قضية العدد

التعصُّب الرياضي
سمٌ يقلب الحب حقداً والبهجة رعباً..

  • U1426070
  • ايتو-يهم-بالخروج
  • illustration-1-qafila-article-football
  • illustration3
  • illustration5
  • image2

يشكِّل «الولاء» جزءاً أساسياً من نسيج متابعة الجماهير للنشاط الرياضي، وأيضاً من «الهوية الرياضية» للمتابع. ولكن عندما يتجاوز هذا الولاء الضوابط الأخلاقية والمنطقية ينقلب تعصباً يؤدي في بعض الظروف إلى نتائج بعيدة كل البعد عن الإمتاع المتوخَّى من الرياضة.
وفي حين أن كل أنواع الرياضة تحظى بجماهير متحمِّسة لفريق دون آخر، فإن مستويات هذه الحماسة وأشكال التعبير عنها تختلف من رياضة إلى أخرى. ولكن مما لا شك فيه أن كرة القدم تبقى الميدان الذي يؤجج عواطف الجماهير بشكل أوضح بكثير من غيره، وعلى المدرَّجات المحيطة بملاعب كرة القدم نجد أكبر الأمثلة (وأسوأها) عن حالات انقلاب الولاء إلى تعصُّب يقلب أحياناً الوعد بالبهجة والاحتفال إلى مصائب وكوارث.
وفيما يأتي مساهمتان تتناولان التعصُّب الرياضي. في الأولى عرض لجذور هذه القضية وبعض أوجهها من خلال أمثلة شهيرة شهدها العالم ولا تزال تهدِّد ملاعبه اليوم. أما الثانية، فهي قراءة للأسباب النفسية والاجتماعية المغذية للتعصُّب الرياضي، ليصل إلى طرح السؤال حول ما إذا كان من الممكن توليد مثل هذا التعصُّب لغايات مفيدة خارج عالم الرياضة والملاعب.

لعب وغضب وشغب وحرب
مهيب حامد
منذ نشأة كرة القدم وهي مرتبطة بالجماهير والمناصرين برابط وثيق العلاقة. إذ لا يمكننا أن نتخيل كرة القدم من دون جماهير تضيف الكثير بطقوسها التشجيعية المتنوعة -بحكم الاختلاف الاجتماعي والتعددية الثقافية- إلى لعبة كرة القدم. إن الجماهير باختصار هي ملح كرة القدم، ولولاها لما تربعت هذه الرياضة على العرش، بوصفها الرياضة الأكثر عالمية، متخطية الوصف الشعبي اللصيق بها إلى آخر لا يخلو من تعقيد، حتى استحالت إلى ظاهرة واسعة الانتشار بقدر ما هي شائكة وملغزة.

مما لا شك فيه أن كرة القدم، وبعد المكانة التي بلغتها، لم تعد مجرد جلدة منفوخة بالهواء تُركل بالأقدام، بل أصبحت من أكثر الوسائل استغلالاً وأيسرها تطبيقاً لتحقيق أهداف تبتعد أحياناً كل البعد عن الرياضة وروح التنافس، فقد باتت ظاهرة كونية تسيل اللعاب لما تنطوي عليه من إمكانات استثمار واستغلال قصوى لجهة حجم التأثير الممكن إحداثه، وهذا ما يفسِّر إقحام جوانب عديدة فيها؛ سياسية واقتصادية واجتماعية، على أيدي أطراف ذات أطياف وأجندات متنوعة، يسعى كل منها إلى غاياته وأغراضه، غير الرياضية بالضرورة! ومن الطبيعي، والحال هذه، أن ينعكس الدور الذي باتت تلعبه كرة القدم على القاعدة الجماهيرية المرتبطة بهذه الرياضة وأن يتأثر سلوك الجماهير بتلك الجوانب، كما لم يعد مستغرباً على الإطلاق أن يتعدى الأمر العشق والانتماء إلى الشوفينية المقيتة، حتى وإن تم حصر المسألة بين مزدوجين تحت وصف «التعصُّب الكروي».

جذور المسألة أقدم مما نعتقد
يعتقد البعض أن ظاهرة التعصُّب الكروي طفت على السطح بسبب الأبعاد الدخيلة التي أشرنا إليها سريعاً أعلاه، وهي أبعاد لا نستطيع أن ننكر مدى تأثيرها، لكن التعصُّب الكروي -في حقيقة الأمر- وُلد بولادة كرة القدم.

فقد أكدت الروايات الصينية منذ ما قبل الميلاد، وقبل أن تأخذ كرة القدم شكلها الحالي، أنها كانت وسيلة تحدٍ بين القبائل المتناحرة؛ فالفريق المهزوم كان يُقابل بالسخط والجلد من قِبَل أنصاره لتخاذله. بالمقابل، كان الفريق المنتصر يكافأ بالولائم ودق طبول النصر.

قد لا يكترث الكثيرون بهذه الروايات مبررين موقفهم بأن كرة القدم في ذلك الوقت لم تكن بالشكل الذي عليه الآن، وأنها -كرياضة- أخذت شكلها الحقيقي على أيدي الإنجليز، مهد الكرة الحقيقية. لكن التاريخ أكد أن الإنجليز لم يكونوا أفضل حالاً من الصينيين. فقد كانت كرة القدم عندهم في بداياتها (العصور الوسطى) عنواناً للسخط والتعصُّب. إذ تفشَّت آنذاك ظاهرة مهاجمة اللاعبين ونشر الرعب في قلوب المناصرين للفرق المعادية. مما دفع ملك إنجلترا إدوارد الثاني في العام 1314م إلى اتخاذ قرار بحظر كرة القدم اعتقاداً منه بأن الفوضى المحيطة بالمباريات قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية.

أولى حالات العنف والتعصُّب المدونة في تاريخ كرة القدم الحديثة مسجلّة في العام 1885م، وذلك بعد أن فاز فريق «بريستون نورث إند» الإنجليزي على نظيره فريق «أستون فيلا» بخماسية نظيفة في لقاء ودي أسفر عن تعرض جماهير الفريقين لبعضهم بالركل ورشق الحجارة والضرب بالعصي.. وقد وصفت التقارير الصحافية في ذلك الوقت الجمهور بـ«عويل الشرسين». وجسَّدت هذه الواقعة البروز الأول لظاهرة إنجليزية عرفت باسم «الهوليغانز» أو «الهوليغانية» (Hooliganism)، التي تمثل رمزاً للتعصُّب الكروي لما يقوم به هؤلاء من تخريب وشغب وتحطيم للسيارات والمباني والتعرض لجماهير الفرق المنافسة بالضرب مستخدمين العصي والسلاح الأبيض.

كابوس سياسي
بعد الدور الكبير الذي أضافه الإنجليز إلى كرة القدم وتمكنهم من تنظيمها وضبط قواعدها، بدأت الرياضة تأخذ مكانتها، واستطاعت أن تتقدم بخطوات واسعة على ظاهرة التعصُّب الملازمة لنشأتها. لا نستطيع أن ننكر أن شعبيتها الجارفة أسهمت بشكل فاعل في تجاهل حالات التعصب التي كانت تبرز من حين لآخر، فقد كانت تلك الأحداث تحصر ضمن الاستثناءات طالما أن الجوانب الإيجابية هي التي تحتل دوماً أبرز عناوين الرياضة – اللعبة، وفي كثير من الحالات استطاعت كرة القدم أن تحقِّق ما عجزتْ عنه أعتى المؤسسات الدولية في تقريب الشعوب والمساواة فيما بينها، لدرجة كادت أن تصل فيها كرة القدم إلى مرتبة المثالية، لكن الحلم السريالي سريعاً ما تحوَّل إلى كابوس مؤلم.

فتاريخ كرة القدم الحديث شهد العديد من الأحداث، التي يبدو من المجحف وصفها بتعصب كروي؛ فهي أحداث جاءت نتيجة لما بدأ يقتحم كرة القدم، وحوَّلها إلى رهان سياسي وثقافي واقتصادي ودبلوماسي وإعلامي شامل. وبالتالي فإن تأثيراتها على جوانب النشاط الإنساني المختلفة أمر طبيعي وغير مستغرب.

.. وصولاً إلى الحرب
فعلى الصعيد السياسي، تسببت كرة القدم أو «كرة السلام» -كما يُفترض- في نشوب حرب بين السلفادور وهندوراس عندما وضعتهما وجهاً لوجه خلال التصفيات المؤهلة لمونديال المكسيك عام 1970م، وليس خافياً حجم الصراع السياسي الذي كان قائماً في ذلك الوقت بين البلدين بسبب القضايا المتعلقة بالهجرة وغير ذلك.

بدأت القصة في الثامن من يونيو (حزيران) عام 1969م عندما فازت هندوراس على السلفادور في مباراة الذهاب المقامة بهندوراس بهدف تم تسجيله في الدقيقة الأخيرة. وظهر لاعبو السلفادور منهكين، وهو ما عُزي في حينه إلى أن مشجعي هندوراس كانوا قد نظَّموا في الليلة التي سبقت المباراة حفلة صاخبة حضرها عشرات الآلاف حول الفندق الذي كان يقيم فيه لاعبو السلفادور، استمرت حتى خيوط الصباح الأولى وذلك من أجل منعهم من الحصول على قسط وافر من النوم والراحة. بعد ذلك، جرت مباراة العودة في السلفادور في أجواء مرعبة بسبب غضب مشجعي السلفادور، فنقل المنتخب الهندوراسي من الفندق إلى الملعب في سيارات مصفَّحة، وأثناء مرور هذه السيارات في الشوارع كان السلفادوريين يمزقون أعلام هندوراس ويلقون بها على السيارات المصفحة التي كانت تسير ببطء. وبعد أن خسرت هندوراس المباراة بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، لقي اثنان من مشجعيها حتفهما في أجواء عنف جماهيرية. ولجأت الدولتان في اليوم التالي إلى إغلاق الحدود بينهما، ثم قامت ميليشيات سلفادورية مسلَّحة بطرد الفلاحين الهندوراسيين المقيمين في السلفادور واستولت على ممتلكاتهم، لتندلع الحرب فعلياً ورسمياً بين البلدين.

استمرت المعارك أربعة أيام تدخلت على أثرها منظمة الدول الأمـــريكية لفرض وقـــف إطـــلاق النــــار وانسحاب القوات السلفادورية التي كانت قد توغلت في أراضي هندوراس.
لا يقتصر الجانب السياسي على هذه الحادثة، وإن كانت الأعنف من نوعها. فكثيراً ما يستغل أنصار كرة القدم هذه الرياضة للتعبير عن توجهاتهم السياسية ومطالبهم تماماً كما يحدث في إسبانيا الشهيرة بأقاليمها الرافضة كل الرفض أن تبقى تحت لواء العلم الإسباني فأنصار «أتلتيكو بلباو»، الممثل الشرعي لإقليم الباسك، ينتظرون مع كل موسم لقاءهم الاستثنائي بفريق «ريال مدريد»، ممثل الحكومة الإسبانية حسب وجهة نظرهم للتعبير عن سخطهم وتجديد مطالبتهم بالاستقلال. وكثيراً ما تشهد لقاءات الفريقين أحداثاً مؤسفة. لعلّ الباسكيين هم الأكثر شراسة من بين الأقاليم الإسبانية، لكن أبناء إقليم كتالونيا هم أيضاً وجدوا ضالتهم في فريقهم الشهير «برشلونة» للتعبير أيضاً عن مطلبهم بالانفصال، ولم يكتفوا ببرشلونة فقد نجحوا في تأسيس منتخب يمثل الإقليم، حيث اعتادوا على تنظيم لقاءات دولية ودية مع أشهر المنتخبات كالبرازيل والأرجنتين في مناسبات عديدة؛ الهدف الرئيس من وراء هده اللقاءات حتماً لا علاقة له بكرة القدم بل هو تسليط الضوء على هذا الإقليم وإبقاء قضيته مفتوحة على كل الأصعدة.

سياسياً أيضاً، تُعدّ كرة القدم متنفَّساً خصباً للعديد من أصحاب التوجهات والانتماءات السياسية للتعبير عن مبادئهم وأفكارهم، ولنا في مناصري فريق «لاتسيو» الإيطالي خير مثال؛ فهم حتى هذه اللحظة ما زالوا يعبِّرون عن ميولهم الفاشية من خلال لقاءات الفريق بالفرق المقابلة. وما زالت صورة اللاعب ديكـانيو عالقة في الأذهان وهو يوجه التحية الفاشية الشهيرة بيده لأنصار الفريق الأمر الذي دفع بالفيفا، ممثلة برئيسها الحالي سيب بلاتر، إلى تهديده بحرمانه من اللعب نهائياً في حال كرر ذلك. وقد نجح بلاتر في إيقافه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه متى ينجح في ردع المناصرين؟

خارج أبسط الضوابط الأخلاقية
وسواءً أكانت هناك غايات سياسية واضحة أو مبطنَّة أم لا، يمكن للضوابط الأخلاقية أن تنهار في بعض الأحيان على المدرَّجات، لأكثر من سبب، ليتخذ التعصُّب الرياضي شكلاً قبيحاً يطغى على مساعي تفسيره.

فخلال تأجج العواطف الغاضبة، يرى البعض أن كل الأسلحة التي يمكن ابتكارها هي صالحة للاستعمال، بدءاً بالشتائم البذيئة الموجَّهة إلى الخصم، أو إلى المقصِّرين من الفريق الذي يشجِّعه الجمهور، أو إلى الحكم «الجائر».. وصولاً إلى السلاح العنصري بكل دناءته وحقارته. فكلنا سمعنا بالاعتداءات العنصرية التي تعرَّض لها بعض اللاعبين الأفارقة خلال بعض المباريات الأوروبية. ولكن المفارقة المثيرة للسخرية أن هذه الكراهية العنصرية ضد اللاعبين في صفوف الفريق الخصم تنقلب حماسة للاعب الإفريقي في صفوف الفريق الذي يشجِّعه الأغبياء من الجمهور نفسه.

تصدير الهوليغانية «الإنجليزية»
تناولنا سابقاً أولى الحالات التي سجَّلت ظهور ظاهرة «الهوليغانز». الغريب في الأمر أن هذه الظاهرة لا تزال مقترنة بالكرة الإنجليزية، وإن هدأت وتيرتها داخلياً بفضل الإجراءات الصارمة التي تقوم بها الشرطة الإنجليزية. لكن ذلك لم يمنع «الهوليغانز» من ممارسة طقوسهم المتعصبة خارج إنجلترا خاصة في المناسبات الدولية التي تشارك فيها الفرق الإنجليزية. ومن شدة الضرر الذي تحدثه هده الفئة فإن الدول المضيفة كثيراً ما تتمنى لو أنها لا تستضيف الفرق الإنجليزية رغم عراقة الكرة الإنجليزية. الطريف في الأمر أن الشرطة الإنجليزية كثيراً ما تقدِّم خبراتها -مجاناً- في مساعدة الشرطة في الدولة المضيفة لمواجهة «نشاطاتهم» الهوليغانية!

بيد أن كل هذه الجهود المضنية لم تمنع «الهوليغانز» من ارتكاب مجازر لطخت تاريخ كرة القدم. ولعلّ ما حصل في العاصمة البلجيكية بروكسل في التاسع والعشرين من مايو (أيار) عام 1985م كفيل بتأكيد ذلك. فقد شهد ذلك اليوم المباراة النهائية لدوري الأبطال، التي جمعت بين فريق «يوفنتوس» الإيطالي وفريق «ليفربول» الإنجليزي. أما مسرح اللقاء فكان ملعب هيسيل في بروكسل.

بدأت الحكاية قبل موعد اللقاء بثلاثة أيام، عندما بدأ أنصار الفريقين بالتوافد إلى بروكسل لحضور المباراة. كانت المؤشرات الأولى إيجابية بين أنصار الفريقين، وهو ما تجلَّى من خلال تبادل الهدايا والصور التذكارية. إلا أن الأمر ما لبث أن تحوَّل إلى مواجهات ومصادمات بين الأنصار خاصة على يد «الهوليغانز» الإنجليز، الذين مارسوا طقوسهم المعتادة من ثمالة وفقدان وعي وإحداث شغب وافتعال عنف، مستخدمين كل الوسائل الممكنة من مسدسات وأسلحة بيضاء وعصي وحجارة. في البدء، اعتقدت سلطات الأمن البلجيكية أن الأمر قابل للاحتواء، فاكتفت بنشر قوة شرطة أمنية قوامها سبعمائة عنصر. لكن المواجهات بين أنصار الفريقين كانت مقدمة لما سيقع لاحقاً. فقبل اللقاء بساعتين، بدأ مشجعو ليفربول الثمالى، وعددهم قرابة المائتين، بتحويل ملعب هيسيل إلى ساحة حرب، عندما اقتحموا المدرَّجات المخصصة لجماهير الفريق الإيطالي، فانهار طرف المدرَّج الأعلى بقليل عن باقي المدرَّجات بفعل اندفاع الإيطاليين من أمام مشجعي ليفربول المجانين، الأمر الذي أسفر عن مقتل تسعة مشجعين بالسكاكين واثنين بالرصاص، كما لقي العشرات حتفهم خنقاً أو جرَّاء الركل والضرب، ليصل عدد القتلى إلى تسعة وثلاثين شخصاً، والجرحى إلى ثلاثمائة وخمسة وسبعين شخصاً، غالبيتهم من الإيطاليين.

وكرد فعل من الاتحاد الأوروبي، فقد تقرَّر تعليق مشاركات الفرق الإنجليزية لسنوات خمس، لكن ذلك لم يكن كافياً لإعادة تلميع صورة كرة القدم، ولم ينجح في تضميد جراح الإيطاليين رغم فوزهم بالكأس. ورسالة ستيفانو، أحد ضحايا المجزرة، التي وجدها مراسل صحيفة «الغارديان» البريطانية ملقاة بين أكوام الثياب الملطخة بالدماء، ونشرتها الصحيفة، كفيلة بتجسيد حجم المأساة حيث كان قد كتب لأصدقائه يقول: «كما ستشاهدون، سنملأ الملعب بهجة وأغاني. وسترفرف الرايات البيضاء والسوداء عالياً لأننا الأفضل، وأعدكم أن الكأس ستكون من نصيبنا وحتى نلتقي لنحتفل.. لكم حبي».

نعم.. الكأس كانت من نصيبهم، لكن الرسالة لم تصل، ولم يعُد ستيفانو ليحتفل!

«الألتراس».. حب فوق العادة!
بما أن ظاهرة الهوليغانية اقتصرت على الإنجليز، فقد اتخذت جماهير الدول الأخرى شكلاً ومسمى جديداً في الانتماء والمؤازرة والتعصب للفريق، أُطلق عليه وصف «الألتراس». وكلمة «ألتراس» هي لاتينية مشتقة من (Ultra) التي تعني الفائق أو فوق الطبيعي في إشارة هنا لانتماء مجموعات الألتراس وحبها لأنديتها الفائق للعادة.

انطلقت ظاهرة الألتراس في خمسينيات القرن العشرين، تحديداً في أوروبا الشرقية، قبل أن تنتقل إلى دول العالم الأخرى. ثمة حقيقة تميز ثقافة «الألتراس» بصورة مغايرة عن «الهوليغانية»، فالعنف والشغب لا وجود لهما في قاموسهم رغم الانحرافات التي تحدث بين حين وآخر. فأبرز ما يميِّز «الألتراس» أنهم يُشعرونك بأنهم كيان واحد مهما بلغ عددهم، فهناك حركة واحدة متفق عليها يؤدونها، من أهازيج ولوحات تشجيعية مرسومة بأدق التفاصيل، حيث تجمعهم جملة مبادئ رئيسة: تشجيع متواصل لا ينضب حتى آخر دقيقة في المباراة، مهما كانت نتيجة اللقاء. فهم لا يتخلون بأي شكل من الأشكال عن فريقهم، كما أنه يُحظر عليهم الجلوس فالتسمّر وقوفاً طوال دقائق المباراة أمر لا جدال فيه، وكثيراً ما يديرون ظهورهم للمباراة انشغالاً بالتشجيع وتحفيز الآخرين. ومن الواجبات الأساسية لجماهير «الألتراس» التنقل والترحال خلف الفريق مهما كانت الكلفة، علماً بأنهم لا يتلقون دعماً مادياً من أية جهة، فتراهم ينظِّمون رحلاتهم بطرق عملية مقللين الكلفة والعبء المادي باستخدام أرخص الوسائل كي يضمنوا تنقلهم بشكل مستمر. وعادة ما يختارون أماكن تشجيعهم في المدرَّجات خلف المرمى معلقين لافتاتهم الشهيرة، فهم حتماً لم يأتوا للاستمتاع بالمشاهدة بقدر المؤازرة والتحفيز وإحباط الخصوم والمنافسين.

ولـ«الألتراس» قائد معلن يقودهم يحظر تجاوزه يلقب بـ«كابو». فهو من يختار الأهازيج والهتافات بدقة، وهو أيضاً من يرسم لوحات التشجيع وحركات الأيدي، فتراه أشبه بقائد أوركسترا رفيع المستوى. ولمجموعات «الألتراس» أسلوب متفرد في التشجيع يتشكَّل حسب شخصية النادي وثقافة البلد الأم؛ ففي الأرجنتين والبرازيل ينتشر استخدام أعداد كبيرة من الطبول وآلات الإيقاع التي تعزف ألحاناً أقرب إلى أغاني السامبا التي تشتهر بها أمريكا اللاتينية، أما في أوروبا فتعتمد مجموعات «الألتراس» على الأداء القوي للأغاني والأهازيج تتخلله حركات بدنية مميزة لإرهاب الخصوم.

ربما يستغرب البعض إقحام ظاهرة «الألتراس» في موضوع عن التعصُّب الكروي طالما أن ما سبق من شأنه الحث على الظاهرة والدعوة للاقتداء بها نظراً لما تقدِّمه هذه الظاهرة من متعة لكرة القدم. لكن مما يؤسف له أنه بدأت تتسلل إلى عالم «الألتراس» انحرافات وأشكال من التعصُّب على نحو يتسبب أحياناً في أحداث مؤلمة بين جماعات «الألتراس» المتقابلة، ليمتد الأمر ويشمل باقي الجماهير. ومن يدري قد ينتهي الأمر بظاهرة «الألتراس» إلى أن تتحوَّل إلى نوع متجدد أو مستحدث من «الهوليغانية» في عالم كرة القدم.

اللافت في الأمر أن ظاهرة «الألتراس» تفشت سريعاً في عالمنا العربي، ويعزى الأمر في ذلك إلى دول الشمال الإفريقي بشكل عام، وتونس والمغرب والجزائر بشكل خاص، ربما بسبب قربها من دول جنوب أوروبا. وإذا كانت بداياتها محمودة من خلال ما أضفته من مشهد جميل على ملاعبنا، إلا أنها بدأت تنبئ بالخطر بعد شواهد وأحداث شهدتها ملاعبنا العربية، وهي أحداث بعيدة عن الروح الرياضية والتعبير عن الانتماء. وكل ما نخشاه أن تتحوَّل جماهيرنا بأفعالها يوماً ما إلى «هوليغانز» عرب، ولا يهم أياً ما كانت عليه تسميتها!

ففي الأمس القريب، شغلنا جميعاً ما جرى خلال التصفيات الإفريقية للتأهل إلى بطولة العالم في كرة القدم بين منتخبي مصر والجزائر. لحسن الحظ، لم يتطور التعصب الرياضي في هذه الحالة إلى ما يشبه الأمثلة التي عدَّدناها سابقاً. ولكنه ظهر في شكل فاجأ الجميع، وتطوَّر بسرعة جارفاً في طريقه كل الروابط التي تجمع الشعبين الشقيقين.. وخرج التعصُّب من مدرَّجات الملاعب ليلهب مشاعر الجميع في البلدين وصولاً إلى رجالات الإعلام والسياسيين، وقابل ذلك إحساس بالدهشة والحيرة والخيبة المريرة عند محبي البلدين.

ختاماً، إن سيدة الرياضات ليست نظيفة تماماً. هذا ليس بالمستغرب لما تحققه كرة القدم من مكاسب جمة. إذ استحالت استثماراً عالمياً قيمته مئات المليارات من الدولارات، بموازاة تنامي شعبيتها على مختلف الأصعدة. فكرة القدم باتت فعلياً دجاجة تبيض ذهباً.

وفي جميع الأحوال، علينا كعاشقين للعبة أن نعي تماماً أن كرة القدم وُجدت من أجل أن تقرِّب لا أن تفرِّق، وأن نستمتع بكرة قدم نظيفة، وأننا وإن كنَّا لا نملك قرارها عالمياً فلنحظَ بها على الأقل عربياً.. أية لعبة من أجل المتعة والإثارة وفقط.

أسباب التعصُّب الرياضي
وإمكانية الاستفادة من دروسها
سعود عبدالعزيز العُمَر
في البحث عن أسباب التعصُّب الرياضي وجذوره، فائدة تستحق العناء. فربما مكنتنا النتائج من أن نعيد توجيه هذا الحماس إلى قضايا أكثر أهمية. تخيَّل لو استطعنا أن نجعل الجماهير تتحمس لقضايا بيئية مثل حماسها لفريقها المفضَّل؟ تخيَّل لو استطعنا أن نجعل الجماهير تشتري الكتب بدرجة إقبالها على شراء تذاكر المباريات؟ تخيَّل لو استطعنا أن نجعل الجماهير تحضر المناسبات الثقافية بكثافة حضورها في الملاعب؟ قد يبدو هذا الكلام مبالغ فيه وغير منطقي. لكن لا بد من التذكير بأنه خلال عصر شكسبير، مثلاً، كانت أهمية المسرح عند عامة الناس لا تقل عن أهمية كرة القدم الآن، وأنه عند العرب قديماً كان لظهور شاعر فحل عند القبيلة أهمية تفوق ظهور مهاجم موهوب اليوم.

أسباب التعصُّب الرياضي.. أربعة
حتى نستطيع أن نفهم كيف ينتج التعصُّب الرياضي، لابد أن نبدأ بالتساؤل عن سر هذا التعلّق اللامعقول بالرياضة؟ مالذي تفعله الرياضة لتشد الناس إليها هكذا؟ كيف ينمو هذا الرابط بين الجمهور وأداء الفريق الرياضي إلى درجة لا تكاد تصدق؟ لو سبق لك أن حضرت مباراة ذات أحداث درامية فمن المؤكد أنك شاهدت رجالاً غلاظاً أشداء يدخلون في نوبة بكاء عاطفية بعد هدف فوز في الدقائق الأخيرة. ولابد أنك شاهدت انهيارات عصبية وإغماءات تحدث بعد خسارة مفاجئة. لابد أنك شاهدت الخوف والجزع والدعاء والابتهال الذي يغشى الجماهير أثناء تنفيذ ركلات الترجيح، وكأن حياتهم وحياة أحبابهم قد ارتبطت بنتيجة المباراة.. فمن أين يأتي كل هذا الاندفاع العاطفي؟

في أمريكا، يمكن القول إنه ما من شيء يثير الناس ويستفزهم ويحركهم مثلما تفعل كرة القدم الأمريكية.. لا شيء على الإطلاق..

هناك أسباب لا نهائية لتفسير جاذبية الرياضة، مثل كونها وسيلة ترفيه أساسية، التركيز الإعلامي المسلَّط عليها، الثراء والشهرة والنفوذ المصاحب لها وغيرها الكثير. ورغم أن هذه الأسباب تفسِّر شيوع متابعة الرياضة، لكنها لا تفسِّر التعصُّب الرياضي. فعلى سبيل المثال، يمتلك مجال السينما كل هذه الخصائص، ورغم ذلك لا نشاهد تعصبات سينمائية. ولا نظن أن أحداً شاهد أعمال شغب لأن فلم «آفاتار» لم يفز بأوسكار أفضل فلم لهذا العام، أو شاهد احتفالات في الشوارع لأن المخرج مارتن سكورسيزي فاز بأوسكار أفضل مخرج عام 2006م.

هناك أسباب أعمق من ذلك تصنع جنون الرياضة، وأهمها أربعة:

1 – البحث عن الانتصار
إن «غريزة الانتصار» لا تقل أهمية عن غريزة البقاء عند الإنسان -الغريزة الأهم- بل إن الغريزتين مرتبطتان بشكل جوهري. فالبقاء هو دائماً للمنتصر. على صعيد الحياة اليومية يستطيع الإنسان أن يحقق نجاحات أكاديمية، مهنية، مادية وغيرها. لكن في هذا السياق فإن «النجاح» و«الانتصار» يختلفان. فلكي تشبع غريزة الانتصار لابد أن يكون هناك مهزوم.. لابد أن تدحر شخصاً ما.. وهذا ما لا يتوافر لنا في نجاحاتنا الشخصية التي لا تتجاوز كونها مجرد انضباط وجدية ذاتية.

إن حياتنا اليومية بكل رتابتها وانسياقها لا توفر أية فرص لتحقيق انتصارات أو حتى فرص هزائم لنا. بينما الرياضة توفر لنا كل ذلك وأكثر.. فريقك ينتصر أحياناً ويهشّم رؤوس الفرق الأخرى، وفي أحيان مغايرة يخرج متحطماً متناثراً ككتيبة حربية قاتلت حتى الرمق الأخير. إن لاعبك المفضَّل الذي بدا منكسراً ذليلاً في المباراة السابقة استطاع في هذه المباراة أن يجندل الخصوم واحداً تلو الآخر قبل أن يمزِّق شباك الخصم شر تمزيق. هذه هي لذة الانتصار.. لابد أن تهزم أحداً.. قد يبدو الأمر قبيحاً ..لكن هذه هي الطبيعة البشرية. إن للانتصار أيضاً لذة جسدية، كلذة القفز من مكان شاهق. فعند الانتصار تدفع أجسامنا بمركَّب الدوپامين الذي يحفِّز مركز اللذة في الدماغ لإحداث شعور بالسعادة، ويتدفق الإندروفين في أنحاء الجسم لمقاومة الإرهاق وبث البهجة وتخدير أي ألم، ويندفع الأدرينالين والتستسترون لزيادة نشاط الجسم. نتنفس بشكل أعمق، وتتحرك دماؤنا بشكل أسرع .. كل هذا المهرجان الكيميائي يحدث في جسمك لينتج لذة النصر العبقرية البدائية. اللذة التي نفتقدها بشدة في حياتنا اليومية.. ولا نجدها إلا في الحماس والتعصب الرياضي.

2 – الاهتمام المشترك
في زمن التخصص هذا، أصبح من الصعب جداً أن تملك وجهة نظر في أي شيء. كل شيء صار معقداً ومتداخلاً وسرِّياً وتآمرياً لدرجة لا أحد يعرف بالضبط ما الذي يجري. ناهيك عن أن يكون له وجهة نظر فيه. ولكن الرياضة من جهة أخرى، سهلة الفهم. ولأنها كذلك، فهي توفِّر مجالاً خصباً للحديث وطرح الآراء وتبادل وجهات النظر. وفي الحقيقة فإن سهولة فهم الرياضة لا تنبع فقط من كونها نشاطاً بسيطاً. إن المهووسين بالرياضة يستطيعون استرجاع كمية مذهلة من الحقائق الرياضية؛ فهم يتذكرون التفاصيل الدقيقة لمباريات أقيمت منذ أكثر من خمسة عشر عاماً. ولديهم أيضاً قدرة عجيبة على معالجة هذه الحقائق. فعند حساب نقاط الفوز والتعادل واحتمالات التأهل ينقلبون إلى عباقرة إحصاء واحتمالات. فما سر هذه القدرة الفذة في التعامل مع المعلومات المتعلقة بالرياضة؟

في الواقع، إن الرياضة مرتبطة بالأشخاص (لاعبين، مدربين، إداريين، حكّام)، وأدمغتنا تستطيع معالجة المعلومات المرتبطة بالأشخاص أفضل بكثير من أي صنف آخر من المعلومات.

3 – الرغبة في الانتماء
إن سلم حاجات الإنسان -بحسب نظرية أبراهام مازلو- يبدأ أولاً بالحاجات الفيزيائية (كالأكل والشرب والتنفس)، وثانياً الحاجة إلى الأمان، وثالثاً الحاجةإلى الانتماء، ورابعاً الحاجة إلى التقدير، وخامساً الحاجة إلى تحقيق الذات. إن الرغبة في الانتماء لوطن، لدين، للغة أو لعائلة هي حاجة إنسانية قوية جداً لا تتجاوزها إلا الحاجات الفيزيائية والحاجة للأمان (وفي بعض الحالات قوة الانتماء تتجاوز قوتهما).

عندما يشاركك المحيطون بك انتماءك فأنت في الغالب لن تشعر بقيمته، وبذلك لن تُشبع رغبتك في الانتماء. فأنت لا تشعر بهويتك الوطنية كقضية عندما تكون في وطنك. ولكنك عندما تكون خارج وطنك سوف تشعر تلقائياً بهذا الانتماء. وهذه حال معظم انتماءاتنا؛ كلها فاترة، لأن كل من حولنا يشاركنا إياها. الرياضة توفر حلاً فعالاً لهذه المشكلة. الكل شغوف بالرياضة. لكن كل زمرة تشجِّع فريقاً مختلفاً (أنا هلالي وأنت نصراوي، أنت زملكاوي وأنا أهلاوي) وبهذا يبقى لهيب الانتماء الرياضي مشتعلاً بعكس أي انتماء آخر، وبهذا تُشبع الرياضة الرغبة في الانتماء.

4 – الرغبة في التمرد
الرياضة كما يراها اختصاصيو علم الاجتماع الرياضي -أجل هناك تخصص بهذا الاسم!!- هي نسخة مصغرة من المجتمع. هناك اللاعبون المميزون، هناك اللاعبون السيئون، هناك المال، هناك السُلطة، هناك الأيديولوجيات، هناك القوانين، هناك الجهات التنظيمية. بل في الغالب يكون هذا المجتمع الصغير انعكاساً للمجتمع الحقيقي الأكبر. فعلى سبيل المثال، حتى القرن التاسع عشر لم تكن المجتمعات عموماً متسامحة مع النساء، لذلك كانت النساء في مجتمع الرياضة الأصغر ممنوعات من المشاركة. من أكثر الخصائص التي تشد المشجعين للرياضة هي الرغبه في التمرد على هذا النظام الاجتماعي المصغَّر، والرغبة في الانقلاب على قيمه، وعدم الامتثال لأعرافه وتقاليده.

في الحياة اليومية ننتقي كلماتنا بعناية، ونحرص على أن تكون مؤدبة ورقيقة. لكن في عالم الرياضة نستطيع أن نثور على هذه اللغة. تأمل معي هذه المفردات الرياضية القتالية القاسية حتى تعرف ما أقصد: رأس حربة، طرد، ضربة جزاء، قائد الفريق، المرمى، ضربة مباشرة، تسلل.. إنها بلا أدنى شك مفردات حرب.. وفي حالات التعصب الرياضي القصوى، يصل الأمر بالجمهور إلى أن يمنح نفسه حق استخدام أسوأ المفردات وأقذعها، وصولاً إلى السباب والشتائم في التعليق على مجريات اللعب.

الرياضة تسمح أيضاً للمشجعين بالثورة على الأخلاق نفسها، فعلى سبيل المثال لا يوجد أرجنتيني واحد لا يفخر بهدف مارادونا الذي سجله بيده على إنجلترا في نهائيات كأس العالم 1986م.. مع علم الجميع أنه هدف مغشوش.

تطبيقات للتعصُّب الرياضي
في مجالات مختلفة
للانتماء والتعصب الرياضي جذور وأسباب متعددة، لكننا اقتصرنا في تناولها على الأربعة الأهم. ويبقى السؤال المحوري هنا: هل نستطيع استخدام هذه العناصر التي صنعت الحماس والتعصب الرياضي لبناء حماس وولاء لقضايا أكبر وأهم؟

البعض يرى أن الأمر ممكن. لنأخذ التعليم على سبيل المثال ونحلله بناءً على عناصر التعصُّب الأربعة. هل يجد الطلاب أي انتصار لهم في تعليمهم؟ هل يرى الطلاب في مقرراتهم الدراسية مادة خصبة للحديث وتبادل وجهات النظر؟ هل يوجد لدى الطلاب أي انتماء لمؤسساتهم التعليمية أو المادة العلمية التي تقدم لهم؟ هل يجد الطلاب فيما يتعلمونه عوناً لهم في انتقاد بعض أوجه تراثهم والثورة عليه؟.. للأسف، كل إجابات هذه الأسئلة هي «لا».

ولكننا لو استطعنا أن نحوِّل إجابات كل هذه الأسئلة إلى «نعم»، فإن حماس الطلاب لتعليمهم لن يقل بأية حال من الأحوال عن حماسهم وولائهم للرياضة. وقس هذا على أية قضية أخرى.

أضف تعليق

التعليقات

عبد العزيز السلامة / القصيم / أوثال

التعصب الرياضي هيمن اليوم على القلوب,وغير النفوس والأخلاق البشرية من السي ء الى الأسوأ وصار ظاهرة ,, بل آفة تنتشر في المجتمعات , وتهزكيانها وصفاءها , كما تنتشر النار في الهشيم !فأين الوعي الرياضي ؟!