومخاطر أقل.
اكتسب نموذج «محطة المياه والطاقة» شعبية في المنطقة، لأنه يضمن أقل التكاليف الممكنة في إنتاج الطاقة والمياه.
كتب مؤخراً كريستوفر غاسون داعياً إلى مشاركة القطاع الخاص في الصناعة المائية، إن محطات تحلية المياه في الشرق الأوسط، التي يمولها القطاع العام على أساس «هندسة، مشتريات، وبناء»، في المعدل، كانت 10 – %30 أغلى من تلك التي يمولها القطاع الخاص. هذا النموذج المالي الجديد مرفق بنمو اقتصادي مستدام سريع في السنوات العشر الأخيرة، يعني أن القدرة العالمية لتحلية المياه قد تضاعفت بين 1999م و2009م، مع قيادة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمشاريع تحلية مياه البحر.
أكبر كل سنة
تقول ليزا هانثورن مديرة في «جمعية تحلية المياه العالمية»، إن المحطات تصبح أكبر كل سنة : من 300,000 متر مكعب من المياه كل يوم قبل عقد من الزمن، ضاعفت المحطات إنتاجها ثلاث مرات تقريباً. وتملك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أكبر 10 محطات في العالم، مع محطة «الجبيل الثانية» التي تحتل الصدارة حالياً بإنتاجٍ مقداره 800,000 متر مكعب من الماء يومياً.
على الرغم من أن الانكماش الاقتصادي الذي شهدته المنطقة، فإن ذلك لم يخفف في الظاهر من شهية المنطقة لتحلية المياه. ثم إن الكثير من الاقتصاديات بقي في صحة جيدة، مع تنامي أعداد السكان والاحتياجات الصناعية. في سوق المياه في الشرق الأوسط، توقعت نشرة «جلوبال ووتر انتليجنس» أن المنطقة ستضاعف من قدرتها على تحلية المياه بتكلفة تقدر بنحو 61.3 بليون دولار بين عامي 2009م و2016م.
يقول جارمو كوتلين كبير الاقتصاديين لدى «إن سي بي كابيتال» إن القطاع عانى بعض العقبات. وقد أسهمت الأزمة المالية في زيادة اهتمام الحكومات بمشاركة القطاع الخاص بسبب الموارد المتضائلة.
ينطبق هذا تماماً على بلدان مثل المغرب وتونس والأردن، التي تفتقر للموارد المالية التي تتمتع بها نظيراتها المصدرة للنفط. تقول هانثورن في هذا الصدد: «كانت تحلية المياه، عادةً، الملجأ الأخير لأنها تقنية مكلفة. غير أن النقص في البدائل وتوافر تمويل المشاريع على نحو جيد يعنيان أن عملية تحلية مياه البحر تصبح متاحة أكثر. الأمر المفاجئ هو أنه على الرغم من الترحيب الذي تلاقيه تحلية المياه وتطويرها، فإن الشرق الأوسط يبقى، عموماً مستورداً أكثر منه مزوداً لهذه التقنية. فمعظم محطات تحلية المياه شيدتها شركات عالمية. يقول كوتلين: «هناك الكثير من الحديث الدائر بشأن اقتصاد المعرفة، لكن هناك حاجة إقليمية ملموسة لم تلب محلياً. لماذا لا نساعد على خلق عرض وربما تصديره أيضاً؟».
معالجة استدامة المياه
يردد شانون مكارثي نائب مدير «مركز بحوث الشرق الأوسط لتحلية المياه» تعليقات كوتلين. أنشئ هذا المركز في عام 1996م كجزء من عملية السلام في الشرق الأوسط لمعالجة قضايا استدامة المياه في المنطقة. وكان المعهد رائداً في بحوث تحلية المياه في وقت لم تكن فيه التقنية منتشرة كما اليوم. يقول مكارثي: «شيدت الكثير من المنشآت، لكن دون أن يعني هذا أن هناك خبراء في كل بلد يمكنهم تشغيلها أو اتخاذ قرارات بشأن تقنية تحلية المياه».
إضافةً إلى بناء القدرات، يركز المركز على منطقة أخرى تشهد اهتماماً متزايداً وهي استعمال الطاقة المتجددة، هذا التطور مهم بالخصوص لسببين: أولاً، من شأن الطاقة المتجددة توفير بديل للبلدان التي تفتقر إلى الهيدروكربونات في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى. ثانياً، من شأنها أن تساعد على تقليص البصمة الكربونية المهمة لتحلية المياه.
اشتغلت منظمات مثل «مركز أبحاث الشرق الأوسط لتحلية المياه» بموضوع الطاقة المتجددة وتحلية المياه لسنوات عدة، غير أن الجهود دائماً ما تتعثر على طريق المشكلات نفسها بسبب تكلفتها، من شأن الطاقة المتجددة أن تجعل تحلية المياه أكثر غلاءً مما هي عليه الآن. من وجهة نظر تقنية، لن يكون بمقدور طاقة الرياح والخلايا الشمسية إنتاج الطاقة بشكل مستمر (في حالة تقلص قوة الرياح أو حلول الليل) أو بكميات كافية لدعم محطة كبيرة للتحلية. كما أنها لن تتمكن من إنتاج العنصر الوحيد الأكثر أهمية في عملية التحلية في الشرق الأوسط وهو الحرارة.
إن عملية إزالة الأملاح المذابة من الماء لإنتاج المياه العذبة قديمة. واعتمد مستكشفون مثل جيمس كوك على تحلية المياه خلال رحلاتهم البحرية الطويلة. فقط بعد الحرب العالمية الثانية، سمحت الاختراقات التقنية بتطبيق تحلية المياه على نطاق أوسع.
هناك نوعان من تحلية المياه: أحدهما الحرارية والآخر الترشيح بالأغشية. فالعملية الحرارية تستعمل الحرارة لتوليد البخار وتقطير مياه البحر. أما العمليات بالأغشية فهي ميكانيكية وتستعمل الضغط فوق العالي لترشيح الأملاح الذائبة. تُعد تحلية المياه الحرارية تقنية أكثر نضجاً، كما أنها أكثر قوة، وأعطت نتاجاً أفضل فيما يخص المياه الراكدة وعالية الملوحة في الخليج. تنتج محطة الطاقة الحرارة التي يمكن استعمالها في عملية تحلية المياه لكن مع ظهور الطاقة الشمسية الحرارية المركزة، وهي نوع من الطاقة الشمسية التي تستعمل العدسات والمرايا لاستغلال أشعة الشمس وتوليد الحرارة، يمكن للطاقة المتجددة أن تصبح خياراً مهماً للغاية لتحلية المياه. يوضح فرانز تريب الباحث في «معهد الديناميكا الحرارية التقنية» أن التعرض للشمس والظروف الميدانية مثالية، ومن شأنها خلق الحرارة والطاقة على أساس ثابت بفضل تخزين الحرارة لأن المواد الضرورية لتشييدها رخيصة نسبياً. على هذا فإن تكلفتها ستنخفض بشكل كبير حسب التقديرات على مدى السنوات التي تراوح بين سنوات عشر وخمس عشرة سنة مقبلة.
تجريب الطاقة المتجددة
تعتقد هانثورن أن الطاقة المتجددة سيكتب لها النجاح حقاً عندما تقرر بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تطويرها كجزء من سياستها في الطاقة. وهي تقول في ذلك: «معظم محطات تحلية المياه في أستراليا تشتغل بشكل غير مباشر بوساطة الطاقة المتجددة، إنها تستعمل تقنية التصفية، التي تستعمل الكهرباء من الشبكة، وتزخر أستراليا بطاقة رياح كبيرة».
أصبحت تقنية الترشيح بالأغشية أكثر انتشاراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الطلب على الماء ثابت بشكل أكثر أو أقل عبر السنة، لكن الطلب على الكهرباء يرتفع بشكل كبير في الصيف بسبب التكييف. تضيف هانثورن: «الطلب على الكهرباء في الشتاء أقل بنحو ٪70 مما عليه الأمر في الصيف، وإنتاج البخار للتحلية مكلف للغاية». كان الحل عبارة عن محطات تحلية هجينة، حيث يمكن للتقنيات الغشائية أن تساعد على ملء الهوة بوساطة وحدات حرارية خلال أشهر الشتاء. كما يمكن للتقنيات قبل المعالجة المبتكرة أن تساعد على تجاوز مشكلات جودة المياه، يرجح أن يستمر الشرق الأوسط في ريادة سوق التحلية، لكن هانثورن تقول إن هناك الكثير من الأسواق الناشئة العطشى بما في ذلك الصين والهند وأستراليا.