بيئة وعلوم

الأنفجار الأعظم

  • Space
  • Space1

كل المجرات تبتعد عنا بسبب إزاحات أطيافها الحمراء التي تعني أن الكون يتمدد. هاني الضليع, عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، يتحدث عن الانفجار من وجهة نظر إعجازية قرآنية.

المجرات التي نراها متباعدة بسرعات كبيرة لا بد أنها كانت متراصة مع بعضها في زمن ماضٍ سحيق

في العشرينيات من القرن الماضي ومن على قمة جبل ويلسون في أمريكيا حيث المرصد الفلكي، كان الفلكي أدوين هابل يعمل في رصد نجوم السماء ومجراتها البعيدة، وتحليل ضوئها القادم عبر فتحة التلسكوب، باحثاً في تكوينها وصفاتها عن طريق دراسة الطيف المرئي المنبعث منها, وبما يدعى علم التحليل الطيفي، حيث يدخل الضوء القادم من النجم إلى المحلل الطيفي فيخرج مجموعة ألوان، تماماً كمبدأ عمل المنشور الزجاجي.
لاحظ هابل أن كل الأطياف التي يقوم بتحليلها تختلف عن أطياف المختبر المقياسية، إذ لاحظ أن لها انحرافاً نحو اللون الأحمر. فسمَّى هذه الظاهرة ظاهرة الحيود نحو الأحمر (Red shift)، ولاحظ أن هذه الإزاحة أو الحيود تزداد كلما كان الجسم المرصود أبعد «مثال المثلثات».
قام هابل حينئذ بمقارنة نتائجه بالظاهرة الفيزيائية المعروفة آنذاك وهي ظاهرة دوبلر، حيث اكتشف كريستان دوبلر أن الأمواج الكهرومغناطيسية إذا كانت مقتربة منا فإنها تنضغط، وإذا كانت مبتعدة عنا فإنها تستطيل، وهو ما يحدث تماماً حين يقف شخص على رصيف القطار منتظراً، فيمر به قطار قادم من بعيد وهو يصفر، فإن صوت الصافرة يكون حاداً جداً، ويزداد مع اقتراب القطار، حتى إذا ما مر القطار خف الصوت وذهبت حدته.

وهكذا أدرك هابل أن كل المجرات تبتعد عنا بسبب إزاحات أطيافها الحمراء التي تعني أن الكون يتمدد. وأدرك العلماء هذه الحقيقة. ومن قبل ذلك جاءت معادلات نظرية النسبية العامة لأينشتاين لتؤكد ذلك. فوضع العلماء نماذج ثلاثة للكون هي الكون المفتوح المتسارع الذي يبدأ بتسارع كبير في تباعد مجراته ثم يخف مع الزمن. والكون المفتوح المستقر الذي يبدأ بتسارع كبير ثم تستقر سرعته وتصبح ثابتة. وفي هذين النموذجين يستمر الكون في التوسع إلى ما لا نهاية. وأخيراً الكون المغلق الذي يبدأ التوسع بتسارع كبير ثم يقل تدريجياً حتى يقف تماماً في النهاية، وبعدها يعكس اتجاهه فيبدأ بالانكماش على نفسه كما بدأ أول مرة.

الانفجار الأعظم:
ولقد دفع توسع الكون العلماء إلى التساؤل عن اللحظة الأولى التي ولد فيها الكون. المجرات التي نراها متباعدة بسرعات كبيرة لا بد أنها كانت متراصة مع بعضها في زمن ماض سحيق، ولا بد أن هذه الكتلة الهائلة انبثقت من نقطة واحدة كانفجار عظيم انبثقت من خلاله المادة بسرعات هائلة وأخذت بالتباعد مع الزمن. ولقد دعيت هذه النظريات بنظرية الانفجار الأعظم (Big Bang).

جاءت بعض الاكتشافات فيما بعد تؤيد صحتها كاكتشاف درجة حرارة الخلفية الإشعاعية للكون، وذلك عندما كان آرنو بنـزياس وروبرت ويلسون يعملان في مختبرات بل للاتصالات ويستقبلان الأشعة الكهرومغناطيسية عبر تلسكوب راديوي على شكل بوق لدراسة تأثيرها على الاتصالات، حين سمعا طنيناً «هسيسًا» خفيفاً يأتي في كل الأوقات ومن جميع الاتجاهات، وحسبا درجة الحرارة المكافئة لهذا الصوت فوجداها تقارب «3» درجات كلفن أي «270» درجة مئوية تحت الصفر. دعيت درجة الحرارة هذه بالخلفية الإشعاعية المايكروية الكونية.

هذه الإشعاعات تحمل معلومات ثمينة عن مراحل خلق الكون وتكوين المجرات وبداية الانفجار الأعظم، لأن الحسابات أشارت إلى أن الكون كان ساخناً جداً لحظة الانفجار ثم أخذ يبرد، ويجب أن تكون درجة حرارته بعد مضي 15 مليار سنة «عمر الكون المعروف» نحو 3 درجات كلفن، فكان اكتشاف بنـزياس وويلسون تأكيداً لذلك ودعماً لنظرية الانفجار الأعظم.
ولكن هل سيستمر الكون في التمدد بحسب نظرية الانفجار الأعظم؟ يعتمد ذلك حقيقة على كثافة المادة في الكون، فإذا كانت قليلة فإن الكون سيستمر في التمدد إلى الأبد. أما إذا كانت كبيرة ووصلت المقدار الحرج أو أكثر منه، فإنها ستوقف الكون عن التمدد بعد حين وتجعله ينكمش كما بدأ من الانفجار. كما جاء في قوله تعالى:
(يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين) (الأنبياء 104)
أم أننا يجب أن نسلم لقول الله تعالى (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) (الأنعام 67) وننتظر ما سيكشفه لنا العلم يوماً ما؟
فلا يزال العلماء حائرين في ذلك، حيث إن أكثر من
90 % من مادة الكون هي مادة غير مرئية ولا يعرف العلماء ماهيتها…

وجهة نظر إعجازية
ذهب بعض المجتهدين في الإعجاز العلمي إلى أن القرآن الكريم قد وافق العلم في الحديث عن نظرية الانفجار الأعظم مستدلين بالآية الكريمة التالية:
(أولم يرى الذين كفروا ان السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون)(الأنبياء 30).
وهذا استدلال ليس في محله أبداً لأسباب عديدة، منها:
• أن الانفجار الأعظم هو مجرد نظرية تفسر نشأة الكون بناءً على بعض القياسات العلمية لحركة المجرات وقيمة الثابت الإشعاعي الكوني ونسبة الهيدروجين إلى الهيليوم. وربما ظهرت لنا مستقبلاً ثوابت تنفي ما تقدم فتتغير النظرية ويتغير بناءً عليها فهمنا للآية السابقة.

• وقد جاء لفظا «السماوات والأرض» في الآية السابقة معرفين، أي أن الأرض كانت أرضاً والسماء سماءً «رغم أنها كانت دخاناً» ثم حدث الفتق، في حين أن أي شخص مطلع على نظرية الانفجار الأعظم يعلم يقيناً بأنها تتحدث عن حقبة لا زمان فيها ولا مكان، فالانفجار الأعظم هو حدث سابق للزمان والمكان، فكيف تكون هناك سماء وأرض قبل الانفجار الأعظم؟

• ألا يمكن أن يكون الانفجار الأعظم «إن صح» مرحلة سابقة لمرحلة الفتق، بل إنه لا يوجد توافق أبداً بين هذه الآية التي أوضحت عملية خلق السماوات وبين نظرية الانفجار الأعظم نفسها. فكيف تكون الأرض موجودة قبل الانفجار الأعظم؟ أليست الأرض والسماء والمجرات مراحل لاحقة تلت الانفجار؟
إذاً، فإن القول بأن الفتق هو الانفجار الأعظم قول لا يصح أبداً، بل إن آية سورة فصلت هي أقرب إلى آية الفتق والرتق من نظرية الانفجار الأعظم، قال الله تعالى:
(ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض اتيا طوعا أو كرها قالتا اتينا طائعين *فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم) (فصلت 11-12).

وعلى أي حال، فإن كل تلك الأخبار تبقى على سبيل النظريات لم يشهد حدوثها إنس ولا جان مهما تقدَّمت العلوم وتطورت الوسائل، ولن ترقى يوماً لتصبح حقيقة علمية، وهي قاعدة يجب الإقرار بها وتذكرها دوماً، وذلك مصداقاً لقول الله تعالى:
(ماأشهدتهم خلق السماوات والأرض ولاخلق انفسهم وماكنت متخذ المضلين عضدا) (الكهف 51)

أضف تعليق

التعليقات