كانت الرياضة، منذ القدم، ولا تزال، من المجالات المهمة في حياة البشر. فالرياضة صحة للأجسام، والعقل السليم، كما يقال، في الجسم السليم. وقد ارتبطت الرياضة بالتنافس عبر العصور، في المصارعة والسباحة، والسباقات بأنواعها، وسباق الخيل على وجه الخصوص.
ولكي يكون التنافس الرياضي عنصر جذب للرياضة ومنافساتها، ولا يكون سبباً في الخلاف والفوضى، فقد ارتبط بالرياضة ما يطلق عليه في عالم اليوم الخُلُق الرياضي، حيث يفرح الفائز بفوزه باعتدال، ويقبل الهزيمة إذا لم يحالفه التوفيق. فالرياضة بدون خُلُق رياضي قويم لا يمكن أن تحقِّق أهدافها النبيلة، بل على العكس، يمكن أن تقود إلى ما لا تحمد عقباه.
ولعل مما يعزِّز أهمية التحلي بالخلق الرياضي، أن الرياضة في عالم اليوم تطوَّرت لتصبح أكثر أهمية بكثير مما كانت عليه في الماضي. فهي لا تزال وسيلة لبناء الجسم السليم والحفاظ على الصحة. ولكنها أصبحت أيضاً وسيلة رئيسة للترفيه وقضاء الوقت، سواء أكان الفرد لاعباً أو مشجِّعاً، كما أنها باب من أبواب الاستثمار المربح في عالم اليوم. وهي فوق ذلك وسيلة إعلامية مؤثِّرة، فلو تتبعنا لوجدنا أن عدداً من دول العالم تتمتع بصورة إيجابية بسبب تفوقها في مجال أو أكثر من مجالات الرياضة.
ولكن شدة التنافس الرياضي قد تجلب معها التعصُّب في كثير من الأحيان. والتعصُّب بكافة أشكاله سمة من سمات الجهل، سواء كان هذا التعصُّب لقومية أو لفكرة أو لفريق رياضي أو غير ذلك. وقد لاحظ المتخصصون أن التعصُّب بشكل عام يتناسب تناسباً عكسياً مع مستوى التعليم. فكلما ارتفع مستوى التعليم قلَّ مستوى التعصُّب. وهذا ليس بغريب، فالتعصُّب يعني أن تقف مع جانب ما في حالة الصواب وحالة الخطأ.
ومما يضاعف من مشكلة التعصب الرياضي تواجد الجمهور بأعداد كبيرة في المدرجات خلال المباريات، حيث تطغى «عقلية القطيع» في لحظات الحماس، فيتصرف المتعلِّمون، فضلاً عن غيرهم، تصرفات لا يمكن أن يقوموا بها عندما يكونون وحدهم، وإذا ما علت موجة الغضب والتعصُّب، أصبح الجهل سيد الموقف، وعندها يمكنك أن تتخيل ما يمكن أن يحدث من مجابهات، وما يمكن أن يسقط من ضحايا.
ويأتي الشحن العاطفي من قِبَلْ الإعلام سواء على شكل تصريحات لبعض منسوبي الأندية، أو بعض الإعلاميين الرياضيين، ليوجِّه البوصلة نحو الاعتدال والخُلُق الرياضي، أو يجرفها نحو التعصُّب المقيت.
ومن أسوأ نتائج التعصب الأعمى، أن يتحوَّل هذا الهيام والعشق لفريق ما، إلى موجة غضب ضده، إذا لم يحقق النتائج المرجوة، وقد وقع الكثير ضحايا لهذا الجهل وذلك الغضب.
لقد اخترنا موضوع التعصب الرياضي ليكون موضوع غلاف هذا العدد لأهميته المتزايدة التي أبرزتها مرة أخرى أحداث صاحبت بعض المنافسات الرياضية في منطقتنا في الفترة الأخيرة. والموضوع يناقش بشيء من التفصيل التعصُّب الرياضي المنتشر بين مشجعي كرة القدم في عالم اليوم وكيف قاد ذلك التعصُّب إلى نتائج وخيمة في أكثر من مناسبة.
ولكن كيف يمكن أن نقلِّل من درجة التعصُّب؟ وكيف نستطيع نشر ثقافة التحلي بالأخلاق الرياضية التي تحث على التواضع عند الفوز وتقبل الهزيمة؟ أود هنا أن أقدم عدداً من المقترحات التي يمكن أن تقود إلى ذلك:
لا بد أن يتحلى القادة الرياضيون، من إداريي أندية ومدربين ولاعبين، بالأخلاق الرياضية قبل غيرهم، وأن يتجنبوا التصريحات غير الموزونة بعد المباريات وخاصة عند الهزيمة، فهم الذين يوجِّهون عواطف الجمهور ودفة الرأي العام، وما يقوله قادة الرأي يتبناه الجمهور في كثير من الأحيان.
كما ينبغي التشديد على آداب الحوار في البرامج التلفزيونية ووسائل الإعلام بشكل عام، فلا ينبغي أن تتحول تلك البرامج إلى وسيلة شحن للعواطف المتشنجة، وتصبح محكومة بقواعد الاستثمار والسباق على أعداد المشاهدين والقرَّاء.
أصبح الهجوم على الحُكَّام عند الهزيمة ظاهرة بين بعض المسؤولين عن الأندية الرياضية والصحافيين، وهذه ثالثة الأثافي. فالهجوم المستمر على الحُكَّام عند الهزيمة، يُبعد النادي عن معالجة موضع الخلل، ويسيء إلى التحكيم ويضعفه، ويرفع درجة التعصُّب بين مشجعي الفريق المهزوم.
لا بد أن تقوم المنتديات الرياضية على صفحات الإنترنت بضبط المشاركات التي تصلها، فتأثير هذه الصفحات على الجمهور الرياضي كبير لكثرة مرتاديها من الشباب، ولأنها أقل وسائل الإعلام خضوعاً للضوابط الإعلامية لحداثتها.
ومن الطرق المؤدية إلى إبعاد التنافس الرياضي عن المشكلات والتعصُّب أن تقام المباريات في ملاعب معدة إعداداً كاملاً للتعامل مع الجماهير في أوج حماسها.
وأخيراً، فمن أجل أن نخفِّف من حدة التعصُّب الرياضي، لا بد من رفع المستوى الثقافي والوعي الرياضي لدى الجمهور، والتأكيد على أن الرياضة سباق ومنافسة شريفة، وجدت من أجل الفائدة وقضاء الأوقات واستثمارها فيما يفيد النفس والروح والمساعدة على تهذيبها. فلا ينبغي أن يكون أساسها التعصُّب، كما أن من أبسط حقائقها أن نتقبل الخسارة مثلما نفرح بالنصر.