رسالة المحرر

مبادرات تبحث عن قرَّاء

نعم، ما زلنا نعيش أزمة قراءة في العالم العربي، والدليل على ذلك تتالي المبادرات العربية المعنية بتحفيز كل فئات المجتمع – لا النشء وحده – على القراءة واقتحام العصر المعرفي.

المشاريع العربية في هذا الصدد لا تُحصى، لكن تبرز من بينها الدراسة الميدانية التي أنجزها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي عن مجتمع القراءة في السعودية، ومبادرة إحياء «اليوم العالمي للكتاب» الذي تنظِّمه منظمة اليونيسكو في أبريل من كل عام، وأخيراً دخول حكومة دبي المضمار بمشروعها الأضخم عربياً لتشجيع القراءة على مستوى العالم العربي عبر برامج ومسابقات وحملات إعلامية ضخمة.

وفضلاً عن هذه المبادرات فإن معارض الكتاب العربية تنهال على القرَّاء والمهتمين بآلاف العناوين، وفي شتى حقول المعرفة والثقافة والفنون والعلوم في شبه احتفالات سنوية تمتد من الخليج إلى المغرب.

كل هذا يعني أن حقل العطاء والنشر الثقافي ليس مجدباً بل إنه يعيش ربيعاً ما، لكن الدراسات والأبحاث لا تزال تشير إلى أن مخاطر الفشل القرائي تحدق بمجتمعنا العربي، وتقرّ سلفاً بأن المجتمعات التي لا تقرأ ولا تختلط بثقافات العالم وابتكاراته وفنونه تصبح تلقائياً خارج الخارطة الحضارية للمجتمعات البشرية، لتصبح كياناً أعزلاً يتلقى ويستهلك دون أن يتفاعل مع العالم الذي يحيط به.

وبكلام أكثر بساطة، فإن العبرة ليست بضخامة الإنتاج الفكري والثقافي، رغم أهميته، ولكن بإيصاله إلى الجيل الجديد ضمن مشروع تربوي متكامل، يبدأ من رياض الأطفال وينتهي بالمرحلة الجامعية. وهذا المشروع ينبغي له أن يعيد تعريف القراءة ووظائفها الخلَّاقة وآلياتها، واعتبارها أساساً لبناء عقل مستنير يحافظ على هويته ومرجعياته الدينية والوطنية دون شطط، وتعينه قراءاته على معرفة الأديان والحضارات الأخرى والتواصل مع إنسانها وما يحيط به من مؤسسات ومفاهيم وتقاليد معرفية، دون تصفيات أو تحيّزات أو أحكام نابذة وعدوانية. أي إننا نبحث هنا في كيفية تأسيس جيل قادر على خوض معركة التثاقف مع الآخر من موقع الشراكة والتعلم والتأثير المتبادل، وتقليص العصبيات والنزعات الانعزالية والتطرف والتوحش.

وهذا يعني أيضاً الاعتراف بأن أي مشروع قرائي اجتماعي لا يضم الأسرة والمجتمع الصغير والمدينة في شراكة تضامنية كاملة، فإنه لن يحقق أهدافه المنظورة، وستبقى المبادرات تتوالى وكأنها قد وضعت للردّ على تُهَم المنظمات الثقافية العالمية بأن المجتمعات العربية تعيش في المراتب الدنيا من السلّم القرائي للعالم.

كذلك فإنه يتوجب على صانعي هذه المبادرات أن يذلِّلوا العقبات في طريق صناعة النشر العربي الورقي والإلكتروني، فدون قوانين راسخة وملزمة تضمن حقوق الكُتَّاب والناشرين، فإن فوضى النشر والقراءة ستبقى بلا أمل، كما أن الرقابات العربية التي تتنافس على تعثّر تداول الكتب وأدوات المعرفة الأخرى وتدوير الفعاليات الفنية والثقافية ستبقى معوّقاً أمام المبادرات الجادة لنشر المعرفة والكتاب.

قال لي صديق مرة، ونحن نَعْبُر إحدى المجمعات التجارية، إن الهواتف الذكية أجبرت الناس على القراءة، لكنني أجبته بأن ليس هناك ما هو أخطر من القراءات الواهمة أو اللحظية.. فقد اعترف بعض المراهقين بأنهم تتلمذوا عليها ونفَّذوا تحت تأثيرها ما لا يُحصى من الجرائم بحق مجتمعات آمنة. مثل هذه القراءات أشبه بإطارات السيارات المقلّدة التي يمكن أن تذهب بالمركبات الأنيقة إلى حتفها في غمضة عين.

أضف تعليق

التعليقات

أشرف سعد تخلة

ألف الف مبروك صدور العد الجديد مارس وأبريل 2016م من واحة العرب القافلة فهى حديقة غناء تصدع على بساتينها الطيور المغردة ,فالمجلة تتنوع فى أبوابها بما يشبع حاجه القارىء ففيها ساحة مفتوحه للقراء