مسرح الطفل كوسيط تربوي
المسرح وسيط مركب يجمع بين علوم الأدب والتربية والجمال والنقد وفنون التحدث والتمثيل والإلقاء والحوار والاستعراض. والمسرح بالمعنى الواسع للكلمة هو شكل من أشكال التعبير عن المشاعر والأفكار والأحاسيس، ووسيلته في ذلك “فن الكلام، وفن الحركة” مع الاستعانة ببعض العناصر الأخرى المساعدة. ولذا كان أدب المسرح عامة وأدب الطفل المسرحي خاصة هو النقطة التي يبدأ منها عادة انطلاق الشرارة نحو الثقافة. ويُعدُّ مسرح الطفل من أكثر الأشكال المسرحية رواجاً عبر العالم، هذا الشكل المسرحي الذي طالما كان هادفاً لفئة الأطفال، ومُوجّهاً إلى الطفل بشكل خاص.
يقدِّم مسرح الطفل، أعمالاً تقوم في معظم الأحيان على المثاليات كالإخلاص والشجاعة، والأمانة والبطولة والعدالة، وهذه المثاليات تُجسّم في شخصيات يحبها الأطفال وتستأثر بمشاعرهم.
وأهمية المسرح للأطفال تكمن في توسيع مداركهم، كما أنه يكسبهم التجارب الطيبة التي ينتصر فيها عنصر الخير على الشر، ويكون بذلك قد قدّم إليهم قيماً تلعب دوراً رئيساً في رفع مستوى أذواقهم وميولهم.
ومن أجل هذا تعاظم الاهتمام بمسرح الأطفال في إطار تعاظم دور أدب الطفل بوجه عام، باعتبار المسرح فناً محبباً إلى نفوس الأطفال، ووسيلة من الوسائل التربوية التثقيفية والتعليمية الممتازة. فمسرح الأطفال الجيد، يُمثّل تلك البهجة التي تملأ نفوس الأطفال بالمرح والنشاط، عند مشاهدتهم عرض المواقف الحياتية المختلفة، ولا سيما المواقف التي تأتي بصور درامية أو فكاهية، وهي تقدِّم للأطفال قيم المجتمع (الإيجابية والسلبية) بأسلوب ممتع ومقنع معاً، وهنا تبرز قدرة كاتب المسرحية أولاً والممثلين والمخرجين ثانياً، على تقديم النصوص الجيدة التي تتفاعل فيها النماذج الشخصية بطريقة مناسبة، تُجسّد الحدث والغاية.
وتمتاز المسرحية عن القصة في أدب الأطفال، بأنها تسمح بتجسيد العمل الفني أمام الطفل، فيشترك الأداء التمثيلي مع إمكانات المسرح والموسيقى والأغاني في نقل مضامين القصة للطفل. ولذلك نجد الكتّاب المسرحيين، يهتمون دائماً لأن تكون مسرحياتهم للأطفال مجالاً واسعاً تتنافس فيه العقول والعواطف، وتقتسمه الأذهان والانفعالات. كما أن المسرحية تعتمد على الواقع المحسوس، فالطفل في المسرحية يشاهد بطلها وممثليها ويراهم رأي العين، لكنه في القصة يقوم برسم صورهم في خياله. إذاً فالمسرح يكون أكثر ملاءمة لتقديم المفاهيم المجردة إلى الأطفال في صورة حسية، لأن تفكير الأطفال يغلب عليه الجانب الحسي الذي يعتمد على الأشياء المحسوسة، لأن المسرح يضع أمام الأطفال الوقائع والأشخاص والأفكار بشكل مجسّد وملموس ومرئي ومحسوس.
هبه أبو الفتوح
مصر
معلِّمو أيام زمان
بمناسبة الحديث عن المعلمين هذه الأيام، سأتحدَّث هنا عن أستاذي الكبير إبراهيم مفتاح. كان في حصة التعبير يقرأ علينا قصة مترجمة من “قافلة الزيت”، ونحن في الصف السادس، وكان يطلب من كل واحد فينا إعادة سردها بلغته شفاهة. ثم يطلب منَّا كتابتها بإيجاز في الكراسة، ثم يصحح عثراتنا، ويطالبنا بإعادة كتابتها دون عثرات. أيضاً كان يحضُّنا على متابعة برامج إذاعة لندن وأخبارها وتسجيل معلومات في دفتر خاص من متابعتنا لبرنامج حسن الكرمي الشهير “قول على قول”، ومن برنامج آخر بعنوان “السياسة بين السائل والمجيب”، وبرنامج ثالث بعنوان “ندوة المستمعين”، وكان يقول لنا دائماً: “حين تكون سائراً في الطريق ورأيت ورقةً انحنِ والتقطها واقرأ ما بها”، بل إنه كان يحثنا على قراءة المعلومات التي تكون مكتوبة على كرتون التفاح أو الموز أو البرتقال حين نكون في سوق الخضار، وفعلاً كنا نخرج بمعلومات رائعة ترسخ في أذهاننا الصغيرة”. أيضاً في ذلك الزمن القاسي الذي شاع فيه الضرب، لم يمد أستاذنا يده على أحدٍ من تلاميذه على الإطلاق، نظرة عتب صغيرة منه كانت تكفي. أخيراً أقول: إنه ممن يحملون رسالة في الحياة. بروية وهدوء يؤثر في التلاميذ ويغيِّر في المجتمع، إنه يفعل ذلك بالعمل المؤثر العميق وليس بـ “التغريدات” وادِّعاء الوطنية والهياط وتسفيه الآخرين.
عبدالمحسن يوسف
شاعر وصحفي سعودي
المادة منقولة عن صفحته على الفيسبوك
للقراءة الرقمية عيوبها
اختارت القافلة في عددها الصادر في مارس/ أبريل 2017م، موضوع “هل نحن نقرأ الكتب التي نشتريها” لتدير نقاشها المفتوح عنه. وقد أتاح الدكتور أشرف فقيه للقارئ فرصة التعرف على شخصيات لها رؤى مختلفة، من خلال أسئلته والمحاور التي تناولها. فخرج النقاش ثرياً وممتعاً، وفيه كثير من الأفكار التي تستحق التأمُّل، يقودها فريقان، الأول يرحِّب بالظاهرة من حيث المبدأ لكن لديه تحفظات على المبالغة في تأثيرها، والثاني يرفض ما أعده رؤية فوقية نخبوية متعالية، يسمح أصحابها لأنفسهم أن يفرضوا وصايتهم على هذا الفعل. وقدَّم المشاركون اقتراحات لتطوير معارض الكتاب، كما لم يخلُ النقاش من التعرّض لجوانب أخرى مثل المقارنة الزمنية لمحتوى القراءة، وانتقاد وضع كتب الأطفال، والربط بين انتشار القراءة وتغيّر المجتمع.
دور وسائل القراءة
ومع اعترافي بأنه لا يمكن تناول كل الموضوعات المتعلِّقة بهذه القضية الضخمة في مقال واحد، لكنني أرى أن النقاش استبعد قضية محورية، وهي المقارنة بين القراءة الورقية والقراءة الرقمية، خاصة وأن هناك دراسات مهمَّة، اطَّلعت على نتائجها في وسائل إعلام غربية، تناولت هذه القضية، وتأثير وسيلة القراءة على قدرة الشخص على تذكر ما قرأه، وكذلك القدرة على التعمق فيه، والاندماج مع محتواه.
فقد أجرى أكثر من 150 عالماً من أكثر من 30 دولة، أبحاثاً معمَّقة حول التطوُّر الذي تشهده عملية القراءة في عصر الرقمنة، وشملت مجالات تخصص هؤلاء العلماء كلًّا من علم النفس وعلم التربية، والثقافة وعلم الاجتماع وطب الأعصاب، وركّزوا أبحاثهم حول تأثير الوسيلة المستخدمة في القراءة على قدرة الشخص على التعمُّق فيه، والاندماج مع محتواه، واختلافات عادات القراءة بين الصغار والكبار.
ورأى رئيسا فريق البحث العلمي، وهما البروفيسورة النرويجية آننا مانجن، والبروفيسور الهولندي أدريان فان دير فييل أنَّ ثمة مميِّزات عديدة عند القراءة من الشاشة، مثل السعة الكبيرة للأجهزة، مما يتيح وجود كثير من الكتب في حيِّز صغير، ودون وزن ثقيل، وسهولة الحصول عليها في كل وقت وفي كل مكان، مع إمكانية تحديد حجم الخط، والإضاءة الخلفية للشاشة، ومراعاة الميول الفردية لكل قارئ، علاوة على سهولة البحث في النصوص عن مفردات أو موضوعات معيَّنة، وكذلك الانتقال من النص إلى نص آخر للشرح أو المقارنة أو التعليق. لكنَّ الفريق البحثي أشار إلى عيوب القراءة الإلكترونية أيضاً، حيث قالت عالمة اللغة ناعومي بارون إن الأبحاث أثبتت أن النصوص الطويلة تكون أصعب على الشاشة، كما أن التعمُّق وتذكر ما قرأه الشخص، يكون في حالة الكتب الورقية أسهل بكثير من الكتب الإلكترونية؛ لأنَّ القراءة في الكتاب الورقي ترتبط في الذهن بمواضع معيَّنة في الصفحة الورقية، كما ينشأ شعور بالتفاعل مع النص الملموس في الورق، على عكس النص الظاهر على الشاشة.
مسألة التركيز والتذكر
وترى البروفيسورة تيريزا شيلهاب المتخصِّصة في علوم التربية، أن الشاشة تحرم الإنسان من الشعور “ببر الأمان”، أي بالقدرة على الاستقرار على موضوع محدَّد، والبقاء فيه لبعض الوقت، وهو ما تلمسه في سلوكيات الأطفال والشباب. فلاحظت أن الشباب دائم التنقّل بين الكتاب الإلكتروني وبين مواقع واتساب، والموسيقى وفقرات الفيديو في يوتيوب، وجدول المواعيد على الفيسبوك، وأصبحت النصوص المجهَّزة للاستخدام الإلكتروني تراعي قلَّة التركيز عند المستخدمين، فتصاغ بصورة مختصرة وغير متعمّقة.
ويشرح العالِمُ الهولندي فان دير فييل أن القراءة لها تأثيرات على تحفيز الخيال وتنمية الشعور بالآخرين ومصائرهم، والارتقاء بالقدرة على التركيز، والانضباط، وزيادة الحصيلة اللغوية، وتنمية القدرة على التفكير النظري، وهي قدرات لا يقوم بها الكتاب الإلكتروني بالمستوى الذي يقوم به الكتاب الورقي، لأن عوامل الإلهاء عن القراءة في الكمبيوتر اللوحي والهاتف الذكي أكبر بكثير من الكتاب الورقي.
وتوصَّلت دراسة نرويجية أجريت على تلاميذ تتراوح أعمارهم بين 15 و 16 عاماً، إلى أن مَنْ يستخدم منهم الكتب الورقية يكون أقدر على الإجابة عن الأسئلة حول المعلومات الواردة فيها، مقارنة باستخدام الشاشة لقراءة المعلومات نفسها. وفي مدرسة ابتدائية نرويجية لا تستخدم أي كتب ورقيَّة، وتعتمد كلياً على الأيباد، قال الأطفال في سن السابعة إنهم يفضِّلون الذهاب إلى مكتبة المدرسة بكتبها الورقيَّة، لأن اختيار الكتاب المناسب يكون أسهل، ولأنهم يفتحون الكتاب مباشرة ويقرأون، دون حاجة لتشغيل الجهاز، ودون الضغط على أي زر.
ربما وجدت مجلة القافلة في نتائج هذه الدراسات ما يضيف إلى النقاش الثري الذي عرضته، بعداً إضافياً، يستحق القارئ أنه يتعرَّف عليه، خاصة إذا كان هذا القارئ مثلي من الجيل الذي كانت الثورة الرقمية، مكوّناً أساسياً في حياته منذ اللحظات الأولى.
منى أمين
طالبة حقوق، جامعة بون