الرحلة معا

..بعد سنة

لدينا في هذا العدد وقفة صغيرة للمراجعة والتأمل.
لقد مرت سنة على صدور القافلة في حلّتها الجديدة. ولأننا قلنا في العدد الأول من تلك السنة إن القارئ هو الحاكم في بلاط الصحافة، فإن موقفه ورأيه يشكلان أفضل منطلق لمراجعة عملية التجديد هذه وتقويم نتائجها.

كنّا في العدد الأول من القافلة الجديدة قد خصصنا صفحتين لرسائل القرّاء، وكنّا نعتقد أننا سنضطر لاحقاً إلى التضحية بواحدة منهما لضيق المجال. ولكن الأمور سارت على عكس التوقعات، فانهال سيل من الرسائل المعقبة والمتحفِّظة ولم يخل الأمر من الرسائل المهنئة، الأمر الذي فرض زيادة المساحة المخصصة لهذه الرسائل إلى أربع صفحات.

مسؤولون كبار، أكاديميون، شعراء، أدباء، صحافيون، طلاب وأشخاص من مختلف الاهتمامات عبّروا عن ترحيبهم من جانب، ورؤاهم من جانب آخر فيما يختص بالقافلة الجديدة مضموناً وإخراجاً.. نشرنا بعض رسائلهم، وحال ضيق المجال دون نشر بعضها. ولكننا تطلعنا إلى كل رسالة على حدة على أنها أغلى المكافآت على عملنا. وأكثر من ذلك، فإن هذه الرسائل والعدد الكبير الذي رافقها من طلبات الاشتراك في المجلة، شكلّت جواباً عن سؤال كنّا قد طرحناه على أنفسنا وقت الإعداد للتغيير الذي حصل في القافلة.

كان سؤالنا على هذا النحو: هل إن كثرة الدوريات الثقافية قد أبقت على فراغ يمكن للقافلة أن تملأه ويبرر استمرارية وجودها؟ وقلنا وقتها إن مجرد وجود أي منبر إعلامي يكمن في قدرته على تقديم مادة صحافية غير متوافرة في غيره، أو مختلفة في روحيتها وتوجهها عما هو متوافر في المنابر الأخرى، فماذا ستقدم القافلة؟

لأن للقافلة مكانتها الخاصة في قلوب جمهورها العريض، وصل هذا السؤال إلى رئيس الشركة، الأستاذ عبدالله بن صالح بن جمعة، الذي وضع، بعد مداولات طويلة مع المسؤولين في إدارة العلاقات العامة، تصوره لما يجب أن تكون عليه القافلة، وفصّله في رسالة من خمس صفحات شكّلت الركيزة الأساس التي قامت عليها عملية التطوير لاحقاً.

فبعد أن أشار إلى “وجود حاجة لتطوير القافلة بحيث تحقق الأهداف التي تتوخاها الشركة وتلبي احتياجات قرائها” آخذاً بعين الاعتبار تكاثر المجلات الثقافية العربية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، ضَمّن رسالته عدداً من التوجيهات التفصيلية نذكر منها على سبيل المثال:
– 
هناك حاجة إلى تناول مجموعة كبيرة من الموضوعات ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بأرامكو السعودية وصناعة الزيت.
– 
على المجلة أن تشتمل على مقالات حول التكنولوجيا، وأن تتناول، في اتجاه آخر، المنطقة والمملكة مع التركيز على الثقافة العربية وتراث المملكة وشعبها.
– 
ومن المجالات التي يجب أن تهتم بها القافلة رفع مستوى الوعي عند قرائها حيال قضايا السلامة والصحة والبيئة.
– 
ولكي تكون المادة الصحافية المنشورة ذات جدوى، سواء أكانت ذات طابع تقني أم غير ذلك، فيجب أن تقدم بأسلوب سهل ولغة مفهومة. فمن الضروري أن تكون الموضوعات المنشورة جذَّابة للقارئ، الذي يجب أن يجدها مثيرة للاهتمام إلى جانب كونها ذات قيمة تربوية وتثقيفية.

وفي قراءة متأنية لهذه النقاط، نكتشف أن توافرها مجتمعة في القافلة كفيل بأن يرسم لها شخصية جديدة، تسد فراغاً موجوداً بالفعل في الصحافة الثقافية، وهو الأمر الذي يعيدها إلى دورها واتصالها بالقارئ بالحيوية نفسها التي عرفتها في العقود الأولى من عمرها، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف المعطيات ما بين الأمس واليوم.

وعبر ضوء أخضر أعطاه عاشق القافلة الأستاذ عبدالله جمعة لإدارة العلاقات العامة لتوفير كل ما تحتاجه عملية التطوير هذه، وصولاً إلى التعاون مع الكفاءات المتاحة في باقي إدارات الشركة وحتى من خارجها، انطلقت الورشة لبلورة هذه الرؤية في صورة قافلة جديدة.

ولكن، كيف؟
مناخات المجلة وأبوابها بدءاً من الطاقة والاقتصاد وصولاً إلى الملف.. صار القارئ يعرفها. ونتجاوز الحديث عنها للوصول إلى ما قد يكون ارتسم في ذهنه من أسئلة خلال مطالعته لصفحات القافلة، ولعلنا نكشف بذلك عرضاً – وعمداً – “سرّ الخلطة”.

لا شك في أن القارئ لاحظ في الأعداد الستة السابقة كثرة الموضوعات التي تحمل توقيع فريق التحرير، بعدما اعتاد رؤية اسم كاتب واحد يوقع هذه المقالة أو تلك في صحافتنا الثقافية والعربية عموماً. والواقع أننا اعتمدنا في إعداد الموضوع الصحافي الواحد نمطاً جديداً يقوم على جمع المساهمات في الموضوع الواحد من أكثر من مراسل وكاتب. كل يكتب للموضوع نفسه حسب اختصاصه أو موقعه ووفق ما هو متوافر لديه من مصادر ومعلومات، ولاحقاً يتولى مكتب التحرير جمع هذه المساهمات في توليفة متكاملة وموحدة تتناول الموضوع من أوسع زاوية ممكنة وتطال أكبر قدر ممكن من جوانبه.

أي أن فريق التحرير أعطى الأولوية لتكامل المادة الصحافية والارتقاء بمستواها إلى أقصى ما يمكن، على العائد المعنوي المتمثل بتوقيع اسم الكاتب المنفرد. من جهة أخرى، لا بد من كلمة حول شخصية المادة الصحافية التي تنشرها القافلة، ونتوجه بها إلى المتسائلين، خاصة الأخوة والأصدقاء الذين يوافوننا بمشاركاتهم عبر البريد: لماذا تتعامل القافلة بإسهاب مع هذا الموضوع وتستبعد ذاك؟

إن الأهداف التي تسعى القافلة إلى تحقيقها تشمل التعريف بالصناعة البترولية بلغة سهلة وأسلوب مشوّق، والبحث في قضايا التنمية المحلية والعالمية، وتنمية روح التطوير والابتكار وغرس قيم العمل والإنتاج وزيادة الوعي الصحي والبيئي ونشر أصول السلامة، وتنمية الحسّ الفني والأدبي وإثراء الحصيلة الثقافية. أي أن “تشكيلة” اهتمامات القافلة هي من أوسع ما يمكن أن تكون عليه مجلة ثقافية، لكن للوصول إلى هذه الأهداف طريق محددة على صعيد تناولها مهنياً.

فالمواضيع الرئيسة في القافلة تعرض أساساً لقضايا، وترصد تحولات اختمرت ببطء. فلو أخذنا التعليم الجامعي في المملكة مثلاً، لوجدنا أن التوقف أمام وصف كل جامعة وأقسامها المختلفة لم يعد يكفي لأن يكون مادة في مجلة تصدر مرة كل شهرين طالما أن هذه المعلومات متوافرة بتفصيل أكبر في كتيبات هذه الجامعات وعلى شبكة الإنترنت وغيرها.. أما البحث في تضخم بعض الكليات على حساب كليات أخرى، وتحليل المسائل التي يثيرها هذا الأمر وانعكاساته على علاقة الخريجين بسوق العمل.. كل ذلك يشكّل قضية تستحق أن تكون مادة صحافية تطرح في مجلة دورية، وقد طرحناها في القافلة على حلقتين. وهذا لا يعني أبداً فارقاً في المستوى بين المادة الإخبارية ومواضيع القضايا، ولكن تنوع وسائل الإعلام وتكاثر أعدادها في العصر الحديث وسرعتها في أداء وظيفتها فرزت المواد الصحافية بين ما هو صالح للتلفزيون أو الإنترنت من جهة، وما هو صالح للمجلة الشهرية أو الدورية من جهة أخرى.

الأمر نفسه ينطبق على جانب من جوانب الإخراج الفني للمجلة يتعلق بالصور والرسوم التوضيحية المصاحبة للنصوص، فالانتشار الهائل الذي عرفته الصور الفوتوغرافية التقليدية في العقود الأخيرة أفقدها الكثير من تأثيرها، وصار خطابها في معظم الأحيان مقتصراً على تأكيد “صحة النص” أو على مجرد التذكير البصري ببعض فقرات النص، الأمر الذي جعلنا نميل في القافلة إلى الاعتماد أكثر على الرسوم الفنية والرمزية التي تشير إلى روحية الموضوع وتتناغم ومزاجه العام، حيثما كان ذلك ممكناً. ونعتز بأن بعض هذه الرسوم الجميلة مثل “شجرة التعليم الجامعي” تحولت على يدي وزارة التعليم العالي، بعد تطويرها، إلى هدية وزعتها على العديد من مرافقها وعلى المهتمين بهذا المجال.

وبشكل عام يمكن القول إن الكثير مما تحقق للقافلة وحيوية علاقتها بالقارئ يعود إلى النقاش المستمر في الخطوط العامة وكذلك في التفاصيل، نقاش يصل إلى حد الإرهاق داخل فريق التحرير، ونسعى دائماً إلى “توريط” أكبر عدد ممكن من الأصدقاء ومحبي القافلة فيه. ومن رحم هذه النقاشات ولدت كل تلك التغيرات، حتى تلك التي ما زالت تتوالى عدداً بعد عدد.

وفي عودة إلى رسائل القراء، نشير إلى أن بعضها لم يقتصر على التهاني، بل تضمّن نقداً واقتراحات وأفكاراً كان علينا أن نناقشها في الاجتماعات الطويلة التي نعقدها لتقويم كل عدد.

فالرأي أن المساحة المعطاة للشعر في العدد الأول كانت قليلة (صفحتين)، دفعنا إلى توسعتها لاحقاً إلى أربع صفحات. والرأي القائل بأن توالي المقالات الطويلة قد يتعب القارئ، دفعنا إلى استحسان باب من صفحتين للأخبار العلمية القصيرة سمّيناه “زاد العلوم”.. بالإضافة إلى تلبية بعض رغبات القراء بزيادة موضوعات مناخٍ معينٍ مثل العلوم أو الثقافة أو القضايا، فارتفع عدد الصفحات تدريجياً من ست وثمانين صفحة إلى أربع وتسعين ثم إلى مائة صفحة واثنتين، وهو قابل باستمرار للتغيير حسب متطلبات كل عدد وما يتطلبه من تنويع وتلبية لرغبات قرائنا.

وأخيراً، فإننا لن نستطيع أن نلم بتفاصيل سنتنا الأولى كلها، حيث نكتفي بهذه المقتطفات من رؤية الانطلاق الأساسية وما حققناه حتى الآن. فالتطوير عملية حيّة، خاصة في دنيا الصحافة التي هي أكثر المهن ارتباطاً بالحياة وتطوراتها. وهذه العملية ستستمر في القافلة بإذن الله. فمع كل عدد هناك مغامرة صحفية جديدة محسوبة. والعدد التالي لا يولد من الأول، بل مثله من نقطة مشتركة هي التجربة، مضافاً إليها الرأي.. رأي القرّاء والمحبين، وهم كثر ولله الحمد.

أضف تعليق

التعليقات