فنان و مكان

النهر ألهم الشاعر، والشاعر ألهم الموسيقار، والموسيقى ألهمت شاعراً آخر!

يوهان شتراوس والدانوب الأزرق

Johann_Strauss_II_by_Fritz_Luckhardtفي 3 يونيو من عام 1899م، وخلال حفل خيري في فيينا، اقترب رجل من من قائد الفرقة الموسيقية وهمس في أذنه بضع كلمات، فتوقفت الفرقة عن العزف لحظة، لتبدأ بعزف «الدانوب الأزرق». وما أن ميّز الجمهور المعزوفة عند بدايتها، حتى هبّ واقفاً مهابةً، فقد عرف الجميع أن ابن فيينا المدلل الموسيقار يوهان شتراوس قد مات.
فالمعزوفة والأوبرا الشهيرة الدانوب الأزرق للموسيقار يوهان شتراوس تُعد أشهر معزوفة، ثم أوبرا، على إيقاع الفالس. والنمسويون يَعدُونها أشبه بنشيدهم الوطني الثاني. وأي زائر للعاصمة النمسوية فيينا، لا يمكن أن يفوته سماعها ولو مرة خلال إقامته، مهما قصرت، إما في بهو الفندق أو المطعم، أو على أوتار فرقة موسيقية في الهواء الطلق، حيث تُعزف ألحاناً في حدائق المدينة الغنّاء.
Donauwalzerولد يوهان شتراوس في سانت أولريخ قرب فيينا عام 1825م، لأب كان موسيقاراً أيضاً ويحمل الاسم نفسه، فصار المؤرخون يعرّفون الأب باسم يوهان شتراوس الأول، والابن بيوهان شتراوس الثاني أو الصغير.
كان الأب صارماً في منع ابنه من تعلم الموسيقى، فبدأ يوهان الصغير بتعلم العزف سراً، ولم يعمل علناً في الموسيقى إلا بعد أن هجر والده العائلة.

المعزوفة والأوبرا الشهيرة الدانوب الأزرق للموسيقار يوهان شتراوس تُعد أشهر معزوفة، ثم أوبرا، على
إيقاع الفالس…

بدأ شتراوس الابن التأليف الموسيقي عام 1844م، وتميَّزت معزوفاته بطابعها المرح. وبعد فترة من توتر علاقته بالأسرة المالكة بسبب ميوله السياسية، عاد وتصالح معها، وألَّف بعض المعزوفات العسكرية تكريماً للإمبراطور فرانسوا جوزف الأول.
shutterstock_207899350بعد هزيمة عسكرية مُنيت بها النمسا على يد جارتها الألمانية (بروسيا حينها)، كُلِّف شتراوس بتأليف معزوفة تتسم بطابع الفرح والسعادة، فألّف المعزوفة أولاً سنة 1866م، ولكنها لم تلقَ النجاح المرجوّ، فأعرب شتراوس عن خيبة أمله. ثم تذكّر قصيدة ينتهي كل مقطع منها بجملة تتغنّى بالدانوب الأزرق، وهي للشاعر الهنغاري غير المعروف كارل إيزودور بك، كتبها مستلهماً الدانوب في قريته الهنغارية أيّام طفولته. فالمعروف أن الدانوب يمر أيضاً، في هنغاريا، وبين شطري بودابست، عاصمتها. ويقول بيت الشعر: «بقرب الدانوب، الدانوب الأزرق الجميل»، علماً بأن الدانوب لا يمكن وصفه بالأزرق. وحين ألّف شتراوس معزوفته يبدو أن النهر لم يكن يمر بفيينّا أساساً، بل بقربها. وقد توسّعت فيينّا لتحضن هذا النهر، بين ضفتيها فيما بعد. وهي اليوم أكبر المدن التي يمر بها.
bdmsكان نهر الدانوب قد ألهم الشعر الهنغاري، وبيت الشعر الذي تكرّر في القصيدة ألهم شتراوس، فحوّل شتراوس معزوفته إلى مغناة مستعيناً بالشعر. وبعد أن ذاع صيتها كُتب لها نص مختلف للأوبرا لا علاقة له بالقصيدة الأصل. وبعد 32 سنة وضع قاضٍ عضو في المحكمة النمسوية العليا نصاً يُعتَبَر أرقى لمقطوعة الفالس تتكرر فيها جملة شعرية شبيهة: «أيها الدانوب… الأزرق جدّاً… الأزرق جدّاً»!
ومنذ سنة 1867م، حين عُزفت الدانوب الأزرق في معرض باريس العالمي، ملأت أنغامها أسماع العالم، وهي لا تزال من أشهر التراث الموسيقي المعروف اليوم.

أضف تعليق

التعليقات