هل يختفي رويداً البطل الرياضي المحبوب الذي يحمل شجاعة الأبطال ونبل تصرفهم ويمارس الرياضة كمتعة أولاً ومنافسة شريفة؟ إلياس سحّاب وماجد نعمة يجيبان على هذا السؤال..
1
العصر الذهبي الغابر في كرة القدم
إلياس سحّاب
بقيت ملاعب كرة القدم في عقود الخمسينيات والستينيات الميلادية وحتى السبعينيات، تنجب أعداداً وافرة من اللاعبين الذين يتمتعون إلى جانب الموهبة، التي ما زالت تملأ ملاعب الكرة حتى يومنا هذا، بقدرات بارزة في اللعب المبدع على الصعيدين الفردي والجماعي، بحيث تتحول معهم المشاهدة إلى متعة كاملة في كل دقيقة من دقائق المباراة، يؤدون ذلك داخل إطار الخطة التكتيكية للعب، التي يكون المدرب قد حددها، ولكنهم في داخل هذا الإطار العام، يحولون الدقائق التسعين إلى تفجير مستمر لمواهبهم ولطاقاتهم الإبداعية، في اللعب الجماعي دفاعاً ووسطاً وهجوماً، كما في أدائهم الفردي كلما وجدوا أنفسهم في موقف حرج مع الخصم.
المكانة والإبداع
ولا شك في أن لذة الفوز، بعد لذة الإبداع والتفنن في عرض المواهب الفردية والجماعية، ظلت حتى عقد السبعينيات الميلادية، هي الحافز المسيطر على اللعبة واللاعبين والملاعب، إضافة إلى أن تلك المرحلة الذهبية، كانت قادرة على إفراز اللاعبين الذين يتمتعون إلى جانب الموهبة الكروية والإبداع، بالمستوى الاجتماعي أو الثقافي المحترم. فنجم ريال مدريد دي ستيفانو (الأرجنتيني الأصل)، تحول إلى أحد أبرز رجال المجتمع في العاصمة الإسبانية، واختير بإجماع كروي وشعبي رئيساً مدى الحياة لنادي ريال مدريد. وبيليه أسطورة الكرة البرازيلية، اختير وزيراً للرياضة في بلاده، بعد أن أدى مهمة ثقافية – حضارية بتحويل كرة القدم إلى لعبة ذات شعبية في الولايات المتحدة الأميركية. وبيكنباور، تحول في ألمانيا إلى شخصية اجتماعية مرموقة، حمل إليها من الملاعب لقب “القيصر” وبقي مستحقاً له في مواقعه الإدارية، حتى أصبح مرشحاً شبه دائم لرئاسة اتحاد الكرة الدولي، إضافة إلى ترؤسه لجنة الإشراف على مسابقة كأس العالم المقررة في بلاده في العام 2006م، كذلك احتل نجم الكرة الفرنسي (الإيطالي الأصل) بلاتيني موقعاً اجتماعياً مرموقاً في بلاده، حتى أصبح مرشحاً لأرفع المناصب في اتحاد الكرة الدولي، وتحول اللاعب الهولندي الفذ كرويف إلى أحد نجوم المجتمع الراقي في بلاده، وجاراه في ذلك صالح سليم في مصر. ويلاحظ أن كل هذه الأسماء النموذجية في المرحلة الذهبية الغابرة لكرة القدم، تتمتع بمستوى ثقافي وخلقي رفيع، كان بادياً بملامحه الأولى في أثناء احترافهم اللعب، ولكنه تجلى بكل ملامحه بعد ذلك في كل المناصب التي تقلدوها.
مقابل ذلك، فإننا نرى أن المواهب الكروية الفردية في مرحلة ما بعد السبعينيات الميلادية، بعد انخراطها في التحولات الاجتماعية والثقافية الهائلة لعصر الطغيان اللا إنساني للتكنولوجيا، وللقيم الاستهلاكية الزاحفة الطاغية، قد أصبحت أسيرة الخطة التدريبية، التي أصبح الفوز وحده محركاً لها مهما كان الثمن، وأصبح شعار “الغاية تبرر الوسيلة” هو سيد الموقف في الملعب وخارجه.
وبعد أن كان تسجيل أكبر عدد من الأهداف، تحقيقاً لأعلى مستوى ممكن من متعة الفرجة الجماهيرية هو سيد الموقف، أصبح الضغط لمنع الخصم من التسجيل هو الهم الأكبر، والأوحد أحياناً. لقد ذهبت إلى غير رجعة تلك الأيام التي تلقت فيها إنجلترا هزيمتها الكروية الأولى، بعد تسعين عاماً، على يد الفريق المجري الذهبي (فريق بوشكاش) بنتيجة 3 – 6 ثم في بودابست بنتيجة 1 – 7، كما تلقت ألمانيا في كأس العالم للعام 1954م في سويسرا، هزيمة على يد فريق المجر الذهبي نفسه في الأدوار التمهيدية، بنتيجة 1 – 8، قبل أن تنتزع منه الكأس بنيتجة 3 – 2. لقد ولت هذه الأرقام القياسية في تسجيل الأهداف إلى غير رجعة، كما أصبح التكتل أمام الهدف لمنع التسجيل، أي إماتة اللعب الجميل، هو قمة الإبداع. وحولت فلسفة الدفاع القبيح، على حساب الهجوم الجميل، اللعب إلى مباراة في المصارعة حيناً والملاكمة حيناً، والرفس العنيف بالأرجل، واستعراضاً لفنون العرقلة التي غالبا ما تفتقر إلى اللياقة والذوق والروح الرياضية وروح المنافسة الشريفة.
قد تجد مع ذلك عشرات بل مئات من اللاعبين الموهوبين في ملاعب الكرة اليوم، ولكنك تشاهدهم كأنهم آلات للعب، مشدودة بخيوط معدنية إلى يد المدرب. حتى أصبح ظهور اللاعب الذي يفجر مواهبه إبداعاً حقيقياً في الملعب نادر الوجود، بحيث يشار إليه بالأصابع في القارات الخمس، ويقفز سعره إلى عشرات الملايين من الدولارات، خاصة إذا كان يتمتع بموهبة اختراق خطوط “ماجينو” الدفاعية وتسجيل الأهداف، ولو بمعدل هدف واحد في المباراة الواحدة. فقد أصبح هؤلاء عملة نادرة تتخاطفها أندية العالم الكبرى مثل البرازيليين رونالدو وروبرتو كارلوس ورونالدينيو، والفرنسي (الجزائري الأصل) زيدان، والتشيكي ندفيد، والأوكراني شفشينكو، والإنجليزي بيكهام. وليس صدفة أن كل هؤلاء يلعبون في أندية خارج أوطانهم.
أما خارج هذه المواهب النادرة التي لا تتجاوز أصابع اليدين، فبإمكاننا أن نجد جمهرة واسعة من اللاعبين الموهوبين غير المبدعين، ولكننا لا نجد بينهم لاعباً يستطيع أن يلفت النظر، خارج الملعب، بمستواه الثقافي أو الاجتماعي، بل إن بعضهم يلفت النظر بضحالة هذا المستوى، حتى لو كان اسمه لامعاً بين نجوم الكرة.
من معالم التحولات
لو نحن راقبنا الترجمة العملية في ملاعب كرة القدم لسيطرة الحافز المادي على اللعبة، بكل مفاهيمه الإعلانية والتسويقية والترويجية، لأمكننا وضع اليد على عدد من الملاحظات التي باتت تصفع الملايين من عشاق الكرة، كلما تابعوا نجومهم المحبوبين وأنديتهم المفضلة ومنتخباتهم المفضلة على الشاشة الصغيرة:
1 –
أصبح من الأمور المعتادة التي لم تعد تفاجئ أحداً، أن نشاهد فريقاً أو منتخباً يغص بالنجوم اللامعة، يتحول في الملعب إلى مجرد أسماء وأشكال هؤلاء النجوم، وليس مواهبهم العالية الرفيعة، حتى يخيل اليك أحيانا وأنت تشاهد فريقاً أسطورياً كريال مدريد، الذي يمكن اعتباره (باستثناء خط دفاعه) منتخب نجوم العالم، كأن الذي يتحرك على الشاشة هو صور هؤلاء النجوم، تحركهم أزرار الكمبيوتر يميناً ويساراً، وليسوا هم اللاعبيين الحقيقيين، وذلك لأسباب متعددة، كأن تكون المباراة غير مهمة، أو أن يكون في جعبة الفريق ما يكفيه من النقاط.
2 –
أصبحت المباريات التي تدور في إطار بطولات القارات، وخاصة القارة الأوروبية، ذات الأندية التي تعج بألمع نجوم العالم من كل القارات، يحدد عددها الاتحاد الأوروبي، وفقاً لمتطلبات الدخل الإعلاني، لمجرد الاشتراك في أية مباراة، وبنسبة أعلى عند الفوز بالمباراة، وبمبالغ طائلة عند الفوز بلقب من الألقاب. حتى أن الشركة الإعلانية الراعية لنادي ريال مدريد فرضت على مدربه السابق ديل بوسكي إشراك رونالدو ولو لشوط واحد في إحدى المباريات، مع أن إصابته كانت تفرض عليه عدم اللعب، وهددت الشركة النادي واللاعب بخفض الإعلانات إلى النصف إذا لم يستجيبا، فكان للشركة ما أرادت على حساب الوضع الإنساني لللاعب والنواحي الفنية للعب.
3 –
أصبحت الشركات الصناعية عابرة القارات، التي تملك أضخم الموازنات الإعلامية، تسيطر ليس على لاعبي الكرة فقط، بل حتى على الاتحادات الوطنية للكرة، فتفرض على هذا الاتحاد أو ذاك، اختيار هذا اللاعب أو ذاك في المنتخب الوطني لبلاده، حتى لو كان مستواه الفني في تراجع، لمجرد أن هذا اللاعب يستدرج إعلانات كثيفة. ومن عجائب هذه الظاهرة، أنه بعد أن كانت ألقاب النجوم من اللاعبين، محصورة بمهاراتهم الفنية، فيقال عن لاعب أنه ملك المراوغة، وعن آخر أنه سد الدفاع المنيع، تحولت ألقاب النجوم إلى قدرتهم على استدراج الإعلانات، فأصبح النجم الإنجليزي دافيد بيكهام (على سبيل المثال) يحمل لقب أكثر النجوم استدراراً للإعلانات، ربما بسبب زواجه من المغنية “فكتوريا” نجمة البوب الإنجليزية بالدرجة الأولى، أما مواهبه الكروية المؤكدة فتأتي في الدرجة الثانية، بدليل أنه (وهو لم يفز بأي لقب أوروبي أو عالمي) يتفوق في استدراج الإعلانات على زملائه في ريال مدريد رونالدو وزيدان وفيجو الذين نال كل منهم لقب أفضل لاعب في العالم.
والوجه الآخر لهذه الظاهرة، هو أن لا يكون لأي لاعب مهما ارتفعت مواهبه الفنية، أي حظ بالانضمام إلى منتخب بلاده، أو اللمعان في بورصة الأندية الغنية، ما لم يتمكن من تسويق مواهبه أولاً وأخيراً، في البورصة الدولية للشركات ذات الموازنات الإعلانية العملاقة.
لعب.. بلا روح
لا يمنع هذا أن الأندية الكبيرة تعج كلها حالياً بلاعبين من ذوي المهارات الفنية العالية، ولكنهم في الغالب، ولكل الأسباب المذكورة أعلاه، يلعبون في معظم الأحيان بلا روح، وخاصة من دون شعور بلذة لعب كرة القدم، الأمر الذي ينعكس على المشاهد، الذي كثيراً ما أصبح في أية أمسية من أماسي تصفيات بطولة الاتحاد الأوروبي، يضغط على زر التحكم عن بعد، متنقلاً بين مباراة وأخرى، باحثاً عن روح كرة القدم الحقيقية، التي تخلو منها حتى المباريات المهمة، ولا نلمح لها أثراً إلا في دقائق معدودات من كل مباراة.
لقد انتهى إلى غير رجعة العصر الذي كان فيه كل اللاعبين النجوم، يلعبون بحافز وحيد هو لذة لعب كرة القدم، والذي كان فيه الجمهور يستمتع بفنون الكرة كعشاق الباليه الذين يستمتعون بـ “كسارة البندق” أو “بحيرة البجع”. وذهب العصر الذي كان فيه طبيب مثل اللاعب البرازيلي الفذ سقراط، يمتهن الطب ويهوى كرة القدم.
بعبارة موجزة، ولى عصر الهواية الممتعة المبدعة وحل عصر الحرفة المملة والآلية.
لقد منحتنا نهاية القرن العشرين، فرصة نادرة لاستخراج كل دروس وملامح المقارنة بين اختلاف طبيعة كرة القدم وطبيعة نجومها، بين مرحلة ومرحلة.
بيليه ومارادونا
فعندما دقت ساعة اختيار لاعب القرن العشرين، كما حصل في كل الميادين الإنسانية الأخرى عند وداع القرن المنصرم، انقسمت الآراء بين لاعبين اثنين: البرازيلي بيليه، والأرجنتيني مارادونا. ولأن المواهب الفذة الاستثنائية التي تمتع بها وأظهرها كلا اللاعبين، تثير فعلاً حيرة أكبر الأخصائيين، فقد اعتمد أسلوبان لاختيار لاعب القرن العشرين:
–
أسلوب يحدد نجم القرن العشرين من خلال آراء النقاد والخبراء المعتمدين.
–
وأسلوب آخر يحدد النجم من خلال تصويت جماهيري على شبكة الإنترنت.
وكأن هذا الحل السحري قد صمم خصيصاً لاختيار بيليه برأي الخبراء والأخصائيين، واختيار مارادونا برأي الاستفتاء الجماهيري.
غير أن ما لم تلق عليه الأضواء بما يكفي في هذا الاختيار المزدوج، هو أن بيليه (الذي تقلد منصب وزارة الرياضة في بلاده) يصلح بالفعل ليكون رمزاً لأجيال كاملة من اللاعبين المبدعين في مرحلة ما قبل السبعينيات، أما مارادونا، ذو الموهبة الفذة، ولكن الذي انتهى به المطاف إلى مصحة للشفاء من الإدمان في كوبا، وإدانته بالتعامل مع عصابات المافيا الإيطالية في فترة اللعب لنادي نابولي الإيطالي، في عمليات الاتجار بالرقيق والمخدرات، فيبدو وكأنه رمز لجيل ما بعد السبعينيات، وإن كان في ذلك شيء من الظلم لنسبة من أبناء هذا الجيل.
الولاء للإبداع والنادي والوطـن
غير أنه ما من شك في أن بين العناصر الكثيرة التي زحفت لتغير كل شيء في حياة الناس، بما في ذلك ملاعب كرة القدم، بعد عقد السبعينيات، فإن عنصر المال هو الذي لعب الدور الأكبر في تغيير كل ملامح كرة القدم، من اللعبة، إلى الملاعب، إلى الجمهور، إلى الاتحاد الدولي للكرة، إلى أخلاق اللعبة نفسها وفنياتها.
لقد جاءت سيطرة المال لتضع خطاً فاصلاً بالأحمر الصارخ، بين مرحلتي ما قبل وما بعد السبعينيات.
فباسم التفرغ للكرة، عن طريق الاحتراف الكامل مقابل مرتب شهري ومكافآت مالية مجزية، تحولت كرة القدم، مثل كثير من النشاطات الأخرى في حقول الفنون والثقافة والإبداع والرياضة، عن كل القيم التي كانت في السابق تحرك الملاعب والفريق وتحفز اللاعبين، وحلت محلها قيم تحول اللعبة واللاعبين إلى صناعة في قبضة عمالقة رؤوس المال ودنيا الإعلان والتسويق. فزالت قيم كثيرة وأصبحت على رفوف متاحف التاريخ الكروي، وبرزت قيم جديدة أصبحت تعكس نفسها على كل شيء في كرة القدم، بما في ذلك روح اللعبة داخل المستطيل الأخضر.
قبل السبعينيات، كان اسم نجم الكرة لا يسطع إلا من خلال ناديه، داخل وطنه، وهو النادي الذي غالباً ما يقضي النجم اللاعب الموهوب عمره فيه، ويخرج منه إلى الاعتزال.
ولم يكن ذلك مجرد تحديد لشكل انتماء اللاعب، بل كان يجسد روح ذلك الانتماء، فكان النادي هو بيت اللاعب الكبير، الذي يحركه دائماً الحماس لإعلاء اسمه في منصات الشرف المحلية والدولية، ويبذل في ذلك الغالي والرخيص، إضافة إلى الجهد الفني والبدني إلى حدود التفاني.
وكان بديهياً، بعد ذلك، أن يكون الإطار الأكبر هو الانتماء إلى المنتخب القومي الذي يمثل الوطن في المحافل الدولية، فيصبح طريقة لعب هذا المنتخب القومي أو ذاك (دفاعاً أو هجوماً أو مراوغة أو قوة بدنية) رمزاً من رموز ثقافة ذلك البلد، وتجليات تلك الثقافة في سائر البلاد الأخرى التي يذهب إليها منتخب ذلك البلد للعب والمنافسة.
فكان لأميركا اللاتينية أسلوبها العام المعتمد على المهارات الفردية العبقرية، مع التمييز بين المدرسة البرازيلية والأرجنتينية. وكان لجنوب أوروبا أسلوبها المميز الذي لمعت إيطاليا في تمثيله، ولشمال أوروبا أسلوب مميز آخر تمثله بامتياز ألمانيا. كما بقيت إنجلترا تعتز بتمثيل أسلوب الجزر البريطانية المميز. وحتى عندما كانت تحدث انتقالات استثنائية، لظروف قاهرة، كان ذلك يتم من خلال قيم الانتماء العميق.
فعندما اجتاحت العواصف السياسية بلاد المجر في العام 1956م، لم يكتف اللاعب الفذ بوشكاش بالهجرة من وطنه المجر إلى إسبانيا، ولكنه اكتسب الجنسية الإسبانية، فأصبح يلعب لنادي ريال مدريد الإسباني، كما لمنتخب إسبانيا. وكذلك الأمر بالنسبة للاعب ريال مدريد الفذ الآخر، دي ستيفانو (الرئيس الفخري الحالي للنادي)، بعد انتقاله من بلده الأول الأرجنتين إلى إسبانيا.
انهيار السدود
فلما دخل المال الإعلامي والتسويقي لتسيد ملاعب كرة القدم، في كل أرجاء العالم، انهارت كل هذه الحدود والسدود. وقد يقول قائل إن ذلك قد يكون مفيداً في تراجع المشاعر الوطنية الضيقة أمام المشاعر الإنسانية الرحبة، غير أن عكس ذلك هو الذي حصل، فقد تراجعت قيم الانتماء للنادي، والوطن، ليحل محلها انتماء أضيق إلى الرصيد المصرفي للاعب.
لقد تراجعت كل منتخبات العالم الكروية (ذات المكافآت المالية المحدودة) أمام الأندية التي توزع عليها لاعبو تلك المنتخبات، والسبب الوحيد هو الفارق الهائل بين جزالة مكافآت الأندية، وضآلة مكافآت المنتخبات الوطنية. وعلى سبيل المثال، فقد تحولت البرازيل من منجم لتغذية منتخب بلادها الأشهر، إلى منجم لتغذية الأندية الأوروبية الكبرى، ذات الموازنات التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات لكل نادٍ. كما تحولت الأندية الصغيرة الفقيرة، إلى منجم لا شغل له سوى اكتشاف المواهب الكروية، لتصديرها إلى الأندية الغنية، حتى في دول العالم الثالث الفقيرة مالياً وكروياً.
أمام هذا الطوفان الكاسح الذي جرف قيماً كاملة راسخة استعرضنا بعضها، وأحل محلها قيماً أخرى أهمها تحويل اللاعب الموهوب إلى دمية تتحرك في الملعب لتملأ رصيد الشركات الإعلانية العملاقة (بعد أن ينال اللاعب حصته)، حتى أصبحنا نشاهد تكراراً دائماً لحالة اللاعب الذي يكون في ذروة حماسه وبذله وعطائه عندما يلعب لناديه الذي يتقاضى منه راتبه الشهري، بينما يتحول إلى ظل باهت لنجوميته الشهيرة، عندما ينتقل للعب في منتخب بلاده.
وبعد، فإن انتماءنا إلى القرن العشرين يضع على أعيننا نظارة سوداء ونحن ننظر إلى تحولات بداية القرن الجديد، وقد لا تكون هذه التحولات التي عرضنا بعضها في هذه السطور، سوى مرحلة انتقالية، ينتهي فيها مخاض التحول إلى إفراز قيم جديدة راقية وجميلة وإنسانية، ولكنها مختلفة فقط في الشكل عن القيم القديمة.
ربما، ولكننا من الآن وحتى تنقشع هذه البلبلة الكاسحة، اسمحوا لنا أن نظل نسمي مرحلة ما قبل السبعينيات في كرة القدم كما في الأدب والشعر والموسيقى والسينما والمسرح: مرحلة العصر الذهبي.
2
صناعة الأبطال.. الرياضة والترويض
ماجد نعمة
في كتابه “حياتي من أجل نجمة” يروي “إيميه جاكيه”، مدرب المنتخب الوطني الفرنسي الذي أوصله إلى الفوز بكأس العالم عام 1998م، كيف انتقل تدريجياً من لاعب كرة قدم هاوٍ إلى محترف يكره الأضواء والإعلام. وكان رموز الإعلام الرياضي، الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على هذه اللعبة الجماهيرية وحراساً لقواعدها، ينظرون إليه باحتقار وتعالٍ، ليس فقط بسبب جذوره الريفية المتواضعة وتحديه لهذه الأرستقراطية الجديدة بل لتمسكه بمفاهيم وقيم “بسيطة ولكنها قوية” مثل النزاهة والتواضع واحترام الآخرين والعمل” وهي على ما يبدو باتت نادرة مع تحول بعض الألعاب الرياضية مثل كرة القدم والتنس وسباق السيارات والغولف والروكبي وكرة السلة إلى قيم تجارية وإعلانية تدر مليارات الدولارات وتسير كأي نشاط اقتصادي، له مخططوه الاستراتيجيون وممولوه وإداريوه ومستغلوه.
خليفة “إيميه جاكيه” على رأس الفريق الوطني الفرنسي” لومير” لم يكن له من قوة الأعصاب ما يسمح له بالدخول في مجابهة مكلفة إنسانياً وعصبياً مع الإعلام ومع اللاعبين – ومسانديهم – الذين كفوا عن أن يكونوا لاعبين منذ أن ارتفعت أسهمهم في سوق العرض والطلب فأصبحوا أيضاً رجال أعمال ومستثمرين ماليين ناجحين، ناهيك عن كونهم نجوماً تتخاطفها الأضواء وتتسابق عليها شركات الإعلان والمصارف وحتى السياسيون! وهذا ما يفسر الخسارة المنكرة التي أصيب بها هذا الفريق في بطولة كأس العالم عام 2002م في اليابان حيث خسر أمام فريق السنغال المتواضع في إمكانياته المادية الغني بطموحاته الفردية وقواه المعنوية.
صناعة الاحتراف
ولفهم هذا التحول الذي لا رجعة فيه في تطور ما بات يسمى اليوم بالاحتراف الرياضي لا بد من متابعة ما يجري أيضاً خارج الملاعب وحلبات الصراع والتنافس وبعيداً عن فضول عدسات المصورين. لا بد من متابعة كيف يقضي نجم من نجوم الرياضة “المكرسين” عالمياً وإعلامياً وإعلانياً وقته خارج المباريات والتدريبات؟ إنه، بكل بساطة، ينتقل بين مباراة وأخرى بطائرته الخاصة من عاصمة إلى أخرى ليقابل مدير أعماله أو ليبيع صورته بأغلى الأثمان لهذه الشركة أو لتلك المجلة أو ليتفاوض سراً أو علناً مع أي نادٍ يعرض عليه سعراً أعلى من السعر الذي يتقاضاه من ناديه الذي رعاه وشهره.
كيف لا يكون الأمر كذلك عندما تنعدم الحدود أو تكاد بين الرياضة والتجارة؟
فقد تحولت المنافسة الرياضية إلى نشاط استعراضي بحت لم يعد هدفه الأساسي تحطيم الأرقام القياسية بقدر ما هو جذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين وبالتالي من الزبائن. وفوق هذا وذلك فإن نجوم الرياضة باتوا يؤدون، مرغمين أو راغبين، الدور نفسه الذي يقوم به نجوم السينما والمسرح والأغنية والإعلام ويعتبرون أنهم طالما يسهمون في إنتاج الثروات وفي توفير أوقات ممتعة لملايين الناس فمن الطبيعي أن يعاملوا على هذا الأساس.
والواقع أن المبادئ التي قامت عليها الألعاب الاولمبية منذ ما يقارب القرن أصبحت من ذكريات الماضي خاصة مع طغيان الاحتراف على الغالبية العظمى من الرياضات والتوسع المذهل في أعداد مدمني الرياضة.
ففي عام 1901م، على سبيل المثال، حضر مبارة نهائي بطولة بريطانيا لكرة القدم بين ناديي نوتنهام وشيفيلد أكثر من 114,000 مشاهد. واعتبر هذا الرقم قياسياً آنذاك. بعد حوالي قرن من الزمن على هذا الحدث الرياضي العالمي، وبفضل ثورة الاتصالات المذهلة تمكن أكثر من ملياري إنسان من متابعة ومشاهدة مباراة نهائي كأس العالم بين إيطاليا والبرازيل عام 1994م!
وهذا ما دفع الكاتب الأوروغواني إدواردو غاليانو، وهو مثله مثل ملايين أبناء أمريكا اللاتينية، من عشاق كرة القدم، إلى القول أن هذا الجمهور “يشكل أعظم حشد بشري في تاريخ الإنسانية” وهو حشد مرشح للتضاعف باضطراد مع كل مونديال أو نهائيات رياضية تهم وسائل الإعلام وشركات الإعلان.
علاقات دولية
هذا التحول يطرح بدوره وظيفة الرياضة الجماهيرية ليس فقط في التعبير عن الثقافة الاجتماعية والسياسية الجديدة ولكن أيضاً عن العلاقات الدولية خاصة في بعض الأزمات عندما تتحول المباريات الرياضية إلى مناسبات للتنفيس عن احتقان قومي أو تعويض عن ميزان قوى مختل أوتعبير عن احتجاج عن أوضاع داخلية أو دولية معينة. بمعنى آخر باتت الرياضة بتشعباتها ومضاعفاتها ومعانيها من أهم الظواهر الاجتماعية والثقافية والنفسية والاقتصادية في عالم اليوم ولم يعد من الجائز وضعها فقط في خانة الترفيه الجماعي أو الأداء الفني أو حتى كما كان يهدف المثال الأولمبي إلى تنمية ثقافة السلم والتفاهم بين الشعوب. إنها، بما تفرزه من عنف بنيوي ومن تشجيع غير مباشر لظاهرة الغش من أجل الربح من خلال تعاطي المنشطات ومن سعي لصرف الأنظار عن المشكلات الحقيقية للمجتمع والعالم، تدفع بعض المحللين لطرح بعض التساؤلات المحرجة حول الوظيفة “التخديرية” لهذا النشاط النبيل. وذهبت هذه التساؤلات في غلوها إلى حد اتهام الرياضة الجماهيرية، بطقوسها وقوانينها المكتوبة والعرفية وممارساتها العلنية والخفية والصراعات التي تدور في ملاعبها وحولها، بأنها “الألعاب الأكثر جدية في العالم”.
يقول المثل الإنجليزي: “لا شيء ينجح كالنجاح” والرياضة بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص بصفتها الرياضة الأكثر شعبية في العالم، ما كانت لتتعرض لمثل هذه الانتقادات لو أنها لم تنجح، مهما كانت الوسائل والمبررات، في فرض نفسها على المشهد العالمي اليوم واقتحام حقل تفكير الفلاسفة وعلماء الاجتماع والتربية والاقتصاد والسياسة والإعلام الأكثر جدية والذين انقسموا، إذا صح التعبير، إلى معسكرين لكل منه موقفه:
الموقف الأول يعبر عنه بامتياز الكاتب الإسباني البيروفي الأصل، ماريو فارغاس لوسا ويعتبر أن كرة القدم بقواعدها وخاصياتها الشكلية وقطيعتها مع الحياة اليومية الرتيبة، المرهقة، هي “مولد مشاعر قوية ولذة مكثفة”. إنها “تجربة عابرة وآنية “تزول آثارها مع انتهاء المسبب” أي عندما يطلق الحكم صفارة النهاية. ولذلك فمن الظلم أن نحمل هذه الظاهرة “العادية” أكثر ما تتحمله من معان ودلالات وتأويلات. إنها مجرد لذة عبرة في زمان عابر!
قواعد اللعبة
هذه النظرة الجمالية قد تنطبق على كرة القدم منذ بضعة عقود عندما كانت قواعد اللعبة الكروية أهم من قواعد السوق والسياسة. لذلك فالتحليل الآخر لهذه الظاهرة “العادية” ولهذه اللعبة “المسلية” بات يفرض نفسه ويتمتع بصدقية أكثر. وعلماء الاجتماع الرياضي في غالبيتهم الساحقة يتبنون، بشكل أو بآخر، التحليل الثاني. ففي رأيهم أن صراع اللاعبين فوق أرض الملاعب يخفي الكثير من الصراعات الأخرى الأساسية والفرعية خارجها وحولها والتي لا تشكل المباراة سوى قمة جبل الجليد من رهانات ومصالح اجتماعية وسياسية وتجارية هائلة.
ولعل النقد الأكثر حدة للظاهرة الرياضية الممسرحة في عالمنا الحديث هو ذلك الذي يصف ملايين المدمنين على متابعتها ومناصرتها بـ “القطعان الرياضية” وهو على كل حال عنوان كتاب مثير لعالم الاجتماع الفرنسي جان ماري بوم، كما هو موقف الروائي الإيطالي الكبير أمبرتو أيكو في دراسته التي كرسها لكرة القدم تحت عنوان: “لعبة القتل والبصبصة”. ويعتبر هذا الروائي، شأنه شأن العديد من علماء الاجتماع الغربيين أن “المجتمع يجد توازنه بتشجيع ملايين الأشخاص على الكلام عن الرياضة للحيلولة دون الكلام عن أشياء أخرى”. هذه النظرة النقدية المتشائمة ليست دائماً بدون أساس. فهوس كرة القدم والتعصب الأعمى لها، يتجليان بشكل لافت في المدن العريقة التي كان لها أمجاد غابرة وباتت الآن في طور الانحدار والانكسار (الاقتصادي أساساً)، وتسعى حالياً إلى استعادة هذه الأمجاد الضائعة من خلال أنديتها الرياضية كما هي الحال في مرسيليا ونابولي وليفربول ومانشستر.. وكأن من الانتصارات الرياضية، المصحوبة في غالب الأحيان بعنف لا يوصف (الهوليغانية مثلاً نشأت في ليفربول المنكوبة صناعياً واجتماعياً) قادرة على التعويض عن هذا الفردوس الاقتصادي الضائع بفردوس مصطنع ووهمي. أما انتصارات المنتخبات القومية فغالباً ما توظف هي الأخرى لأغراض الدعاية والتعبئة وتحقيق إجماع وطني مفقود في ظروف وحول قضايا إشكالية أخرى.
وفي مواجهة هذه التحولات بالغة التعقيد والأسباب، قد يكون من الحكمة الاكتفاء، كما يفعل الكثيرون من عشاق الرياضة الحقيقيين الذين يشعرون بحنين جارف إلى بدايات كانت واعدة مفتوحة قبل أن تتحول إلى حقائق خاضعة لمعايير التقنية الباردة ولقوانين العرض والطلب، بالنظر إليها كما هي وبدون محاولة الغوص في متاهاتها وكواليسها.
ويختصر الكاتب الأمريكي اللاتيني إدواردو غاليانو الحالة التي وصلت إليها الرياضة الجماهيرية من خلال لعبة القدم بجمل قليلة تغني عن ألف خطاب: “هذا اللاعب الذي بدأ يلعب بدافع عشقه للعب، في أزقة الضواحي، أصبح الآن يلعب في الملاعب الكبرى كواجب. يلعب كما يعمل وهو مخير بين الفوز أو …الفوز! رجال الأعمال يشترونه، يبيعونه، يعيرونه. وهو ينجر وراء ذلك، لا حول ولا قوة له إلا القبول مقابل مجد موعود. وكلما كان يربح، كلما ازدادت ثروته وتعمق سجنه”.
رياضيو اليوم لم يعودوا لاعبين بل عمالاً موظفين. أصبحوا كالقط الذي لحس المبرد: فكلما اشتهروا وكلما انتصروا باتوا أقرب إلى الهاوية.
هل حان الوقت لتحرير الرياضة
من الترويض؟
—————————
كادر
وفي الرياضات الأخرى أيضاً
يتجلى التبدل الذي طرأ على صورة البطل الرياضي بشكل صارخ في مجال الملاكمة، وذلك من خلال مقارنة بطل الستينيات محمد علي كلاي ببطل السنوات الأخيرة مايك تايسون.
ففي حين ترك محمد علي صورة زاهية ومشرّفة للبطل المتمتع بمستوى أخلاقي رفيع، وإيمان ديني، وسلوك رياضي حقاً على الحلبة، ونضوج سياسي مكّنه من تلافي المطبات في خضم الصراع العنصري الذي تفجر في أمريكا خلال الستينيات، فإن الضجيج الإعلامي الذي يثيره تايسون يعود في حيّز كبير منه إلى الفضائح السلوكية والأخلاقية، كدخوله السجن لجريمة اعتداء على فتاة، أو التهامه بوحشية أذن خصمه على الحلبة وما شابه ذلك.
إلى ذلك شهدت كرة المضرب تبدلاً من نوع آخر. فاللاعبون الذين تركوا الأثر في الوجدان الشعبي هم نجوم السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. إذ كانوا مميزين بعيشهم حياة ثقافية غنية إلى جانب تطلعهم إلى النجومية. فهناك بيلي جاك كنغ الذي عشق هذه الرياضة، وجون ماكنرو تابع تخصصه في جامعة ستانفورد، وآرثر آشي أصبح بطل الحقوق المدنية. أما اليوم، فلم يعد هناك مجال لمثل هذه الأمور.
إن مقارنة لاعبي اليوم من الشبان (21 إلى 23 عاماً) بعمالقة اللعبة القدامى تبدو غير عادلة، وقد نحتاج إلى مزيد من الوقت لفهمهم. ولكن عندما يكون أكثر الأبطال موهبة بلعبة التنس في مدينة نيويورك هو ماكنرو (44 عاماً) واللاعب الأعلى تصنيفاً هو أغاسي (33 عاماً) فهذا يعني أن هناك مشكلة!!
—————————
كادر
الكرة في ملعب الأدباء
إنهم يجهزون على الجياد أليس كذلك؟
“في النشاطات الإنسانية غير الرياضية يبدأ الأفول مع الشيخوخة. أما بالنسبة إلى لاعب الكرة فهو يبلغ سن الشيخوخة في الثلاثين من عمره.. أو قبل ذلك إذا ما سقط ضحية إطلاق نار، أو إذا ما خانه الحظ فتمزقت إحدى عضلاته أو إذا ما تعرض لركلة رجل حطمت إحدى عظامه التي لا يمكن لها أبداً أن تعود كما كانت. ويستفيق لاعب الكرة هذا في صباح يوم حزين ليكتشف أنه لعب على حياته وقامر بها من أجل رهان واحد وأن المال قد اندثر ومعه الشهرة. الشهرة، تلك السيدة الهاربة التي لم تترك له في رحيلها أي بصيص أمل أو عزاء…”
أدواردو غاليانو
روائي من أمريكا اللاتينية
مدرسة الكرة
“كل ما أعرفه بشكل أكيد عن أخلاقية البشر وواجباتهم، إنما أدين به لكرة القدم.”
البير كامو
روائي
أحلام للبيع
“عندما يتسمر خمسة ملايين رجل في كافة أنحاء العالم أمام شاشة التلفزيون في ساعات الليل والنهار اللا معقولة، وكأنهم تحت وقع نوع من السحر، فقد يكون ذلك لأنهم بحاجة إلى أن يحلموا…
يحلمون أنهم، من خلال بلاتيني أو بيتيغا، الأعظم، الأقوى، الأفضل…”
فرانسواز جيرو
روائية وصحفية فرنسية
لعبة التغيير
“أعتقد أن الروائي ولاعب الكرة يشتركان في الهدف نفسه. فالروائي الذي يمسك بقلمه يشبه لاعب الكرة الذي يسعى لتسجيل هدف في المرمى. لماذا؟ لأن كلاهما لن يغير شيئاً من هذا العالم! ورغم ذلك فالأدب ولعبة كرة القدم يجب أن يوجدا لأنهما يعطيان القارئ أو المتفرج قوة بإمكانها أن تغير حياته”
كولهو باولو
أديب من البرازيل
الحرب لعبة ممتعة
“الروح الرياضية الحقيقية تشتمل دائماً على بعد ديني. فعندما حل منتخب كرة القدم النيوزيلاندي في بريطانيا وهزم الفريق الوطني الإنجليزي منذ سنوات عديدة أصيبت بريطانيا العظمى بالذهول كما لو أنها خسرت الحرب”