منتج

تحديد الهوية بموجات الراديو

shutterstock_101978638تعتمد تقنية تحديد الهوية بموجات الراديو على قدرة «قارئ» آلي ما على التعرف على رمز، أو إشارة راديوية، يصدرها «مرسل» عن بُعد بغرض التعرف على هوية هذا المرسل بشكل تلقائي وآلي. اليوم حين تشتري كتاباً، فقد تعثر داخله على ورقة «مطبوع» عليها ما يشبه الدارة الكهربية. هذه الورقة هي بطاقة التعريف الخاصة بالكتاب وفق تقنية تحديد الهوية بموجات الراديو، والتي سيجري تعميمها على كافة السلع وحتى على الأفراد في المستقبل المنظور.
تذكر بعض المصادر أن بدايات هذه الفكرة تعود إلى تجارب أجراها الجيش البريطاني في عام 1939م على تقنية تحدِّد هوية الأجسام باستخدام الرادار، لتتمكن من التفريق بين طائرات الحلفاء والأعداء في حال انعدام الرؤية. وفي عام 1948م قدَّم هاري ستوكمان بحثاً بعنوان «الاتصال بالقوة المنعكسة»، حيث قدّم لأول مرة إثباتاً علمياً على إمكانية الاتصال والتواصل بجسم خامل بواسطة إشارة اتصال قوية من المصدر تحمل الطاقة التي تستحث المتلقي للرد بإشارة مقابلة ذات درجة رنين أشبه بالبصمة تكشف عن هويته.
وفي العام 1973م، سجَّل ماريو كاردلو براءة اختراع في الولايات المتحدة الأمريكية لجهاز مستقبِل لموجات الراديو من تردد وقوة معينين، بحيث تكفيه الطاقة المستمدة من تلك الموجات لأن يرد بإرسال الجملة المسجلة في ذاكرته التي لم تتجاوز 16 خانة رقمية ثنائية. كان الجهاز خاملاً بلا بطارية، يتألف من هوائي استقبال وذاكرة فقط. وشملت براءة اختراع كاردلو تصوراً للتطبيقات المحتملة لجهازه، ومنها إمكانية الاستفادة منه في وسائل النقل والأعمال المصرفية والأمنية والطبية. لم ينقضِ العام إلا وتمكنت مجموعة من العلماء في «مختبر لوس ألاموس الوطني» من تطبيق التقنية بشكل موسع في مجالات عسكرية، مستخدمين نسخة معدَّلة من جهاز كاردلو ليمكنهم من صناعة الجهاز بشكل موسع. اختار العلماء تردداً قدره 915 ميغاهيرتز بذاكرة مقدارها 12 خانة رقمية ثنائية. ومن ثمّ ازداد اهتمام العلماء بالتقنية وتطويرها، وسُجِّل عديد من براءات الاختراع في هذا المجال، كان أهمها براءة اختراع لتشارلز والتون في عام 1983م. الذي لم تكن أهميته علمية أو تقنية ولكن والتون كان أول من أطلق اسماً يوصف التقنية كما ينبغي لها أن تكون: (Radio Frequency Identification) أي تحديد الهوية بموجات الراديو وهو ما يُعرف اليوم اختصاراً بـ (RFID).
وتقنية «تحديد الهوية بموجات الراديو» هي القدرة على الاتصال بين المرسل والمتلقي بغرض التعرف على هوية المتلقي بشكل تلقائي إن طابقت موجات المرسل التردد الرنيني لهوائي المتلقي، مما ينتج عنه التعريف بهوية المتلقي بشكل آلي. ويتألف هذا النظام بشكل مبسط وأساسي من:
• شريحة الهوية: وتتكون في أبسط أشكالها من هوائي (مستقبل/مرسل) وذاكرة المعلومات.
• القارئ: وهو جهاز إرسال إشارة الطلب بتردد النظام واستقبال المعلومات من بطاقة الهوية. ويحتوي على دوائر الاتصال المتخصصة لإرسال الإشارة واستقبال المعلومات وتحليلها أو تمريرها للنظام المركزي.
لم يكن الجيل الأول من شرائح هذا النظام يحتوي على مصدر خاص بالطاقة الثابتة (أي بطارية) ولكنه يستطيع حصاد ما يكفي من الطاقة من إشارة القارئ معتمداً على مبدأ دوائر الرنين والموجات الكهرومغناطيسية. وهذا ما يُعرف حالياً بـ بطاقة الهوية الخاملة. كما أنّ عدم الاعتماد على البطارية يحد من قدرة الإرسال الخاصة بهذه البطاقات إلى عدة أمتار فقط. ويفي هذا النوع من الشرائح باحتياج عديد من التطبيقات التي يضمن فيها المستخدم مرور الجسم المعرف بالبطاقة في مجال مناسب للقارئ، كمراقبة حركة السلع ومرورها من بوابات منافذ البيع على سبيل المثال.
تطورت شرائح نظام تحديد الهوية بموجات الراديو بشكل مضطرد لتتواءم مع التطبيقات وتعقيداتها، فظهرت الشرائح النشطة وشرائح ذات القدرات العالية. ويحتوي كلا النوعين على بطاريات ودوائر متقدمة تعين على توسعة مدى اتصال الرد إلى مسافات تتراوح بين 100 و1000 متر، وتحمل رقاقات ذاكرة تتراوح بين 32 و128 خانة رقمية ثنائية أو خانة موسعة بشكل أكبر تصل إلى 1024 و2048 خانة رقمية ثنائية. وتستطيع الشرائح ذات القدرة العالية أن تتقبل دمج حساسات للعلامات الحيوية – كدرجة الحرارة والضغط وغيرها – وتخزين القراءة في الذاكرة لحين الطلب. وتتجاوز ذلك في بعض الحالات، لأن تصبح أذكى فتبادر بطلب الاتصال إذا ما زادت القراءات على حدود معينة. وجاء هذا التطور ليغطي احتياجات أساسية في التطبيقات الأمنية والطبية ووسائل النقل مما يجعل هذه التقنية قابلة للاستخدام في حقول ومجالات مختلفة بشكل مغاير تماماً لما سبق.

تطبيقات لا تخطر على البال
إن التطور في حلول الاتصال اللاسلكي باستخدام تقنية تحديد الهوية بموجات الراديو، ودمج حساسات العلامات الحيوية – كالحركة ودرجة الحرارة وضغط الهواء ومستوى شدة الضوء، وغيرها – على المنصة نفسها، مكّن من استخدامها في أنظمة متكاملة مع أحدث تقنيات وبرتوكولات الاتصالات وجمع البيانات من المحيط البيئي كتقنية إنترنت الأشياء. إذ تتطلب البنية التحتية الداعمة لشبكات إنترنت الأشياء مكوِّنات أساسية للتواصل بين الأشياء ومركز التحكم وجمع البيانات وهذا ما يقدِّمه تحديد الهوية بموجات الراديو لاسلكياً. كما أن الأجسام الموسومة بهذا النظام واتصالها بشبكة إنترنت الأشياء، تمكِّن المستهلكين من تحسين نمط حياتهم وأعمالهم، مما ينعكس على جودة الحياة بشكل موسع على المدى الطويل. تخيل أن علبة الحليب تخبرك أن صلاحيتها انتهت أو شارفت على الانتهاء. تخيل أن ترسل لك الثلاجة قائمة مشتريات البقالة في نهاية اليوم أو عند ذهابك إلى السوق، تخيَّل أن يتعرف الحساس إلى شخصية من يطرق الباب ويحذرك إن كان من أصحاب السوابق بعد أن يراجع البيانات مع الخادم المركزي عبر الشبكة. ولإنترنت الأشياء كثير من التطبيقات الطبية. وعلى سبيل المثال، فإن تطوير أجهزة تحديد الهوية بموجات الراديو، بتضمينها حساسات لمكوِّنات الدم وزرعها في جسم الإنسان، قد ينقذ حياته عند تحذيره من جلطة محتملة أو تقلب حاد في مستويات الجلوكوز في دمه. والتركيز على تطوير هذا النظام في الوقت الحاضر، سيغيِّر المستقبل بشكل جذري.

أضف تعليق

التعليقات