حياتنا اليوم

افتح يا سمسم

ألِفنا هذه الكلمة في برامج الصغار وحكايات الأطفال، وهي الكلمة السرية التي تقال ليُفتح لها باب موصد أو مغارة مغلقة، وبالأمس القريب، كان استخدامنا لـ «كلمة السر» أقل بكثير مما أصبح عليه الحال اليوم، يرتبط الأمر، بلا شك، بنمو التكنولوجيا، التي وفرت تعاملاً آلياً وسهلاً للمستخدم، وزادت من وتيرة التسابق بين الأنظمة التي تتباهى بقدراتها العالية على الحماية والأمان.

إلا أن ما يهم المستخدم في النهاية هو مرونة الاستخدام وسرعته، وفي مقابل هذه الرفاهية، أصبحنا أمام كمٍّ من الأرقام السرية وكلمات المرور التي يجب علينا تذكرها باستمرار، وعدم الخلط بينها، والأهم من ذلك هو محافظتنا عليها من وقوعها في أيدي شخص آخر قد يستغلها بما يسيء إلينا إما بالسرقة أو بالاطلاع على معلومات خاصة. لقد تزايدت هذه الأرقام والكلمات في كثير من تعاملاتنا اليومية، حتى أصبح «سمسم» غير قادر على مجاراة الأبواب الكثيرة التي نأمره بفتحها !

لو استعرضنا الخدمات البنكية، كمثال واحد فحسب، لوجدنا هذه الظاهرة لافتة بشكل خاص. فقد تطورت أنظمة التعامل المصرفي في السنوات القليلة الماضية وحققت قفزات كبيرة يسرت كثيراً على المتعامل إجراء معاملاته المالية بكل يسر وسرعة، وأراحته من عناء الوقوف في طوابير الانتظار الطويلة في البنوك والمصارف. وفي المملكة تحديداً، لا يخفى على المتابع تلك النقلة النوعية على صعيد الخدمات البنكية المتقدمة والمواكبة لآخر تقنيات التداول المصرفي التي تتميز بموثوقيتها وأمانها وسهولة استخدامها، حتى أصبح من الممكن بفضلها إجراء عمليات بنكية معقدة باتصال هاتفي فقط، أو عبر المواقع الإلكترونية التي لا تتطلب أكثر من «كبسة زر» لإنجازها.

من جهة أخرى، أصبح لزاماً على المرء أن يتمتع بذاكرة متقدة وصافية قادرة على تذكر الرقم السري للبطاقة الائتمانية، والرقم السري لبطاقة السحب الآلي، وكلمة السر للدخول إلى الهاتف المصرفي، واسم المستخدم المسجل في الحساب، ورقم المرور الخاص بالحساب البنكي في الموقع الإلكتروني للبنك، وأحياناً الأسئلة السرية التي تؤكد سلامة البيانات.. وبعد هذا كله، يكون عليه أن يغيِّر كل هذه القائمة من الأرقام والكلمات والرموز بين الفترة والأخرى لرفع درجة الحماية ، كما يطلب النظام. ولن يقبل تغيير تلك الرموز برموز سبق استخدامها من قبل. هذا كله دون الخوض في الأرقام السرية في الكمبيوتر وبرامجه، أو الجوال وتطبيقاته، أو المواقع والتعاملات التجارية عبر الإنترنت .. إلخ.

وهكذا، يجد المرء نفسه غارقاً بين أرقام وحروف لا تتنهي، ولا يمكن إهمالها، إذ إنها تستمد أهميتها من أهمية المعلومات التي تفضي إليها، والبيانات السرية التي تخفيها، كما أنه من غير الممكن حفظ هذه الأرقام مكتوبة على ورقة، أو محفوظة في ذاكرة خارجية، خشية فقدها أو وصول أحد إليها، فكيف السبيل إلى التعامل مع هذا الجيش من الأرقام والكلمات!

لا عجب إذاً حين فطن المطورون والمصممون إلى مثل هذه المشكلة السهلة الممتنعة. فكانت الدراسات والتوصيات التي تقدِّم تقنيات ذهنية وعملية لاختيار كلمات سرية سهلة الاستذكار، وصعبة التكوين في نفس الوقت، وبين الحين والآخر، تقع أعيننا على نشرة تقدم في خطوات ميسرة كيف يمكن للمرء تكوين كلمة مناسبة، وإحصاءات أخرى تحذر من اختيار أرقام او كلمات متوقعة، مثل تاريخ الميلاد، أو الأرقام المتسلسلة أو المكررة، أو غير ذلك، فمثلاً، أشارت إحدى الإحصاءات إلى أن الرقم (123) هو أكثر الأرقام السرية استخداماً في بريطانيا، وهو ما حذرت منه تلك الإحصاءات لسهولة التكهن به!

فهل نستغرب إذا كان الحل -وهو مشكلة في ذاته- أن نقرأ رسالة صغيرة بجوار خانة كتابة الرقم السري، تسأل بعطف: هل نسيت كلمة المرور؟!

أضف تعليق

التعليقات