قضايا

نقص عالمي وطلب محلي متزايد
تحديات الممرضة السعودية!

ينعكس النقص العالمي المتزايد في مهنة التمريض على الحقل الطبي في المملكة. وقد تكون له دلالة خاصة مع اتساع الاهتمام بمجالات العمل المطروحة أمام الفتاة السعودية. فقبل عشرين عاماً فقط، لم يكن منظر الممرضة مألوفاً حين تكون سعودية، وفي أحيانٍ كثيرة لم يكن مقبولاً. في العقد الأخير أخذ هذا الوضع بالتبدل.. واليوم تنتشر الممرضات السعوديات في أروقة المستشفيات وغرف العمليات بشكل واسع. ويعزز حجم هذا الانتشار عوامل ثلاثة: ازدياد الطلب على ممرضات كفؤات، وتأسيس كليات تمريض جديدة، ووجود عدد أكبر من الفتيات السعوديات اللواتي يبحثن عن فرص عمل.
حبيب محمود، من فريق القافلة، اقترب إلى عالم الممرضة السعودية، محاولاً التعرف إليه عن كثب، ورصد بعضاً من التحديات التي تواجهها في هذه المهنة العربية الأصيلة.

يواجه العالم بأسره اليوم نقصاً متزايداً في مهنة التمريض، تختلف أسبابه من بلد إلى آخر. فإلى جانب ازدياد الاهتمام بالعناية الصحية في مختلف أنحاء العالم المتقدم، فقدت هذه المهنة جاذبية الانتساب إليها في الغرب بسبب ازدياد فرص العمل أمام النساء في كافة الحقول. الأمر الذي دفع البلدان الغربية إلى سد هذا النقص باستقدام الممرضات الماهرات من بعض الدول النامية مثل الهند والفلبين.

وفي المملكة، وعلى الرغم من الخطوات الكبيرة التي تم إنجازها في سبيل الاعتماد على الممرضة السعودية، لا يزال النقص حاداً بسبب تزايد عدد المستشفيات الخاصة والحكومية، وارتفاع مستوى الكفاءة المطلوبة الملازم لارتفاع مستوى العناية الصحية الذي يصل في بعض المستشفيات إلى أعلى مما هو عليه في العالم. وكما الحال في الغرب، يواجه هذا النقص عندنا باستقدام الممرضات الأجنبيات، في حين أن التفكير بفرص عمل للخريجات السعوديات يدفعنا فوراً إلى الالتفات صوب مهنة التمريض التي تبدو من أبرز المجالات المرشحة لاستقطابهن، لما لهذه المهنة من جوانب حضارية وإنسانية، ولما تتطلبه من جملة مزايا يمكن توافرها في الممرضة السعودية دون غيرها. يعزز ذلك النجاح الذي حققته السعوديات اللواتي خضن غمار هذه التجربة الفتية في بلادنا.

فهناك مفهوم مختلف لعمل التمريض الذي تنخرط فيه السعوديات. وحين نقول “مفهوماً مختلفاً”؛ فإننا لا نعني – بالتأكيد – ذلك اللباس الذي يؤدي دور العباءة والحجاب السعودي، ويكاد لا يختلف عنهما إلا باللون تقريباً.. وإنما نعني تجربة مهنية أكدت السعوديات أنهن على قدر كبير من القدرة على العمل فيها ومراعاة خصوصية المجتمع في الوقت نفسه.

السعوديات نجحنَ في صناعة مفهوم لهذه المهنة الدقيقة النبيلة. ومن خلال وعيهنّ الديني والاجتماعي تخطين الصعوبات الحساسة، وشكّلن قوة عمل وطنية قادرة على القيام بدورها على الوجه الذي لا يمس ثوابت المجتمع، ومارسن خصوصية حقيقية للممرضة السعودية وعملها وعلاقاتها المهنية بالمرضى، وبفريق العمل الطبي.

كانت العشرون عاماً الماضية بالذات، حاسمة في تجاوز الكثير من الحساسيات التي تلبّست نظرة المجتمع إلى العاملات في هذه المهنة، وعلى نحوٍ تؤكده أبسط المشاهدات اليومية في المستشفيات والمراكز الصحية. وما حدث، في حقيقة الأمر، هو أن المجتمع لم يغيّر شيئاً من ثوابته وأعرافه بقدر ما زحزحت الممرضة السعودية نظرة المجتمع إليها من موقع الرفض إلى موقع الاقتناع، وجعلت من مهنتها مصدر احترام. ومن الطبيعي ألا يتحقق ذلك بين عشية وضحىً، بل عبر مجموعة تطورات وتغيرات شهدها المجتمع السعودي في مراحل التنمية؛ فارتقى الوعي الاجتماعي بالتعليم، ورافقت الزيادات السكانية حاجات جديدة إلى الخدمات الصحية. وعرفت الممرضة السعودية، في تسارع هذه التغيرات، أنها الأكثر وعياً لمجتمعها وعاداته وتقاليده، وأنها الأقدر على التعامل مع المرضى وفهم احتياجاتهم.
التشريعات واحترام الخصوصية
وقد يكون اللباس أحد السمات البارزة في شخصية الممرضة السعودية، وهو لباسٌ يختلف كثيراً عن لباس أية ممرضة أخرى؛ فهو يراعي أساسيات الحجاب الشرعي حفاظاً على خصوصية المرأة المسلمة. غير أن اللباس ليس كل شيء في هذا الموضوع الحساس. فـ “بين فترة وفترة تحرص الجهات العليا في وزارة الصحة على تأكيد الكثير من الأمور المتعلقة بعمل الطبيبات والممرضات، بدءاً من اللباس الشرعي وانتهاء بالإجراءات الطبية التي تشترك فيها النساء”. هذا ما تقوله الممرضة آسيا سعيد التي تحدثت بوضوح عن وجود تنظيمات إدارية كثيرة لعمل الممرضات. ومن خبرتها في أحد أقسام الطوارئ تقول: “هناك الكثير من التفاصيل في مثل هذه الإجراءات التي تؤكد العمل على ضوء المحاذير الشرعية، وتضمن وجود الممرضة، بل حتى الطبيبة، في منأى عن أي إشكال”.

أربعة عقود من الخبرة
ترتكز خبرة السعوديات في التمريض إلى أكثر من أربعين عاماً مضت؛ حين أنشأت وزارة الصحة أول مدرستين للتمريض في الرياض وجدة عام 1381هـ. فكانت هاتان المدرستان نواة لتأهيل الكوادر السعودية النسائية للعمل في هذا الحقل الذي يمثل عصب النشاط الطبي في أية مؤسسة صحية. ولم يطل عام 1412هـ حتى اقترب عدد المعاهد الصحية من خمسين. وفي عام 1413هـ بدأ تطبيق نظام التمريض الجامعي المتوسط بافتتاح ثلاث كليات للعلوم الصحية المتوسطة للبنين بالرياض وأبها والدمام، إلى جانب ثلاث كليات للبنات بالرياض وجدة وعنيزة. وفي نهاية عام 1415هـ بلغ عدد كليات العلوم الصحية المتوسطة ثلاث عشرة كلية، منها سبع كليات للبنين وست كليات للبنات، وفي عام 1412هـ تخرج منها 32,180 من الفنيين الطبيين من الجنسين، وتدخل الوظائف التمريضية ضمن هذه الإحصائية. وفي أواخر العام الماضي 1424هـ، شهدت المملكة تأسيس أول كلية تمريض متخصصة.

وحسب إحصائية مصدرها وزارة الاقتصاد والتخطيط بلغ عدد الوظائف التمريضية المشغولة في المملكة 66,984 من الجنسين عام 1420هـ، منها 37,126 وظيفة في وزارة الصحة، و 17,212 في جهات حكومية أخرى، في حين هناك 12,610 وظائف في القطاع الخاص. وحسب الإحصائية نفسها فإن هناك ممرضة واحدة لكل 296 مواطناً، وهو معدل في حاجة إلى أن ينخفض إلى 250 مواطناً استناداً إلى المعايير الملائمة.

تحديات في طريق الآمال
وفي واقع الحال، فإن التمريض السعودي، النسائي على وجه الخصوص، يواجه تحديات جادة تحسب لها مؤسسات الدولة لها حساباتها حتى على مستوى المنظور. ومع الالتفات إلى العديد من المؤشرات، فإن الممرضة السعودية لا تزال ضمن هامش ضئيل من قوة العمل في هذا الحقل. ولا يتجاوز هذا الهامش نسبة 18% من بين العاملين والعاملات غير السعوديين، وينضمّ الممرضون السعوديون، أيضاً، إلى هذا الهامش. وتُعتبر هذه النسبة كبيرة في القطاع الصحي الحكومي قياساً بتلك الموجودة في القطاع الخاص، حيث لا تتجاوز نسبة سعودة الوظائف التمريضية فيها 1% فقط. وتصل نسبة التمريض السعودي في مستشفيات وزارة الصحة 27%، و 15% في المستشفيات الحكومية الأخرى.
وهذا ما حدا ببعض العاملين في هذا الحقل إلى المناداة بأخذ الموضوع على محمل أكثر جدية، خاصة أن “هناك عجزاً في عدد الممرضات بالمملكة بلغ 90 ألف ممرضة”، طبقاً لما صرّحت به المشرفة على الشؤون التمريضية بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث ليندا لونا، قبل مدة في ندوة حول التمريض عُقدت بمدينة جدة.

التمريض.. مريض بالتسرب..!!
إنها مشكلة عالمية، تعانيها المستشفيات والمؤسسات الطبية على نحو واضح في كل مكان: التمريض مريضٌ بـ “التسرُّب”..! ولا فرق بين مستشفى متهالك في دولة من العالم الثالث ومؤسسة طبية عريقة في دولة صناعية كبرى..! غير أن وجوده عندنا – على ما يعانيه التمريض من قلة الكوادر الوطنية – يزيد الأمر سوءاً، خاصة وأن 50٪ من خريجات التمريض يتسربن سنوياً طبقاً لنائبة مدير التمريض بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث الدكتورة صباح أبو زنادة.

الممرضات يتسرّبن من المهنة، إما سعياً إلى موقع أفضل، أو عودة إلى المنزل. ولهذا السبب وذاك استشرت الظاهرة عالمياً ولا تزال مصدراً لقلق القائمين على السياسات الطبية. والمشكلة – في بعدها المحلّي السعودي – تقع في صدارة التحديات التي يواجهها التمريض..! والتسرب لا يعني بالضرورة الاستقالة من الوظيفة، بل يعني أحياناً انتقال الممرضة من التمريض إلى أعمال إدارية في الموقع الذي تعمل فيه.

وتعمل استشارية الرضاعة الطبيعية بمستشفى أرامكو السعودية بالظهران مريم أحمد المعلّم على دراسة تحديات التمريض السعودي من خلال أطروحة ماجستير لا تزال بصددها. وتحاول الأطروحة الإجابة عن أسئلة مهمة من واقع مهنة التمريض. فهناك مدى ما من الخطورة في مشكلة النقص في كوادر التمريض، وهناك تغيّرات وتطورات تستجدّ يوماً بعد يوم في المشكلة. وهو أمر يتطلب البحث عن استراتيجية جادة قائمة على التخطيط المستقبلي الذي يضمن تطوير برامج التوظيف، وتطوير الموارد البشرية وتنميتها كماً ونوعاً، والعمل على جعل المهنة عنصر جذبٍ يحول دون استمرار مشكلة التسرب أو التخفيف من حدتها.

وتؤكد الباحثة المعلّم أن مشكلة التسرّب في حاجة إلى مواجهة استراتيجية بحيث تضمن فيه المؤسسات الطبية حداً معقولاً من الكوادر تتوزع اختصاصاته ومهامه على حقول مختلفة في التخصصات التي تحتاجها الخدمات الصحية في البلاد. وهو ما يتطلّب العمل على نحو يأخذ في اعتباره مستقبل المهنة، ومستقبل الخدمات الصحية، وتزايد عدد السكان؛ فضلاً عن التوطين الذي يجب أن يتزامن مع الاستفادة من القوى البشرية الأجنبية التي تؤمن، حالياً، نحو 80% من الوظائف التمريضية في المملكة.

والباحثة المعلّم تركز، بجدية أكثر، على ما يمكن أن تصنعه السياسات الإدارية لهذه المهنة، عبر وعي أبعادها العالمية، وتفاقمها على مستويات متعددة تؤثر سلباً في مجالات متعددة.

التمريض المتخصص
قلة الكوادر الوطنية والتسرب مشكلتان ترافقهما مشكلة لا تقل أهمية. هذه المشكلة هي حاجة المستشفيات في المملكة إلى الممرضة السعودية المتخصصة. وهذا ما نادت به ندوة التمريض السعودي في الألفية الثالثة التي استضافتها مدينة الملك عبد العزيز الطبية بجدة، قبل عامين. إذ يندر التخصص في صفوف الممرضات، وأكثرهنّ يُوجّهن بعد التخرج إلى العمل حسب احتياج الأقسام في المستشفيات أو المراكز الصحية من دون أخذ التخصص بعين الاعتبار، في حين هناك تخصصات تمريضية ملحّة، من بينها العناية بالأطفال الخـُدَّج والعمل في غرفة العمليات وفي قسم التوليد وقسم غسيل الكلى، والغسيل البريتوني، وغيرها من التخصصات النادرة التي تتطلب تخصصاً بالمعنى المهني الدقيق.

فضلاً عن ذلك تتكرر الدعوات إلى توجيه الاهتمام بالكوادر التمريضية العاملة. ومن بين هذه الدعوات ما أشار إليه نائب المدير العام التنفيذي للشؤون الصحية في الحرس الوطني الدكتور عبدالله ابن عبدالعزيز الربيعة قبل فترة عبر بعض وسائل الإعلام المحلية، فقد أكد ضرورة “إعادة تأهيل الكوادر الوطنية الموجودة حالياً”. وقال في استعراض حلول أولية لبعض مشاكل التمريض. إن “نسبة من الممرضات يعملن في مناصب إدارية أو في التمريض ولكن كمساعدات تمريض من دون تمتعهنّ بالكفاءة والتأهيل المناسب”.

ومن اللافت للنظر أن الممرضة تنخرط في مهنتها بعد تخرجها واستقرارها في قسم من مستشفى أو مركز صحي، وغالباً ما ترافق الأعمال الإدارية مهامّ وظيفتها، ويعتمد تقدمها المهني على الممارسة المتكررة في العيادة التي تعمل فيها أو القسم، من دون أن تطّلع على مستجدات المهنة على نحو يكفل تطور قدراتها النظرية تطوراً فاعلاً. وللحقيقة إن هناك فعاليات كثيرة تنظمها المؤسسات الصحية، في وزارة الصحة وغيرها، كالندوات، واللقاءات العلمية، والدورات، والمحاضرات. بيد أن بعضاً من هذه الفعاليات تُنفذ مقابل رسوم مالية تدفعها الممرضة من جيبها الخاص؛ الأمر الذي قد يؤثر في وضعها المادي، ويقلل من الحماس المهني والعلمي، فضلاً عن أن تطوير الكوادر يتأتى – بطبيعته – من حرص المؤسسة الصحية نفسها على الرقيّ بخدماتها ورفع مستوى الجودة النوعية لديها؛ وهذا ما يعني مبادرتها إلى تحمّل المسؤوليات المالية المترتبة على تطوير العاملين فيها، بدلاً من تحمّلهم عبئاً مادياً فوق أعبائهم.
بعد المجتمع: الجهد والعائد
المجتمع، بدوره، لا يزال في مرحلة غير كافية من الوعي لدور التمريض في المجال الصحي، وبرامج التوعية المعنية بتطوير الوعي لا تزال قليلة، وهناك نظرة خاطئة إلى مهنة التمريض لا تختلف كثيراً عن النظرة إلى الخادمة. والأغرب هو وجود اعتقاد بقلة فرص الزواج أمام الممرضات قياساً بغيرهن، على الرغم من تأكيد الواقع غير ذلك. ولكن لا يمكن إنكار أن هناك تحدّياً في طبيعة عمل التمريض، فالممرضة تتحمل أعباءً أكثر مما تتحمله العاملات في وظائف أخرى، هناك ساعات العمل الطويلة، والمناوبات المتقلبة، والحرمان من الإجازة الأسبوعية التي تتمتع بها سائر الموظفات.. وهناك موقع المهنة من السلم الوظيفي غير المشجع، وهناك السلم الوظيفي الذي لا يسمح بالانتقال من مرحلة الى أخرى.

وبمقارنة هذا الواقع والمتطلبات المهنية بالعائد المادي للمهنة؛ تنكشف تحديات جادة، فراتب الممرضة هو الأقل بين المهن الأخرى، ناهيك عن عدم توافق بدلات العمل ومتطلباته. فالممرضة تعمل 48 ساعة في الأسبوع بزيادة 30% عن ساعات العمل في المهن الأخرى. أما العائد المادي المقابل لزيادة ساعات العمل فلا يتجاوز 20%.

إن ما أنجزته المرأة السعودية في حقل التمريض ليس عملاً عادياً. إنها منذ أربعة عقود تكافح في خدمة وطنها عبر مهنة استثنائية بكل المعايير. لقد اخترقت منطقة حساسة وفرضت احترامها ووصلت إلى ما وصلت إليه بفضل إخلاصها الدؤوب، ونشاطها المستمر، وتفانيها في أداء واجبها المهني.. ولا تزال التحديات تحيط بها، وآن الأوان لأن تحصل على ما يوازي جهدها، ويعادل تفانيها في خدمة هذه المهنة التي كانت نساء الإسلام الأوائل رائدات فيها.

———————————————

كادر

منيرة العصيمي.. النصيحة عن خبرة

الأستاذة منيرة العصيمي.. من ألمع الأسماء وأكثرها عطاءً لعالم التمريض في المملكة. فقد حازت على شهادة بكالوريوس في علوم التمريض ودبلوم تربوي من جامعة الملك عبدالعزيز، وماجستير في إدارة التمريض من جامعة الملك سعود، وتدرجت في عدد من الوظائف بدءاً من ممرضة قسم في عدد من المستشفيات وصولاً إلى منصب مدير عام التمريض بوزارة الصحة في المملكة. ولها من المشاركات في الندوات والأبحاث ما يصعب تعداده إلى جانب أنها عضوة شرف في منظمة الصحة العالمية لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى عضويتها في عدد من اللجان والجمعيات بمناطق المملكة. وقد أعدت عدداً من الأبحاث منها: رعاية الأمومة ونوعية الإرضاع للأطفال المترددين على مراكز الرعاية الصحية الأولية، تأثير العادات الغذائية في الحالة الصحية بمجتمع قويزة، أساسيات الاتصالات الناجحة لنجاح علاقات الاتصال بين المشرفين والموظفين وغيرها.
وقد حصلت منيرة العصيمي على دروع تذكارية وجوائز أحدها درع الموظفة المثالية بوزارة الصحة بالمنطقة الغربية لسنتين متتاليتين 1986/1985م وجائزة رفيدة الأسلمية – ممرضة الإسلام الأولى والتي منحتها وزارة الصحة لأول مرة بالمملكة العربية السعودية عام 1994م.

كما أن لها العديد من المؤلفات، حتى أنه يستحيل على الباحث في علم التمريض أن يتناول تاريخه وواقعه الحالي في المملكة من دون العودة إلى عطاءاتها ومؤلفاتها، وهي:
1 – 
”التمريض في المملكة العربية السعودية”، (1415هـ)، بالعربية والإنجليزية.
2 – 
”مختارات من التاريخ التمريضي الإسلامي”، (1417هـ) بالعربية والإنجليزية.
3 – 
”مسيرة التمريض السعودي وأوائل الخريجين والخريجات” (1421هـ).

وتقول الأستاذة العصيمي في حديثها الموجه إلى الفتاة السعودية: لكل فتاة أقول: أنتِ ثروة هذا الوطن.. المستقبل.. الآمال.. الطموحات. وهبكِ الوطن خيراته ومنحكِ العلم واهتمت الدولة بكِ.. إلى أن كبرتِ وحصلتِ على العلوم والمعارف بشتى مجالاتها.. والآن دوركِ الأساسي هو رعاية أطفالكِ وتربيتهم التربية الصالحة وإعدادهم لأجيال واعدة. كما حان الوقت لتردي للوطن عطاءه وأن تقدمي لبنات جلدتكِ كل ما بوسعكِ، فهن بحاجة ماسة إلى علمكِ وعطائكِ في القطاع الصحي لأن التمريض ما هو إلا عطاء. فأعطي وطنكِ كما أعطاك ولا تنتظري من مهنتكِ التمريضية العطاء المادي قبل العطاء المعنوي المهم، وهو الدعاء لكِ من كل مريض تقومين بتمريضه! فأنتِ تتقاضين أجراً وعطاءً يومياً، بل كل لحظة وليس كل شهر.

وعن الممرضة السعودية تقول: “أحثهن على الإخلاص في العمل ومراقبة الله عز وجلّ، في عطائهن التمريضي. لأن الله هو الرقيب الأول عليهن قبل أية جهة أو مراقب أو مراقبة، وأطلب منهن أن يكنّ حريصات على تطوير أنفسهن. فالعلوم الطبية والتمريضية بكل تقنياتها المتطورة أصبحت سهلة ميسرة لكل طالب علم، وعليهن الرقي في التمريض لأن مجال عملهن لتقديم خدماتهن الإنسانية هو.. المريض.. وهو يحتاج إلى كل ما هو جديد في مجال التمريض”.

وعن الطالبات بالكلية الصحية: “أشجع الطالبات بالكليات والجامعات على أن يكنّ دعماً ومساندة للمستقبل في الرقي بالعملية التمريضية، وعلى عاتقهن يقع تطوير التمريض خلال السنوات القادمة”.

—————————————

كادر

أية ممرضة أنتِ..؟

أدى تطور علم التمريض الحديث إلى ظهور فئات عديدة من الممرضات، أطلقت عليها أسماء مختلفة تعكس نوع التعليم الذي تلقته والتدريب ومدته. وقد تختلف مستويات وفئات الممرضات من بلد إلى آخر وفقاً لاختلاف الأنظمة الصحية والإمكانات المتاحة. أما التقسيمات العالمية لفئات العاملات في التمريض فهي:
1 – ممرضة مساعدة: يختلف إعدادها من بلد إلى آخر، من خلال دورة تدريبية تتراوح ما بين ثلاثة أشهر وسنة، وقد يشترط فيها الحصول على تعليم عام لا يقل عن ست سنوات. وتُكلّف هذه الممرضة بأعمال مساعدة ومحدودة تحت إشراف الفئات الأعلى.
2 – ممرضة فنية: وهي الحاصلة على تعليم تمريضي لمدة تتراوح ما بين سنة وثلاث سنوات بعد شهادة الكفاءة. كما تشمل هذه الفئة خريجات المعاهد الصحية اللواتي يتابعن الدراسة لمدة ثلاث سنوات. وتقوم الممرضة الفنية بالأعمال التمريضية المباشرة تحت إشراف الممرضات المؤهلات.
3 – الممرضة المؤهلة: وهي الحاصلة على تعليم تمريضي لمدة لا تقل عن عامين بعد شهادة الثانوية العامة. كما تشمل هذه الفئة خريجات أقسام التمريض بكليات العلوم الطبية التطبيقية بالمملكة. وتقوم الممرضة المؤهلة بالأعمال التمريضية الدقيقة والتخصصية ذات المسؤولية التي تحتاج إلى اتخاذ قرار، كما تشرف على الممرضات من الرتب الأدنى.
ومع تطور هذا العلم، انفتحت آفاقه حتى أعلى المستويات، وبات بإمكان الممرضة متابعة التحصيل الجامعي والتخصصي وصولاً إلى شهادة دكتوراة علوم في التمريض.

—————————————

للتمريض جذور في تراث الجزيرة العربية والفتوحات الإسلامية.. وعصر النهضة أعاد لهذه المهنة طابعها النبيل
التمريض.. المفترى عليه

أكثر من ربع قرن من السهر على أسرة المرضى والدراسة الأكاديمية المتوجة بشهادة دكتوراة علوم في التمريض.. حتى أصبحت بكفاحها الطويل من أبرز أعلام التمريض السعودي، إنها الدكتورة إلهام عبدالله النقشبندي، التي تشغل حالياً منصب وكيلة كلية الطب للعلوم الطبية المساعدة في قسم التمريض الأكاديمي، والتي خصّت القافلة بكلمتها هذه حول تاريخ هذه المهنة.

مهنة موغلة في القدم. اسمها مشتق من ملازمة المريض والحنو عليه في مرضه. والمرض هو كل ما وعك النفس أو الجسم، حتى ولو كان ذلك بعض التغيرات المصاحبة للنمو والتطور الطبيعي والفيزيولوجي.

اشتغلت في هذه المهنة الكثيرات من العربيات قبل الإسلام وبرعن فيه وخاصة في فن القبالة. وفي ما يخص التضميد وتجبير الكسور فقد كانت حرب البسوس التي استمرت زهاء مائة عام خير شاهد على براعتهن في العناية بالجروح والكسور المعقدة. ولم لا وقد مضت أجيال من الشباب يحارب بعضهم البعض حتى أصبحت هذه الأدوار أساسية تلقنها الأم لفتياتها كما تلقن الشعر والأدب والفصاحة، فالتمريض علم وأدب وفن.

وفي صدر الإسلام امتهنت الأنصاريات هذه المهنة، وتبعن الرسول (صلى الله عليه وسلم) في غزواته، ونصبن الخيام لرعاية المصابين من الجنود والأسرى. “فالدين المعاملة” وهذه المهنة لا تعرف فرقاً عند تقديم العلاج بين الجندي والأسير. وأطلق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على هؤلاء السيدات لقب “الآسيات” فهن مجاهدات معه مثل المحاربين، ولهن مثل أجر المجاهدين.

ومن هنا يستشف القارئ صلة التمريض بالحروب والغزوات وهو ما يسمى “بالتمريض العسكري” وهذا ما كان معروفاً ومتعارفاً عليه على مدى العصور. ونظراً لصعوبة متابعة النساء الممرضات للحروب والغزوات البعيدة، فقد انتقلت المهنة إلى الجنود المحاربين. فمنهم محاربون في النهار وممرضون في الليل، يسهرون على راحة المصابين ويتناوبون في السهر والحراسة، حيث أكدت لنا المصادر التاريخية في التمريض العسكري براعة العرب المسلمين في التجهيز للمطهرات والأدوات الجراحية، ووضعت الموسوعات في هذا الفن أكثر ما وضعت، عندما فتح محمد الفاتح أرض الهند والسند واستعملت تركيزات متفاوتة من الأحماض المختلفة لتشبيع الضمادات وتجفيفها حتى تستخدم جاهزة بمطهرها الحمضي لتوضع على الجروح وتلتئم القروح.

اختفت صورة الممرضة المرأة وإن لم تختفِ صورة القابلة في المجتمعات. وظهرت صورة الممرض الجندي المجاهد. واستمرت على هذا المنوال حتى انتهت عصور الفتوحات والغزوات. وكما هو حال أي دور مزدوج فهناك جانب يطغى على الآخر. فالجندي.. الممرض.. المجاهد أصبح جندياً متقاعداً امتهن التمريض في فتراته العصيبة وجاهد في سبيل الله والدين وهو الآن محارب قديم أو مجاهد شهيد، ولكن ليس ممرضاً امتهن هذا الدور مهنة، درس لها وامتهن بها وأصبحت هي قضيته الأولى والأخيرة.

هذه النقلة التاريخية تفسر لنا اختفاء دور التمريض العسكري المتمركز في التمريض الذكوري، ورجعت مهنة التمريض مهنة أنثوية بحتة أضفى عليها الأدب العالمي في العصور المظلمة صورة تلك الممرضة الهزيلة والمكبلة بالهموم التي تقوم برعاية دار الأيتام والعجزة، وهي معتلة المزاج، ضعيفة الحيلة والموارد. ولكن ها هي عصور النهضة تأتي لتبدد الظلام وتأخذ هذه المهنة طابعها النبيل ولكن بصورة مهنة نسائية تناسب طبيعتها، طبيعة المرأة بعطفها وحنانها وشجاعتها وثباتها حيث تستدعي المواقف. وأصبحت في العالم الغربي مهنة شائعة الانتشار بل تقليدية في مضمونها.

ويقلب التاريخ صفحة من صفحاته، وها هي طبول الحروب العالمية الأولى وهي مجموعة حروب في حرب واحدة تدور رحاها في أنحاء العالم المختلفة. الآلاف المؤلفة من القتلى والجرحى والمعاقين وها هو فن التمريض الحربي يتجدد ويظهر ما دثره التاريخ تحت معطفه منذ الحروب الصليبية. وتبدأ ولادة ما يسمى بالتمريض العسكري الحديث والذي أثار وطنية الشعوب، فخرجت السيدات الأوربيات بقيادة ملكة انجلترا الملكة الأم، وشاركن في ترتيب حملات التدريس والتدريب للمتطوعات في الجيش. واختارت نبيلات المجتمع الانجليزي للإنضمام إلى هذه الحملات ليرفعن من انتصارات الجيش الإنجليزي في ساحات المعركة. أما في الأمريكيتين فقد ظهرت صور الممرضات المحاربات في الجيش الأمريكي، لتشجع الأمريكيات الشابات على الالتحاق بهذه المهنة في السلم والحرب. ودخلت الممرضة في نظام التدريب والتوظيف العسكري، وأصبح لها لقب عسكري بجانب لقبها المهني. وأصدرت معظم دول العالم طوابع بريدية تاريخية كرمت فيها الممرضات ومساهماتهن في تضميد جراح الحرب والتخفيف من أهوالها. واستمر عطاء مهنة التمريض وازدهر التعليم فيها وأغلقت المدارس الصغيرة التي كانت تتبع دور العبادة والمستشفيات، وأصبحت معاهد وكليات فيما بعد وافتتح أول معهد تمريض.

وما زلت أذكر ممرضة أمريكية فاضلة التقيت بها وأنا طالبة في مركز أرامكو الطبي حين علقت على وجود أوائل الخريجات من الممرضات الجامعيات قائلة: إنه من الجميل أن نرى فتيات القرن العشرين ينظرن إلى هذه المهنة كمهنة جديدة وليست تقليدية كما هو الحال لدينا، فعندما كنت في عمركن لم يكن للفتاة الأمريكية مهنة غير مهنة التدريس ومهنة التمريض، وكنت أعتقد أنه من الأفضل أن أختار مهنة التمريض حتى أستطيع الرقي إلى أعلى وظائف المستشفى.

———————————————

الهند.. لسد النقص

النقص في عالم التمريض ليس مسألة محلية فقط، بل مشكلة عالمية. ففي بريطانيا، تقول مصادر “الكلية الملكية للتمريض” أن نقص الممرضات سيبلغ في العام الجاري 110,000 ممرضة، وفي أمريكا، وفي ولاية تكساس فقط يبلغ النقص حالياً نحو 40,000، في حين تشير “مجلة التمريض” إلى أن هذا النقص سيبلغ على مستوى البلاد كلها نحو 808,000 ممرضة بحلول العام 2020م. ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد، تحرك الواعون إلى حجم هذه المشكلة في الهند، حيث يبلغ عدد الممرضات المؤهلات نحو 600,000 ممرضة، وبدأ تأسيس المكاتب والمعاهد الهادفة إلى تصدير جزء من هذه القوة العاملة.

فقد نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريراً حول هذا الشأن جاء فيه أن بريطانيا استقدمت في العام الماضي 1,833 ممرضة هندية، وحتى شهر يونيه، كان عدد الممرضات الهنديات اللواتي هاجرن للعمل في أمريكا قد وصل إلى 670. الأمر الذي دفع برجال الأعمال إلى تنظيم عمليات التأهيل والتدريب محلياً، وإقامة المعاهد الخاصة لهذه الغاية. من هذه المؤسسات هناك واحدة في بنغالور تحمل اسم “ممرضات في أي وقت”. يقارن مديرها التنفيذي شيخ شاه هذا الميدان الجديد بما شهدته صناعة الإلكترونيات في أمريكا من تدفق آلاف المهندسين والفنيين الهنود لسد النقص منذ بداية فورة الإنترنت.

وتتعامل المؤسسات المستحدثة في الهند مع هذا الشأن في شكل بالغ الجدية. فعلى المتقدمة إلى المؤسسة المذكورة مثلاً أن تكون حاملة شهادة معترف بها، وتتقن الإنجليزية، وذات خبرة لا تقل عن ثلاث سنوات. بعد ذلك تبدأ مرحلة التأهيل (في الهند) والتي تستغرق نحو ثمانية عشر شهراً، وتشمل الإعداد للارتقاء بالأداء إلى المستوى المطلوب أمريكياً، و”أمركة” اللهجة الإنجليزية لتخليصها من ملامحها الهندية – البريطانية.. وصولاً إلى التدريب على استخدام بطاقات الائتمان. أما الممرضات الهنديات فتبدو عليهن حماسة عامة للهجرة إلى أمريكا، وتختصر مبرراتهن في نقطتين: الراتب الذي يبلغ في أمريكا نحو 100 ضعف ما تتقاضاه الممرضة في بلادها، والثانية مناخ العمل وفرص التقدم المهني.

—————————————

تعتبر فلورانس نايتنجيل مؤسسة التمريض في العالم وهذه السيدة التي تنحدر من عائلة إنجليزية ثرية كانت قد لعبت دوراً بارزاً في عمليات الإسعاف والتمريض خلال المعارك التي خاضها الجيش الإنجليزي ضد الجيش الروسي في القرم. إبان عودتها افتتحت مدرسة التمريض بمستشفى سانت توماس وألفت الكثير من الكتب في هذا المجال ويعتبر ذكرى ميلادها احتفالاً عالمياً للتمريض في جميع أنحاء العالم.

أضف تعليق

التعليقات

ا.د. ابراهيم علي جبيل

مقال ممتاز ولايختلف وضع التمريض في ليبيا عن التمريض في السعودية ومازال شعور المجتمع الليبي ناحية الممرضة دون المستوى المطلوب من ناحية المرتب, والتضرة الاجتماعية للمهنة , وسيطرة الزوج والاطفال عل تفكيت