اطلب العلم

فناء الديناصورات!

  • 52a

المواضيع العلمية التي ما زالت تنتظر إجابات قاطعة كثيرة، إلا أن موضوعين يستحوذان على “شعبية” علمية وتهافت من النظريات لا ينتهي. أحدهما الفضاء بثقوبه السوداء وانفجاراته القديمة، والآخر “اختفاء الديناصور”، ويكاد يظهر على الإثنين ملامح الموضة. فالاجتماع السنوي الأخير لـ “الجمعية الجيولوجية الأمريكية” شهد نقضاً وتفنيداً للنظرية التي كانت مقبولة عالمياً لتفسير انقراض الديناصورات قبل نحو 65 مليون سنة، وتقول إن نيزكاً عملاقاً ارتطم بالأرض وأدى إلى حصول تقلبات مناخية وإشعاعية قضت على هذه المخلوقات الضخمة وعلى الكثير غيرها من الكائنات الحية. من جهة أخرى، شهد الاجتماع نفسه بعثاً للنظرية التي كانت قد خرجت من التداول العلمي قبل سنوات عديدة، وتقول إن الانفجارات البركانية العملاقة هي التي كانت وراء انقراض الديناصورات.

فقبل عشرين سنة تقريباً، اكتسبت “نظرية الارتطام” صدقية كبيرة بفضل الحفرة العملاقة التي اكتشفت في صحراء مكسيكو. أبرز المتغيرات التي نتجت عنه والتي نملك اليوم دليلاً ملموساً على وجودها هي مادة الآريديوم المشع المسؤولة مباشرة عن هذه الإبادة، وقد عثر على بقاياها في طبقات الأرض في أماكن كثيرة من العالم، وتعود أيضاً إلى الفترة نفسها. ولكن التدقيق في الأرقام خلال الآونة الأخيرة أكد أن حفرة مكسيكو تعود إلى 300 ألف سنة قبل تشكّل طبقة الأريديوم وحصول الإبادة. وهنا يقفز السؤال: “إذا كان ارتطام هذا النيزك بالأرض غير مسؤول عن تشكيل طبقة الأريديوم، فما هو السبب؟”

بعض العلماء لا يزال مصراً على النظرية الشائعة، ويقول إن الفارق المتمثل بـ 300 ألف سنة هو مجرد هامش خطأ، الأمر الذي يرفضه علماء آخرون لاعتقادهم بأن مثل هذا الهامش العريض جداً لم يعد مقبولاً، خاصة بالنسبة إلى دراسة تتناول 65 مليون سنة فقط!.

ومن ناحيتها صرفت العالمة غريتا كيلر من جامعة برنستون نظرها نهائياً عن “نظرية الارتطام” الشائعة، وتقول إن هناك حدثاً آخر على المستوى التدميري نفسه قد وقع آنذاك، إننا لا نعرفه في الوقت الحاضر، ويجب أن نبحث عنه. أما المدافعون عن “نظرية الارتطام” فقد باتوا يسلّمون بأن نيزك مكسيكو قد لا يكون مسؤولاً عن الإبادة، ولكنهم يضيفون احتمالاً آخر يقول بأن نيزكاً ثانياً قد سقط على الأرض في مكان ما غير محدد حتى الآن. الأمر الذي يرفضه الكثيرون لأن اصطدام نيزكين بمثل هذه الأحجام العملاقة بسطح الأرض خلال فترة 300 ألف سنة هو قليل الاحتمال حتى حدود الاستحالة.

والحل؟ عاد عدد من العلماء إلى دراسة نظرية “الانفجارات البركانية الكبرى” التي كانت قد أهملت تماماً لحوالي ربع قرن. وهم اليوم أكثر تفاؤلاً بالتوصل إلى نتائج مقنعة، خاصة وأن تطور أجهزة الكمبيوتر وبرامجها خلال السنوات الأخيرة بات يسمح لهم بالوصول إلى نتائج كانت بعيدة المنال حول ما إذا كانت الانفجارات البركانية الكبرى يمكنها أن تؤدي، وعن أي طريق، إلى تشكيل طبقة الأريديوم وإلى إبادة الديناصورات. وفي انتظار الوصول إلى نتائج جديدة، تبدو “نظرية الارتطام” في طريقها إلى الرف، بعدما تعامل معها العالم كحقيقة شبه مؤكدة. ولكن من يدري؟ فقد تعود هذه النظرية مجدداً إلى التداول خلال السنوات المقبلة. أليس الأمر كذلك في كل المجالات التي تحكمها الموضة؟

أضف تعليق

التعليقات