طاقة واقتصاد

الغاز
الثروة التي استقلت عن الزيت

  • 10a
  • 12a
  • 13a
  • 14a
  • 15a
  • 17a

خمسة آلاف سنة من جهل الإنسان لطبيعته،
قرنان على استعماله بشكل محدود في الإنارة والتدفئة وطبخ الطعام، عقود معدودة من اعتماده في صناعة جديدة تعرف باسم صناعة البتروكيماويات..
ومؤخراً، خرج الغاز الطبيعي من ظلّ الزيت الذي بقي فيه طويلاً، ليصبح منافساً قوياً له. وراحت المنجزات في عالم استخراجه وصناعته تتسارع وتزداد حجماً وأهمية وتستقطب عن جدارة المزيد من الأضواء التي يستحقها هذا المنتج بعدما صار واحداً من أعمدة الأساس التي يقوم عليها اقتصاد المملكة.
فريق التحرير أعدّ لنا هذه الرحلة إلى عالم الغاز الطبيعي وتطور إنتاجه واستغلاله في المملكة.
القصة من أولها
الغاز الطبيعي واحد من أفضل مصادر الطاقة، وقد تزايد الاعتماد عليه كمصدر للوقود أينما كان في العالم خلال السنوات الأخيرة.

والغاز الطبيعي مُركّب لا لون له ولا شكل ولا رائحة. أي أنه كاد يفلت من اهتمام الإنسان لولا ميزته الرئيسة: إنه قابل للاشتعال بسهولة فيولد طاقة حرارية عالية. ولا يشبه الغاز الطبيعي الزيت أو الفحم في شيء، سوى كونه مثلهما من أنواع الوقود الأحفورية. أي أنه تشكل أساساً في باطن الأرض من بقايا النباتات والحيوانات والجزيئات الحية التي عاشت قبل ملايين السنين.

هناك نظريات عديدة حول تشكّل الغاز الطبيعي. غير أن أكثرها رواجاً يقول إن الأجسام الحية على سطح الأرض كانت تُدفن تحت طبقات من التراب والصخور التي تزداد ثقلاً بمرور الزمن – بمعنى ملايين السنين – وتتعرض بالتالي إلى ضغط متزايد. وبإضافة الحرارة المرتفعة في باطن الأرض إلى هذا الضغط يؤدي الأمر إلى تفكك المواد الكربونية عن بقايا المواد العضوية. وكلما غصنا في باطن الأرض ارتفعت الحرارة. في الأعماق المتوسطة حيث تكون الحرارة بدورها متوسطة (نسبياً) ينتج عن الأمر زيت أكثر من الغاز. وكلما ازداد العمق ازدادت نسبة الغاز. ولهذا فإن الغاز الطبيعي يتشكّل إلى جانب الزيت في المكامن الواقعة على أعماق تتراوح ما بين كيلومتر واحد وكيلومترين تحت سطح الأرض. أما في الأعماق الأكبر من ذلك، وبعيداً جداً في باطن الأرض، فإن نسبة تشكيل الغاز هي أكبر من نسبة الزيت، وفي حالات كثيرة لا يتشكّل غير غاز الميثان.

ما يهمنا من هذا كله هو أن الغاز الطبيعي يستخرج من باطن الأرض إما عَرَضاً خلال استخراج الزيت، وهذا ما يسمّى الغاز المرافق، وإما عمداً ولوحده من دون زيت ويسمّى الغاز غير المرافق.

الغموض الذي ساد طويلاً
تؤكد المصادر التاريخية أن الإنسان عرف عَرَضاً الغاز الطبيعي منذ الألف السادس قبل الميلاد. فقد أدهشته ينابيع النار المتدفقة من بين الصخور، وربطها بمعتقداته الوثنية وأقام المعابد حولها من اليونان إلى بلاد فارس والهند. أما الاستعمال الأول للغاز الطبيعي بشكل علمي فيعود إلى الصين ما بعد القرن السادس قبل الميلاد. والمدهش أن هذا الاستعمال كان لغاية مماثلة لواحدة من غاياتنا المعاصرة من استعماله: تحلية مياه البحر. إذ استعمل الصينيون الغاز الطبيعي لفصل الملح عن الماء، مستخدمين في ضبط استخراجه من باطن الأرض أنابيب من قصب الخيزران الغليظ (البامبو)!

الأغرب من كل هذا أن أهمية الغاز الطبيعي نامت بعد ذلك لألفي سنة. إذ أن هناك فجوة تاريخية لم يطرأ فيها أي تطوير يذكر على الغاز الطبيعي، وتمتد هذه الفجوة حتى أواخر القرن الثامن عشر عندما بدأ استخدام الغاز المستخرج من الفحم لإنارة شوارع المدن. ويتألف الغاز الطبيعي من مجموعة غازات متعددة بنسب مختلفة بين موقع وآخر. وأكثر هذه الغازات شيوعاً الميثان الذي تتراوح نسبته ما بين 70 و 90 في المئة من الغاز الطبيعي، ثم الإيثان والبروبان والبوتان بنسب تتراوح ما بين 0 و 20 في المئة، وثاني أكسيد الكربون ما بين 0 و 8 في المئة، والنيتروجين وكبريتيد الهيدروجين ما بين 0 و 5 في المئة والأكسجين ما بين 0 و 2 في المئة إضافة إلى كميات ضئيلة من الغازات النادرة.

تعدّ الإنارة، التدفئة، طبخ الطعام بواسطة غاز البروبان.. من الاستعمالات الرئيسة الأولى للغاز الطبيعي. وظلت هكذا على مدى أكثر من قرن. فالمسيرة كانت بطيئة أولاً، غير أن القرن العشرين شهد تسارع القفزات واتساعها في تطوير الغاز الطبيعي واستعمالاته التي تعددت مجالاتها بحيث بات صعباً تعدادُ الصناعات التي تعتمد كلياً أو جزئياً على الغاز الطبيعي ومشتقاته، ومنها على سبيل ما صار يشكل جزءاً أساساً من الأشياء التي تحيط بنا في حياتنا اليومية مثل خيوط الأقمشة لصناعة الملابس على اختلاف أنواعها، والأثاث المنزلي ومنه السجّاد وبياضات الأسرة والطاولات والكراسي البلاستيكية والوسائد ومراتب النوم. وفي السلع الكهربائية يدخل الغاز الطبيعي في صناعة العوازل والمقابس وأغلفة الكوابل وغير ذلك الكثير، ونجده أيضاً في قطع السيارات مثل أطر الأبواب والنوافذ والمكابح وقطع نقل الحركة الهيدروليكية وباقي القطع البلاستيكية والمطاطية وصولاً إلى مفروشاتها، ومنه تصنع أيضاً أشرطة التسجيل وأغلفة الكتب وأفلام التصوير والمواد العازلة والطلاء والمذيبات وبعض أنواع الصابون والمنظفات، وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى، الأمر الذي أدى إلى تنامي صناعة الغاز بسرعة هائلة أينما توافر في العالم. فلو أخذنا الولايات المتحدة مثلاً حيث استعمل الغاز الطبيعي للمرة الأولى سنة 1816م لإنارة شوارع مدينة بالتيمور، لاكتشفنا تنامي أهمية صناعتة بالإشارة إلى أن طول شبكة أنابيب الغاز التي تغطي الولايات المتحدة برمتها حالياً وصل إلى نحو مليون وستمائة ألف كيلومتر!!

الغاز في المملكة.. بداية المسيرة
خلال السنوات الأولى من عمر صناعة الزيت في المملكة، كان الغاز المرافق يحرق في الهواء لعدم وجود سوق قادرة على استيعاب جميع الكميات المنتجة منه، شأنه في ذلك شأن الغاز المرافق في معظم دول العالم. حتى أن ألسنة اللهب المتصاعدة منه تبدو كأكثر الأماكن إضاءة على سطح الأرض في الصور الملتقطة من الأقمار الصناعية ليلاً..

في العام 1975م، وعندما كانت المملكة في بدايات نهضتها الصناعية والتنموية، شرعت الحكومة في وضع برنامج عملاق يهدف إلى الاستغلال الأمثل للغاز المرافق ومنتجاته السائلة ذات القيمة العالية، وعهدت إلى أرامكو آنذاك بتنفيذه. وأرفقت الحكومة برنامجها هذا ببرنامج آخر لا يقل طموحاً ويهدف إلى تشجيع قيام سوق لهذا الغاز تمثلت في الصناعات البتروكيميائية في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين في شرق المملكة وغربها. الأمر الذي كان يهدف – وأدّى بالفعل – إلى تعزيز القاعدة الصناعية في البلاد عموماً، تنويع مصادر الدخل، زيادة الوظائف، وحماية البيئة من آثار حرق الغاز.

في العام 1980م أنهت أرامكو السعودية تنفيذ هذا البرنامج الطموح الذي تضمّن إنشاء شبكة ضخمة لمرافق معالجة وتجزئة ونقل الغاز فكان من أكبر البرامج الصناعية خلال الربع الأخير من القرن الماضي، ودخلت شبكة تصنيع الغاز وضعاً تشغيلياً منذ ذاك.

من المرافق إلى غير المرافق
وُضِع هذا البرنامج لتجميع الغاز المرافق للزيت والاستفادة منه. وهذا ما تم بالفعل في السنوات القليلة الأولى. غير أن إنتاج الزيت تذبذب في أوائل الثمانينيات، الأمر الذي انعكس انخفاضاً في إنتاج الغاز المرافق. وللوفاء بالتزامات إمداد الغاز، بدأت أرامكو السعودية برنامجاً آخر يهدف إلى تطوير احتياطات الغاز غير المرافق.

وفي عام 1984م، تمت توسعة شبكة الغاز الرئيسة لاستخراج وتجميع ومعالجة الغاز غير المرافق الذي يُستخرج من مكامن عميقة بمنطقتي شدقم والعثمانية في حقل الغوار العملاق. وعلى الرغم من أهمية التوسع الذي حصل آنذاك، فإنه يبدو اليوم وكأنه مجرد بداية لعصر جديد في صناعة الطاقة، عصر أصبح فيه الغاز عاملاً اقتصادياً رئيساً قائماً بحد ذاته، وليس فقط منتجاً ثانوياً على هامش إنتاج الزيت.

وفي منتصف التسعينيات الميلادية، تم وضع خطط طموحة للتوسع في استكشاف الغاز غير المرافق وإنتاجه. وقد تكللت هذه الجهود بسلسلة من الاكتشافات الكبيرة وبدأ في العام 2001م تشغيل معمل الحوية العملاق، وهو الأول من نوعه في المملكة لجهة إنشائه بهدف تجميع ومعالجة الغاز غير المرافق. وقد أضاف إنتاج هذا المعمل إلى السوق حوالي 1.5 بليون قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي تركز استخدامها في المنطقة الوسطى من المملكة التي وصلها الغاز للمرة الأولى فأصبحت مركزاً كبيراً لاستهلاكه، وحلّ محل الوقود السائل المستخدم في توليد الكهرباء، كما وصلت بعض كمياته، من خلال إنشاء شبكة توزيع محلية قام بها القطاع الخاص، إلى المصانع المتوسطة والصغيرة في المنطقة الصناعية الثانية في الرياض.

وبعد تدشين معمل الحوية بعامين، كان معمل مماثل يدخل وضعاً تشغيلياً في منطقة حرض على بعد نحو مئة كيلومتر من الأول، ليضيف بدوره نحو 1.5 بليون قدم مكعبة يومياً من غاز المبيع، ويرفع معدل إنتاج المملكة منه إلى نحو 7 بلايين قدم مكعبة يومياً، وهو ضعف ما كان عليه قبل خمس سنوات.

ويعتقد البعض أن اكتمال بناء معمل حرض كان حدث العام 2003م على صعيد صناعة الغاز من دون منازع، نظراً لضخامته وتميّز إنجازه الذي نال اعترافاً دولياً. برغم أن العام ذاته شهد حدثاً متميزاً آخر هو توقيع اتفاقية التنقيب عن الغاز غير المصاحب وإنتاجه ما بين حكومة المملكة وتحالف الشركات العملاقة الثلاث: شل، توتال، وأرامكو السعودية. وقبل التطرق إلى هذه الاتفاقية ومقاييسها الفلكية، يجدر بنا التوقف أمام ما كان عالم الغاز الطبيعي قد آل إليه في المملكة عشية توقيعها.

نمو صناعته وآفاقها
بشكل عام، يعتبر الغاز الطبيعي أسرع مصادر الطاقة نمواً في العالم. وتتوقع الدراسات أن يبلغ معدل نموه خلال المدة الممتدة من يومنا هذا وحتى العام 2025م نحو 2.8 في المئة سنوياً، بالمقارنة مع 1.8 في المئة سنوياً للزيت، و 1.9 في المئة سنوياً لجميع مصادر الطاقة الأخرى. وتزيد حصة الغاز في الطاقة المستهلكة في المملكة عن مثيلاتها في العالم، حيث زادت نسبة مساهمة الغاز في الطاقة المستهلكة من 35 في المئة عام 1990م لتبلغ 40 في المئة في العام 2002م. ومن المتوقع أن تزداد هذه النسبة باطّراد لتصل إلى 51 في المئة في العام 2008م.

وفي الوقت الحاضر، يحتل معدل استهلاك الفرد من الغاز في المملكة المرتبة الثانية على مستوى العالم، إذ بلغ 251 قدماً مكعبة في اليوم خلال العام 2002م، على أساس احتساب مجموع الغاز المستهلك محلياً بالنسبة لعدد السكان. وهو أعلى من نظيره في بعض دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي يتمتع مواطنوها بأعلى دخل كالولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة وألمانيا واليابان.

ويحتسب سعر الغاز الطبيعي على أساس وحداته الحرارية. وكل مليون وحدة حرارية بريطانية تساوي ألف قدم مكعبة. وفي تحويل ذلك إلى المقاييس بالبراميل نشير إلى أن البرميل من الغاز الجاف يساوي ستة آلاف قدم مكعبة. وتختلف نسب الاستفادة من الفارق بين سعر الغاز وسعر الزيت من مكان إلى آخر. ففي حين أن سعر الغاز في المملكة ينافس سعر الزيت فإن سعره يرتفع في الولايات المتحدة ليصبح مماثلاً للزيت.

على صعيد آخر، حققت صناعة البتروكيميائيات الفتية في المملكة نمواً في السنوات الأخيرة تراوح ما بين 5 و 7 في المئة سنوياً. فباتت المملكة تصنف من بين أفضل منتجي المواد البتروكيميائية الأساسية في العالم وهذه المواد يتم إنتاجها جميعها من أنواع لَقِيمٍ غازية المصدر.

وفي الواقع، فإن نجاحات برنامج الغاز الذي وُضعت أسسه قبل 25 عاماً تقريباً، تبدو جليّة وباهرة عندما نتطلع اليوم إلى الصناعات والمنافع العديدة المعتمدة عليه. ففي نهاية العام 2003م صار الغاز الطبيعي صاحب الفضل في إنتاج 19 مليون طن سنوياً من المواد البتروكيميائية، و 10 ملايين طن سنوياً من الصلب والأسمنت، و 13,500 ميغاواط من الكهرباء، و 400 مليون جالون يومياً من المياه المحلاة، تعتمد جميعها على وقود ولقيم بأسعار تنافسية. وبلغت مساهمة صناعة الغاز حوالي 25 بليون دولار من التدفقات النقدية سنوياً، أي ما يمثل حوالي 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. من دون أن ننسى أن هذه الصناعة وفرّت 35 ألف وظيفة مباشرة، وحوالي 150 ألف وظيفة غير مباشرة من خلال دعم الصناعات والخدمات المرافقة لها. كما أن المملكة صارت اليوم أكبر دولة مصدرة لسوائل الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى 40 في المئة من إجمالي سوائل الغاز الطبيعي المتداولة في العالم.

والاحتياطي ينمو أيضاً
بعدما أيقن العالم بأسره أن لا عودة إلى الوراء في صناعة الغاز الطبيعي، وأن كل المؤشرات تؤكد حتمية نموها خلال السنوات والعقود المنظورة، وفيما كانت الورش المختلفة لهذه الصناعة تقوم في شرق المملكة وغربها، خصصت أرامكو السعودية جهداً موازياً للتنقيب عن مزيد من مكامن الغاز غير المرافق في طبقات جيولوجية عميقة.

ولكن لماذا التركيز على الغاز غير المرافق؟
تحتل المملكة حالياً المرتبة الرابعة عالمياً من حيث احتياطيات الغاز التي تبلغ فيها حوالي 231 تريليون قدم مكعبة. وعلى الرغم من هذا المركز المتقدم، فإن حوالي 136 تريليون قدم مكعبة من هذا الاحتياطي موجود على شكل غاز مرافق، أي أنه ممزوج بالزيت الخام، يرتبط إنتاجه بإنتاج الزيت. ومن حيث المبدأ، فإن الغاز المرافق ذو أفضلية لتكلفة إنتاجه المعتدلة ولاحتوائه على نسب عالية من الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي القيمة. ولكن المشكلة تكمن في أن إنتاجه مرتبط بإنتاج الزيت المرتبط بدوره بعوامل عديدة مثل نشاط تجارته عالمياً وركودها ناهيك عن المؤثرات السياسية الكثيرة. لذا يتمتع الغاز غير المرافق بمرونة أكبر على صعيد إنتاجه وتسويقه بعيداً عن كل هذه المؤثرات. وبعدما كانت كمية الغاز غير المرافق لا تزيد على 44 تريليون قدم مكعبة من مجموع الاحتياطي، تمكنت أرامكو السعودية خلال عشر سنوات فقط بفضل التوسع في نشاطات التنقيب والاكتشافات التي حققتها، من مضاعفة هذا الرقم ورفعه إلى 92 تريليون قدم مكعبة. والآتي سيكون أعظم.

الاتفاقيات الأخيرة..
طموحات بمقاييس الربع الخالي
في العام 2001م، وضعت حكومة المملكة ما صار يعرف بـ استراتيجية الغاز ، التي تقوم أساساً على تمسك المملكة بتحقيق أقصى حد ممكن من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية من موارد الغاز الطبيعي. ومن المبادئ الرئيسة في هذه الاستراتيجية نذكر ما يأتي:

أولاً: 
التنقيب بكثافة في المناطق التي لم يتم التنقيب فيها سابقاً بشكل كافٍ لاكتشاف موارد إضافية من الغاز غير المرافق يمكن تطويرها لزيادة الإمكانات، وتلبية النمو التقديري للطلب المحلي الذي تشير التوقعات إلى احتمال تواصل ارتفاعه تدريجياً ليصل في العام 2025م إلى 12.2 بليون قدم مكعبة في اليوم.
ثانياً: 
تركز الاستراتيجية على الاستخدام المحلي للغاز الطبيعي، وتصدير ما يناسب تصديره من مشتقاته، بدلاً من تسييله وتصديره كغاز طبيعي مسيّل، لأن ذلك يضيف إليه عائداً إضافياً، ويحقق فوائد أكبر للمملكة وأبرزها توفير المزيد من فرص العمل للشباب السعودي.
ثالثاً: 
فتح المجال للمستثمرين للمشاركة في تطوير موارد الغاز على أسس تنافسية جذابة، وتطوير بيئة استثمارية تتميز بتشريعات وأنظمة مرنة ومتوازنة.

وانسجاماً مع هذه الاستراتيجية، تم توقيع اتفاقية الغاز الشهيرة بالرياض في شهر نوفمبر من العام الماضي.

تؤدي هذه الاتفاقية إلى تأسيس شركة جديدة يبلغ نصيب شركة شل منها 40 في المئة، وتتقاسم أرامكو السعودية وتوتال بالتساوي 60 في المئة منها. وتمنح الاتفاقية هذه الشركة الحق الحصري في التنقيب عن الغاز غير المرافق وإنتاجه في منطقتين تقعان في جنوب الربع الخالي وشرقه تبلغ مساحتيهما 209,160 كيلومتراً مربعاً، وذلك لثلاث مدد تنقيب تبلغ كل منها خمس سنوات، ومدة إنتاج قدرها خمسة وعشرون سنة لكل منطقة تطوير على أن لا تتجاوز المدة الكلية للاتفاقية بأي حال أربعين سنة.

وهكذا، نكتشف اليوم كم ابتعدنا عن تلك المرحلة التي كان الغاز الطبيعي يعتبر فيها عبئاً يحرق في الهواء في معامل إنتاج الزيت وتكريره. فقد ترسّخ ثروة لا تقل شأناً في تأثيرها في حياتنا عن ثروة الزيت، وتعد بآمال على مقاسات الربع الخالي.

والمستفيد الأول؟
اتفاقية الرياض ما بين الحكومة والشركات الثلاث التي أشرنا إليها نصّت على وجوب توظيف مواطنين سعوديين لشغل نسبة 65 في المئة من جميع الوظائف بعد بدء عمليات التشغيل والإنتاج، على أن ترفع هذه النسبة إلى 75 في المئة خلال ثلاث سنوات. كما تلزم هذه الاتفاقية الشركة الجديدة بإعداد برامج تدريب وتأهيل الموظفين السعوديين. وما كل ذلك إلا تنفيذاً لمبدأ أساسي في الاستراتيجية الحكومية للتعامل مع الغاز.
قاموس الغاز
– 
الغاز الطبيعي: هو الغاز بكل ما في تركيبته عند استخراجه من الأرض، كغاز مرافق أو غير مرافق للزيت. ويكون إمّا مُرّاً، أي أن نسبة الكبريت فيه مرتفعة، أو حلواً وتكون نسبة الكبريت فيه متدنية. وفي جميع الأحوال، فإن غالبية الغاز الطبيعي تكون من الميثان.
– 
الغاز الجاف: هو غاز قليل الشوائب، ولا يحتاج إلى معالجة ويستخلص من الغاز الطبيعي ويتحوّل مباشرة إلى غاز بيع.
– 
غاز البيع: هو غاز الميثان وهو الغاز الجاهز للبيع كي يستخدم كوقود لتوليد الطاقة أو كلقيم للبتروكيميائيات.
– 
الغاز المُسال: هو الغاز الطبيعي الذي يتم تسييله بهدف الشحن، لصعوبة شحنه بصفته الغازية.
– 
سوائل الغاز الطبيعي: مجموعة غازات (إيثان، بروبان، بوتان، وغازولين طبيعي) تنتج عن تجزئة ما يبقى من الغاز الطبيعي بعد استخلاص غاز الميثان منه. وتُسيَّل للشحن، ما عدا الإيثان الذي يحتفظ بحالته الغازية.
– 
معمل التجزئة: وهو الذي يتولى تجزئة الغاز الطبيعي إلى مشتقاته.
– 
معمل المعالجة: يقوم في إطار معمل التجزئة بتنقية الغازات من الشوائب.
– اللقيم: هو المادة الطبيعية التي تستخدم كأساس في إنتاج المواد البتروكيميائية.
الغاز السعودي بعد حرض
يعتبر معمل حرض آخر المشاريع العملاقة في صناعة الغاز الطبيعي التي نفذتها أرامكو السعودية، ولكنه بإذن الله لن يكون الأخير.

فلدى الشركة خطط معتمدة لتوسعة معمل الحوية بإضافة وحدات معالجة للغاز تبلغ طاقتها 800 مليون قدم مكعبة في اليوم، ومن المتوقع أن تدخل هذه الوحدات الخدمة في منتصف عام 2007م.

فعلى صعيد التنقيب، ستستمر أعمال الاستكشاف لأرامكو السعودية في مناطق امتيازاتها لزيادة الاحتياطات المكتشفة من الغاز جنباً إلى جنب مع الاستكشافات التي تقوم معها بالتعاون مع شركات أخرى.

إلى ذلك، هناك خطة اعتمدتها أرامكو السعودية لإنشاء معمل ضخم في منطقة الحوية لاستخلاص سوائل الغاز الطبيعي من غاز معملي الحوية وحرض، ويتوقع له أن يدخل الخدمة في منتصف العام 2007م. الأمر الذي سوف يوفر مزيداً من كميات اللقيم للتوسع في الصناعات القائمة على الغاز. وقد تم مؤخراً تخصيص كميات كبيرة من الغاز ومنتجاته من مشروعات أرامكو السعودية الحالية والمستقبلية، لعدد من المشروعات الصناعية في عدة أماكن من المملكة، ومن المتوقع أن ينتج عن عملية تخصيص هذه الكميات استثمارات سعودية وعالمية في عشرة مشروعات ضخمة تقدّر قيمة منتجاتها البتروكيميائية والمعدنية بحوالي 18 مليون طن متري سنوي، وهو ما يمثل زيادة بمقدار 50 في المئة عن مستويات الإنتاج الحالية من المواد البتروكيميائية والمعدنية في المملكة. وستشكل هذه المشروعات قاعدة لصناعات تحويلية أخرى، كصناعة المواد البلاستيكية بمختلف أنواعها والسجاد والعوازل والمذوبات الصناعية والأسمدة، بالإضافة إلى صناعة معدنية أخرى.

ومن المقدر أن يبلغ إجمالي الاستثمارات في هذه المشروعات نحو 75 بليون ريال سعودي، وستوفر مجتمعة نحو 12 ألف وظيفة مباشرة، وعدداً أكبر من الوظائف غير المباشرة. وحسبما هو مخطط له، فستبدأ هذه المشروعات في الإنتاج بإذن الله خلال الفترة الواقعة ما بين العامين 2006 و 2009م.

ويمثل أحد هذه المشروعات، قفزة نوعية على المستوى الصناعي والتقني. إذ أنه يقضي بتحويل مصفاة رابغ إلى مركز عالمي عملاق ومتكامل لإنتاج وتصنيع المنتجات البترولية والكيميائية. وقد تم قطع شوط كبير في عمليات التخطيط للمشروع، وتجري حالياً مناقشته مع شركاء محتملين، ومن المتوقع أن يجلب المشروع استثماراً مباشراً يزيد على 15 بليون ريال، وسوف يبدأ تشغيله في أواخر عام 2008م.

هذا على صعيد خطط أرامكو السعودية للسنوات القليلة المقبلة، أما على الصعيد الوطني والمشاريع المشتركة كاتفاقية الرياض التي وقعت في نوفمبر الماضي، فقد طرحت وزارة البترول والثروة المعدنية، ومن خلال جدول زمني محدد، مناطق أخرى واعدة في منطقة شمال الربع الخالي على شركات بترولية عالمية للتنقيب عن الغاز الطبيعي وإنتاجه. وإجراءات طرح هذه المشروعات تسير حسب الجدول المعدّ لها بدقة. فقد تم تسليم الشركات وثائق المنافسة، كما تم فتح غرف المعلومات لتزويدها بالمعلومات الجيولوجية الدقيقة عن المناطق المعروضة. وهناك إقبال جيد على المشاركة، وستعلن نتائج هذه المنافسة في الربع الأول من العام الجاري بإذن الله.

أضف تعليق

التعليقات