طاقة واقتصاد

التحوّل
كيف نغيِّر عندما يصعب التغيير..

الأخوان تشيب ودان هيث هما مؤلفا الكتاب الذي تصدَّر مبيعات عام 2007م، وكان بعنوان «وجد ليبقى. لماذا تبقى بعض الأفكار وتموت أفكار أخرى». وقد يبدو كتابهما الجديد الذي نتناوله «التحوّل .. كيف نغيّر عندما يصعب التغيير» عبارة عن استطراد للكتاب الأول الذي كان يتحدث عن سبب موت بعض الأفكار واستمرار بعضها الآخر، ولكنه في الواقع يدور حول قدرتنا على تبني الأفكار الجديدة وعن عملية التغيير وكيفية تحقيقه.

من الأفكار الشائعة حول فكرة التغيير أنه صعب، وأن «الإنسان يقاوم التغيير». ومع هذا، نجد الكثيرين يُقبلون على تغييرات كبيرة في حياتهم كالزواج أو إنجاب طفل أو الانتقال إلى منزل آخر أو إلى عمل جديد أو استخدام التقنيات الحديثة، من دون أن يفكر أحد بمقاومتها، بينما قد تواجه تغييرات صغيرة مقاومة كبرى، كتغيير عادات الأكل أو الامتناع عن التدخين..

يبحث هذا الكتاب عن سبب خوفنا من التغيير رغم كونه ممتعاً أحياناً، وعن إمكانية تغيير عاداتنا وسلوكنا، سواء أكان على مستوى العائلة أو المجتمع أو المؤسسات أو الحكومات. وفي إطار حديث ممتع وشيق يسوق لنا عشرات الأمثلة من الحياة الواقعية المعاشة لتؤكد على إمكانية إجراء التغيير حتى في أصعب الظروف.

مثل الفيل والراكب
اعتمد الأخوان هيث في شرح عملية التغيير على نظرية عالم النفس جوناثان هايدت التي ناقشها في كتابه «فرضية السعادة»، حيث قال إن النفس البشرية تتكون من جانبين، الجانب العاطفي والجانب العقلي. وشبّه الجانب العاطفي الغريزي بالفيل الضخم الذي يسعى دائماً إلى الراحة ومقاومة التغيير. والجانب العقلي بالراكب الصغير الحجم الذي يحاول التحكم بمسار الفيل والسيطرة عليه. فهو الجانب الواعي الذي يحلل ويفكِّر وينظر إلى المستقبل ويسعى إلى التغيير. ولهذا، فالجانبان في صراع مستمر يدركه كل إنسان، ولإحداث أي تغيير يجب أن نوحِّد بين الفيل والراكب. لأن مخاطبة الفيل فقط تعني وجود الدافع والعاطفة دون توجيه سليم، وكذلك مخاطبة الراكب بمفرده يعني وجود فهم لموضوع التغيير دون دافع للقيام به، كأن نجد مديراً يقوم بعصف ذهني لساعات دون فعل أي شيء. لهذا علينا التحكم بالجانب المنطقي التحليلي لكيلا نضيع بين الخيارات المتعددة، وفي الوقت نفسه، علينا البحث عن المشاعر المناسبة وتحفيزها للوصول للهدف.

وبعد أن نوحِّد بين الفيل والراكب، يجب تحديد مسارهما وتحديد هدف واضح لهما. لأننا عندما نتغير، فنحن نتخلى عن سلوك قديم معتاد من أجل سلوك جديد أقل ألفة بالنسبة للفيل، فيشعر وكأنه يسير في مناطق مجهولة. وذلك يتطلب من الراكب جهداً مكثفاً لأنه يتحول من التصرف بشكل تلقائي لا واعٍ إلى التصرف بشكل واعٍ مجهد.

سبل مواجهة المشكلات
من ناحية أخرى يناقش الكتاب أسلوب تعاملنا مع المشكلات الكبرى. ففي مواجهة بعض المشكلات مثل سوء التغذية في بعض الدول أو زوجين على وشك الطلاق أو أعمال تجارية على وشك الإفلاس، نحاول البحث عن حل يناسب حجم هذه المشكلة، ونفكِّر مباشرة بالأشياء المعطوبة وبإمكانية إصلاحها وإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي، بينما الطريقة الأنجح لحل المشكلة هي البحث عما يسميه الكاتبان «بالنقاط المضيئة»، أي البحث عن الجوانب الجيدة التي ما زالت على مسارها الطبيعي ومحاولة محاكاتها وتكرارها.

فعندما تم إرسال جيري ستيرين من قبل منظمة عالمية عام 1990م لحل مشكلة سوء التغذية في الفيتنام، كان أمامه ستة أشهر فقط ليحدث تغييراً في منطقة يعمها الفقر والمجاعة والمياه الملوثة. وآلاف الأطفال لن ينتظروا حتى ينتهي الخبراء من مناقشة كل تلك القضايا وشرح أسبابها وخطورتها ومن ثم حلها
ولا سيما في ستة أشهر. لهذا قام ستيرين بالبحث عن «النقاط المضيئة».

وبالفعل، وجد بعض الأطفال ممن لا يعانون سوء تغذية، ويتمتعون بحجم ووزن أكبر، رغم أنهم يتلقون كميات الطعام نفسها التي يتناولها بقية الأطفال، والسبب أن أمهات هؤلاء يقسمن حصتهم من الطعام إلى أربع وجبات يومياً بينما يتناول الأطفال المصابون بسوء التغذية وجبتين، وهذا يضر أكثر بمعدة الأطفال. إضافة إلى أن تلك الأمهات كنَّ يضفن بعض محتويات بيئتهن كالبطاطا وغيرها على طعام أطفالهن.

ولأن ستيرين يعلم أن المعرفة وحدها لا تغيِّر السلوك، ولا يكفي أن يخبر الأمهات بذلك ليغيرنَ عادات الطبخ، كان عليه أن يريهن كيف أنه بإمكانهنّ محاربة سوء التغذية بأنفسهنَّ وإحداث التغيير في حدود الإمكانات الضيقة. فجمع الأمهات في أكواخ للطبخ سوية بنفس الأسلوب وإنما بتفكير جديد. أي أن الجانب العاطفي (الفيل) كان متوافراً لدى الأمهات، وإنما ينقصهن توجيه (الراكب) فقط. وبعد ستة أشهر تحسنت تغذية %65 من الأطفال. واستمر التحسن حتى بعد رحيل ستيرين. ولو بقي هناك عشرين سنة يكتب التقارير حول سوء التغذية، لما تمكّن من حل أي شيء، بينما النقاط المضيئة التي بحث عنها، كانت بمثابة خريطة طريق وضّحت للناس هدفهم وطريقة عملهم للوصول إليه.

دور البيئة في التغيير
ويتابع الكتاب تحليله العميق لأسلوب تعاملنا مع المشكلات ويشير إلى أننا كثيراً ما نلوم الشخص على بعض المشكلات بدل أن نلوم البيئة المحيطة به. فيخبرنا أن أحد أهم الأساليب في إحداث التغيير هي في تغيير البيئة والظروف المحيطة بدل السعي إلى تغيير الأشخاص. فمن اكتشافات علم النفس أن الإنسان يتصرف بشكل مختلف حسب تغييرات البيئة. فعندما نكون في المسجد مثلاً نجد الناس صامتين، فنصمت. وعندما نكون في الملعب نجدهم صاخبين، فنشاركهم الصخب. ولهذا، فأسهل طريقة لإحداث التغيير هي إعادة تشكيل البيئة المحيطة.

ومن بين الأمثلة الكثيرة التي يطرحها الكتاب عن إيجابية تغيير البيئة، نجد مجموعة مبرمجين في مجال تقنية المعلومات، حددت لهم فترة تسعة أشهر ليعملوا على تحديث برامج حاسوبية. فكان العمل مجهداً، ولاسيما مع مقاطعة زملائهم المستمرة للحصول على مساعدة عاجلة، مما جعل ساعات العمل تزداد من 60 إلى 70 ساعة أسبوعياً، ودفع البعض إلى العمل في أيام العطلة. ولهذا، قاموا بتجربة قضت بتحديد «ساعات هادئة» أيام الثلاثاء والخميس والجمعة صباحاً، يمنع فيها الحديث أو مقاطعة أي مبرمج ليحصل على فترة هدوء تمكنه من العمل بتركيز. وفعلاً، تم تحقيق الهدف خلال الفترة المحددة لهم. هنا لم يتغير الناس أنفسهم، وإنما كان هناك من يعيد تشكيل الوضع الذي يعملون فيه.

ولأن تعديل البيئة المحيطة وحده لا يكفي، علينا تكوين عادات جديدة. فالعادة تسمح للأفعال الجيدة أن تحدث بسهولة، ومن دون تكليف الراكب مشقة السيطرة والتحكم الذي يكون مرهقاً عندما نمارس عملاً غير معتاد. ومما يساعد أيضاً على تغيير شخص أو جماعة فكرة «جمع القطيع». ففي المواقف الغامضة، نبحث عن إيحاءات من الآخرين تدلنا على كيفية التصرف، فعندما نقود الفيل في منطقة غير مألوفة فإنه يتبع الحشد.

يعترف الكاتبان أن التغيير ليس سهلاً. فلكي تكسب معركة التغيير يجب أن يتحد الفيل مع الراكب، وأن يتوافر لهما الاتجاه الواضح والتحفيز والبيئة الداعمة. كما نجد في نهاية الكتاب فصلاً يتكون من أسئلة وأجوبة، يقدم من خلالها الكاتبان نصائح لحل اثنتي عشرة مشكلة يواجهها الناس أثناء سعيهم للتغيير. ولكنها بالتأكيد لا تكفي وحدها لفهم عميلة التغيير التي تتطلب قراءة الكتاب كاملاً.

أضف تعليق

التعليقات