حياتنا اليوم

الأبيض
أشد بياضاً

إلى أي مدى يمكن أن يصبح الأبيض أشد بياضاً؟

ربع قرن بالتمام والكمال، وإعلانات مساحيق الغسيل تكرر الرسالة نفسها بالأسلوب نفسه تقريباً. والآن “صنف جديد … لغسيل أشد بياضاً”!

وتتحرك الأيدي بقماش متسخ وتحدث التجربة السحرية أمام أعين المشاهدين واحدة بالمسحوق الجديد، والأخرى بمسحوق آخر … ويثبت بالدليل القاطع أن “هذا الجديد” يعطي غسيلاً أشد بياضاً. ومع كل كومة ملابس متسخة يطالعنا إعلان جديد ليكرر الفكرة نفسها بالصورة والصوت.

الكلام نفسه والتجربة نفسها أمام المشاهدين، دخلت عليها مع تطور أساليب التصوير المتحرك، مشاهد الخيوط والحبيبات وكأنها مشاهدة مجهريّة لعملية التنظيف الساحقة. وذلك حتى تتيقن ربّة البيت من أن المسحوق سوف يتغلغل بالفعل إلى داخل النسيج ويقضي على البقع قضاء مبرماً.

ومن يتسنَّ له أن يراجع مجموعة من هذه الإعلانات عبر السنين ومجموعة من العلب إذا توافرت، سوف يرى أن الشركات تحار في قول الشيء ذاته بطريقة مختلفة، أو بالأحرى كيف ستزيد على الوعد السابق بغسيل شديد البياض للغسيل الأشد بياضاً.

وهذا الأمر ينطبق على منتجات أخرى طبعاً مثل معجون الأسنان، فتقول العبارة الأولى “إنه يبيّض” ثم إنه يبيّض أكثر .. ثم إنه يحقق ذروة البياض … ويكون هذا الوعد في البداية سطراً فوق اسم المسحوق … ثم يوضع في نجمة ثم نجمة أكبر ثم نجمة أكبر حمراء .. ثم ماذا؟

اللافت للنظر أن جميع هذه المساحيق رغم المنافسة بينها أخذت تكرر منذ سنوات الإعلان نفسه، أي لا فرق أساسي في السيناريو بين إعلان مسحوق وإعلان مسحوق منافس. أي أن التكرار أفقي وعامودي إذا جاز التعبير. وجميع هذه الإعلانات تخلت عن أي أفكار أخرى مبتكرة، رمزية كانت أم شاعرية، ملتزمة بهذه الصيغة الوحيدة!

وفي كل مرّة تكون النتيجة … أشد بياضاً!

أضف تعليق

التعليقات