قصة مبتكر
قصة ابتكار
كينــج كامــب جيليت
الزجـاج الآمــن
ولد كينج كامب جيليت في العام 1855م بولاية ويسكونسن الأمريكية، ثم انتقل مع عائلته إلى مدينة شيكاجو بولاية إلينويز. عمل في مطلع حياته كرجل مبيعات في شركة لصناعة أغطية الزجاجات. لكن مسار حياته الذي بدأ متواضعاً، تغيَّر كثيراً بفضل فكرة. وكانت فكرته نموذجاً جديداً للأعمال، بأكثر منها أداة جديدة، رغم أنها شملت كليهما. فقد رأى جيليت كيف كان الناس يقومون بالحلاقة في ذلك الوقت باستخدام نصل عريض حاد. يتطلب مهارة يدوية في استخدامه، ويمكن أن يمثل خطراً حقيقياً إذا جرح صاحبه. وقد فكر البعض في حل لهذا الأمر، وظهرت صور أولية لأداة حلاقة أكثر أمناً، منها ما قدَّمه الأخوان كامفي في حوالي العام 1870م، واللذان اعتمدت فكرتهما على أداة تحمل نصلاً لا يظهر منه إلا حده الرفيع، بحيث يكون أضعف من أن يسبب إيذاءً لحامله إن أخطأ في استخدامه. بدأ جيليت بالعمل على تطوير ماكينة الأخوين كامفي لتصبح أكثر فاعلية وراحة، وبعدها انتقل إلى العمل على فكرته الأخرى وهي شفرة الحلاقة القابلة للطرح. وبعد أن وضع القطعتين معاً.. الماكينة والشفرة، أصبح لديه ابتكاره الكبير.. نموذج الأعمال الجديد الذي عرف منذ ذلك الوقت وحتى الآن بنموذج أعمال الماكينة والشفرة! ويقوم هذا النموذج، الذي أصبحنا نعرفه الآن جيداً، على بيع أداة الحلاقة سهلة الاستخدام والآمنة، بسعر بسيط، ثم تحقيق أرباح كبيرة من بيع كميات ضخمة من الشفرات القابلة للطرح. وكانت شفرة الحلاقة التي ابتكرها جيليت مصنوعة من شريحة رفيعة من الصلب، وحين تقل حدتها مع الاستخدام، يلقيها المستهلك ويشتري أخرى جديدة لاستخدامها مع نفس الأداة. في 28 سبتمبر عام 1901م أسس جيليت شركته، وحصل على تسجيل لعلامته التجارية متضمناً صورته وتوقيعه على أغلفة منتجاته. وبدأ الإنتاج الفعلي في العام 1903م. وسجلت الشركة في بدايتها مبيعات تقدر بـ 51 ماكينة و186 شفرة. في العام التالي، حققت الشركة مبيعات ضخمة تعدت 90 ألف ماكينة، و120 ألف شفرة. وبحلول العام 1908م كانت شركة جيليت قد أسست مصانع لها في كل من الولايات المتحدة، وكندا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا. وواصلت أرقام مبيعاتها التصاعد، حتى بلغت في العام 1915م حوالي 450 ألف ماكينة، أما مبيعات الشفرات فقد تخطت 70 مليون شفرة. في العام 1932م توفي كينج كامب جيليت، بمدينة لوس أنجلوس الأمريكية. كانت الأحوال الاقتصادية في الولايات المتحدة في ذلك الوقت متأزمة، لهذا لم يترك جيليت وراءه ثروة كبيرة. لكنه ترك شركته ومزرعته. واستمرت الشركة في العمل بصورة مستقلة حتى عام 2005م، حين اشترتها شركة «بروكتر وجامبل» العملاقة في صفقة كلفتها 57 بليون دولار، وهو مبلغ يقول الكثير عن مكانة جيليت وتاريخها ونجاحها. أما المزرعة الضخمة، فقد تناقلها ملاَّك عديدون، قبل أن تستقر في ملكية «الهيئة الوطنية للمتنزهات»، لتحولها في العام 2007م إلى متنزه وطني.
كان الزجاج، ولا يزال، واحداً من أهم المواد التي عرفتها البشرية. ومنذ عرف الإنسان صناعته وتشكيله، اعتمد عليه في عشرات الآلاف من الأدوات والأجهزة والمعدات. وإذا كنا قد سلَّمنا عبر التاريخ بعيب الزجاج الوحيد، وهو قابليته للكسر، إلا أن الأضرار التي يمكن أن تصيبنا من هذا العيب مسألة أخرى.. مسألة، لحسن الحظ، قابلة للتفاوض. جاء أول اكتشاف للزجاج الآمن في العام 1903م عن طريق الصدفة، في معمل الكيميائي الفرنسي إدوارد بينيدكتس. حين ترسبت مادة نترات السيلولوز، وهي مادة بلاستيكية، على جدران دورق زجاجي كان يستخدمه لإجراء إحدى تجاربه. وحين سقط الدورق عن طريق الخطأ، وجد بينيدكتس أنه تحطَّم بطريقة مميَّزة. فقد تكسَّر الزجاج إلا أن طبقة المادة البلاستيكية أبقت القطع في مكانها كأنها تلصقها، فلم يتناثر الزجاج بعيداً ليسبب الأذى. فكَّر بينيدكتس في الفائدة التي يمكن أن يحملها هذا الزجاج، فطوَّر زجاجاً من طبقتين تفصلهما طبقة بلاستيكية، وحصل على براءة الاختراع الخاصة به في العام 1909م. وانتشر استخدامه في ذلك الوقت في صناعة الجزء الزجاجي من أقنعة الغاز خلال الحرب العالمية الأولى. انتشر استخدام الزجاج الآمن ببطء في عدة صناعات، حتى اكتشفت شركات صناعة السيارات أهميته وفاعليته بالنسبة لها. فقد كانت تلك الشركات تواجه مشكلة خاصة في مجال السلامة تتعلَّق بزجاج السيارة الأمامي. فهو واحد من أكثر مناطق السيارة تعرضاً للإصابة جرَّاء اصطدامها، وهو أيضاً المنطقة الأقرب إلى السائق. وتهشم الزجاج الأمامي وتطايره كان مسؤولاً عن نسبة عالية من الجروح الجسيمة التي تصيب السائق خلال حوادث التصادم. ولأنه لا بديل عن صناعة واجهة السيارة من الزجاج، احتاجت شركات صناعة السيارات لنوع من الزجاج مقاوم للتهشم، وفي الوقت نفسه رائق وصافٍ بحيث لا يعكِّر وضوح الرؤية على الإطلاق. واجتهدت معامل الأبحاث في تطوير الفكرة الأولى للزجاج الآمن، لتصل إلى هذا المنتج عالي المعايير. ومنذ مطلع أربعينيات القرن الماضي، أصبحت مادة البولي فينيل بيوتايرال أو ما يعرف اختصاراً باسم «PVB» هي المادة البلاستيكية التي توفِّر أفضل مواصفات للزجاج الآمن، واعتمدتها شركات السيارات لتصنيع زجاجها الأمامي. حيث توضع طبقة منها بين طبقتين زجاجيتين، ثم تُضغط الطبقات الثلاث معاً في ظروف صناعية خاصة. وبهذه الطريقة تُنتج ألواح زجاجية عالية الشفافية والوضوح، وأقوى في قدرتها على التحمل من الزجاج العادي. ثم إذا أصيبت بالكسر، تقوم الطبقة البلاستيكية بمنع الشظايا من التناثر وتحفظها في مكانها. وهو ما يعطي الزجاج المكسور شكله المميز الذي يشبه شبكة العنكبوت. وبالإضافة إلى زجاج السيارات، يستخدم الزجاج الآمن الآن في صناعات كثيرة منها موازين الحرارة، والنوافذ الزجاجية في أجهزة التدفئة، وألواح التقطيع. كما يستخدم في المباني التي تتعرض بصورة خاصة لظروف طبيعية عنيفة كالزلازل والأعاصير. أما البنوك فتستخدم في واجهاتها عدة طبقات من الزجاج الآمن، ليصبح لديها واجهات ليست آمنة فقط، ولكنها أيضاً مضادة للرصاص.