أدب وفنون

محاولات التكهن بها

أهناك عناصر تضمن فعلاً نجاح رواية ما؟

57بعد رواج رواية ما، يسهل على النُقَّاد تعداد أسباب نجاحها. ولكن قبل ذلك، فإن كل شيء يبقى أسير التكهنات والأمنيات. ولو كان الكُتَّاب والناشرون يعرفون بدقة شروط الرواية الناجحة وعناصرها، لما كانت هناك روايات فاشلة ولا حتى متوسطة الأهمية. ولكن، لأن السؤال الخالد حول ما يصنع نجاح الرواية أو يضمنه، يبقى مطروحاً في أذهان الجميع من كُتَّاب وناشرين وحتى القرّاء، تستمر محاولات البحث عن العناصر المشتركة ما بين الروايات الناجحة، علّ في ذلك ما يؤدي يوماً ما إلى حصرها وتأكيد صحتها.

هل توجد حقاً وصفة لكتابة رواية ناجحة، كما يدعي عدد من المهتمين بالموضوع؟. في الواقع لا توجد وصفة سحرية جاهزة تمكّن المؤلفين من ذلك.

هناك بالطبع بعض النصائح العامة التي يعرفها الجميع، مثل القول إنه لا بدَّ من الكتابة في الموضوع الذي يهم الكاتب ويستهويه، وأن يكتب عن عوالم يعرفها جيداً، وأن يجري البحوث اللازمة التي من شأنها تعزيز معارفه، وأن يتحصن بالأصالة في الموضوع والأسلوب لتجنب حماقة إعادة إنتاج ما كُتب عنه من قبل، وأن يختار لها العنوان الملائم.. ويتحدث آخرون عن أهمية الإعلام والدعاية للرواية. وفي هذه النقطة الأخيرة ما يستحق التوقف لبرهة.

فمن بين عوامل رواج رواية ما، نجد حديث الناس عنها، حتى دون اقتنائها أو قراءتها. ويعود الفضل في ذلك إلى الحملات الإعلانية. فدور الإعلام قد يكون حاسماً في بعض الظروف إذ إن الروايات التي يتم اختيار كتابها للمرور في برامج تلفزيونية معينة، تمكن القارئ تلقائياً من التعرف عليها دون سواها. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر ما كان يقوم به الاعلامي والكاتب برنار بيفو في برنامجه الشهير «أبوستروف»، أو ما تقوم به الإعلامية أوبرا أونفراي في برنامجها الشهير «أوبرا»، حيث أثبتت الدراسات المهتمة بتسويق الكتب، أن الكتب التي كانت أوبرا تعرضها وتشيد بكتابتها أو تستضيف كتابها، كانت ترتفع مبيعاتها ارتفاعاً هائلاً، بل إنها أسهمت في تحويل عدد من الروايات إلى السينما، وبالتالي ارتفع عدد مقتنيها ليصل إلى الملايين وفي فترة وجيزة.

ولكن، بصرف النظر عن هذه العموميات، لا أحد يعرف سلفاً ما يجعل رواية ما ناجحة دون غيرها. ويظهر ذلك من قلق الكتَّاب وتعبيرهم عن صدمتهم من كساد أعمالهم، أو دهشتهم لانتشارها واتساع وتيرة الإقبال عليها. بل إن الناشرين أنفسهم طالما أخطأوا في رهاناتهم على روايات فشلت، وعزوفهم عن نشر روايات حقَّقت نجاحاً لدى دور نشر قبلت نشرها.

«البيست سيلر» هذا الحلم..
58تسمى الكتب بـ «البيست سيلر» أي الأكثر مبيعاً كما هو معروف، لأنها حققت بالفعل مبيعات كبيرة. ولا نملك حالياً إلا هذا الدليل على نجاحها. وعندما يأخذ النجاح شكل البيست سيلر وتنزل النعمة على الكاتب المنذهل والناشر المغتبط، فإنهما يتحدثان معاً عن مفهوم المعجزة الذي يبدو على الأرجح بالنسبة لهما أنه سبب هذه الظاهرة السعيدة.

الباحث والمؤرخ والأكاديمي فريدريك روفيلوا يخصص للموضوع كتاباً مهماً ومرجعياً. حيث يتوقف عند أرقام المبيعات ومميزات الكتب الأكثر مبيعاً، لكنه يكتشف حقيقة صادمة، وهي أن الأرقام غالباً ما تكون مزيفة، كما أن المميزات لا يمكن تحديدها بموضوعية، لأن عوامل كثيرة تتدخل لصالح هذه الكتب أحياناً لا تكون ذات صلة بالكتاب وقيمته أصلاً. ويعيد الباحث تاريخ التعبير «بيست سيلر» إلى عام 1889م في الولايات المتحدة، حيث كان الناشرون وراء اختراع هذه الصفة أمام النجاح الكبير لبعض الكتب.

قسَّم الباحث كتابه إلى ثلاثة محاور «ما هو البيست سيلر؟»، و«كيف نصنع البيست سيلر؟»، وأخيراً «لماذا نقتني البيست سيلر؟».

يتميز الكتاب بمعرفة موسوعية وعمل أكاديمي متكامل على تحليل الكتب الناجحة، ويستند إلى أسس تاريخية وجغرافية وسير ذاتية واستراتيجيات الناشرين، ليرسم صورة غنية عن الأعمال الأكثر رواجاً ولماذا نالت معجزة النجاح (المحسوبة أو غير المحسوبة)، والأمر يعود إلى عوامل متداخلة شرحها الباحث بدقة وبراعة.

وعلى الرغم من ذلك، فإننا لا نستطيع التنبؤ بأن رواية معينة يمكنها أن تصبح رواية ناجحة. هل كان يظن دانييل دوفو وسرفانتيس وجوناثان سويفت وهيسه وفلوبير وفيكتور هوغو وجول فيرن وديكنز وأغاتا كريستي وهيمينغواي وغيرهم أن رواياتهم ستجوب العالم وبلغاته كلها؟ هل كان يتمنى ستاندال أن تصبح روايته «الأحمر والأسود» من بين أهم روايات القرن العشرين؟

«اليوم الموهبة لا شيء، بينما التسويق هو كل شيء». تعتمد هذه الاستراتيجية على ثلاث ركائز، هي: «التعريف بالمنتج، والتسويق، والتعريف بالكتاب»..

تميز هذا القرن، بالذات بانتشار الرواية الناجحة. إذ تطورت وسائل الإعلام وصناعة الكتب. كما أن الناشرين أصبحوا متمكنين أكثر في صناعتهم مهنياً وتجارياً. يسوق روفيلوا مثالاً عن رواية ماريا شابدلين لصاحبها لويس هيمون. في البداية، لم تحظ هذه الرواية لدى الناشر «بايو» بالانتشار المرجو، لكن الناشر برنار غراسي وجد أن الرواية مهمة، فاشتراها من ناشرها الأصلي. وفي الوقت نفسه، كتب الناقد اللامع ألفونس دودي مقالة تمجِّد الرواية وصاحبها. استغل غراسي هذا الحدث، فبدأ بمضايقة وسائل الإعلام لصمتها عن مدح الرواية، عارضاً ملصقات على حيطان المدن، ولافتاً القرّاء إلى تصاعد المبيعات. كانت هذه الاستراتيجية مفيدة جداً، واستعملت كنموذج لدى ناشرين آخرين. يلخص هذه الظاهرة بول أكير الصحفي المتخصص في عرض الكتب، قائلاً: «اليوم الموهبة لا شيء، بينما التسويق هو كل شيء». تعتمد هذه الاستراتيجية على ثلاث ركائز، هي: «التعريف بالمنتج» أي ضمان انطلاقة الكتاب، ثم «التسويق» أي جعل الكتاب في متناول القارئ، وأخيراً «التعريف بالكتاب»، أي تعريف القارئ بالروايات التي يجب عليه قراءتها من خلال وسائل الإعلام المتعدِّدة ووسائل التواصل الاجتماعي. فمنذ عام 1912م، ولائحة الكتب الأكثر مبيعاً تنشر باستمرار أسماء الروايات الناجحة. ويمكن الاطلاع عليها في الصحف الكبرى في العالم مثل الباييس ولوموند لوفيغارو ونيويورك تايمز، وفي معظم المجلات والصفحات الأدبية وغيرها من وسائل التواصل.

59يرى الباحث أن ظاهرة «البيست سيلر» تنعكس على الروائيين، وتفضي إلى تقسيمهم إلى طائفتين: الأولى هي الأشهر، والثانية أقل. وكل طائفة ترى أنها هي من يملك الشرعية بالمجد الأدبي. والثانية أنها صنعت نوعاً من البحث عن الشهرة الذي يتخذ أحياناً طرقاً ملتوية من المؤامرات والانتقادات التي تتطور إلى كراهية معلنة أو سرية.

تظهر مثل هذه المواقف عند الأخوين غونكور اللذين كانا يشتكيان من المبيعات الكبيرة لكتّاب رديئين. فبالنسبة لهما، إن أصحاب الكتب الأقل مبيعاً هم الأجدر بصفة «الكاتب»، ولأجل تكريمهم أنشأوا «جائزة غونكور». في البداية، كانت الجائزة مخصصة للكتَّاب غير المعروفين وغير المقروئين. لكنها أصبحت اليوم وسيلة للشهرة. فهي تضمن ثروة للكاتب والناشر على حد سواء. فالكتَّاب إذاً مرتبطون بظاهرة البيست سيلر سواء أرضوا بها أو لم يرضوا، وسواء اشتهروا أو لم يشتهروا، وسواء أكانوا نجوماً أو كتَّاباً مغمورين. لأنهم في قرارة أنفسهم يخامرهم هاجس وشعور قهري بضرورة كتابة الرواية الناجحة الأولى، أو كتابة رواية تتجاوز روايتهم الأولى الناجحة، وبين البحث عن النجاح الأول والاستمرار في النجاح تتداخل العوامل وتتجاذب النتائج وتتقاطع المصائر.

حتى اليوم، لم تصل رواية عربية إلى سقف مبيعات «البيست سيلر» التي تقدَّر مبيعاتها بالملايين مثل سلسلة روايات هاري بوتر وغيرها…

ويخصص فريدريك روفيلوا الفصل الأخير للقارئ، محاولاً معرفة لماذا يميل القرّاء إلى كتاب دون غيره؟ فبالنسبة إليه، لا شيء يأتي مصادفة؛ لأن هناك أسباباً محددة ودقيقة، وهي: القراءة المفروضة مثل الروايات المدرسية، والقراءة لأجل الاندماج في المجتمع مثل الأعمال الفائزة بالجوائز التي يتنافس القرَّاء على شرائها ونصفهم لا يقرؤها، والقراءة الترفيهية مثل الروايات البوليسية التي تحقق أعلى المبيعات في العالم.

محاولة لوضع وصفة
MAN20حتى الآن، إذا كنت ما زلت تعتقد أنه لا توجد وصفة سحرية للبيست سيلر كما يقول الأكاديمي الفرنسي روفيلوا، فقد تكون مخطئاً في نظر البعض؛ لأن أحد العارفين بهذا النجاح، أستاذ الأدب وصاحب روايات الرعب الشهيرة جيمس و. هال يكشف عن بعض شروطها الضرورية. ويصل إلى هذه الاستنتاجات المهمة معتمداً تحليلاً بنيوياً لاثنتي عشرة رواية أمريكية ناجحة في السنوات المئة الماضية. ويستنتج أن هذه الروايات تعتمد الأساليب نفسها، بعضها واضح إلى حدٍّ ما، والبعض الآخر أكثر إثارة للدهشة.

والروايات التي اعتمدها، هي:
• ذهب مع الريح، مارغريت ميتشل، 1936
• ساحة بيتون، غريس ميتاليوس، 1956
• أن تقتل طائراً بريئاً، هاربر لي، 1960.
• وادي الدمى، جاكلين سوزان، 1966.
• العرَّاب، ماريو بوزو، 1969.
• طارد الأرواح، ويليام بيتر بلاتي، 1971.
• الفك المفترس، بيتر بنشلي، 1974.
• منطقة الموت، ستيفن كينغ، 1979.
• مطاردة أكتوبر الأحمر، توم كلانسي، 1984.
• المؤسسة، جون غريشام، 1991.
• جسور مقاطعة ماديسون، روبرت جيمس والر، 1992.
• شيفرة دافنشي، دان براون، 2003.

ويمكن أن نلخِّص الاستنتاجات التي توصل إليها على المنوال التالي:

• القدرة على تلخيص الرواية
يرى جيمس أن الرواية التي لا يمكن تلخيصها في 25 كلمة لا تتوفر لها حظوظ النجاح. هذه القدرة تعدّ عنصراً أساسياً وحيوياً لنجاح الرواية، كي تثير انتباه القارئ، ويسهل تناقلها شفهياً بين القرّاء.

• التوطئة
يجب أن يتخلص الأبطال من حياتهم السابقة وينطلقوا في الحكاية بطريقة بسيطة. فعلى الموضوع أن يكون مقلقاً كفاية وبسرعة، كي يعبِّر القارئ سريعاً عن تعاطفه.

• من سؤال إلى سؤال
منذ الصفحات الأولى وبسرعة، يجب أن يتحوَّل الملخص إلى تساؤل. ويجب أن تتحوَّل طبيعة هذا التساؤل بتحوُّل الصعوبات التي تحدث للأبطال. فالأسئلة تولد انتظار الجواب، والانتظار هو ما يصنع التشويق. ومع تنامي السرد، يحضر الخطر رويداً رويداً. حينذاك يشعر الأبطال بقلق مضاعف واضطراب متنامٍ.

• الحافز الكوني
يجب أن يجد القارئ نفسه في مغامرة الأبطال وقريباً جداً من انشغالاتهم، كي يتوافق معهم ويجد نفسه مرتبطاً بمصائرهم إلى درجة تقمص شرط وجودهم.

• القيمة المستهدفة
يجب أن تستند الرواية إلى قيم اجتماعية، عامة كانت أو خاصة. كأن تحارب ما هو محظور، وأن تبرز المبادئ التي تدافع عنها، وأن تبدي رأيها ووجهة نظرها حول المظاهر الاجتماعية وما تنتجه من أفكار وعادات ورهانات وأزمات.

• الزمن
ليس للأبطال وقتٌ للوهن والاسترخاء، يجب أن تدهمهم وتحركهم الأحداث المقبلة من دون توقف.

• الأبطال
ماضيهم ليس مهماً، نأخذهم وفق حالتهم التي هم عليها أثناء انخراطهم في الحكاية. يجب أن نعرف ماذا يرتدون وكيف يتحركون وكيف يعبِّرون، نسمعهم يتحدثون، لكنهم لا ينهمكون في حوارات داخلية ولا يتصارعون مع أنفسهم. نراهم هناك منخرطين في الأحداث يتفاعلون مع الوقائع. كما أن عواطفهم يجب أن تكون بسيطة، ومن السهل إدراكها وهي ما يملي عليهم قراراتهم غير الخاضعة لحسابات معقَّدة. ويجب أن يكون جانبهم الفريد ما يأسر القارئ، وكأننا نشاهدهم في فِلم سينمائي.

Typewriter• السرد السينمائي
يحتل الجانب البصري حيزاً مهماً في الروايات التي درسها جيمس، إذ إنها حوِّلت في مجملها إلى السينما، وهذا يعني أن رواية البيست سيلر يجب أن تكون قابلة للتحويل السينمائي. لأن الروايات عندما نجحت سينمائياً تهافت عليها الملايين من القرّاء عبر العالم.

• الخلفية الشاملة
يجب وضع الرواية داخل إطار تاريخي معاصر أو قديم، يشكل الجدارية المرجعية للأحداث. وهذا يتطلب من الروائي أن يكون ملماً بالعصر الذي يكتب عنه.

• الفضاء النموذجي
الروايات جميعها تستحضر في لحظة أو أخرى وغالباً في وقت مبكر وبعجالة، عالماً مثالياً طبيعياً أو متوحشاً، يغري بإيحاءات حسية ويعطي للأبطال قاعدة للانطلاق خلال أطوار الحكاية. عندما يفكرون في هذا الفردوس، يستعيدون قوتهم وحوافزهم ويتطلعون إلى تحقيق طموحاتهم. لهذا الغرض يحاربون، رغم الصعوبات التي تعترضهم وهي في الغالب قوى مدمرة لهذا الفردوس.

• مبررات الأحداث
يجب أن تكون الرواية زخمة بالأحداث. كما ينبغي أن يستفيد القارئ أثناء التهامه للمغامرة كي يتأقلم مع عالم غريب بالنسبة إليه وعلى الأرجح يتجاوز إدراكاته. لا ينبغي للمؤلف أن يخشى التفريعات التفسيرية وتبرير الأحداث ما دامت تأسر القارئ ولا يستطيع الفكاك منها.

• المجتمع السري
توظف الروايات الاثنتا عشرة مجتمعات سرية، وهذا ما يجعل القارىء غير البطل يحار أمامها ولا يستطيع فك شيفراتها، رغم إدراكه أنها هي وحدها من يملك السلطة. أحياناً، يكون الصراع سيد العلاقات إذ يجب أن ينخرط القارئ في صف من لا يملكون السلطة ويعيشون في الهامش.

• الرحلة التلقينية
الأبطال يتنقلون من المدينة إلى البادية أو العكس. من أشخاص مغمورين إلى أشخاص مشهورين أو من الشهرة إلى السقوط. وخلال هذه الرحلة يتعلم الأبطال من تجاربهم الناجحة أو الفاشلة.

• الأسرة المتشظية
لا ينتمي الأبطال أبداً إلى أسر مثالية. عرفوا صراعات أسرية «طلاق، خيانة، هروب…»، أُسر مملوءة بالأسرار… الأبطال كذلك أيتام في الغالب، يواجهون العالم وحيدين. هذا الجانب يشحن الرواية بالدراما ويستدر تعاطف القارئ.

• الكتابة المباشرة
يجب أن يقول ما يُفهم وليس شيئاً آخر، على المستوى الواحد ومن دون انزياحات ولا استعارات. كتابة مباشرة وواضحة ومن دون زخرفة وتجميل.

على الحدود مع الأجناس الأدبية
لا تسعى الكتابة الأدبية المعتمدة في الروايات الاثنتي عشرة إلى تجريب أو ابتداع أسلوب في الكتابة الروائية، وإنما هي تجميع لعدد من التجارب الروائية التقليدية. بمعنى أن الكاتب مطالب باجتراح شكل روائي وسيط وبسيط، تسهل قراءته بانسياب واستمتاع.

Womsn 20وعلى العموم يوفِّر كتاب جيمس معرفة تمهيدية للتعرف إلى المميزات العامة التي تتوفَّر عليها البيست سيلر في الولايات المتحدة. لكن رغم ذلك، والأهم من ذلك، يجب أن تتوفَّر لدى الكاتب موهبة فذة تتجاوز الشروط والقواعد وتجترح قواعدها وتبتدع عوالمها الفريدة.

فهناك نجاحات روائية في معظم أنحاء العالم قد تختلف قليلاً أو كثيراً عن هذه الشروط.. في اليابان مع هاروكي موراكامي، وفي الصين مع مو يان، وفي تركيا مع أورهان باموق وإليف شافاق، وفي ألمانيا مع الروائية الشابة شارلوته روش، التي حققت برواياتها أعلى المبيعات. وفي أمريكا اللاتينية غابرييل غارسيا ماركيز وإيزابيل أليندي، وفي السويد هنينغ مانكل صاحب الروايات البوليسية التي بيع منها مئات الملايين من النسخ، وفي فرنسا مع الفائزين بالجوائز الأدبية باتريك موديانو وهويلبيك ومارك ليفي وإميلي نوتومب وجان ماري لوكليزيو وغيرهم، وفي انجلترا مع أصحاب جائزة المان بوكر الذين ترتفع مبيعات رواياتهم بين عشية وضحاها. لكن ماذا عن «البيست سيلر» العربي؟؟

هل سيتحقَّق حلم «البيست سيلر» العربي؟

يفتقر العالم العربي إلى الشروط الضرورية لصناعة الكتاب أو الرواية الأكثر مبيعاً بالمقاييس والمفاهيم الغربية، أي تلك التي تصل مبيعاتها إلى ما فوق خمسمئة ألف نسخة. فالروائيون العرب وناشرو أعمالهم يجدون صعوبة في تسويق ما يطبعونه من نسخ على قلتها، التي هي لا تزيد في معظم الحالات عن 5000 نسخة.

إن سوق الكتاب العربي يفتقر بإلحاح إلى ناشرين من عيار «دار بنغوين» التي منحت توم كلانسي 33.4 مليون دولار عن روايته «مطاردة أكتوبر الأحمر» سنة 1994م، ودفعت له أيضاً مبلغ 75 مليون دولار سنة 1997م عن روايتين لم تصدرا، أو «دار غراسي» أو «غاليمار»، أو «أكت سود» الناشر الحصري لروايات النوبلية البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش وروايات صاحب جائزة الغونكور ماتياس إينار التي فاز بها هذا العام عن روايته «بوصلة» التي تحقق حالياً تصاعداً مدهشاً في المبيعات.

لكن بصيص أمل ظهر منذ سنوات مع جائزة البوكر العربية، ثم جائزة كتارا، اللتين أفرزتا دينامية مستحسنة لنشر الأعمال الروائية. كما حظيت بعض الروايات الفائزة باقتناء واعد من طرف القرَّاء العرب، وواكبتها حركة في النقد الأدبي والصحافة الثقافية. وقد عرفت روايات الجوائز رواجاً وارتفاعاً ملحوظاً في المبيعات، مثل روايات نجيب محفوظ و«واحة الغروب» لبهاء طاهر و«ساق البامبو» لسعود السنعوسي… ومن خارج دائرة الجوائز نجد على رأس قائمة المبيعات علاء الأسواني وأحمد مراد وأحلام مستغانمي وواسيني الأعرج.. ولكن إلى الآن، لم تصل رواية عربية إلى سقف مبيعات «البيست سيلر» التي تقدَّر مبيعاتها بالملايين مثل سلسلة روايات هاري بوتر، التي وصلت مبيعاتها إلى ما يفوق 420 مليون نسخة. وشهدنا في العالم العربي أيضاً إقبالاً جيداً على ترجمة بعض الأعمال إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية، وبدأت في السنوات الأخيرة تنافس لإحراز جوائز أدبية عالمية. ولكن هذا يبقى ضمن استراتيجيات للنشر غير منظمة، يغيب عنها الفكر المقاولاتي في التسيير والتدبير لتسويق الرواية والكتب الأخرى أحسن تسويق. ولكن رغم هذا الواقع الملتبس، فإن حلم الروائيين العرب بالنجاح وفق مقاييس «البيست سيلر» الغربي، يبقى حقاً من حقوقهم، وهدفاً يجب التطلع إليه مهما بَعُد أو اقترب.

أضف تعليق

التعليقات