بيئة وعلوم

الحقول الكهرومغناطيسية
تنتقل وتأكل وتنام معنا!
ناقوس خطر آخر..

  • 44-45

في نهاية القرن العشرين، أضيف إلى قاموس التلوث مصطلح علمي جديد: التلوّث الكهرومغناطيسي . فإضافة إلى الحقول الكهربائية والمغناطيسية الموجودة في الطبيعة منذ الأزل، وتآلف الإنسان معها، يبدو أن حضارة الكهرباء التي أُدخلت إلى بيوتنا وحياتنا اليومية مجموعة أدوات صغيرة ومسالمة ظاهرياً، رفعت مستويات الحقول الكهرومغناطيسية في حياتنا إلى درجات تستحق التوقف أمامها كي لا نقول قرع جرس الإنذار.

الدكتور نزار دندش الذي درس الموضوع خلال الصيف الماضي مع اثنين من العلماء الروس الاختصاصيين في هذا الشأن، ويعد بحثاً مفصلاً حوله، يلخص لنا الموضوع.
منذ وجوده على الأرض يتعرض الإنسان (ومعه باقي الكائنات الحيّة) إلى سيلٍ من الإشعاعات (كالضوء وباقي الموجات الكهرومغناطيسية المختلفة الأطوال) التي تصل إلى فضاء الأرض وإلى سطحها من الفضاء الخارجي. كما يتعرض إلى إشعاعات قليلة الغزارة والقوة مصدرها العناصر المشعة الموجودة في الماء الذي يشربه، والهواء المحيط به وأيضاً في المواد التي تشكّل طعامه. هذه الإشعاعات تسمى طبيعية؛ لأنها ليست من صنع الإنسان، وقد شكّلت على امتداد التاريخ جزءاً من الطبيعة التي نعيش في حضنها. حتى أن بعض مكوّنات جسم الإنسان تعتمد المبادئ الكهرومغناطيسية (الكهربائية والمغناطيسية) أساساً لتأدية وظائفها، نذكر من ذلك عمل الخلايا والجهاز العصبي ووظائف القلب والدماغ وغير ذلك.

غير أن المدنية الحديثة المتسلحة باكتشافات العلم المتتالية والمتسارعة أضافت إلى هذه الإشعاعات كماً هائلاً فاق معدل ما تعوّد الإنسان أن يصادفه في الطبيعة. وقد زاد معدل الإشعاعات التي تبثها الأجهزة الكهربائية، التي ابتكرت أصلاً لتأمين راحة الإنسان، حتى وصل في أماكن معينة وفي ظروف معينة إلى مستويات تلحق الضرر بالصحة وتهددها، كما تشهد التجارب العديدة التي أجريت في مناطق مختلفة من العالم.

عندما يزيد معدل الحقول الكهرومغناطيسية الناتجة عن التموجات الكهرومغناطيسية أو عن هياكل الأجهزة والأدوات الكهربائية (بما فيها الأدوات المنزلية) ومحطات البث الراديوي بمختلف أشكاله و… عن حدٍّ معين تصبح ضارة فتصنّف تلوثاً؛ وقد راح العالم ومنذ نهايات القرن العشرين يعرف نموذجاً آخر من التلوث هو التلوث الكهرومغناطيسي.

ومن مخاطر هذا النوع من التلوث أنه لا يمكن إدراكه بواسطة حواس الإنسان الخمس ولا يمكن كشفه إلا بواسطة أجهزة خاصة، وهو ما يزيد في خطورته لأن إحساس الإنسان بالمخاطر ينبهه إلى ضرورة تلافيها، ومصيبته مع التلوّث الكهرومغناطيسي لا يعلم بوجوده رغم عوارضه. فقد يشعر الإنسان بألم في الرأس أو صداع أو فقدان للذاكرة أو… نتيجة تعرضه لتأثير حقل كهربائي أو حقل مغناطيسي، لكنه لن يعرف السبب من تلقاء نفسه، وقد يعيده إلى عوامل صحية مجهولة فيلجأ إلى المهدئات التي تتكتّم على المجرم وتخفي آثار جريمته.

موجودة في الطبيعة
يمكن تقسيم التلوّث الكهرومغناطيسي إلى طبيعي وصناعي، أما المصادر الطبيعية فأهمها الإشعاعات الكونية التي تصل إلى كوكب الأرض آتية من الفضاء الخارجي. وتعتبر الشمس المصدر الرئيس للإشعاعات الكونية التي تصلنا. والإشعاعات الشمسية غزيرة ومتنوعة تبدأ بموجات الضوء المرئي وتكاد لا تنتهي! وهي ناتجة في الأصل عن التفاعلات النووية التي تحدث في الشمس. وتعتبر الإشعاعات الشمسية مصدر الطاقة لكوكب الأرض، إلا أن فيها إشعاعات خطيرة جداً على صحة الإنسان والحيوان، ولولا وجود الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض ويحمينا من بعضها لكان وضع الحياة على الأرض صعباً ومهلكاً. ويعتبر الغلاف الجوي الواقي الفعّال. لكن فاعلية وقايته تختلف من منطقة إلى أخرى حسب درجة كثافته. وتبلغ كثافته ذروتها على شاطئ البحر (وفي المناطق المنخفضة) فيمنع الكثير من الإشعاعات الضارة (خاصة الأشعة فوق البنفسجية) من الوصول إلى سطح الأرض. وتخف كثافة الهواء كلما ارتفعنا عن سطح البحر فيصبح أقل فعالية في حمايتنا من الإشعاعات الضارة ويصبح عديم الفاعلية في طبقات الجو العليا، لذلك يتعرض سكان بعض الجبال العالية (وركاب الطائرات) إلى كميات من الإشعاع تفوق تلك التي يتعرض لها سكان المناطق الساحلية. ويصبح السكن محفوفاً بالمخاطر على ارتفاع يزيد على أربعة آلاف متر عن سطح البحر.

المصدر الطبيعي الآخر للتلوّث الكهرومغناطيسي هو الحقل المغناطيسي لكوكب الأرض. فالمعروف أن قوة هذا الحقل تختلف من منطقة إلى أخرى، وسكان منطقة خط الاستواء هم الأقل تأثراً به، ويبدأ تأثيره بالازدياد كلما اتجهنا نحو أحد القطبين (الشمالي والجنوبي). ولحسن الحظ فإن المنطقتين القطبيتين غير صالحتين للسكن، إلا أن المناطق القريبة من القطب الشمالي مسكونة وتعتبر على شيء من الخطورة بالنسبة لساكنيها. وتشير الدراسات الإحصائية إلى تغيّر في بعض المزايا الفيزيولوجية عند سكان المناطق القريبة من القطب، كالتركيب الكيميائي للدم على سبيل المثال.

والملاحظ أن الحقل المغناطيسي للأرض يحميها من الكثير من الجزيئات المشحونة كهربائياً (مثل الألكترونات، البروتونات وجزيئات ألفا) التي تبثّها الشمس. إلا أن هذه الحماية تكون فعّالة في المناطق الوسطى من سطح الأرض، أي الأقرب إلى خط الاستواء حيث تكون خطوط الحقل المغناطيسي متوازية مع مستوى سطح الأرض ثم يبدأ مفعول هذه الحماية بالتقهقر كلما ابتعدنا باتجاه القطبين فتنعدم فيهما، أي عندما تصبح خطوط الحقل المغناطيسي متعامدة مع سطح الأرض.

موجات صناعية
وقد أدى تطوّر الثورة العلمية – التقنية إلى ارتفاع حاد في غزارة الحقول الكهرومغناطيسية المختلفة في المؤسسات العلمية والإنتاجية والخدماتية (المنزلية منها على الأخص). ويمكننا القول إن كل جهاز ينتج الطاقة الكهربائية أو يستخدمها يعتبر مصدراً للحقول الكهرومغناطيسية التي تبث إشعاعات في الفضاء المجاور. إن هذا لا يعني بالطبع أن كل الأجهزة الكهربائية ضارة ومتساوية في ضررها. فكل جهاز يخلق حقلاً كهربائياً وحقلاً مغناطيسياً بقوة معينة. وهناك حدود يعتبر ما دونها مقبولاً وينصح بعدم تجاوزها. ومن المصادر الصناعية للتلوّث الكهرومغناطيسي نذكر على سبيل المثال: خطوط التوتّر العالي، التمديدات الكهربائية في الأبنية، الأدوات الكهربائية المنزلية، الشحنات الكهربائية على المسطحّات، محطات الإرسال الراديوي، الأجهزة الكهربائية في المستشفيات وغيرها.

الحقول.. والأضرار
تُجمع الأبحاث العلمية على أن الحقول الكهرومغناطيسية (الخلفية الطبيعية) ضرورية لحياة الإنسان البيولوجية، لكنها تصبح ضارة وخطيرة على جسم الإنسان وعلى تركيبة الكائنات الحية الأخرى عندما تزيد قوتها على الحدود التي نسميها آمنة. ويتحدد مدى تأثير هذه الحقول على المحيط الحيوي بحسب قوتها وتردداتها وحسب ديمومة التعرض لها.

ومن أهم خصائص الأجسام الحية أنها تولّد كُمُوناً كهربائياً Electric Potential وهي خاصية عجيبة في الميكانيزم الطبيعي والحياتي وفي العمليات الوظيفية خاصة في الجهاز العصبي المركزي. والمعروف أن توجيه عمل الجهاز العصبي عند الكائنات الحية (والخلايا المنفردة) يتم بواسطة عملية كهربائية أبطالها الأيونات السالبة والأيونات الموجبة.

جسم الإنسان وأجسام باقي الكائنات الحية مؤهلة لالتقاط التموجات الكهرومغناطيسية، لكن الأعضاء المسؤولة عن تلقي الضوء (وهو عبارة عن موجات كهرومغناطيسية) تختلف من كائن إلى آخر. عند الإنسان والثدييات الصغيرة وغالبية الحشرات تعتبر حاسة النظر هي المسؤولة عن تلقي هذه الموجات، ففي الإنسان مثلاً تلتقط التموجات ما بين 400 و 750 نانومتراً (من اللون البنفسجي إلى اللون الأحمر) بينما تتلقى الحشرات العديدة الضوء ذا الموجات التي تتراوح ما بين 400 و 550 نانومتراً. بعض الحشرات، كالنحل مثلاً، يلتقط الأضواء ما فوق البنفسجية التي تقل أطوال موجاتها عن 300 نانومتر وهذا ما يساعدها في تأدية مهمتها في مختلف ظروف الرؤية / وبعض الحشرات والحيوانات الليلية تستطيع رؤية أضواء ما تحت الحمراء (كالخفّاش مثلاً).

ويمتص جسم الإنسان إشعاعات بأطوال موجات لا تميزها العين المجردة. ولهذه الإشعاعات مفاعيل بيولوجية نافعة أحياناً وضارة أحياناً أخرى. لذلك من الضروري تحديد أطوال الموجات ذات المفعول السلبي لكي يتم تحاشيها وعدم تعريض الجسم لتأثيرها. وقد تم بالفعل تقسيم الأشعة فوق البنفسجية إلى ثلاث فئات تبعاً لتأثيرها في جلد الإنسان وردة فعل الجلد عليها (بالاحمرار أو غيره) هي:
– 
الفئة A: طول الموجات يتراوح ما بين 320 و 400 نانومتر
– 
الفئة B: طول الموجات يتراوح ما بين 280 و 320 نانومتراً
– الفئة C: طول الموجات أقل من 280 نانومتراً

والإشعاعات الضوئية المختلفة يجري امتصاصها من قبل جسم الإنسان بواسطة عناصر معينة، فالضوء العادي يتم امتصاصه بواسطة الهيموغلوبين والسيتوكرومات والكاتالاز والكاروتين وغيرها مما يؤدي إلى تفاعلات كيميائية متعددة. أما الأشعة ما فوق البنفسجية فيجري امتصاصها بواسطة البروتينات، الحوامض النوكلينية، الهرمونات وغيرها، ونتيجة التفاعلات يتم إنتاج مواد مهمة في الجسم كالفيتامين D مثلاً وتتم بواسطتها معالجة بعض الأمراض كمرض الصداف والتهاب المفاصل. أما عندما تزيد كمية الأشعة فوق البنفسجية التي يمتصها الجسم على حد معيّن فإنها تتحوّل إلى ضارة وخطرة (خاصة الفئة B) لأنها تقضي على بعض العناصر الضرورية للجسم فتؤثر في عملية الأيض ويختل نظام تبادل المواد داخل الجسم كما يؤثر ذلك في جهاز المناعة ككل ويضعفه.

ولا يقتصر تفاعل جسم الإنسان على الإشعاعات الضوئية بل يتأثر بالإشعاعات الأخرى وبكل أشكال الحقول الكهرومغناطيسية. فالإشعاعات الصفرية (الميكروويف) تؤثر في العاملين في أجهزة ومحطات الاتصالات الراديوية والتلفزيونية ومحطات الكشف الراديوي. وقد دلت الأبحاث العلمية على تأثير موجات الميكروويف في الجهاز العصبي المركزي والقلب والأوعية الدموية والنظر وغير ذلك.

هناك دراسات وتجارب علمية كثيرة أجريت على الحيوانات (كما أجريت على البشر، وهي في معظمها تجارب إحصائية) في أوروبا وأميركا وأستراليا، قد بينت تأثر الحيوانات بالحقول الكهرومغناطيسية على أنواعها. وقد تراوحت ردّات الفعل بين إعتام عدسة العين، تخريب التوازن الحراري، فقدان الذاكرة والقدرة على التركيز، تعطيل المناعة، التصرفات غير الطبيعية، فقدان القدرة على الإنجاب، الأورام المرضية المختلفة والموت المبكر للحيوانات التي تعرضت إلى مستويات عالية. وقد وضعت في دول عديدة معايير صحية ومقاييس للإشعاعات التي لا يجوز تعريض جسم الإنسان لها (في النمسا، بريطانيا، أميركا، روسيا، فرنسا، أستراليا، هولندا، بلغاريا، هنغاريا، فنلندا، سويسرا وغيرها..).

نتاجات حضارتنا
لقد حقق الإنسان في القرن العشرين خطوات كبيرة وسريعة في ميدان استغلال الطبيعة وابتكار وسائل الراحة فملأ بيته بأدوات كهربائية كثيرة (براد، تلفزيون، فرن كهربائي، ميكروويف، هاتف لاسلكي، …) ساعدته في تيسير أموره. لكن لكل خطوة حضارية ثمناً و عوارض جانبية سلبية، فكما كانت العقاقير الطبية التي تعتمد على الكيمياء فعّالة في القضاء على الأمراض السارية كان لتناولها ثمن يدفعه بعض الأعضاء (الكبد، الكلى، القلب و..) كذلك هو الحال مع وسائل الراحة التي لن يكون الإنترنت آخرها. فقد أتتنا بنوع جديد (قديم) من التلوّث يطرق الباب بقوة وينذرنا بأن الكائنات الحية على الأرض قد أصبحت أمام مرحلة تأقلم جديدة من الصعب التنبؤ بمسارها في المستقبل.

خطوط التوتر العالي
بدأ الانتباه يتركز على إمكانية تأثير الحقول الكهربائية الناتجة عن نقل التيار الكهربائي (بذبذبة 50 هرتز) عبر أسلاك معدنية منذ ستينيات القرن العشرين الميلادي. وقد جرت تجارب ودراسات عديدة عن الانحرافات الصحية التي يعانيها العاملون قرب خطوط التوتر العالي وقرب محطات توليد الطاقة وسكان المناطق المجاورة لها.

إن الحقل الكهربائي تحت خطوط التوتر العالي يؤدي إلى تراكم الشحنات الكهربائية، وإلى ارتفاع في الكمون الكهربائي (بالنسبة لكمون الأرض) في الأجسام المعزولة عن الأرض، بما في ذلك جسم الإنسان الذي يحتذي حذاءً عازلاً للكهرباء، وفي أجسام الحيوانات ذوات الحوافر، وفي هياكل السيارات والناقلات ذات العجلات العازلة (المصنوعة من المطاط). ويقود الكمون المرتفع في جسم الإنسان (والحيوانات) إلى تفريغ الشحنات الكهربائية من الجسم لتنتقل إلى الأعشاب وأغصان الأشجار وغيرها. ومع أن عملية التفريغ هذه ليست خطيرة على جسم الإنسان نظراً لضآلة التيار، إلا أنها تسبب شعوراً غير مريح، ومن الممكن أن تكون سبباً لإصابات عديدة مثل الهلع وفقدان الذاكرة والبطء في تنظيم الحركة وغير ذلك. ويختلف الأمر إذا أمضى الإنسان وقتاً طويلاً تحت خطوط الكهرباء التي تنقل تياراً عالي التوتر.

لقد أجريت دراسات طبية كبيرة على السكان القريبين من خطوط التوتر العالي في أميركا (في سنوات 1979، 1985، 1991م)، في السويد (1985، 1992م) وفي فنلندا (1993، 1994م). وقد أكدت هذه التجارب، حسب المصدر (1) الفرضية عن دور الحقول المغناطيسية الضعيفة في تشجيع بعض الأمراض السرطانية وخاصة اللوكيميا.

واتخذت في بعض الدول المتقدمة إجراءات عديدة لحماية السكان من خطر الحقول الكهربائية والمغناطيسية الناتجة عن خطوط التوتر العالي. ففي السويد ينصح ببناء مؤسسات الأطفال وبناء البيوت السكنية في مناطق لا تزيد فيها قوة الحقل المغناطيسي على 0.2 إلى 0.3 ميكروتسلا. وفي روسيا هناك حدود مكتوبة في وثيقة رسمية صادرة سنة 1990م لقوة الحقل الكهربائي المسموح به في أماكن تواجد الناس نذكر منها الأرقام التالية:
– داخل المباني المسكونة: 500 فولت/متر
– 
في مكاني تلاقي خطوط التوتر مع شارع تمر عليه سيارات: 10 كيلوفولت/متر

ولحماية السكان على مقربة من خطوط التوتر العالي تم ترسيم مناطق يحظر فيها تشييد الأبنية السكنية حددت أبعادها الأفقية عن إسقاط خطوط التوتر كما يلي:

– 20 متراً لخطوط التوتر بقوة 330 كيلوفولت
– 30 متراً لخطوط التوتر بقوة 500 كيلوفولت
– 40 متراً لخطوط التوتر بقوة 650 كيلوفولت
– 55 متراً لخطوط التوتر بقوة 1150 كيلوفولت

(وهناك معلومة قديمة أستطيع دعمها بتجربتي الشخصية مفادها أن الحقول الكهرومغناطيسية تؤثر سلباً في النحل فإذا ما وضعت قفران النحل تحت خطوط التوتر العالي تعرضت للإفساد).

الأدوات الكهربائية المنزلية
كل جهاز كهربائي يعتبر مصدراً للإشعاعات الكهرومغناطيسية، بما في ذلك الأدوات الكهربائية التي نستعملها يومياً في منازلنا بدءاً بمكواة الثياب وانتهاء بالميكروويف مروراً بالفرن الكهربائي والمكنسة الكهربائية ومصابيح الإنارة الكهربائية والبراد والتلفزيون والحاسوب وغير ذلك. ولكي نعطي القارئ فكرة سريعة عن الحقول المغناطيسية التي تولدها الأدوات الكهربائية المنزلية سوف نستعين بالجدول التالي المستعار من دراسة بعنوان: الحقول الكهربائية والمغناطيسية – مراقبة الأخطار السرطانية سبق وصدر سنة 1996م.

محطات البث الراديوي
مع تطور نظام الاتصالات الراديوية زادت أخطار التأثير الكهرومغناطيسي للحقول ذات الذبذبات العالية في صحة الإنسان (تتراوح ذبذبات الموجات الراديوية ما بين 10 هرتز أي بطول موجة 300 كلم وعشرة آلاف جيغاهرتز أي بطول موجة 0.03 سم). ويمكن لمحطات البث الراديوي أن تسبب ضرراً للساكنين على مقربة منها. ولحماية السكان من خطر التلوث الكهرومغناطيسي الناتج عن محطات الراديو والتلفزيون توضع شروط تحدد شرورط بنائها وبعدها عن الأماكن السكنية. بالنسبة للمحطات الضعيفة (بقوة 5 كيلوفولت). وتعتبر المنطقة الخطرة دائرة بشعاع 20 متراً للموجات المتوسطة و 175 متراً للموجات القصيرة. وللمحطات المتوسطة القوة (5 – 25 كيلوفولت) 20 – 150 متر للموجات المتوسطة و 175 – 400 متر للموجات القصيرة. أما بالنسبة للمحطات القوية فتتسع دائرة المنطقة الخطرة إلى 150 – 960 متر للموجات المتوسطة و 400 – 2500 متر للموجات القصيرة.

أما الموضوع الذي يدور حوله النقاش الأوسع في هذه الأيام فهو موضوع الهاتف الخلوي. دراسات تؤكد وشركات تنفي مسؤولية الجهاز الخلوي عن بعض الأمراض الخبيثة. لكن لا أحد ينفي التأثير السلبي لهذا الجهاز الذي يلاحق الأذن على صحة الإنسان فهناك عوارض تظهر في كل إنسان يستعمل الجهاز الخلوي.

في أوروبا الغربية وأمريكا يستعمل الهاتف الخلوي في الحالات القصوى عندما يكون لا بد منه لكنه وللأسف يتم استعماله عندنا كيفما اتفق، لأوقات طويلة. والهاتف الخلوي لا يضر فقط بالشخص الذي يستعمله فمحطات الإرسال والاستقبال منتشرة في المدن بكثافة مما يعني أن الإشعاعات المتطايرة منها تملأ سماء هذه المدن. في مدينة موسكو الواسعة أظهرت القياسات أن سماء المدينة تحتضن إشعاعات ناتجة عن محطات الخلوي تفوق الحد الآمن المسموح به، ولا أعتقد أن العواصم العربية أكثر أماناً في هذا المضمار!

هناك تجارب كثيرة أجريت على مستعملي الهاتف الخلوي لا مجال لذكرها الآن وسوف أكتفي بذكر تجربتين: الأولى أجريت في أستراليا على جرذان وجهت إليهم أشعة ذات ذبذبات عالية فتبين أنها سببت لهم بعض أنواع الأورام السرطانية (الورم اللمفي Lymphoma). والتجربة الثانية طاولت أحد عشر ألفاً من سكان الدول الإسكندنافية تبين بنتيجتها ما يلي:
– 
سُجِّل تغير في نفيذية Permeability غشاء الخلايا العصبية في الدماغ مما يفسح في المجال أمام التعرض للإصابة بالسرطان.
– سجل تأثير في جهازي السمع والبصر.

سوف نكتفي بهذا القدر من الحديث عن الهاتف الخلوي ونؤجل التفاصيل إلى مناسبة أخرى لكننا سنورد بعض النصائح العامة في هذا الخصوص:
– 
ينصح بتقليص مدة استعمال الهاتف الخلوي (يفضل استعمال الهاتف السلكي).
– 
عند استعمال الهاتف الخلوي ينصح أن يكون ذلك في مكان مفتوح (إن استعماله في سيارة مقفلة مثلاً يزيد من ضرره كثيراً).
– 
عند استعماله ينصح بإحاطته جيداً باليد.
– 
ينصح باستعمال السماعة السلكية التي تصل الجهاز بالأذن.

باختصار إن مسألة تفاعل الإنسان مع الحقول الكهرومغناطيسية، أصبحت حيوية نظراً للتطور الهائل في الاتصالات الراديوية ومحطات البث الراديوي، ونتيجة للتوسع في استعمال الطاقة والانتشار الواسع للأدوات الكهربائية والإلكترونية. والحقول الكهرومغناطيسية تحولت إلى عناصر تلوّث بيئي والوقاية منها أصبحت مسألة تدجين لحضارة الكهرباء الحديثة.

أضف تعليق

التعليقات