ملف العدد

الزر
عزيز.. شارف على الرحيل؟

  • sb10067943p-001
  • vga1[8]
  • 42-15254613
  • 42-15445650
  • 42-15688114-frank-wright
  • 42-20080323
  • 42-21492946
  • 42-21877430
  • 42-22025222-copy
  • 42-23902593
  • 450px-Platovterm1981
  • 3530
  • alfrontdetail560
  • atomic_cloud_over_nagasaki_plutonium_atom_bomb_fatman_aug9th_1945
  • bayanwireless-landline-1
  • BE052109-george-eastman-kodak
  • BE060400
  • BE081971
  • desktop_calculator
  • FrontBlackBerry-Bold
  • hero_3_20091020
  • ipad-1up-us-20100127_512x512_001
  • iphone
  • iphone-keypad
  • macchina_Remington2
  • remote_front

يكاد الزر أن يختصر علاقتنا بكل ما يحيط بنا من تقنيات. فهو صلة الوصل ما بيننا وبينها، ومفتاح التحكم بها، حتى صارت ملامسة أصابعنا للأزرار فعلاً بديهياً لا ننتبه إليه رغم تكراره لمئات المرات يومياً.
وإضافة إلى وظيفته «التشغيلية»، حظي هذا الزر الصغير باهتمام المبتكرين والمطورين والمصممين طوال أكثر من قرن، وبتواصل لم يعرفه أي ابتكار آخر في القرن العشرين، فظلَّ يتبدل ويتحول كي يصبح في كل يوم أفضل مما كان عليه بالأمس، إلى أن انتهى به المطاف على مشارف.. الرحيل.
في هذا الملف، تأخذنا منال الصايغ إلى عالم هذا الابتكار الذي نادراً ما تزيد مساحة سطحه الصغير عن مساحة الإصبع، ولكنه كان دائماً، ومن دون استثناءات تذكر، مفتاح الإنسان إلى الاستفادة من كل الاختراعات والمبتكرات التي تجعل حياتنا اليوم على هذا المستوى من السهولة والرفاه.

عند بدء إنارة المنازل بالمصابيح الكهربائية خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر، كانت الشركات المصنِّعة لهذه المصابيح تزوِّد زبائنها بملصق يتم وضعه على باب الغرفة ويقول: «هذه الغرفة مضاءة بمصباح أديسون الكهربائي. لا تحاول أن تشعله بعود الثقاب، ببساطة، اضغط على الزر الموجود على الجدار بجانب الباب»!.
بعد ذلك بأقل من نصف قرن، توقَّع المهندس المعماري الأمريكي فرانك لويد رايت أن تضمر أعضاء الإنسان تدريجياً إلى أن يبقى فقط إصبعه الذي يستخدمه للضغط على الأزرار. وكان ذلك بالطبع تعليقاً مبالغاً فيه، على استمرار التقدم التكنولوجي وتغلغله في الحياة اليومية للناس.
واليوم، لا نعرف إن كانت أصابعنا قد طالت فعلاً خلال قرن من اعتمادنا على الضغط على الأزرار لتحريك كل ما يحيط بنا من تقنيات. ما نعرفه هو أن الزر لا يغيب عنا، ما بين استيقاظنا صباحاً عندما نضغط على زر المنبه لإسكات رنينه، وعودتنا إلى النوم ليلاً، عندما يكون إطفاء الضوء آخر عمل يومي. وما بين هذين الزرين هناك مئات الأزرار التي تتعاقب تباعاً تحت أصابعنا طوال النهار، في المصعد والسيارة ولوحة مفاتيح الكمبيوتر والمكيف وجهاز التحكم عن بعد بالتلفزيون والهاتف وغير ذلك مالا يمكن حصره بين الخلاط في المطبخ والطائرة التي تعبر السماء فوق رؤوسنا في طريقها من بلد إلى آخر.. ومع ذلك، من كان ليصدق أن عمر الزر في حضارتنا ليس طويلاً.. أكثر من قرن بقليل.

نشأة الزر وتطوره
ظهر الزر بعيد منتصف القرن التاسع عشر. ومن المرجح أنه ولد بأبسط أشكاله وأكثرها بدائية في الآلات الكاتبة الميكانيكية. وأولها كان عام 1855م، عندما صمم المبتكر الإيطالي جيسوبي رافيزا نموذجاً للآلة الكاتبة سماه «الآلة الكاتبة بالمفاتيح»، وفي العام 1861م ابتكر البرازيلي فرانشيسكو جوادي آريفيدو آلة كاتبة مختلفة تماماً استخدم في صناعتها مواد بدائية مثل الخشب والسكاكين.. ولكن لم يكتب للآلة الكاتبة أن تصبح قابلة للاستخدام والانتشار إلا على يد الدانماركي راسموس هانسن الذي ابتكر ما سماه «كرة هانسن للكتابة»، وهي بمعايير العصر الحديث جهاز غريب الشكل، إلا أنها حظيت في سبعينيات القرن التاسع عشر بنجاح كبير، وظلت تستخدم في أوروبا حتى العام 1909م.

وبناءً على ما كتبته جوانا أجرسكوف، ابنة هانسن، فإن والدها أقدم منذ العام 1865م على صنع نموذج أولي من البورسلين لأول لوحة مفاتيح استخدمها في كرته، وجرَّب أن يضع الحروف على أزرار مختلفة ويغيِّر أماكنها كي يسرِّع الكتابة حتى أقصى حد ممكن. وبالتالي، وبناءً على هذه التجارب كانت «كرة هانسن» أول طابعة تمكن مستخدمها من الكتابة أسرع من القلم، وأيضاً أول آلة تعمل من خلال الضغط على الأزرار.

ولكن، ربما لأن تاريخ ابتكار الآلة الكاتبة معقَّد بعض الشيء، أو لأن الزر فيها هو الغاية والوسيلة في آنٍ واحد، يرد المؤرخون الصناعيون أول استخدام فعلي للزر كأداة تشغيل آلة إلى آلة التصوير «كوداك» الأولى التي اخترعها جورج إيستمان عام 1890م، والتي احتوت على زر بمجرد الضغط عليه كانت عدسة الكاميرا تفتح لتلتقط المشهد المراد تصويره، وبمجرد التوقف عن الضغط، كان ثمة حاجب يعود ليقفل على العدسة.

وخلال ذلك العقد، بدأت الأزرار تتسلل إلى البيوت تدريجاً ولكن بسرعة. وكان مدخلها الأول مصابيح أديسون الكهربائية التي أشرنا إليها في البداية. وطوال القرن العشرين، وربما في كل أسبوع ويوم منه، كان تطور التكنولوجيا يغمرنا بفيض من الابتكارات والاقتراحات، بعضها يعمل بزر واحد، وبعضها بعشرات الأزرار. فما أن حل منتصف القرن العشرين حتى كانت الأزرار وكثرتها في مكان واحد صورة للترف والتطور.. وأصبحت إدارة الأشياء بواسطة الأزرار مرادفاً للبذخ، الأمر الذي بلغ ذروته عام 1950م، عندما عرضت شركة زينيت أول أداة تحمل عدة أزرار وتستطيع تشغيل التلفزيون عن بعد، وأطلقت عليها الاسم الجذاب «التحكم عن بعد» (Remote Control).

خلال السنوات التالية لذلك، راح الزر يفقد قدرته على الإدهاش، وكأنه أصبح جزءاً طبيعياً من نسيج كل شيء من حولنا، علماً بأن عدد الأزرار ظل يتكاثر من حولنا من دون أن يسبِّب لنا ذلك أي ضيق. إذ إن الزر صغير الحجم، لا نلحظ وجوده، وله وظيفة لا بد وأن نحتاجها، إن لم يكن الآن، فبعد ساعة أو ساعتين، أو غداً أو بعد غد على أبعد تقدير.. فما هي حقيقة هذا الابتكار الذي نعتمد عليه لتشغيل لعبة ولإطلاق صاروخ.

الزر وأنواعه
الزر جهاز ميكانيكي أولاً، لأنه يفترض الضغط عليه بواسطة الأصبع من أجل تشغيل آلة كهربائية من خلال فتح الدائرة الكهربائية اللازمة لذلك أو إغلاقها، أو لتفعيل آلة ميكانيكية في حالة كون الجهاز لا يعمل بالكهرباء.

ويؤدي الزر وظيفته وفق واحد من نمطين: لحظي وغير لحظي.
الزر اللحظي: هو زر يؤدي وظيفته ويستمر في تأديتها طالما هو تحت ضغط الأصبع. وبمجرد توقف الضغط عليه يعود إلى حالته الساكنة مثل أزرار الهاتف وزر جرس الباب والآلة الحاسبة. علماً بأن هناك أزراراً لحظية تستلزم الضغط عليها لمدة وجيزة كي تؤدي عملها، مثل زر إعادة تشغيل جهاز الكمبيوتر أو الهاتف الجوال الذي يجب أن يبقى تحت الضغط لما يتراوح بين ثانيتين وأربع ثوانٍ ليؤدي وظيفته.

الزر غير اللحظي: هو الزر الذي يعمل فور الضغط عليه ويستمر في أداء وظيفته، إذ لا يعود إلى حالته السابقة بعد رفع الضغط عنه، بل يتطلب ذلك الضغط عليه مرة ثانية، مثل زر تشغيل التلفزيون والمصباح الكهربائي.

وتبعاً لنوعية الوظائف المطلوبة من الزر اللحظي وغير اللحظي، تنقسم الأزرار إلى نوعين:
الزر الميكانيكي: كان أول الأزرار إلى الظهور. استخدم في كل الآلات التي لا تعتمد على الكهرباء في تشغيلها بدءاً بآلات التصوير الفوتوغرافي الأولى. وعلى الرغم من تزايد الاعتماد على الكهرباء في تشغيل الآلات والأجهزة المختلفة، لم يخرج الزر الميكانيكي من حياتنا تماماً. فهو ما زال موجوداً في بعض الاستخدامات مثل أقفال العلب، وأقلام الحبر الجاف التي يسمح زر موجود في أعلاها بإخراج سن الكتابة عند استعمال القلم، ومن ثم بالضغط على هذا الزر، يعود سن القلم إلى الداخل، فيقي الملابس من خطر تسرب الحبر إليها. ويذكر كبار السن أن هذا القلم الذي لا يزال مستخدماً حتى يومنا هذا، شكَّل عند بداية ظهوره في الستينيات، صيحة ورمزاً للكماليات والحياة المترفة.

الزر الكهربائي وتصنيفاته: منذ اكتشاف الكهرباء واستكشاف احتمالات استخداماتها في تطبيقات صناعية وتقنية، تأكد أنه كي تتمكن الكهرباء من تأدية أية وظيفة يجب على دورتها أن تكون مكتملة. وأمام المعضلة المتمثلة بوجوب إخضاع تشغيل أية آلة أو جهاز لمشيئة صاحبه، برزت فكرة قطع هذه الدورة في مكان ما عندما لا يكون التشغيل مطلوباً، وإعادة وصل ما انقطع عند الحاجة إلى التشغيل. وهكذا برز الزر الكهربائي.

وظل الزر الكهربائي حتى أواسط القرن العشرين يُصنع من النحاس أو الألمنيوم، وكان أشبه بالرافعة الصغيرة. ومع العلم أن مثل هذه المعادن موصلة جيدة للكهرباء، كان يتم عزلها عن الأسلاك الناقلة للتيار بالبورسلين. ومع تطور صناعة البلاستيك والمواد المشابهة المشتقة من النفط أو الغاز الطبيعي مثل الباكيلين، صارت أزرار الكهرباء تصنع من هذه المواد العازلة.

ولأن كل آلة تعمل بالكهرباء بحاجة معينة إلى تيار بقوة محددة، تعددت أشكال الأزرار الكهربائية في أحجامها وقدراتها على التحمل. وسُنّت قوانين عديدة تحدد المواصفات اللازمة في كل منها لكي يكون صالحاً لاستخدام محدَّد، درءاً لمخاطر الاحتراق في حال تعرض الزر لجهد أو تيار كهربائي أكبر مما هو مصمم له.

وهكذا راحت تتعدَّد أشكال الأزرار وأحجامها، وحتى اتجاه حركتها. فبعض الأزرار بات يغور في موضعه عند الضغط عليه، وبعضها يتحرك بالضغط عليه من الأعلى إلى الأسفل، وبعضها الآخر من اليمين إلى اليسار لتفادي التشغيل خطأ بسبب احتمالات سقوط أجسام مجاورة عليه، وهذا النظام الأخير متبع بشكل خاص في البلدان المعرضة للزلازل كاليابان على سبيل المثال. وإن كانت أزرار الإضاءة المنزلية هي أبسط أشكال الأزرار الكهربائية، فإن أزرار الإضاءة في الأماكن العامة، حيث لا يفترض في المستخدم أن يعرف موضعها في الظلام، تكون مزودة بضوء صغير في داخلها يرشد المستخدم إلى مكانها. أما في المصانع التي تستوجب من العمال أن يرتدوا القفازات أثناء عملهم، فثمة قوانين تفرض أن تكون كافة الأزرار الكهربائية بأحجام أكبر من المألوف كي يسهل على هؤلاء استخدامها.

البلاغة التقنية
حيثما وجد زر واحد ذو وظيفة مرئية، يتخذ الزر أبسط أشكاله، المجردة من أية إضافات. ولكن حيثما تكون هذه الوظيفة غير مرئية، ولكي يؤكد الزر لمستخدمه أنه تلقَّى الأمر ونفذه، نراه يبلغه ذلك بواحدة من طريقتين:

إما عن طريق ضوء صغير موجود داخل الزر الذي يكون سطحه في هذه الحالة من مادة شفافة، ويبقى مضاءً طالما بقي في حالته التشغيلية، كما هو حال الأزرار التي تشغِّل أشياءً بعيدة عن بصر المستخدم.

وإما عن طريق صوت صغير، كما هو الحال في أزرار أجهزة الهاتف، التي تصدر صوتاً قصيراً جداً عند الضغط على الواحد منها لإبلاغ المستخدم أن ضغط أصبعه كان كافياً لتلقي الأمر، وهذا ما يعرف علمياً باسم التغذية الراجعة (Feed Back).

فالضوء الصغير والصوت القصير يشكلان خطاباً بالغ الأهمية إلى المستخدم يحميه من الوقوع في خطأ الاستخدام، الذي يؤدي إلى فشل المهمة، وأحياناً إلى عواقب وخيمة في الأجهزة الحساسة للوحات التحكم في الطائرات على سبيل المثال. وهل هناك تطبيق أفضل من ذلك لمفهوم البلاغة؟.

والبلاغة الفنية..
الرموز التشكيلية على حافة التجريد
منذ أن راحت الأزرار تتكاثر وتتجاور وتتعدد مهماتها، توجب إيضاح طبيعة المهمة التي يتولاها كل منها. نعرف ذلك اليوم من أجهزة الكمبيوتر التي حفر على أزرار الطباعة فيها أربعة رموز تشير إلى نوعية الاستجابات الأربع لكل زر حسب طريقة استعماله. وفي الآلات الكاتبة الميكانيكية التي عاشت نحو قرن، كان هناك رمزان على كل زر.. وهذه الرموز هي في معظم الأحيان صورة طبق الأصل عن النتيجة. ولكن بعضها يستخدم التجريد الشكلي للإشارة إلى فعل معين، وهو فن من فنون التصميم قائم بذاته، ومقياس نجاحه هو في قدرة المستخدم على قراءته وفهمه مهما كان مستواه الثقافي أو العملي، والبساطة حتى أقصى حد ممكن.

فعندما يكون هناك زر غير لحظي واحد ذو مهمة تشغيلية غير مرئية، يمكن الاكتفاء بالإشارات التقليدية الإنجليزية المصدر «ON» و»OFF»، والتي صارت مفهومة عالمياً.

ولكن ماذا عندما يتجاور، على سبيل المثال، زر إنارة المدخل مع زر قرع الجرس، لأسباب تفرضها الاعتبارات الاقتصادية والتجميلية؟ هنا نرى فن التصميم يهرع إلى نجدة المستخدم، فيرسم جرساً على أحدهما أو بجواره، ومصباحاً على الآخر، أو يكتفي بالأول، لأن وظيفة الثاني تصبح في حكم المعروفة.

وفي المصاعد، على سبيل المثال أيضاً، يمكننا أن نلحظ هذه البلاغة الفنية. فصورة الجرس على زر تقول بشكل مفهوم فوراً إنه لطلب النجدة في حالة طارئة. والسهمان اللذان يتجهان صوب بعضهما يفهمهما الجميع على أنهما رمزان لإغلاق الباب، والسهمان المتباعدان يرمزان إلى إبقاء الباب مفتوحاً.

وبسبب تغلغل التكنولوجيا الإلكترونية في حياتنا، أو ربما لأسباب غامضة أخرى، وجدنا بعض الرموز المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية تروج في مجالات غير مجالات استعمالاتها المصممة لها، وصولاً إلى طباعتها على القمصان والملصقات مثل رمز التشغيل.

فقد ظهر هذا الرمز لأول مرة عام 1973م في كتاب يوحِّد الإشارات التي تستخدم في الأجهزة الإلكترونية لتصبح لغة عالمية تفهمها كل شعوب العالم. واعتمد في تصميم هذا الرمز على لغة الكمبيوتر الرقمية المعروفة باسم «Binary Numerical System»، حيث إن الخط المستقيم الصغير الذي يشبه الرقم 1، هو في اللغة الرقمية رمز التشغيل أو رمز الخطوة الأولى.. أما الدائرة نفسها التي تشير إلى الزر، فإنها تشير أيضاً إلى الرقم 0 الذي يعني «لا شيء». وبهذا عندما يخترق هذا المستقيم الدائرة، يصبح رمزاً مفهوماً على المستوى العالمي للتشغيل وإيقاف التشغيل.

الزر في دائرة الخطر؟
أوحت أجهزة الهاتف النقال العاملة بلمس الشاشة التي أنزلت إلى الأسواق قبل عامين تقريباً أننا أمام تقنية جديدة ابتكرت أول أمس. وكما هو الحال أمام كل ابتكار جديد، يشطح خيال المستهلك بعيداً ليتصور أن هذا الابتكار سيقضي على سلفه. فأين الحقيقة في ذلك؟

الواقع إن استخدام الشاشات الرقمية العاملة باللمس حظي فقط برواجه الشعبي خلال السنتين الماضيتين، ولكن هذه التقنية هي أقدم من ذلك بكثير. وقد يستغرب البعض عندما يعلم أن الشاشات الرقمية العاملة باللمس -ونسميها اختصاراً هنا «شاشات اللمس»- التي تستغني عن الأزرار بأشكالها التقليدية تعود إلى العام 1965م، واستخدمت لأول مرة على جهاز كمبيوتر عام 1972م، وبدأت تطبيقاتها التجارية وإن كانت بشكل محدود في الثمانينيات من القرن الماضي. وكانت أول شاشة لمس تجارية أنزلت إلى الأسواق في حواسيب شركة «اتش بي» عام 1983م. ثم راحت تروج تدريجياً في أجهزة الصرَّاف الآلي، والمساعد الرقمي الشخصي لتصل إلى الهواتف الخلوية الشعبية. ومن أولى التطبيقات الجانبية لتقنية اللمس كانت الأزرار الكهربائية المستخدمة للإنارة، والتي صارت تؤدي مهمتها بمجرد لمسها من دون أي ضغط، ولا أية حركة ملحوظة في وضعية الزر الذي أصبح بموجب هذه التقنية مجرد مساحة مسطحة ثابتة في مكانها.

ميزات تقنية اللمس وطريقة عملها
تتميز هذه التقنية بسرعة العمل عليها للمتمرس على استخدامها، وينسب إليها الفضل في تقليص الازدحام أمام الصراف الآلي أو صناديق المحاسبة في المتاجر الكبرى.. كما تسهم في الحد من استخدام مكونات الكمبيوتر الصلبة وأدواته مثل الفأرة ولوحة المفاتيح وغيرها. بحيث بات الكمبيوتر أو الجهاز الرقمي (هاتف، آلة تصوير، آلة حاسبة…) مؤلف فقط من شاشة ووحدة معالجة رئيسة (CPU).

والشاشة التي تبدو أمامنا مسطحة، تسبب لنا حيرة طريفة في قدرتها على قراءة لمسات أصابعنا لها، وتلبيتها لمهمات في غاية التعقيد «من دون أن يتحرك أي شيء من مكانه» ظاهرياً على الأقل. أما في الواقع، فالأمر مختلف.

تتكون معظم شاشات اللمس من ثلاث طبقات هي:
– 
الطبقة الأولى: وهي الطبقة الزجاجية التي يقوم المستخدم بلمسها لاستدعاء التطبيق الذي يريده.
– 
الطبقة الوسطى: وتختلف باختلاف التقنية المستخدمة في شاشة اللمس، ودورها التعرف إلى إحداثيات لمسة المستخدم بشكل بالغ الدقة.
– 
الطبقة الثالثة والأخيرة: وهي الطبقة التي تترجم إحداثيات لمسة المستخدم، وترسلها بشكل مفهوم إلى نظام التشغيل لتنفيذ الأمر المطلوب.

وتعمل تقنية شاشة اللمس من خلال عدة طرق تتمكن بواسطتها من ترجمة أوامر المستخدم إلى النظام الحاسوبي، وإدخالها حيِّز التطبيق. وتعد تقنيتا «المقاومة» و«السعة» من أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال.

فتقنية «المقاومة» تعمل من خلال تغطية اللوحة الشفافة في الشاشة بطبقة بالغة الرقة (حتى حدود الشفافية) من معدن موصل للكهرباء ومقاوم. ويفصل بين هذه الطبقات تيار كهربائي. وعند قيام المستخدم بلمس الشاشة، يستطيع التيار أن يحدد مكان اللمس، وإرسال إحداثياته إلى نظام التشغيل. وتتشابه هذه التقنية مع طريقة الاتصال بين جهاز الكمبيوتر والفأرة.

أما تقنية «السعة» فطريقة عملها أوضح من السابقة. إذ تحتوي شاشاتها على شحنات كهربائية تتفاعل مع الموجات الكهربائية الضئيلة الموجودة في الجسم البشري. وتقوم الدوائر الكهربائية في زوايا الشاشة بقياس درجة «اعوجاج» التيار الذي تحدثه لمسة المستخدم، لتترجم هذه الدرجة إلى أمر محدد ترسله فوراً إلى نظام التشغيل. وتختلف هذه التقنية عن تقنية المقاومة السابقة، في أن لمس الشاشة يجب أن يتم بالأصبع فقط، أو أي جسم مرن غير دقيق وموصل للكهرباء حتى تنشط النقطة الملموسة. أما التقنية السابقة، فيمكن أن يتم اللمس فيها برأس القلم، أو بقطعة بلاستيك مسننة قليلاً.

عيوب تقنية اللمس
تحصن مكانة الزر
على الرغم من قدرتها على الإدهاش، تعاني تقنية شاشات اللمس من بعض العيوب التي تحول، حتى اليوم على الأقل، دون تمكينها من القضاء على الزر. فهي تتطلب أحياناً من المستخدم قدراً من الضغط يفوق بقليل الضغط المطلوب من الزر، الأمر الذي يؤدي خلال الاستعمال الطويل إلى إرهاق الأصابع. كما أن بعض المستخدمين، خاصة إذا كانت أصابعهم كبيرة، يواجهون صعوبة في التحكم بالضغط على الأيقونات الصغيرة، خاصة في الأجهزة الصغيرة مثل أجهزة الهاتف. ولحل هذه لمشكلة، تم ابتكار جهاز مرافق هو قلم ضوئي رقيق بعرف باسم «Stylus» للمساعدة على استخدام بعض هذه الأجهزة (مثل البلاك بيري وأجهزة شركة اتش. تي. سي). ولا يقتصر دور هذا القلم على تخفيف الإجهاد فحسب، بل يزيد دقة استخدام هذه الشاشات.

ومن عيوب شاشات اللمس، افتقارها إلى «التغذية الراجعة»، فلا يعرف المستخدم إن كان الجهاز تلقَّى كل مراحل الأمر إلا عند فراغه من ذلك. الأمر الذي حاولت بعض الأجهزة الخلوية معالجته ببرمجة صوت يصدر عند إتمام كل ملامسة ليفيد المستخدم بنجاح كل لمسة.

وإضافة إلى أن شاشات اللمس تستهلك طاقة البطارية أسرع بكثير من غيرها مما يستدعي إعادة الشحن أكثر مما تتطلب الأجهزة الأخرى، فإن فوضوية اللمس قد تخرج التحكم بالجهاز عن السيطرة في حال عدم تشغيل القفل. وبمجرد الضغط عليه مثلاً في الجيب قد يستجيب لأمر عشوائي ويقوم بعمليات اتصال من دون علم مستخدمه.

وتستمر الثقة بالزر
في دراسة حديثة أجرتها شركة «كاناليز» الرائدة في الأبحاث التسويقية لشركات الاتصالات والمعلومات، أظهرت النتائج أن «شاشات اللمس» تلقى رواجاً متزايداً في صفوف المستهلكين. إلا أنها حذرت الشركات المنتجة لهذه التقنية من احتمال عودة المستخدمين إلى تقنية الأزرار في حال عدم تحسين التقنية الجديدة عما هي عليه الآن.

فقد أظهرت الدراسة التي شملت 3000 شخص في ثلاثة دول هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا. أن %38 من هؤلاء ذكروا أن هاتفهم النقال المقبل سوف يحتوي على شاشة تعمل باللمس. ولكن المفاجئ أكثر من ذلك أن %55 من الذين يملكون حالياً أجهزة هاتف عاملة بلمس الشاشة، عبَّروا عن رغبتهم في العودة إلى أجهزة الهاتف العاملة بالأزرار عندما يحين وقت استبدال أجهزتهم الحالية.

الأمر الذي يؤكد أن رواج تقنية اللمس لا يزال، حتى الآن على الأقل، مرتبطاً بدوافع «الموضة» والرغبة في مواكبة التطور، أكثر مما هو حاجة ملحة فعلاً. وأن الزر لم يخسر ثقة المستهلك به حتى الآن. ولكن لا شيء يمنع حصول ذلك في المستقبل. فمساعي التطور في هذا المجال مستمرة. وتتجاوز تحسين تقنية اللمس، وصولاً إلى الاستغناء عنها، باعتماد الأوامر الصوتية، وهي تقنية بدأت تتبلور فعلاً، وإن كانت بأشكال أولية لا تزال تشوبها صعوبات وعيوب كثيرة.

أسباب هذه الألفة الكبيرة
يشكِّل الزر الجزء الأكثر ألفة بالنسبة إلى الإنسان في كل الاختراعات والمبتكرات، يرتاح إليه أكثر مما يرتاح إلى التعقيدات الداخلية العصية على الفهم في معظم الأحيان، داخل الأجهزة والآلات التي يشغلها هذا الزر، ومن أهم أسباب هذه الألفة ما يأتي :

بساطة فكرة الزر وسهولة استخدامه، فكل ما يتطلبه منا هو أن نضغط عليه بأصبعنا لنحصل على الغاية المتوخاة، وهذا ما يكفي حتى للأطفال أن يتعلموه لمرة واحدة كي يصبح استخدامهم له تلقائياً، وتطبيق هذا الفعل لاحقاً في آلاف المجالات الأخرى.

كفاءة الزر في تأدية مهمته فوراً، الأمر الذي يجعلنا نشعر بالرضا لقدرتنا على السيطرة، صحيح أن هذه السرعة مرتبطة بأشياء كثيرة قد يكون أهمها سرعة التيار الكهربائي في الأسلاك، ولكن الزر هو عنوانها، إذ لا يقر الإنسان بقيمة المكونات المعقَّدة للإنارة الكهربائية، بقدر ما يقر بحسنة الاستغناء عن عود الثقاب لإشعال المصباح العامل على الزيت.

اقتصار عدد المهمات التي ينفذها الزر على اثنتين، الأمر الذي يؤدي إلى توقع النتيجة سلفاً والنجاح في تنفيذها، إذ نادراً جداً ما يخذلنا الزر.

ضخامة المهمة التي يمكن للزر أن ينفذها مقارنة ببساطة فعل الضغط عليه، أوليس «بكبسة زر» يمكن للمصعد أن يرفعنا خمسة وخمسين طابقاً من العمارة من دون أن نتحرك من أماكننا؟

الاطمئنان إلى قدرتنا على التحكم حتى بالأجهزة الجديدة التي نستعملها لأول مرة، فوجود الزر بما يرافقه من تعليمات جانبية بسيطة كإشارة التشغيل، يُشعرنا أننا قطعنا أكثر من نصف المسافة إلى فهم هذا الجهاز والسيطرة عليه واستخدامه كما يجب.

لهذه الأسباب وغيرها الكثير، يُعد الزر واحداً من أنجح التطبيقات للمعادلة التي يقوم عليها التصميم الصناعي والتي تقول إن التصميم الناجح يتحقق عندما يمكننا أن نضع علامة المساواة «=» بين نموذج التشغيل الذي يتخيله المصمم أو الصانع، وبين النموذج الذي يفهمه أو يدركه المستخدم بمجرد النظر إلى التصميم.

عدد الأزرار حول كلٍّ منا
يستحيل إحصاء عدد الأزرار التي تلامسها أصابعنا يومياً، ولكننا لو أخذنا شخصاً يقيم في شقة متوسطة الحجم ويمتلك من الأجهزة ما بات ضرورياً للحياة العصرية لوجدنا أن الأزرار تنتشر من حوله على الشكل التقريبي الآتي:

16 زراً للإضاءة
3 أزرار لأدوات التهوئة
10 أزرار في كل جهاز تحكم بمكيف الهواء
48 زراً في جهاز التحكم عن بعد بالتلفزيون
48 زراً في جهاز التحكم عن بعد بمشغل الأقراص المضغوطة
34 زراً في جهاز التحكم عن بعد بلاقط البث الفضائي
33 زراً في جهاز الهاتف الأرضي
27 زراً في الهاتف النقال
88 زراً في جهاز الكمبيوتر المحمول
8 أزرار في الغسالة الكهربائية
وغير ذلك الكثير.. الكثير .. الكثير..

وإذا كان يستحيل إحصاء عدد الأزرار بدقة، فإن عدد المرات التي تضغط فيها أصابعنا على الأزرار هو أكثر بكثير من عددها وقد يصل إلى مئات الأضعاف، بفعل استخدامنا لبعض الأجهزة أكثر من غيرها مثل الهاتف أو الكمبيوتر.

الأزرار الوهمية
صدّق أو لا تصدّق أن البشر اعتادوا على استخدام الأزرار حتى عندما تكون من دون أية وظيفة فعلية، أو عندما تكون وظيفتها ملغاة، فصحيح أن ما من آلة أو جهاز يضيف إليه المصمم زراً لا وظيفة له، ولكن الصحيح أن بعض الأجهزة والآلات عندما تباع يعرض البائع على المشتري إلغاء خدمة معينة يقدِّمها الزر، وأشهر الأزرار في هذا المجال، زر إغلاق أبواب المصعد الكهربائي اختصاراً لوقت الانتظار، فكل شركات المصاعد، أو فرق الصيانة التابعة لها، تعرض على زبائنها تعطيل هذا الزر الذي من شأنه في حال بقائه صالحاً للاستعمال زيادة حركة المصعد بنسب تتراوح بين 30 و%60، خاصة في المباني التجارية الكبيرة التي تضم عدداً كبيراً من الموظفين والرواد، إذ بدل أن يبقى الباب مفتوحاً لبضعة ثوانٍ إضافية تسمح بتحميل عدد أكبر من الأشخاص، ينتقل المصعد بشخص واحد أو شخصين، فيما يجبر المتأخرون للحظات على الانتظار طويلاً ليعود المصعد إليهم. ولهذا فإن معظم المباني العامة والمؤسسات الكبيرة توكل إلى فريق الصيانة تعطيل زر إقفال باب المصعد، ويمكننا ملاحظة ذلك عندما نضغط على هذا الزر فلا يستجيب إلا بعد ثانيتين أو ثلاث، وبما أنه يكون قد مرت ثلاث أو أربع ثوانٍ على دخولنا المصعد والضغط على زر الطابق الذي نقصده، فهذا يعني أن مدة فتح باب المصعد هي نفسها بالضغط على زر الإغلاق أم من دونه.

المفارقة هي أن الموظف العامل في المبنى نفسه والذي يستخدم المصعد نفسه يومياً، يصر على استخدام زر الإغلاق، وكأنه لم يلاحظ بالأمس أنه لم يغير شيئاً، فبماذا نفسر ذلك بغير أهمية إحساس الإنسان بالقدرة على التحكم؟

ومن الأزرار الوهمية الأخرى، المعطلة عمداً عن وظيفتها في منشآت كثيرة، أزرار ضبط حرارة التكييف الداخلي، فلأن درجة الحرارة المرغوبة في المكاتب تكون عادة مثار خلاف بين الموظفين، غالباً ما يعرض باعة هذه الأجهرة أو فرق صيانتها تعطيل زر التحكم، وتثبيت الحرارة عند مستوى معين، وغالباً ما يرضى المسؤولون عن هذه المنشآت بذلك، أما الموظفون فلا يهمهم بواقع الحال، بقدر ما يهمهم ضغط الزر في الاتجاه الذي يريدون، إعلاناً لتحكمهم بمحيطهم.

الزر المغضوب عليه
شهد العقدان الماضيان محاولة التخلي عن زر القفل أو إيقاف التشغيل (OFF) لصالح زر آخر هو زر «البقاء على الاستعداد» (STAND BY)، وتزايد استخدام هذا الزر حتى كاد الأول أن يواجه الانقراض، في عصر السرعة، بدا وكأن لا أحد يريد الانتظار لثوانٍ طويلة من الزمن كي يبدأ الكمبيوتر أو التلفزيون بالعمل.

ولكن دراسة نشرت في عام 2005م، أظهرت أن دول الاتحاد الأوروبي تتكبد 3.7 مليار يورو سنوياً بسبب الطاقة التي يهدرها هذا الزر باستمرار من دون حاجة حقيقية إليه، الأمر الذي أثار غضب البيئيين ودعاة المحافظة على الطاقة من الهدر.

وكانت دراسة أخرى قد أجرتها جامعة بيركلي في كاليفورنيا، قد كشفت في العام 1998م أن البيوت الكثيرة التي لا تطفئ أجهزتها الكهربائية مطلقاً وتبقيها في حالة الاستعداد تستهلك نحو %5 من إجمالي حجم الطاقة الكهربائية المنزلية في أمريكا، وتبلغ قيمة هذا الهدر نحو 3 مليارات دولار سنوياً، وبعد ذلك بسنتين أظهرت دراسة متابعة للدراسة الأولى أن هذا الاستخدام عديم الفائدة وصل إلى الضِّعف، الأمر الذي أدى إلى تصاعد الحملة ضد زر «البقاء على استعداد»، وتكرار الحديث عن هدره للطاقة، ما أدى بدوره إلى انتشار الوعي عند العامة وظهور بدايات التراجع عن استخدامه، عودةً إلى زر الإيقاف (OFF).

الزر الذي شغل العالم
تمثل أزمة الصواريخ الكوبية التي اندلعت في خريف العام 1962م ذروة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي، وخاصة ما بين 19 و24 أكتوبر عندما حبس العالم أنفاسه تخوفاً من اندلاع حرب نووية بين الدولتين.

فبعدما وجه الرئيس الأمريكي جون كينيدي إنذاره الشهير إلى الاتحاد السوفياتي بوجوب سحب الصواريخ الاستراتيجية التي نشرها في كوبا، أعلنت قيادة القوات الجوية الأمريكية حالة التأهب النووي من الدرجة الثالثة في الثاني والعشرين من أكتوبر، وبسبب تعثر المفاوضات خلال الساعات التالية، رفعت حالة التأهب النووي في الرابع والعشرين من أكتوبر إلى الدرجة الثانية أي الدرجة التي تسبق درجة إطلاق الصواريخ النووية. وبخلاف التعقيدات السياسية الكثيرة لهذه الأزمة، عرف الإعلام العالمي كيف يخاطب شعوب الأرض المرتاعة من احتمال نشوب حرب نووية، ففي اليوم التالي حملت ألف صحيفة في العالم عنواناً عريضاً كان عبارة عن سؤال واحد مكرر في صيغ لا تختلف كثيراً عن بعضها، وفحواها السؤال: ( هل يضغط كينيدي على الزر؟ )

لحسن الحظ، تم حل تلك الأزمة بالمفاوضات، ولكن صورة الأزمة بقيت لعقود عديدة ملخصة في أذهان ملايين البشر في كل العالم بأنها كانت «متوقفة على كبسة زر»!

ولاحقاً، نسي العالم تلك الأزمة، ولكن تعبير «كبسة زر» بقي على الألسن في مختلف لغات العالم للإشارة إلى إمكانية القيام بعمل كبير من خلال خطوة صغيرة لا تتطلب أي جهد ملحوظ.

تبقى الإشارة إلى أن إطلاق الأسلحة النووية أكثر تعقيداً بكثير مما صوره الأدب العالمي أو الخيال الشعبي، لأن «زره» مؤلف من أدوات ومفاتيح ورموز وعناصر عديدة بعضها في أيدي رؤساء الدول وبعضها في أيدي العسكريين المنفذين، ويجب أن تتجمع كلاً لكي يصبح إطلاق السلاح النووي أمراً ممكناً.

بين طقطقة القلم والألعاب الإلكترونية
الزر في علم النفس
يشكِّل الضغط المتكرر على الزر الواحد مصدر استمتاع أو راحة للبعض في ظروف معينة، فكلنا عندما كنا صغاراً لهونا بأزرار المصابيح الكهربائية بتكرار الضغط عليها من باب الدهشة من تعاقب الضوء والظلام بسرعة، ولكن ميل الإنسان إلى الضغط المتكرر بشكل لا واعٍ على زر ذي مهمة صغيرة جداً مثل زر القلم، والاستمتاع بهذا الفعل وصوت الطقطقة الصادرة عنه، يدخل في إطار المسائل النفسية.

ففي مقال نشرته قناة ABC في باب العلوم على موقعها الإلكتروني، أشار كاتب المقال إلى ضرورة دراسة ظاهرة طقطقة الأقلام والعلاقة المباشرة ما بينها وبين مستوى التوتر النفسي، خاصة في صفوف الأطباء والممرضين في المستشفيات، ويقول الكاتب إيان ميلر الذي عمل لمدة 24 عاماً في التمريض في إحدى المستشفيات، أنه كان يعرف بوجود حالة طوارئ حمراء حينما يتعالى صوت طقطقة الأقلام في أروقة المستشفى، كما يذكر أن هذه الطقطقة كانت معدية، وتنتقل من طبيب إلى آخر في غضون ثوانٍ، ويضيف ميلر أن بعض الأطباء كانوا يبتاعون خصيصاً الأقلام التي تجمع أربعة ألوان في القلم الواحد، كي تتناوب أصابعهم على طقطقة أزرارها الأربعة.

ولكن الدور النفسي الذي يمكن أن يلعبه تكرار الضغط على الأزرار تجاوز بساطة الملاحظة السابقة إلى دراسة معمقة أكثر تناولت مجالاً يشكل قضية تربوية واجتماعية على المستوى العالمي، ألا وهي الألعاب الإلكترونية!

ففي دراسة أجراها فريق من الباحثين في جامعة تولوز الفرنسية حول إدمان الألعاب الإلكترونية عند الناشئة وشملت 55 مراهقاً يمضي الواحد منهم أكثر من ثلاث ساعات يومياً أمام الألعاب الإلكترونية، فتبيَّن أن هؤلاء ما كانوا يعانون الإرهاق النفسي المتوقع من خلال متابعة ألعاب عنيفة الطابع وصاخبة وذات حركات سريعة، وأكثر من ذلك، تبين للباحثين أن قدرة مدمني الألعاب الإلكترونية على تحمل ممارسة هذه الألعاب قبل الإحساس بالتعب النفسي يصل إلى نحو خمسة أضعاف قدراتهم على ممارسة أي نوع من الألعاب يتطلب تركيزاً ذهنياً مستمراً، وعزا الباحثون الأمر إلى أن فعل الضغط على الأزرار في الألعاب الإلكترونية وتكراره باستمرار هو ما ينفس الضغط على ذهن اللاعب، وأكد هؤلاء لاحقاً ملاحظتهم من خلال استبدال بعض الألعاب بألعاب أخرى مشابهة، ولكنها تعتمد على مقابض ميكانيكية – كهربائية صغيرة بدل الأزرار، فكانت النتيجة أن اللاعب كان يشعر «بالإرهاق والتوتر والغضب والرغبة في رفس الآلة وحتى الشجار مع الآخرين»، وذلك خلال خمس الوقت الذي كان يقضيه أمام لعبته الإلكترونية ذات الأزرار الصغيرة التي تجعله يحتل المجموعة الشمسية ويبيد جيوش الأعداء من دون أي إحساس بالتوتر..

أزرار في غير محلها
السؤال الذي يطرحه من يحاول الكتابة للمرة الأولى بواسطة الكمبيوتر، هو نفسه السؤال الذي طرحه من اطلع على الآلة الكاتبة الميكانيكية خلال القرن الماضي: «لماذا انتظمت أزرار الأحرف بشكل لا يمت بصلة إلى ترتيبها الأبجدي؟». والجواب هو أن أصل هذه «العشوائية» – التي هي ليست فعلاً عشوائية – يعود إلى بدايات اختراع الآلة الكاتبة، إذ كان استخدام حرفين متجاورين تباعاً وبسرعة، يؤدي إلى تشابك القضبان الحاملة للأحرف الطابعة، فراح المطورون يبعدون الأزرار التي تحمل أحرف يكثر ورودها متتابعة في الكلمات عن بعضها، ثم تعزز ذلك من خلال دراسة مواضع الأزرار وتتابع الأحرف بشكل يسمح باستخدام أصابع اليد العشرة حتى الحدود القصوى في أقصر وقت ممكن!

وفي الآلات الحاسبة وبعض أجهزة الصراف الآلي، يلفتنا ترتيب الأرقام بشكل عكسي: 9 – 8 – 7 .. بدلاً من 1 – 2 – 3..، والأرجح أن السبب في ذلك مرتبط بما وجد قبل الآلة الحاسبة، ففي اليابان والصين يستخدم العداد اليدوي المعتمد على مجموعة من الكرات، والمعروف باسم «الأباكس» لإجراء العمليات الحسابية، وفيه تحسب الأرقام تنازلياً من 9 إلى 8 إلى 7 .. من اليسار إلى اليمين، لتشمل أكبر عدد في الخانة القصوى إلى اليسار ثم الأقل ثم الأقل، الأمر الذي انتقل بشكل قريب إلى الآلات الحاسبة الميكانيكية التي ظهرت في القرن التاسع عشر، بعدما تبين أنه يمنح الجهاز قدرة أكبر على القراءة ، ومن ثم بنيت الآلات الحاسبة الحديثة على المنوال نفسه.

ومن الأزرار التي تبدو في غير موضعها، هو زر الصفر، الذي يوجد في الصف الأخير من أزرار الهاتف، وتفسير ذلك هو أن الأجهزة الهاتفية الأولى كانت تترجم الأرقام إلى نبضات كهربائية، فنبضة واحدة تعبر عن الرقم 1، ونبضتان تعبران عن الرقم 2 وهكذا دواليك، أما الصفر الذي لا يمكن التعبير عنه بغياب النبض، فكان يترجم إلى عشرة نبضات، وعندما ابتكر قرص الهاتف الدوار، كان الترتيب المنطقي لموضع الصفر هو بعد الرقم 9، بسبب الحاجة إلى عشرة نبضات للتعبير عنه، ومن هذا الهاتف التقليدي انتقل الترتيب نفسه إلى الهاتف الكهربائي أو الرقمي، لأن الناس ألفت موضع الصفر، ولا داعي إلى تغييره.

بين زر الملابس وزر الآلة
صلة قربى تتجاوز الاسم
عندما بدأنا رحلتنا مع عالم الزر، كان من المقرر أن نحصر البحث في الزر الميكانيكي أو الكهربائي وما يمكن أن يتكشف عنه في عالم التقنية وتطورها، ولهذا استبعدنا الحديث عن أزرار الملابس التي بدا أولاً أنها لا تمت بصلة إلى موضوع بحثنا في هذا الملف، أكثر من كونها مصدراً استعار منه زرّنا الاسم فقط. ولكن خلال رحلتنا في هذا الملف اكتشفنا أن استعارة الاسم لم تكن فقط بسبب الشبه الشكلي بين هاتين الأداتين الصغيرتين بل لصلات قربى أعمق من ذلك.

فمن أولى الصفات المشتركة بين زر الملبس وزر الآلة هي في الوظيفة الواحدة المحددة لهما والتي تقتصر على الفتح والإغلاق، أو الفك والربط، ويشترك الزران في عدم تمكنهما من تكرار إحدى مرحلتي وظيفتها مرتين من دون المرور بالمرحلة الثانية، أي إنه في الوقت الذي يمكن للزر أن يؤدي وظيفته آلاف المرات، فلا يمكنه أن يفتح مرتين متعاقبتين من دون المرور بمرحلة الإقفال، بخلاف معظم الأدوات البسيطة الأخرى التي تحدد وظيفتها بمرحلة واحدة.

والسمة المشتركة الثانية بين زر الملبس وزر الآلة هي في ارتباط قيمة أشياء أضخم حجماً منهما بكثير بوجودهما، فكما أن أفخر الملابس وأغلاها ثمناً تتحول إلى خرق غير صالحة للاستخدام إذا انتزعنا أزرارها (عندما تكون مصممة أساساً بأزرار)، فإن أعظم مبتكرات التكنولوجيا تصبح كومة من المعدن والبلاستيك إذا انتزعنا أزرارها كذلك، ومع ذلك، يبقى الزران في المرتبة الأخيرة من اهتمامات الإنسان عندما يتطلع إلى منتج معين (قميص أو كومبيوتر)، ويصب اهتمامه على شكل هذا المنتج ووظيفته. الأمر الذي يمكنه أن يؤدي إلى إثارة إشكالية تعامل الإنسان مع ما يحيط به من أشياء مختلفة في العالم من حوله.

مسألة تأريخ وشخصية فقط
لو أننا بدأنا بحثنا هذا بدراسة أزرار الملابس لكان يمكن لهذا البحث أن يقودنا إلى عوالم تشمل التأريخ الاجتماعي وحتى السياسي والمعادن والمواد النفيسة والرسم والنحت، قبل الوصول إلى الزر في الآلة، ولعل هذه الصبغة «الإنسانية» الطابع التي تميز زر الملابس، هي التي تجعلنا نتصور أنه «شيء» آخر مختلف عن الزر في الآلة، والواقع، أنه وإن كانت هناك اختلافات ما بين الاثنين، فإنها تعود في الدرجة الأولى، وربما فقط، إلى العمر الطويل لزر الملابس، مقارنة بـ» فتوة « زر الآلة.

فزر الملابس ظهر على الأرجح خلال الألف الثالث قبل الميلاد في الحضارة التي قامت في وادي الهندوس، حيث عثر على أزرار من الصدف تعود إلى ما بين 2600 و 2800 سنة قبل الميلاد، كما عرفت الصين الأزرار منذ العصر البرونزي، أي حوالي 2000 سنة قبل الميلاد، ولكن تلك الأزرار كانت للزينة فقط، أي أن مولد الزر كان لغايات جمالية فقط. ويدل عدم وجود اسم للزر في اللغتين اليونانية والرومانية أن أوروبا لم تعرف زر الملابس آنذاك. ولكن في مكان ما من الشرق، خطر لأحدهم أن يستفيد من هذا الزر لربط الملابس إلى بعضها من خلال إدخاله في حلقة من الخيوط المجدولة مثبتة عند الطرف الآخر المراد ربطه، وفي وقت ما بين القرن العاشر والثاني عشر، تم ابتكار العروة، أي شق في القماش يمكن تثبيت الزر به. فراج استخدامه عند الترك والمغول، وبشكل محدود عند العرب. وعبر هؤلاء اكتشف الأوروبيون الزر خلال الحروب الصليبية ونقلوه إلى أوروبا عند بدايات القرن الثالث عشر، وما هي إلا فترة نصف قرن، حتى كان صنّاع الأزرار في إيطاليا وفرنسا قد انتظموا في نقابات، ولأن زبائنهم كانوا من عليّة القوم، كانت صناعتهم قريبة إلى حد بعيد من صناعة الحلي والمجوهرات.

وهناك أزرار دخلت تأريخ الفن مثل الأزرار التي وصلتنا من إحدى سترات ملك فرنسا هنري الرابع المصنوعة من الصدف والمزخرفة بصور تمثل اثني عشر قيصراً رومانياً.. واليوم يوجد في معظم المتاحف الكبرى مجموعات من الأزرار التي باتت تتساوى في قيمتها ودلالاتها مع باقي التحف الفنية ..

ولكن، إن بدا زر الملابس «إنسانياً» أكثر من زر الآلة، فقد صرنا نعرف من الصفحات السابقة أن هذا الأخير هو بدوره ثمرة جهود، يشكل فن التصميم جزءاً أساسياً منها، هذا التصميم الهادف إلى تقديم السلعة الاستهلاكية مهما تركزت قيمتها في وظيفتها، بأفضل شكل ممكن، وأجمل زخرف مرافق حيثما استدعت الوظيفة وجود زخرف، فلو كان الزر الكهربائي موجوداً عند بناء قصر فرساي مثلاً في القرن السابع عشر، فلربما كان قد صنع من الذهب وزخرف على شكل نسر أو رأس أسد، أو حيوان أسطوري.. بعبارة أخرى، إن الفرق بين زر الملابس والزر الكهربائي أو الميكانيكي هو في الفرق بين العصور التي ظهرت فيها هذه الأزرار، أو قد يكون من الأصح القول: العصور التي صنعتها هذه الأزرار.

أضف تعليق

التعليقات