على مدى قرن ونصف بقي علم الآثار يعتمد أساساً على الرفش والمعول. يعمل بهما العلماء في أماكن يتكهنون باحتوائها على قطع أثرية دفينة. وكم وكم من القطع الأثرية الحساسة دُمرت نتيجة ضربة معول غير متعمدة خلال محاولة استخراجها؟ وكم من جهود البحث ذهبت سدى لأنها صرفت في الأماكن غير الصحيحة؟ أما اليوم..
بعدما أمضى عالم الآثار الأمريكي بروس زوكرمان عشرين سنة من دون جدوى في محاولة قراءة لوحات مسمارية تعود إلى بلاد ما بين النهرين، أتته النجدة من خبير كومبيوتر في شركة هيوليت باكارد المعروفة، إذ أخذ الخبير لوحة متآكلة يكاد لا يظهر عليها حرف واحد، وبعدما عالج صورها بالكومبيوتر، قال زوكرمان: الكتابة التي كانت بمعظمها ممحوَّة بدت وكأنها تقفز من الطين. إني أرى حتى بصمات الكاتب وهو ينقش، والقطعة ما زالت طرية !!
لقد استفاد علم الآثار من مختلف العلوم سابقاً. فقد اعتمد منذ سنوات عديدة على الفيزياء مثلاً لتحديد عمر هذه اللقية أو تلك بواسطة جهاز التحليل الطيفي. وهذا الجهاز يقيس كمية تآكل مادة الكربون 14 ، التي من الثابت أنها تتآكل إلى النصف كل 5730 سنة.. غير أن التقنيات الحديثة فتحت آفاقاً قلبت عمليات التنقيب رأساً على عقب.
فقد صار من الممكن تحديد مواقع القطع الأثرية الصغيرة في الحفريات الأثرية، بواسطة أجهزة الطنين المغناطيسي. الأمر الذي يزيل خطر تحطيم هذه القطع عن طريق الخطأ، ويوفر أيضاً الكثير من الجهود التي كانت تضيع سدى.
وأيضاً، صار من الممكن تصوير مواقع أثرية كاملة مدفونة بالكامل تحت الأرض، بواسطة نظام يقوم على إيصال الكهرباء إلى التربة لنشر حقل كهرومغناطيسي فيها، وتصويرها من الجو، وتحليل الصور بواسطة برامج كومبيوترية خاصة.
وحتى سنوات قليلة خلت كانت الاستكشافات الأثرية في البحار والمحيطات لا تطال أكثر من 5 في المائة من مجمل مساحاتها؛ لأن قدرة الإنسان على الغطس لا تتجاوز 300 قدم. ولكن مع تقدم علوم الكومبيوتر وصناعة الروبوت أو الإنسان الآلي تغير الوضع جذرياً، إذ يستطيع الروبوت المسمى ROV الغوص حتى 19600 قدم. وقد تمكن باحث واحد يدعى ماكان بواسطته من تحديد مواقع 5 سفن رومانية غارقة في المتوسط قبالة إيطاليا. كما طور باحث من جامعة ماساشوستس يدعى دايفد مندل جهازاً يعمل على الموجات الصوتية يُربط بوسائط خرائطية لتصوير ما يوجد في قاع المحيطات.
وأكثر من ذلك يبدو علم الآثار منفتحاً على الاستفادة بشراهة من التطورات في كافة المجالات العلمية بدءاً بالخريطة الوراثية في الطب (لتحديد صلات القربى بين الفراعنة مثلاً) وصولاً إلى اكتشاف أشعة T التي يمكنها أن تخترق الجدران..
وإلى مزيد من اللقى والكنوز..